تعارض ا‏لعموم وا‏لإطلاق

تعارض العموم والإطلاق

‏ ‏

‏فمنها : ما إذا تعارض العامّ الاُصولی والمطلق الشمولی علی اصطلاحهم ،‏‎ ‎‏ودار الأمر بین تقیـید المطلق وتخصیص العامّ کقولـه : « أکرم العلماء » و« لا تکرم‏‎ ‎‏الفاسق » . فالشیخ ‏‏قدس سره‏‏ ذهب فی الرسائل إلی ترجیح التقیـید علی التخصیص‏‎[1]‎‏ ،‏‎ ‎‏وتبعـه علـی ذلـک المحقّـق النائینی ‏‏قدس سره‏‎[2]‎‏ ولکنّـه خـالف فـی ذلـک المحقّـق‏‎ ‎‏الخراسانی‏‎[3]‎‏ وتبعـه المحقّق الحائری‏‎[4]‎‏ .‏

‏ومحصّل ما أفاده المحقّقان الأوّلان یرجع إلی أنّ شمول العامّ لمورد‏‎ ‎‏الاجتماع أظهر من شمول المطلق لـه ، لأنّ شمول العامّ لمادّة الاجتماع یکون‏‎ ‎‏بالوضع ، وشمول المطلـق یکون بمقدّمات الحکمـة ، ومـن جملتها عدم ورود مـا‏‎ ‎‏یصلح أن یکون بیاناً للقید ، والعامّ الاُصولی یصلح لأن یکون بیاناً لذلک ، فلا تـتمّ‏‎ ‎‏مقدّمات الحکمـة فی المطلق الشمولی ، فلابدّ من تقدیم العامّ علیـه .‏

‏أقول : لابدّ أوّلاً من بیان أنّ محلّ النزاع ممحّض فی ما إذا کان التعارض بین‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 348
‏العامّ والمطلق مع اجتماع شرائطهما فی أنفسهما ، بحیث کانت أصالـة العموم فی‏‎ ‎‏العامّ جاریـة مع قطع النظر عن المطلق ، وکذا أصالـة الإطلاق فی المطلق مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن العامّ بأن کان المتکلّم ممّن لا یکون بناؤه علی إیراد الحکم علی سبیل‏‎ ‎‏العموم ثمّ بیان المخصّصات ، بأن لا یکون فی مقام التقنین وجعل الأحکام الکلّیـة‏‎ ‎‏کأکثر المتکلّمین ، أو کان المخاطب قد فحص عن المخصّص أو المقیّد فلم یظفر به .‏

‏فدعوی أنّ الإطلاق معلّق علی عدم البیان بخلاف العموم ، مدفوعـة بأنّ‏‎ ‎‏العموم أیضاً معلّق علی عدم المخصّص ، فلا فرق بینهما من هذه الجهـة أصلاً ،‏‎ ‎‏فمورد البحث متمحّض فی مجرّد التعارض بین العامّ والمطلق من دون فرق بینهما‏‎ ‎‏من جهـة الفحص وعدمـه .‏

‏ونقول بعد ذلک : إنّ نسبـة المخصّص مع العامّ وإن کانت تغایر نسبـة المقیّد‏‎ ‎‏مع المطلق ، إلاّ أنّ ذلک لا یوجب ترجیحاً لأحدهما علی الآخر .‏

