ا‏لفصل ا‏لثا‏لث : أنّ ا‏لجمع بین ا‏لدلیلین مهما أمکن أولی من ا‏لطرح

الفصل الثالث فی القاعدة المشهورة وهی : أنّ الجمع بین الدلیلین مهما أمکن أولی من الطرح

‏ ‏

‏وظاهرها الإطلاق من حیث وجود المرجّح وعدمـه ، فیکون الجمع مع‏‎ ‎‏وجـود المرجّح أولی من الترجیح ومع التعادل أولی من التخیـیر ، وقد ادّعی علیها‏‎ ‎‏الإجماع .‏

‏قال الشیخ ابن أبی جمهور الإحسائی فی محکی عوالی اللآلی : إنّ کلّ‏‎ ‎‏حدیثین ظاهرهما التعارض یجب علیک أوّلاً البحث عن معناهما وکیفیّـة دلالـة‏‎ ‎‏ألفاظهما ، فإن أمکنک التوفیق بینهما بالحمل علی جهات التأویل والدلالات‏‎ ‎‏فأحرص علیـه واجتهد فی تحصیلـه ، فإنّ العمل بالدلیلین مهما أمکن خیر من ترک‏‎ ‎‏أحدهما وتعطیلـه بإجماع العلماء ، فإذا لم تـتمکّن من ذلک ولم یظهر لک وجـه‏‎ ‎‏فارجع إلی العمل بهذا الحدیث‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

‏وأشار بهذا إلی مقبولـة عمر بن حنظلـة‏‎[2]‎‏ . هذا ، ولکن الظاهر أنّ مـراده‏‎ ‎‏مـن الجمع بین الدلیلین هو الجمع العقلائی فی الموارد التی لا تکون الأدلّـة فیها‏‎ ‎‏متعارضـة کالعامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد ، والدلیل علی ذلک أمران :‏

‏أحدهما : دعواه الإجماع علی ذلک ، مع أنّـه لا إجماع فی غیر تلک الموارد‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 338
‏لو لم نقل بثبوت الإجماع علی خلافـه ، من حیث إنّ علماء الإسلام من زمن‏‎ ‎‏الصحابـة إلی یومنا هذا لم یزالوا یستعملون المرجّحات فی الأخبار المتعارضـة‏‎ ‎‏بظواهرها ، ثمّ اختیار أحدهما وطرح الآخر من دون تأویلهما معاً لأجل الجمع .‏

‏ثانیهما : الاستدلال علی هذه القاعدة بأنّ دلالـة اللفظ علی تمام معناه‏‎ ‎‏أصلیّـة ، وعلی جزئـه تبعیّـة ، وعلی تقدیر الجمع یلزم إهمال دلالـة تبعیّـة ، وهو‏‎ ‎‏أولی ممّا یلزم علی تقدیر عدم الجمع وهو إهمال دلالـة أصلیـة . فإنّ هذا الدلیل‏‎ ‎‏یناسب مع ما إذا کان الجمع مستلزماً للتصرّف فی جزء مدلول الآخر ، وهو یتحقّق‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی العامّ والخاصِّ، فإنّ الجمع بینهما یقتضی إهمال الدلالـة التبعیّـة‏‎ ‎‏الثابتـة للعامِّ، کما هو واضح .‏

‏وکیف کان : فإن کان المراد من القاعدة ما ذکرنا فلا بأس بها ، لما عرفت‏‎[3]‎‏ ‏‎ ‎‏فی العامّ والخاصِّ.‏

‏وإن کان المراد منها ما هو ظاهرها من أنّ الجمع بین الدلیلین ولو کانا‏‎ ‎‏متعارضین عند العقلاء مهما أمکن ولو بالحمل علی جهات التأویل أولی من‏‎ ‎‏الطرح ، فیرد علیها عدم الدلیل علی إثباتـه من إجماع أو غیره ، کدعوی أنّ الأصل‏‎ ‎‏فی الدلیلین الإعمال ، فیجب الجمع بینهما مهما أمکن ، لاستحالـة الترجیح من‏‎ ‎‏غیر مرجّح .‏

‏وقد فصّل الکلام فی هذا المقام الشیخ المحقّق الأنصاری ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ فی‏‎ ‎‏الرسائل ، بل أتعب نفسـه الشریفـة لإثبات عدم ثبوت مستند للقاعدة وإن کان‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 339
‏لا یخلو بعض مواقع کلامـه عن النظر ، کدعواه أنّـه لا إشکال ولا خلاف فی أنّـه‏‎ ‎‏إذا وقع التعارض بین ظاهری مقطوعی الصدور کآیتین أو متواترین وجب تأویلهما‏‎ ‎‏والعمل بخلاف ظاهرهما ، لأنّ القطع بصدورهما عن المعصوم قرینـة صارفـة‏‎ ‎‏لتأویل کلّ من الظاهرین .‏

‏فإنّـه یرد علیـه : أنّ القطع بالصدور لا یوجب التصرّف فی الظاهر ، بمعنی‏‎ ‎‏أنّـه لا ینحصر طریق دفع التعارض بذلک ، بل یمکن التصرّف فی جهـة صدور‏‎ ‎‏واحد منهما بدعوی عدم کونـه صادراً لأجل بیان الحکم الواقعی ، کما لایخفی .‏‎ ‎‏وبالجملـة : فالقاعدة بالمعنی المذکور لم یدلّ علیـه دلیل أصلاً .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 340

  • )) عوالی اللآلی 4 : 136 .
  • )) الکافی : 1 : 54 / 10 ، وسائل الشیعة 27 : 106 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 1 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 319 ـ 321 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 754 ـ 755 .