فروع

وها هنا فروع :

‏ ‏

الأوّل‏ : أنّـه هل یجوز للعامّی التصدّی للحکم والقضاء مستقلاًّ أم لا ؟ فیـه‏‎ ‎‏قولان : حکی عن الجواهر‏‎[1]‎‏ أنّـه استدلّ لنفوذ حکم العامّی وجواز قضائـه بعدّة‏‎ ‎‏من الآیات والروایات وکذا بغیرهما من الوجوه والاعتبارات .‏

‏ولکن لا یخفی علی المتأمّل فیها أنّـه لا یستفاد من شیء منها ذلک ، ولا‏‎ ‎‏ینهض شیء من تلک الوجوه والاعتبارات لإفادة الجواز ، فراجع تلک الأدلّـة‏‎ ‎‏وتأمّل فیها تجدها غیر ناهضـة لما رامـه  ‏‏قدس سره‏‏ مضافاً إلی أنّک عرفت ظهور‏‎ ‎‏المقبولـة المتقدّمـة فی أنّ المجعول لـه الحکومـة هو الواجد للخصوصیّات‏‎ ‎‏المذکورة فیها . وکیف کان فلا ینبغی الارتیاب فی ذلک أصلاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433
الثانی‏ : أنّـه هل یجوز للمجتهد أن یأذن للعامّی وینصبـه للتصدّی للحکم‏‎ ‎‏والقضاء أم لیس لـه هذا الحقِّ؟ ولا یخفی أنّ جواز ذلک للمجتهد متفرّع أوّلاً علی‏‎ ‎‏ملاحظـة أنّـه هل کان للنبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ والأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ هذا الحقّ الذی یرجع إلی‏‎ ‎‏جعل منصب القضاء والحکم لشخص عامّی أم لا ؟‏

‏وثانیاً : علی ملاحظـة أنّـه لو فرض ثبوت هذا الحقّ لهم فهل یکون فی‏‎ ‎‏البین دلیل علی ثبوت هذا الحقّ للمجتهد أم لا ؟‏

‏إذا عرفت ذلک فنقول : أمّا المقدّمـة الاُولی الراجعـة إلی ثبوت هذا الحقّ‏‎ ‎‏للنبی والأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ فالظاهر خلافـه ، لأنّـه علی تقدیر تحقّق مثل هذا النصب لم‏‎ ‎‏یکن بدّ من الالتزام بالجواز ، ولکنّ الظاهر عدم تحقّقـه ، وأمّا علی تقدیر عدم‏‎ ‎‏تحقّقـه فنحن نعلم بأنّ العامّی لم یکن لـه أهلیّـة ، ومع عدمها کیف یمکن جعل هذا‏‎ ‎‏المنصب لـه ، مضافاً إلی أنّ الشکّ فی ثبوت هذا الحقّ لهم یکفی فی عدم ثبوتـه‏‎ ‎‏للمجتهد ، کما هو واضح .‏

‏وأمّا المقدّمـة الثانیـة فالظاهر ثبوتها .‏

ودعوی‏ : أنّ الالتزام بعموم المنزلـة وثبوت جمیع ما للنبی والأئمّـة‏‎ ‎‏ـ صلوات اللّٰه علیهم أجمعین ـ للمجتهد الفقیـه یوجب تخصیص الأکثر ، لأنّـه کان‏‎ ‎‏للنبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ خصائص ربّما تبلغ سبعین کما ذکره العلاّمـة فی کتاب التذکرة‏‎[2]‎‏ ولم‏‎ ‎‏یکن شیء من تلک الخصائص ثابتاً للأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ فضلاً عن الفقیـه ، وکذلک کان‏‎ ‎‏للأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ بعض الخصائص التی نعلم بأنّـه لا یتجاوز عنهم ولا یثبت للمجتهد .‏‎ ‎‏فکیف یمکن حینئذٍ دعوی عموم المنزلـة وإطلاق الوراثـة ؟‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 434
مدفوعـة‏ : بأنّ الکبری الکلّیـة التی نحن ندّعیها هو ثبوت جمیع ما کان‏‎ ‎‏للنبی والأئمّـة من حیث ثبوت الحکومـة لهم لا جمیع ما ثبت لهم ولو من جهـة‏‎ ‎‏النبوّة والإمامـة ، وحینئذٍ لا یلزم تخصیص الأکثر بوجـه ، فالمقدّمـة الثانیـة لا‏‎ ‎‏مجال لإنکارها . نعم قد عرفت عدم تمامیّـة المقدّمـة الاُولی ، وهو یکفی فی عدم‏‎ ‎‏الجواز کما هو واضح .‏