‏توضیح ذلک : أنّ التعاند الواقع بین العامّ والخاصّ تعاند دلالی ، فإنّ العامّ یدلّ‏‎ ‎‏علی جمیع الأفراد بالدلالـة الإجمالیّـة ، فإنّ قولـه : « أکرم کلّ عالم » ، یدلّ علی‏‎ ‎‏وجوب إکرام کلّ واحد من أفراد هذه الطبیعـة بما أنّـه فرد لها ، ضرورة أنّ عالماً‏‎ ‎‏موضوع لنفس الطبیعـة المطلقـة ، والکلّ یدلّ علی تکثیرها المتحقّق بالإشارة إلی‏‎ ‎‏أفرادها لا بجمیع خصوصیاتها ، بل بما أنّها مـن أفـرادها ، کما حقّقناه مراراً ، فهذا‏‎ ‎‏القول دالّ بالدلالـة اللفظیـة علی وجوب إکرام الجمیع ، والخاصّ یعانده من حیث‏‎ ‎‏الدلالة بالنسبة إلی المقدار الذی خصّص العامّ بـه ، فهما متنافیان من حیث الدلالة‏‎ ‎‏اللفظیة . غایة الأمر تقدّم الخاصّ علی العامِّ، إمّا لما ذکرنا سابقاً‏‎[5]‎‏ أو لغیره .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 349
‏وأمّا المطلق فدلالتـه علی الإطلاق لیست دلالـة لفظیّـة ، ضرورة أنّ اللفظ‏‎ ‎‏الدالّ علیـه لا یکاد یتخطّی عن المعنی الذی وضع لـه ، سواء بقی علی إطلاقـه أو‏‎ ‎‏قیّد ، بل الإطلاق إنّما ینشأ من عدم الإشارة إلی القید مع کون المطلق بصدد‏‎ ‎‏البیان ، والتقیـید إنّما ینافیـه من حیث إنّـه یذکر القید ویأتی بـه .‏

‏فاحتجاج العبد علی المولی فی باب المطلقات إنّما یرجع إلی أنّـه لم یقیّد‏‎ ‎‏موضوع حکمـه مع کونـه فاعلاً مختاراً ، وفی باب العمومات یرجع إلی أنّـه لم‏‎ ‎‏یقل بخلاف العامِّ، إلاّ أنّ هذا الاختلاف لا یوجب الفرق بینهما فی مقام تعارض‏‎ ‎‏العامّ والمطلق بحیث یکون العامّ أقوی من حیث الدلالـة ، کما لایخفی .‏

‏نعم قد ذکرنا‏‎[6]‎‏ غیر مرّة أنّ اللفظ المطلق لا یدلّ إلاّ علی مجرّد نفس‏‎ ‎‏الطبیعـة ، وانطباقها فی الخارج علی کلّ واحد من أفرادها لا یوجب دلالـة اللفظ‏‎ ‎‏الموضوع لنفس الطبیعـة علی الأفراد والکثرات أیضاً ، فإنّ للدلالـة مقاماً‏‎ ‎‏وللانطباق مقاماً آخر ولا ربط بینهما ، فماهیّـة الإنسان وطبیعتها وإن کانت تنطبق‏‎ ‎‏علی زید وعمرو وغیرهما من مصادیق هذه الحقیقـة ، إلاّ أنّ لفظ الإنسان‏‎ ‎‏الموضوع لتلک الماهیّـة لا دلالـة لـه علی هذه الکثرات أصلاً ، ولعمری أنّ هذا‏‎ ‎‏واضح جدّاً .‏

‏ولا فرق فی ذلک بین ما إذا تمّت مقدّمات الحکمـة المنتجـة لثبوت‏‎ ‎‏الإطلاق ، وبین ما إذا لم تـتمِّ، لعدم کون المولی فی مقام البیان مثلاً ، بل کان فی‏‎ ‎‏مقام الإهمال والإجمال ، فإنّ الإطلاق وضدّه إنّما یلاحظان بالنسبـة إلی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 350
‏الموضوعیّـة للحکم ، ولا ربط لهما بمقام الدلالـة ، فإنّ الإنسان المأخوذ فی‏‎ ‎‏الموضوع ـ مثلاً ـ لا دلالـة لـه إلاّ علی نفس ماهیّـة الإنسان التی هی حیوان‏‎ ‎‏ناطق ، سواء کان مطلقاً من حیث الموضوعیّـة بأن کان تمام الموضوع هو نفسها أم‏‎ ‎‏لم یکن کذلک .‏

‏ومنـه یظهر : أنّ إدراج تعارض المطلق والعامّ فی تعارض الأظهر والظاهر‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی مورد الاجتماع لیس فی محلّـه ، من حیث إنّ الأظهریّـة والظاهریّـة‏‎ ‎‏إنّما هما من أوصاف الدلالـة وحالاتها ، والمطلق لا دلالـة لـه علی مورد‏‎ ‎‏الاجتماع حتّی تـتصف بالظهور ، لأنّک عرفت أنّـه لا دلالـة لـه إلاّ علی مجرّد‏‎ ‎‏نفس الطبیعـة والکثرات المتّحدة فی الخارج معها خارجـة عن مدلولـه .‏

