حال الأخبار الواردة فی موافقة الکتاب
المقام الأوّل : فی الأخبار الواردة فیما یتعلّق بمخالف الکتاب من الروایات المرویّـة عنهم علیهم السلام وهی علی طائفتین :
الطائفـة الاُولی : ما تدلّ علی أنّ الخبر المخالف للکتاب ممّا لم یصدر عنهم علیهم السلام أصلاً ، سواء کان له معارض أم لا ، کما یقتضیه إطلاقها ، وقد أورد جملة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 406
منها فی الوسائل فی الباب التاسع من أبواب کتاب القضاء کخبر السکونی .
وخبر أ یّوب بن راشد وهو ضعیف من حیث السند ، لکنّـه لا بأس بـه من حیث الدلالـة ، لأنّ الظاهر عرفاً من عدم الموافقـة هو المخالفـة وإن کان مفهوماً أعمِّ، کما لایخفی . وخبر أ یّوب بن الحرِّ، وصحیحـة هشام بن الحکم ، ومرسلـة ابن بکیر لکنّـه لیس لها کثیر ربط بالمقام ، وغیر ذلک ممّا أورده فی المستدرک فی ذلک الکتاب .
والطائفـة الثانیـة : ما وردت فی خصوص المتعارضین وترجیح الموافق للکتاب علی المخالف کخبر ابن أبی یعفور ، ولکن الظاهر أنّـه من جملـة الطائفـة الاُولی ، کما لایخفی ، وروایـة الطبرسی ، وهی أیضاً کالسابقـة ، وروایـة العیّاشی ، وهی أیضاً کسابقتیها ، وروایـة المیثمی الطویلة ، وقد مرّت هذه الروایـة والتکلّم فیها ، ومصحّحـة عبد الرحمان بن أبی عبداللّٰه ، قال : قال الصادق علیه السلام : « إذا ورد علیکم حدیثان مختلفان فاعرضوهما علی کتاب اللّٰه ، فما
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 407
وافق کتاب اللّٰه فخذوه ، وما خالف کتاب اللّٰه فردّوه ، فإن لم تجدوهما فی کتاب اللّٰه فاعرضوهما علی أخبار العامّـة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه » ، هذا .
وقد جمع بین الطائفتین بحمل المخالفـة فی الطائفـة الاُولی علی المخالفـة بالتباین الکلّی ، وفی الطائفـة الثانیـة علی المخالفـة بغیره ، سواء کان بالعموم والخصوص المطلق أو من وجـه ، وهذا الجمع وإن کان یبعّده اتّحاد التعبیرات الواقعـة فی الطائفتین مـن أنّ المخالف زخـرف أو باطـل ، أو لم نقلـه ، أو إضربـه علی الجـدار ، أو غیر ذلک مـن التعبیرات ، إلاّ أنّ التحقیق یقتضی المسیر إلیـه .
وتوضیحـه : أنّ إطلاق المخالفـة فی الطائفـة الاُولی یشمل جمیع أنحاء المخالفات بالتباین أو بالعموم والخصوص بقسمیـه ، ضرورة أنّک عرفت فی أوّل هذا الکتاب أنّ السالبـة الکلّیـة تناقض الموجبـة الجزئیـة وکذا العکس ، لکنّک عرفت أنّـه فی محیط التقنین وجعل الأحکام علی سبیل العموم لا یعدّ مثل العامّ والخـاصّ مخـالفین أصلاً ولا یحکمون بتساقطهما فی مـورد التعـارض أو الرجـوع إلـی الـمرجّـح ، فبهذه الـقرینـة العـقلائیّـة ترفـع الیـد عـن إطلاق الطائفـة الاُولی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 408
وأ مّا الطائفـة الثانیـة الواردة فی خصوص المتعارضین ، فلا قرینـة علی رفع الید عن إطلاق المخالفـة الواردة فیها ، فمقتضاها أنّ فی الخبرین المتعارضین یردّ الخبر المخالف للکتاب ، سواء کان مخالفتـه بنحو التباین أو بنحو العموم والخصوص بقسمیـه ، وهذا لا ینافی وجوب ردّ الخبر المخالف للکتاب بالمخالفـة بنحو التباین ولو لم یکن لـه معارض ، کما هو مقتضی الطائفـة الاُولی ، کما لایخفی .
