ا‏لتنبیه ا‏لأوّل‏: فی معنی ا‏لتخییر فی ا‏لمسأ‏لة ا‏لاُصولیة

التنبیه الأوّل : فی معنی التخییر فی المسألة الاُصولیة

‏ ‏

‏لا ینبغی الارتیاب فی أنّ المستفاد من أخبار التخیـیر هوالتخیـیر فی‏‎ ‎‏المسألـة الاُصولیـة ، ومرجعـه إلی کون المتحیّر مخیّراً فی الأخذ بأحد الخبرین‏‎ ‎‏والمعاملـة معـه معاملـة الحجّـة ، کما لو کان بلا معارض ، إنّما الإشکال فی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 390
‏ما یرجع إلیـه حقیقـة التخیـیر بعدما عرفت‏‎[1]‎‏ من کون مقتضی القاعدة العقلائیـة‏‎ ‎‏فی مقام التعارض تساقط الخبرین وسقوط الحجّتین والطریقین .‏

‏قد یقال بأنّ مرجع جعل التخیـیر إلی جعل الطریقیّـة عند التعارض .‏

‏ویرد علیـه ـ مضافاً إلی أنّ أصل جعل الطریقیّـة والکاشفیـة ولو مع عدم‏‎ ‎‏التعارض غیر معقول ، لأنّ الکاشفیّـة من الاُمور التکوینیّـة واللوازم العقلیّـة‏‎ ‎‏للکاشف ولا یعقل تعلّق الجعل الشرعی بها ـ أنّـه إن کان المراد جعل الطریقیّـة‏‎ ‎‏لکلا الخبرین فهو مستحیل بعد فرض التعارض وعدم إمکان الاجتماع ، ضرورة‏‎ ‎‏أنّـه لو لم یکن مستحیلاً لما کان العقل یحکم بالتساقط ، کما هو واضح .‏

‏وإن کان المراد جعل الطریقیّـة لأحد الخبرین بالخصوص ، فمضافاً إلی‏‎ ‎‏أنّـه لا مرجّح فی البین ، مناف لمقتضی الأدلّـة ، حیث إنّها تدلّ علی التخیـیر لا‏‎ ‎‏الأخذ بخصوص واحد منهما ، وإن کان المراد جعلها لأحدهما غیر المعیّن فمن‏‎ ‎‏الواضح أنّ أحدهما لا علی سبیل التعیـین لیس شیئاً وراء کلا الخبرین ، ضرورة‏‎ ‎‏أنّـه لیس هنا أمر آخر فی البین ، وقد عرفت استحالـة جعل الطریقیـة لکلیهما أو‏‎ ‎‏واحد معیّن منهما ، هذا .‏

‏وقد یقال بأنّ التخیـیر المجعول فی الخبرین المتکافئین هو حکم ظاهری‏‎ ‎‏مجعول عند الشکّ وفی مورد التحیّر ، ویؤیّده ما فی بعض الروایات المتقدّمـة من‏‎ ‎‏ترتیب الحکم بالتوسعـة علی ما إذا لم یعلم ، فهو أیضاً کسائر الاُصول المعتبرة فی‏‎ ‎‏موارد الشکِّ.‏

‏ولازم هذا القول الاقتصار فی مقام الأخذ بأحد الخبرین علی مجرّد‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 391
‏مدلولـه المطابقی دون لازمـه ، لعدم حجّیـة اللوازم ولا الملزومات فی باب‏‎ ‎‏الاُصول ، کما عرفت .‏

والتحقیق فی المقام أن یقال‏ : إنّ الحکم بالتخیـیر فی المتعارضین لیس‏‎ ‎‏حکماً ثانویّاً وراء الحکم بحجّیـة کلّ واحد من الخبرین إمضاءً لحکم العقلاء‏‎ ‎‏وبنائهم علی العمل بخبر الواحد .‏

‏غایـة الأمر أنّ مرجعـه إلی تخطئـة العقلاء فی حکمهم بالتساقط مع‏‎ ‎‏التعارض ، ومرجعـه إلی أنّـه کما کان الواجب علیکم الأخذ بالخبر والتعبّد‏‎ ‎‏بمضمونـه وجعلـه حجّـة وطریقاً إلی الواقع مع عدم التعارض مع الخبر الآخر ،‏‎ ‎‏کذلک یجب علیکم فی مقام التعارض أیضاً الأخذ . غایـة الأمر أنّـه حیث لا یکون‏‎ ‎‏ترجیح فی البین یتخیّر المکلّف فی الأخذ بکلّ واحد منهما ، فهذا الأخذ لا یکون‏‎ ‎‏مغایراً للأخذ بالخبر مع عدم المعارضـة أصلاً ، وحینئذٍ لا فرق بینهما من جهـة‏‎ ‎‏حجّیـة اللوازم والملزومات .‏

‏والدلیل علی ما ذکرنا : أنّ الظاهر عدم الفرق فیما یرجع إلی معنی الأخذ‏‎ ‎‏بین المتکافئین والمتعارضین مع ثبوت المزیّـة لأحدهما ، فکما أنّ الأمر بأخذ ذی‏‎ ‎‏المزیّـة لیس حکماً آخر وراء الحکم بحجّیـة الخبر ، فکذلک الأمر بأخذ أحد‏‎ ‎‏الخبرین مع التکافؤ ، فإنّـه لیس أیضاً حکماً آخر ناظراً إلی جعل الطریقیّـة وجعل‏‎ ‎‏حکم ظاهری ، کما هو واضح .‏

‏ویرد علیـه : أنّ تخطئـة حکم العقلاء وإن کان بمکان من الإمکان ، ولکن‏‎ ‎‏لا مجال لتخطئـة حکم العقل . وقد عرفت‏‎[2]‎‏ أنّ التساقط مقتضی حکم العقل‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392
‏أیضاً ، وعلیـه فیبقی الإشکال بحالـه . والظاهر أنّ الالتزام بالحکم الظاهری‏‎ ‎‏والأصل العملی لا مانع منـه واقتضائـه عدم الأخذ بغیر المدلول المطابقی وعدم‏‎ ‎‏حجّیـة اللوازم ، ومثلها ممنوع بعد کون التخیـیر هو الأصل العملی والمخیّر فیـه‏‎ ‎‏هو الأخذ بکلّ واحد من الخبرین بجمیع مدالیلـه ولوازمـه ومثلها ، ولا مانع من‏‎ ‎‏عدم حجّیـة المثبت وکون المخیّر فیـه مطلق الأخذ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393

  • )) تقدّم فی الصفحـة 379 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 379 .