إذا ورد عامّ وخاصّان بینهما التباین
وأمّا إذا کان التعارض بین أزید من دلیلین ، بأن کان هنا عامّ مثلاً وخاصّان کقولـه : أکرم العلماء ، ولا تکرم النحویـین منهم ، ولا تکرم الصرفیـین منهم ، فإنّ النسبـة بین کلّ من الأخیرین مع الأوّل هو العموم والخصوص مطلقاً ، والکلام فیـه یقع فی مقامین :
أحدهما : أنّـه هل العامّ یلاحظ مع کلّ من المخصّصین قبل تخصیصـه بالآخر بحیث یکون الخاصّان فی عرض واحد ، أو أنّـه یخصّص بواحد منهما ثمّ تلاحظ النسبـة بعد التخصیص بینـه وبین الخاصّ الآخر ؟ وربّما تنقلب النسبـة من العموم المطلق إلی العموم من وجـه کما فی المثال ، فإنّ قولـه : « أکرم العلماء » بعد تخصیصـه بقولـه : «لا تکرم الصرفیّین منهم» ، یرجع إلی وجوب إکرام العالم الغیر الصرفی . ومن المعلوم أنّ النسبـة بین العالم الغیر الصرفی وبین العالم النحوی عموم من وجـه ، لأنّـه قد یکون النحوی صرفیّاً ، وقد لا یکون العالم الصرفی نحویاً ، وقد یکون النحوی غیر صرفی ، ومورد الاجتماع العالم الصرفی النحوی .
ثانیهما : أنّـه لو فرض کون الخاصّان فی عرض واحد ، ولکن کان تخصیص العامّ بهما مستهجناً أو مستلزماً للاستیعاب وبقاء العامّ بلا مورد ، فهل المعارضـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 365
حینئذٍ بین العامّ ومجموع الخاصّین کما اختاره الشیخ وتبعـه غیر واحد من المحققین المتأخّرین عنـه ، أو أنّ المعارضـة بین نفس الخاصّین ، کما هو الأقوی لما یأتی ؟
أمّا الکلام فی المقام الأوّل : فمحصّلـه أنّـه لا مجال لتوهّم تقدیم أحد الخاصّین علی الآخر بعد اتّحادهما فی النسبـة مع العامِّ، خصوصاً إذا لم یعلم المتقدّم منهما صدوراً عن المتأخّر ، کما هو الغالب ، ولا ینبغی توهّم الخلاف فیما إذا کان الخاصّان دلیلین لفظیّین ، لأنّـه لا وجـه لتقدیم ملاحظـة العامّ مع أحدهما علی ملاحظتـه مع الآخر .
نعم لو کان أحدهما دلیلاً لبّیاً کالدلیل العقلی الذی یکون کالقرینـة المتصلـة بالکلام ، بحیث لم یکن یستفاد من العامّ عند صدوره من المتکلّم إلاّ العموم المحدود بما دلّ علیـه العقل ، کما أنّـه لو فرض أنّـه لا یستفاد عند العقلاء من قولـه : «أکرم العلماء» إلاّ وجوب إکرام العدول منهم ، فلا شبهـة حینئذٍ فی أنّـه لابدّ من ملاحظتـه بعد التخصیص بدلیل العقل مع الخاصّ الآخر ، بل لا یصدق علیـه التخصیص وانقلاب النسبـة ، کما لایخفی ، هذا .
ولو لم یکن الدلیل اللبّی کالقرینة المتّصلة کالإجماع ونحوه ، فلا ترجیح له علی الخاصّ اللفظی أصلاً ، لعین ما ذکر فی الدلیلین اللفظیـین .
نعم حکی سیّدنا الاُستاذ دام بقاءه عن شیخـه المحقّق الحائری قدس سره أنّـه بعد اختیاره فی کتاب الدرر ما ذکرنا عدل عنـه فی مجلس الدرس وفصّل بین
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 366
المخصّص اللفظی واللبّی مطلقاً ، وقدّم التخصیص باللبّی کذلک علی التخصیص باللفظی ، نظراً إلی أنّ المخصّص اللفظی مانع عن حجّیـة ظهور العامِّ، والمخصّص اللبّی من تـتمّـة المقتضی ، لا أنّـه مانع ، هذا .
ولکنّـه یرد علیـه : عدم الفرق بینهما أصلاً ؛ لا فی أنّـه بعد ملاحظـة الخاصّ یستکشف تضیـیق دائرة المراد الجدّی من أوّل الأمر وأنّ صدور العامّ کان بنحو التقنین وإفادة الحکم علی النحو الکلّی ، ولا فی أنّـه قبل العثور علی المخصّص لفظیاً کان أو لبّیاً تکون أصالـة العموم متّبعـة ، وبعد الظفر علیـه یرفع الید عنـه ، فلا فرق بینهما أصلاً ، کما لایخفی .
وأمّا الکلام فی المقام الثانی : فقد عرفت أنّـه ذهب الشیخ إلی وقوع التعارض مع مجموع الخاصّین ، نظراً إلی أنّ تخصیص العامّ بهما یوجب الاستهجان أو الاستیعاب ، ولکنّـه لا وجـه لـه ، لأنّ مجموع الخاصّین لا یکون أمراً ورائهما ، والمفروض أنّـه لا معارضـة لشیء منهما مع العامِّ، فلا وجـه لترتیب أحکام المتعارضین علیـه وعلیهما .
غایـة الأمر أنّـه حیث لا یمکن تخصیص العامّ بمجموعهما یرجع ذلک إلی عدم إمکان الجمع بین الخاصّین ، لا من حیث أنفسهما ، بل من جهـة تخصیص العامّ بهما ، فیقع التعارض بینهما تعارضاً عرضیاً ، ولابدّ من المعاملـة مع الخاصّین حینئذٍ معاملـة المتعارضین .
وحینئذٍ : فإن قلنا بعدم اختصاص الأخبار العلاجیّـة بالتعارض الذاتی وشمولهما للتعارض العرضی أیضاً ، فلابدّ من الرجوع إلی المرجّحات المذکورة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
فیها ، وإن قلنا بعدم شمولها لـه ، فلابدّ من الرجوع إلی ما تقتضیـه القاعدة فی المتعارضین مع قطع النظر عن تلک الأخبار من السقوط علی ما هو التحقیق ، أو التخیـیر کما سیأتی .
ثمّ إنّ هذا الذی ذکرنا من وقوع التعارض بین الخاصّین إنّما هو فیما لو لم یعلم بثبوت الملازمـة بینهما .
وأمّا مع العلم بها فتارةً یعلم بعدم اختلاف موردهما من حیث الحکم وثبوت الملازمـة بین موردهما فقط ، کما إذا علم فی المثال المتقدّم بأنّـه لو کان إکرام النحویّین من العلماء حراماً لکان إکرام الصرفیّین منهم أیضاً کذلک .
واُخری یعلم بعدم الاختلاف بین جمیع أفراد العامّ من حیث الحکم أصلاً ، کما إذا علم بأنّ حکم إکرام جمیع أفراد العلماء واحد وأنّـه إن کان الإکرام واجباً فهو واجب فی الجمیع ، وإن کان حراماً کذلک ، وهکذا .
ففی الأوّل یقع التعارض بین العامّ وبین کلّ واحد منهما .
وفی الثانی یقع التعارض بین الجمیع ، العامّ مع کلّ واحد منهما ، وهو مع الآخر ، کما لایخفی .
هذا کلّـه إذا کانت النسبـة بین الخاصّین التباین کما فیما عرفت من المثال وإن کان لایخلو عن المنع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368