‏کما أنّـه ظهر ممّا ذکرنا : أنّ تسمیـة هذا المطلق بالمطلق الشمولی ممّا‏‎ ‎‏لا وجـه لـه ، لأنّ الشمول فرع الدلالـة علی الأفراد ، والمطلق أجنبی عـن‏‎ ‎‏الدلالـة علیها .‏

‏فانقدح : أنّ المطلق غیر ناظر إلی الموجودات المتّحدة معها فی الخارج‏‎ ‎‏أصلاً ، لکن الاحتجاج بـه یستمرّ إلی أن یأتی من المولی ما یدلّ علی خلافـه .‏‎ ‎‏فالبیان المتأخّر قاطع للاحتجاج ، لا أنّ الإطلاق معلّق من أوّل الأمر علیـه . ومن‏‎ ‎‏المعلوم أنّ العامّ لأجل تعرّضـه بالدلالـة اللفظیـة للأفراد والکثرات ـ لأجل تعدّد‏‎ ‎‏الدالّ والمدلول ، ضرورة أنّـه یدلّ تالی مثل لفظ الکلّ علی نفس الطبیعـة . غایـة‏‎ ‎‏الأمر أنّ إضافـة الکلّ الموضوع لإفادة الکثرة إلیـه توجب الدلالـة علی الأفراد‏‎ ‎‏والإشارة إلیها لا بجمیع خصوصیاتها ، بل بما أنّها مصادیق لتلک الطبیعـة ـ یصلح‏‎ ‎‏لأن یکون بیاناً قاطعاً للاحتجاج .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 351
‏فظهر أنّ العامّ مقدّم علی المطلق بهذا الوجـه الذی ذکرنا ، ولعلّـه إلیـه‏‎ ‎‏یرجع ما أفاده الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[7]‎‏ فی وجهـه وإن کان ربّما لا یساعده ظاهر العبارة‏‎ ‎‏فارجع إلیها .‏

‏ثمّ إنّـه ظهر ممّا ذکرنا من عدم الفرق بین المطلقات فیما یرجع إلی معنی‏‎ ‎‏الإطلاق ، وأنّ تسمیـة المطلق بالشمولی فی بعض الموارد وبالبدلی فی البعض‏‎ ‎‏الآخر لا وجـه لها أصلاً ، أنّـه عند تعارض الإطلاق الشمولی والإطلاق البدلی‏‎ ‎‏علی حسب اصطلاحهم الغیر التامّ لا وجـه لتقدیم تقیـید الثانی علی تقیـید الأوّل ،‏‎ ‎‏نظراً إلی أنّ الإطلاق الشمولی یمنع عن کون الأفراد فی الإطلاق البدلی متساویـة‏‎ ‎‏الإقدام فی حصول الامتثال بأیّ منها ، وذلک لما عرفت من اتّحادهما فیما یرجع‏‎ ‎‏إلی معنی الإطلاق ، ولا دلالـة لشیء منهما علی الأفراد شمولاً أو بدلیّاً ،‏‎ ‎‏فلا ترجیح لواحد منهما علی الآخر ، کما لایخفی .‏

کما أنّـه ظهر ممّا ذکرنا :‏ أنّـه عند تعارض بعض المفاهیم مع البعض الآخر‏‎ ‎‏لا ترجیح لواحد منهما علی الآخر لو کان ثبوت کلّ منهما بضمیمـة مقدّمات‏‎ ‎‏الحکمـة ، کما فی مفهوم الشرط ومفهوم الوصف .‏

‏نعم لو کان أحد المتعارضین ممّا ثبت بالدلالـة اللفظیـة کما لایبعد دعوی‏‎ ‎‏ذلک بالنسبـة إلی مفهوم الغایـة وکذا مفهوم الحصر ، فالظاهر أنّـه حینئذٍ لابدّ من‏‎ ‎‏ترجیحـه علی الآخر ، لما مرّ من ترجیح العامّ علی المطلق الراجع إلی تقدیم‏‎ ‎‏التقیـید علی التخصیص .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 352

  • )) فرائد الاُصول 2 : 792 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 729 ـ 730 .
  • )) کفایـة الاُصول : 513 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 680 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 319 ـ 321 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 339 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 792 .