کلام ا‏لمحقّق ا‏لحائری وما یرد علیه

کلام المحقّق الحائری وما یرد علیه

‏ ‏

ثالثها‏ : ما أفاده شیخنا المحقّق الحائری  ‏‏قدس سره‏‏ فی کتاب الدرر وإن رجع عنـه‏‎ ‎‏فی مجلس الدرس علی ما حکاه سیّدنا الاُستاذ دام بقاءه ، ومحصّلـه : أنّ وجـه‏‎ ‎‏تقدیم الخاصّ الظنّی مـن حیث السند علی العامّ أنّ دلیل اعتبار السند یجعل ظهور‏‎ ‎‏العموم فی الخاصّ بمنزلـة معلوم الخـلاف ، فإنّ الأخـذ بسند الخاصّ الـذی‏‎ ‎‏لا احتمال فیـه بعد الأخـذ بـه سوی معناه الـذی هـو فی مقابـل العامّ مرجعـه‏‎ ‎‏إلی جعل هذا المضمون بمنزلـة المعلوم ، فتحصل غایـة حجّیـة الظواهر بنفس‏‎ ‎‏دلیل اعتبار السند ، بخلاف دلیل حجّیـة الظاهر ، فإنّـه لیس معناه ابتداءً جعل‏‎ ‎‏الغایـة لحجّیـة الخبر الواحـد ، بل مقتضاه ابتداءً هـو العمل بالظاهـر وکونـه‏‎ ‎‏مـراداً مـن العامِّ.‏

‏نعم لازمـه عدم صدور الخبر الدالّ علی خلافـه من الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، لأنّ‏‎ ‎‏المفروض کونه نصّاً من جمیع الجهات ، فدلیل حجّیـة السند موضوعـه محقّق فی‏‎ ‎‏رتبة تعلّقها به بخلاف دلیل حجّیة الظاهر ، فإنّـه یرد معـه ما یرفع موضوع الحجّیة .‏

‏وبعبارة اُخری دلیل حجّیـة السند یرفع موضوع حجّیـة الظاهر بنفس‏‎ ‎‏وجوده بخلاف العکس .‏

‏نعم دلیل حجّیـة الظواهر یرفع موضوع حجّیـة السند فی الرتبـة المتأخّرة‏‎ ‎‏عن مجیء الحکم ، ففی المرتبـة الاُولی لا مانع من مجیء دلیل اعتبار السند‏‎ ‎‏لتحقّق موضوعـه فی هذه الرتبـة ، وبـه یرتفع موضوع ذلک الدلیل‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 327
ویرد علیـه :

‏أوّلاً :‏‏ منع تقدّم سند الخاصّ علی دلالتـه ، فضلاً عن ظهور غیره ، ضرورة أنّ‏‎ ‎‏المراد بالتقدّم لابدّ وأن یکون هو التقدّم الطبعی ، ضرورة أنّ التقدّم المتصوّر هنا‏‎ ‎‏ما عدا التقدّم الطبعی هو التقدّم الذکری الراجع إلی التقدّم الزمانی . ومن المعلوم‏‎ ‎‏أنّـه لا یوجب الترجیح ، وإلاّ لکان اللازم تقدیم العامّ إذا کان صدوره سابقاً علی‏‎ ‎‏الخاصّ من حیث الزمان ، مع أنّـه لا فرق عند العرف والعقلاء فی تقدیم الخاصّ‏‎ ‎‏علی العامّ بین الموارد أصلاً . فالمراد بالتقدّم لا محالـة هو التقدّم الطبعی ، ودعواه‏‎ ‎‏فی المقام أیضاً ممنوعـة ، ضرورة أنّ الملاک فی التقدّم الطبعی هو کون المتقدّم‏‎ ‎‏علّـة للمتأخّر أو جزء من أجزاء علّتـه ، أو کان کتقدّم أجزاء الماهیّـة علیها .‏

‏ومن الواضح انتفاء ملاکـه فی المقام ، لعدم کون السند علّـة للمتن ، فضلاً‏‎ ‎‏عن دلالتـه ولا جزء علّـة منـه ، فدعوی التقدّم الطبعی فی مثل ما نحن فیـه تحکمّ‏‎ ‎‏صرف وباطلـة محضـة .‏

وثانیاً :‏ أنّـه لو سلّم ذلک وأنّ السند متقدّم علی المتن بالتقدّم الطبعی‏‎ ‎‏الراجـع إلـی منشائیـة المتقدّم للمتأخّـر وکونـه ناشئـاً منـه بحیث یصدق أنّـه‏‎ ‎‏وجـد فوجد ، لکن لا نسلّم أنّ من آثاره أن یکون مجیء دلیل اعتباره أوّلاً قبل‏‎ ‎‏مجیء دلیل اعتبار الظاهر کما حقّقنا ذلک فی باب الشکّ السببی والمسبّبی من‏‎ ‎‏مبحث الاستصحاب وذکرنا هناک أنّ العلّـة فی جریان الاستصحاب فی الشکّ‏‎ ‎‏السببی لیس کونـه متقدّماً فی الرتبـة علی الشکّ المسبّبی لکونـه ناشئاً منـه ، بـل‏‎ ‎‏العلّـة أمر آخر ذکرناه فی ذلک الباب مفصّلاً‏‎[2]‎‏ والفرض الآن الإشارة إلی عدم‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 328
‏اقتضاء التقدّم الرتبی لتقدّم مجـیء دلیل اعتباره .‏

وثالثاً :‏ أنّـه لو سلّم جمیع ذلک وأنّ التقدّم الرتبی یقتضی التقدّم بحسب‏‎ ‎‏مجیء دلیل الاعتبار ، لکـن نقول : غایـة ذلک هو تقدّم دلیل اعتبار السند علی دلیل‏‎ ‎‏اعتبار ظاهر متن ذلک السند ، لا تقدّمـه علی دلیل اعتبار ظاهر أمر آخر ، وهـو‏‎ ‎‏العامّ فی المقام ، لأنّ ملاک التقدّم مفقود بالنسبـة إلیـه . وما اشتهر من أنّ مامع‏‎ ‎‏المتقدّم فی الرتبـة یکون متقدّماً فی الرتبـة ، ومامع المتأخّر فیها یکون متأخّراً‏‎ ‎‏فیها ، فهو من الأغالیط المشهورة ، لما مرّ غیر مرّة من أنّ التقدّم الرتبی یتقوّم‏‎ ‎‏بملاکـه وهو کون المتقدّم علّـة أو جزء علّـة ، ومجرّد تحقّق المعیّـة مع المتقدّم لا‏‎ ‎‏یوجب اشتمال المصاحب علی ملاک التقدّم أیضاً ، وکذا بالنسبـة إلی المتأخّر .‏

‏فانقدح من جمیع ما ذکرنا : الخلل فیما أفاده ، ولعلّـه لما ذکرنا رجع عنـه فی‏‎ ‎‏مجلس الدرس علی ما حکی .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 329

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری 2 : 639 ـ 640 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 243 ـ 250 .