وها هنا فروع :
الأوّل : أنّـه هل یجوز للعامّی التصدّی للحکم والقضاء مستقلاًّ أم لا ؟ فیـه قولان : حکی عن الجواهر أنّـه استدلّ لنفوذ حکم العامّی وجواز قضائـه بعدّة من الآیات والروایات وکذا بغیرهما من الوجوه والاعتبارات .
ولکن لا یخفی علی المتأمّل فیها أنّـه لا یستفاد من شیء منها ذلک ، ولا ینهض شیء من تلک الوجوه والاعتبارات لإفادة الجواز ، فراجع تلک الأدلّـة وتأمّل فیها تجدها غیر ناهضـة لما رامـه قدس سره مضافاً إلی أنّک عرفت ظهور المقبولـة المتقدّمـة فی أنّ المجعول لـه الحکومـة هو الواجد للخصوصیّات المذکورة فیها . وکیف کان فلا ینبغی الارتیاب فی ذلک أصلاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 433
الثانی : أنّـه هل یجوز للمجتهد أن یأذن للعامّی وینصبـه للتصدّی للحکم والقضاء أم لیس لـه هذا الحقِّ؟ ولا یخفی أنّ جواز ذلک للمجتهد متفرّع أوّلاً علی ملاحظـة أنّـه هل کان للنبی صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّـة علیهم السلام هذا الحقّ الذی یرجع إلی جعل منصب القضاء والحکم لشخص عامّی أم لا ؟
وثانیاً : علی ملاحظـة أنّـه لو فرض ثبوت هذا الحقّ لهم فهل یکون فی البین دلیل علی ثبوت هذا الحقّ للمجتهد أم لا ؟
إذا عرفت ذلک فنقول : أمّا المقدّمـة الاُولی الراجعـة إلی ثبوت هذا الحقّ للنبی والأئمّـة علیهم السلام فالظاهر خلافـه ، لأنّـه علی تقدیر تحقّق مثل هذا النصب لم یکن بدّ من الالتزام بالجواز ، ولکنّ الظاهر عدم تحقّقـه ، وأمّا علی تقدیر عدم تحقّقـه فنحن نعلم بأنّ العامّی لم یکن لـه أهلیّـة ، ومع عدمها کیف یمکن جعل هذا المنصب لـه ، مضافاً إلی أنّ الشکّ فی ثبوت هذا الحقّ لهم یکفی فی عدم ثبوتـه للمجتهد ، کما هو واضح .
وأمّا المقدّمـة الثانیـة فالظاهر ثبوتها .
ودعوی : أنّ الالتزام بعموم المنزلـة وثبوت جمیع ما للنبی والأئمّـة ـ صلوات اللّٰه علیهم أجمعین ـ للمجتهد الفقیـه یوجب تخصیص الأکثر ، لأنّـه کان للنبی صلی الله علیه و آله وسلم خصائص ربّما تبلغ سبعین کما ذکره العلاّمـة فی کتاب التذکرة ولم یکن شیء من تلک الخصائص ثابتاً للأئمّـة علیهم السلام فضلاً عن الفقیـه ، وکذلک کان للأئمّـة علیهم السلام بعض الخصائص التی نعلم بأنّـه لا یتجاوز عنهم ولا یثبت للمجتهد . فکیف یمکن حینئذٍ دعوی عموم المنزلـة وإطلاق الوراثـة ؟
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 434
مدفوعـة : بأنّ الکبری الکلّیـة التی نحن ندّعیها هو ثبوت جمیع ما کان للنبی والأئمّـة من حیث ثبوت الحکومـة لهم لا جمیع ما ثبت لهم ولو من جهـة النبوّة والإمامـة ، وحینئذٍ لا یلزم تخصیص الأکثر بوجـه ، فالمقدّمـة الثانیـة لا مجال لإنکارها . نعم قد عرفت عدم تمامیّـة المقدّمـة الاُولی ، وهو یکفی فی عدم الجواز کما هو واضح .
الثالث : هل یجوز للفقیـه توکیل العامّی فی الحکم والقضاء من غیر أن ینصبـه لذلک ، أم لا یجوز التوکیل أیضاً ؟ ودعوی الجواز مبتنیـة علی ثبوت الإطلاق لأدلّـة الوکالـة ، أو دعوی ثبوت بناء العقلاء علی التوکیل فی مثل هذه الاُمور ، بضمیمـة عدم الردع عنـه ، وکلتا الدعویـین ممنوعتان .
أمّا دعوی الإطلاق لأدلّـة الوکالـة ، فنقول : إنّ ما یمکن وتوهّم دلالتـه علی الإطلاق من الروایات الواردة فی الباب روایتان :
إحداهما : روایـة معاویـة بن وهب وجابر بن زید جمیعاً عن أبی عبداللّٰه علیه السلامأنّـه قال : « من وکّل رجلاً علی إمضاء أمرٍ من الاُمور ، فالوکالـة ثابتـة أبداً حتّی یعلمـه بالخروج منها کما أعلمـه بالدخول فیها » .
ثانیتهما : روایـة اُخری مثل الروایـة الاُولی ، ومن الواضح عدم دلالـة شیء منهما علی الإطلاق ، بل هما بصدد بیان أمر آخر مثل افتقار العزل إلی الإعلام بالخروج ، کما لایخفی .
وأمّا دعوی بناء العقلاء ـ فمضافاً إلی عدم ثبوت هذا البناء مع التفاتهم إلی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 435
أهمّیـة المنصب ـ نقول : لم یثبت عدم الردع ، لأنّ ثبوتـه یحتاج إلی دعوی ثبوت هذا البناء فی زمن الشارع ، وهو لم یردع عنـه ، مع أنّـه لم یکن هذا البناء فی ذلک الزمان أصلاً حتّی یردع عنـه أو لم یردع .
فانقدح : أنّـه کما لا یجوز للفقیـه جعل هذا المنصب للعامّی کذلک لا یجوز لـه توکیلـه فی ذلک ، بل لابدّ لـه من المباشرة بنفسـه .
هذا تمام الکلام فیما یتعلّق بمن یجوز لـه التصدّی للقضاء من الجهـة التی ترتبط بالمقام ، وإلاّ فللقاضی شرائط اُخر مذکورة فی الفقـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 436