التنبیه الثانی : فی حکم تخییر القاضی والمفتی فی عمله وعمل مقلّدیه
إنّـه بعدما عرفت من کون التخیـیر الذی یدلّ علیـه أخباره هو التخیـیر فی المسألـة الاُصولیّـة ، فهل یجوز للمجتهد الفتوی بالتخیـیر فی المسألـة الفرعیّـة الراجع إلی کون المقلّد مخیّراً فی مقام العمل ، أم التخیـیر ینحصر بالمجتهد ویجب علیـه الأخذ بمضمون أحد الخبرین والفتوی علی طبقـه ؟ وجهان .
قد یقال : بانحصار الخطابات الواردة فی المسائل الاُصولیّـة بخصوص المجتهد نظراً إلی أنّـه هو الذی یتحقّق عنده موضوع تلک الخطابات ، لأنّـه هو الذی یشکّ فی الحکم الفلانی بالشبهـة الحکمیّـة ، وهو الذی یجیء عنده الخبران المتعارضان ، وغیر ذلک من الموضوعات ، ومع انحصار تحقّق الموضوع بـه لا تکون تلک الخطابات شاملـة لغیره ، هذا .
ولکن الظاهر خلافـه ، لأنّ مجرّد کون المقلّد غیر مشخّص لموضوعات تلک الخطابات لا یوجب انحصارها بالمجتهد ، بل یمکن أن یقال : بأنّ المجتهد یشخّص الموضوع للمقلّد ویفتی بمضمون تلک الخطابات . فبالنتیجـة یکون جریانها فی ذلک الموضوع عند المقلّد ، فالمجتهد یعلّم المقلّد بأنّ صلاة الجمعـة کانت واجبـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393
فی عصر ظهور أئمّـة النور علیهم السلام والآن مشکوک الوجوب ، ویفتی بأنّ کلّ شیء کذلک یحرم نقض الیقین فیـه بالشکّ علی ما هو مدلول خطابات الاستصحاب ، فالمقلّد حینئذٍ یتمسّک بالاستصحاب ویحکم بوجوبها فی هذه الأعصار أیضاً وإن کانت الشبهـة حکمیّـة .
وإن شئت قلت : إنّ مورد الاستصحاب لا یختصّ بما إذا کان یقین وجدانی ، بل مورده أعمّ منـه وممّا إذا قامت أمارة معتبرة ، وإلاّ لکان مورده فی غایـة القلّـة خصوصاً بالنسبـة إلی الشبهات الحکمیّـة . ومن الواضح أنّ فتوی المجتهد من الأمارات المعتبرة ، فإذا علم المقلّد بوجوب صلاة الجمعـة فی عصر الظهور والشکّ فی هذه الأعصار یحصل للمقلّد أمارة معتبرة علیـه والشکِّ، فیتحقّق عنده موضوع الاستصحاب ویحکم بجریانـه علی تقدیر کون المجتهد ممّن یقول باعتباره . فدعوی انحصار الخطابات الواردة فی المسائل الاُصولیّـة بالمجتهد ممنوعـة جدّاً .
وممّا ذکرنا یظهر : أنّ المجتهد عند تعارض الخبرین عنده یتخیّر بین الأخذ بمضمون أحد الخبرین والفتوی علی طبقـه ، لأنّک عرفت أنّـه لیس المراد بالأخذ هو الأخذ بالنسبـة إلی العمل فقط ، بل الأخذ مطلقاً کالأخذ بالخبر مع عدم المعارض لـه ، وبین إعلام المقلّد بالحال وأنّ هذا المورد ممّا ورد فیـه الخبران المتعارضان وحکمـه التخیـیر فی الأخذ ، وبین الفتوی بالتخیـیر فی مقام العمل من دون إعلامـه بالحال .
أمّا الأوّل والثانی فواضحان ، وأمّا الثالث ، فلأنّ التخیـیر علی ما عرفت حکم طریقی ، ومرجعـه إلی جواز أخذ کلّ من الخبرین طریقاً وأمارة ، فلا مانع من الفتوی بالتخیـیر ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 394