ما قیل فی وجه الجمع بین هاتین الطائفتین من الأخبار
وقد وقع الاختلاف فی الجمع بین هاتین الطائفتین وما قیل فی ذلک وجوه :
منها : ما أفاده المحقّق النائینی فی التقریرات ـ بعد ذکر أنّ فی هذا الباب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 386
طوائف أربع من الروایات ، لدلالـة طائفـة ثالثـة علی التخیـیر فی خصوص زمان الحضور ، ورابعـة علی التوقّف فی خصوص ذلک الزمان ـ من أنّ مقتضی التحقیق فی الجمع بینها هو أنّ النسبـة بین ما دلّ علی التخیـیر فی زمان الحضور وبین ما دلّ علی التخیـیر المطلق وإن کانت هی العموم والخصوص ، وکذا بین روایات التوقّف ، إلاّ أنّـه لا تعارض بینهما ، لعدم المنافاة بین التوقّف المطلق والتوقّف فی زمان الحضور ، وکذا بین التخیـیرین ، فالتعارض بین ما دلّ علی التخیـیر وبین ما دلّ علی التوقّف ، غایتـه أنّ التعارض بین ما دلّ علی التوقّف والتخیـیر مطلقاً یکون بالعموم من وجـه ، وبین ما دلّ علی التوقّف والتخیـیر فی زمان الحضور یکون بالتباین ، ولا یهمّنا البحث فی الثانی ، فإنّـه لا أثر لـه ، فالحری رفع التعارض فی الأوّل ، وقد عرفت أنّ النسبـة بینهما العموم من وجـه ، لکن نسبـة ما دلّ علی التخیـیر مطلقاً مع ما دلّ علی التوقّف فی زمان الحضور هی العموم والخصوص ، فلابدّ من تقیـید إطلاق التخیـیر بـه ، وبـه یتحقّق انقلاب النسبـة من العموم من وجـه إلی العموم المطلق ، ومقتضی الصناعـة حمل أخبار التوقّف علی زمان الحضور والتمکّن من ملاقاة الإمام علیه السلام ، فتصیر النتیجـة هی التخیـیر فی زمان الغیبـة کما علیـه المشهور ، انتهی ملخّصاً .
ویرد علیـه : ـ مضافاً إلی أنّـه لم یظهر لنا أنّ النسبـة بین ما دلّ علی التخیـیر مطلقاً وبین ما دلّ علی التوقّف کذلک کیف تکون بالعموم من وجـه بعد شمول کلّ منهما لحالتی الظهور والغیبـة ، بل النسبـة بین الدلیلین هی التباین کالنسبـة بین أدلّـة التوقّف والتخیـیر فی زمان الحضور ، کما لایخفی . ومضافاً إلی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 387
ما أورده الفاضل المقرّر فی الهامش من أنّـه لا وجـه لملاحظـة دلیل التخیـیر مطلقاً مع دلیل التوقّف فی زمان الحضور حتّی یختصّ دلیل التخیـیر بحال الغیبـة وصار مخصّصاً لدلیل التوقّف المطلق بعدما کانت النسبـة بینهما هی العموم من وجـه ، علی حسب ما أفاده ، فإنّـه لیس بأولی من العکس وملاحظـة دلیل التوقّف مطلقاً مع دلیل التخیـیر فی زمان الحضور وتخصیصـه بحال الغیبـة ثمّ جعلـه مخصّصاً لدلیل التخیـیر مطلقاً ، کما لایخفی ـ أنّـه لا وجـه لملاحظـة دلیل التخیـیر مطلقاً مع دلیل التوقّف فی زمان الحضور بعد کونـه مبتلی بالمعارض علی ما هو المفروض ، وهو دلیل التخیـیر فی زمان الحضور الذی ذکر أنّ النسبـة بینهما التباین .
وبالجملـة : فهذا النحو من الجمع ممّا لا وجـه لـه .