ثمّ إنّـه قد یقال : بأنّـه لا ثمرة للنزاع فی کون موافقـة الکتاب من المرجّحات ، لأنّـه علی أیّ تقدیر یجب الحکم علی وفق ما یدلّ علیـه الکتاب ، سواء کانت موافقتـه من المرجّحات أو لم تکن ، ولکن کان الکتاب مرجعاً علی تقدیر تساقط الخبرین بعد تعارضهما .
ولکن یرد علیـه بأنّـه یمکن فرض مورد تـترتّب الثمرة علی ذلک ، وذلک کما لو فرض دلالـة الکتاب علی وجوب عتق الرقبـة مطلقاً ، من غیر تقیـید بخصوص المؤمنـة بعد إیقاع الظهار من الزوج ، ووردت روایـة دالّـة علی أنّـه : إن ظاهرت فاعتق رقبـة مؤمنـة . وروایـة اُخری دالّـة علی أنّـه : إن ظاهرت فلا تعتق رقبـة مؤمنـة ، فإنّـه علی تقدیر القول بالتساقط والرجوع إلی الکتاب لابدّ من الحکم بکفایـة عتق مطلق الرقبـة فی کفّارة الظهار ولو لم تکن مؤمنـة ، کما هو مدلول ظاهر الکتاب علی ما هو المفروض .
وأ مّا علی تقدیر القول بترجیح الروایـة الموافقـة یردّ الروایـة المخالفـة ، ویجب حینئذٍ ملاحظـة الکتاب مع الروایـة الموافقـة لـه ، وهما وإن کانا مثبتین ، إلاّ أنّـه حیث تکون وحدة السبب دلیلاً علی وحدة الحکم لابدّ من تقیـید الکتاب بالروایة الموافقـة له والحکم بتعیّن عتق خصوص الرقبة المؤمنة فی کفّارة الظهار .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 409
لایقال : إنّـه لا مجال فی المورد المفروض لإعمال المرجّح الذی هو موافقـة الکتاب ، ضرورة أنّ کلا الخبرین مخالفان للکتاب بالإطلاق والتقیـید . غایـة الأمر الاختلاف بینهما إنّما هو من حیث النفی والإثبات ، کما لایخفی .
لأنّا نقول : إعمال المرجّح إنّما هو فی ظرف وجود المعارض للخبر الموافق ، وفی هذا الظرف لا یکون الخبر الموافق مخالفاً أصلاً ، والمخالفـة إنّما تـتحقّق بعد إسقاط المعارض بالمخالفـة ، ففی ظرف التعارض لا یکون الخبر الموافق مخالفاً ، وبعد سقوط المعارض لا مانع من تقدیمـه علی الکتاب ، لأجل اختلافهما بالإطلاق والتقیـید ، کما لایخفی ، هذا .
وتظهر الثمرة أیضاً بین المرجعیّـة والمرجّحیّـة أیضاً فیما إذا کان التعارض بین الخبرین بالعموم والخصوص من وجـه ، ولکن قام الدلیل علی عدم إمکان التفکیک بین مورد الاجتماع ومورد الافتراق من حیث الحکم وکان الکتاب موافقاً لأحد الخبرین من حیث مادّة الاجتماع ، فإن قلنا بالتساقط والرجوع إلی الکتاب فیسقط الخبر الموافق بتمام مضمونه فی مادتی الاجتماع والافتراق مع خبر الآخر ویرجع إلی الکتاب . وإن قلنا بأنّـه مرجّح یؤخذ بالخبر الموافق فی تمام مضمونه .
وتظهر الثمرة بینهما أیضاً فیما إذا رتّب حکم آخر علی الحکم الذی یدلّ علیـه الخبر الموافق للکتاب فی نفس ذلک الخبر ، کما فیما لو فرض أنّ الکتاب یدلّ علی النهی عن شرب الخمر مثلاً ، والخبر الموافق دالّ علی النهی عن شربه وعن الصلاة فیـه ، بحیث لو علم أنّ الحکم الثانی مترتّب علی الأوّل وکان هنا خبر یدلّ علی جواز شرب الخمر ، فإن قلنا بمرجعیـة الکتاب بعد تساقط الخبرین یلزم أن لایکون فی البین إلاّ کون شرب الخمر منهیّاً عنه فقط ، وإن قلنا بمرجّحیّته للخبر الموافق یلزم ثبوت حکمین : حرمة الشرب ، وعدم جواز الصلاة فیه ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 410