الثالث‏ : هل یجوز للفقیـه توکیل العامّی فی الحکم والقضاء من غیر أن‏‎ ‎‏ینصبـه لذلک ، أم لا یجوز التوکیل أیضاً ؟ ودعوی الجواز مبتنیـة علی ثبوت‏‎ ‎‏الإطلاق لأدلّـة الوکالـة ، أو دعوی ثبوت بناء العقلاء علی التوکیل فی مثل هذه‏‎ ‎‏الاُمور ، بضمیمـة عدم الردع عنـه ، وکلتا الدعویـین ممنوعتان .‏

‏أمّا دعوی الإطلاق لأدلّـة الوکالـة ، فنقول : إنّ ما یمکن وتوهّم دلالتـه‏‎ ‎‏علی الإطلاق من الروایات الواردة فی الباب روایتان :‏

‏إحداهما : روایـة معاویـة بن وهب وجابر بن زید جمیعاً عن‏‎ ‎‏أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏أنّـه قال : « ‏من وکّل رجلاً علی إمضاء أمرٍ من الاُمور‏ ‏، فالوکالـة‎ ‎ثابتـة أبداً حتّی یعلمـه بالخروج منها کما أعلمـه بالدخول فیها‏ »‏‎[3]‎‏ .‏

‏ثانیتهما : روایـة اُخری مثل الروایـة الاُولی‏‎[4]‎‏ ، ومن الواضح عدم دلالـة‏‎ ‎‏شیء منهما علی الإطلاق ، بل هما بصدد بیان أمر آخر مثل افتقار العزل إلی‏‎ ‎‏الإعلام ‏‏بالخروج ، کما لایخفی .‏

‏وأمّا دعوی بناء العقلاء ـ فمضافاً إلی عدم ثبوت هذا البناء مع التفاتهم إلی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 435
‏أهمّیـة المنصب ـ نقول : لم یثبت عدم الردع ، لأنّ ثبوتـه یحتاج إلی دعوی ثبوت‏‎ ‎‏هذا البناء فی زمن الشارع ، وهو لم یردع عنـه ، مع أنّـه لم یکن هذا البناء فی ذلک‏‎ ‎‏الزمان أصلاً حتّی یردع عنـه أو لم یردع .‏

‏فانقدح : أنّـه کما لا یجوز للفقیـه جعل هذا المنصب للعامّی کذلک لا یجوز‏‎ ‎‏لـه توکیلـه فی ذلک ، بل لابدّ لـه من المباشرة بنفسـه .‏

‏هذا تمام الکلام فیما یتعلّق بمن یجوز لـه التصدّی للقضاء من الجهـة التی‏‎ ‎‏ترتبط بالمقام ، وإلاّ فللقاضی شرائط اُخر مذکورة فی الفقـه .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 436

  • )) جواهر الکلام 40 : 15 .
  • )) تذکرة الفقهاء 2 : 565 / السطر 29 ( ط ـ حجری ) .
  • )) الفقیـه 3 : 47 / 166 ، وسائل الشیعـة 19 : 161 ، کتاب الوکالـة ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
  • )) الفقیـه 3 : 49 / 170 ، وسائل الشیعـة 19 : 162 ، کتاب الوکالـة ، الباب 2 ، الحدیث 1 .