وبـه ینقدح الخلل فی الجمع الذی أفاده الشیخ قدس سره فی الرسائل وهو حمل أخبار التوقّف علی صورة التمکّن من الوصول إلی الإمام علیه السلام ، فإنّـه لا وجـه لـه بعد اختلاف الأخبار بالنحو الذی عرفت ، مضافاً إلی أنّ المراد بالتمکّن إن کان هو التمکّن الذی کان الشخص معـه قادراً علی الرجوع إلی الإمام فوراً کما إذا کان معـه فی مدینـة واحدة ، فمن الواضح إباء أخبار التوقف عن الحمل علی خصوص هذه الصورة ، وإن کان المراد بـه هو التمکّن بمعنی مجرّد القدرة علی الوصول إلی محضره ولو مع تحمّل مشقّـة السفر ، فمن الواضح أنّ حمل أخبار التخیـیر علی صورة عدم التمکّن بهذا المعنی بعید جدّاً ، کما لایخفی ، خصوصاً مع کون الغایـة فی بعض الروایات ملاقاة من یخبره ، ومن المعلوم أنّ المخبر أعمّ من الإمام علیه السلام .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 388
ومنها : ما أفاده المحقّق الحائری قدس سره فی کتاب الدرر فی مقام الجمع ، من حمل أخبار التوقّف علی التوقّف فی مقام الرأی والإفتاء ، وأخبار التخیـیر علی التخیـیر فی العمل .
ویرد علیـه : أنّـه کما یستفاد من أدلّـة التخیـیر جواز العمل بکل واحد من الخبرین ، کذلک یوجد فی أخبار التوقّف ما ظاهره النهی عن العمل بشیء منهما لا النهی عن الرأی والإفتاء ، فراجع ، فهذا الجمع أیضاً ممّا لا شاهد لـه .
والذی یمکن أن یقال فی مقام الجمع : إنّ أدلّـة التخیـیر صریحـة فی جواز الأخذ بکلّ من الخبرین ، فإنّ قولـه علیه السلام : « فموسّع علیک بأ یّهما أخذت » ، صریح فی التوسعـة وجواز الأخذ بکلّ منهما . وأمّا أخبار التوقّف فلیس فیها ما کان نصّاً فی ذلک ، بل غایتـه الظهور فی التوقّف وعدم الأخذ بشیء منهما ، والظاهر لا یقاوم النصِّ، فیحمل أخبار التوقّف علی الاستحباب ، لصراحـة أخبار التخیـیر فی الجواز .
وهنا وجوه اُخر من الجمع ، مثل حمل أخبار التخیـیر علی العبادات وأخبار الإرجاء علی المعاملات ، أو حمل أخبار الإرجاء علی صورة عدم الاضطرار إلی العمل بأحدهما ، وأخبار التخیـیر علی ما إذا لم یکن لـه بدّ من العمل بأحدهما ، وذکر أکثر هذه الوجوه العلاّمـة المجلسی قدس سره فی کتاب مرآة العقول .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 389
وقد استدلّ لبعض هذه الوجوه بروایـة المیثمی الطویلـة التی أوردها فی الوسائل فی الباب التاسع من أبواب کتاب القضاء ولکنّها لا دلالـة لها علی التخیـیر الذی هو المقصود فی المقام ، لأنّـه حکم ظاهری والتخیـیر الذی یدلّ علیـه هذه الروایـة هو التخیـیر الواقعی ، لأنّ مورده النهی التنزیهی مع دلیل الرخصـة أو الأمر غیر الإلزامی مع ذلک الدلیل .
ومن المعلوم أنّ التخیـیر فی مثل هذه الموارد تخیـیر واقعی ، کما هو واضح .
نعم ذیلها یدلّ علی التوقّف والتثبّت حتّی یأتی البیان من ناحیتهم ، فهذه الروایـة أیضاً من أخبار التوقّف ، ولابدّ من علاج التعارض بینها وبین أخبار التخیـیر فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 390