اختصاص ا‏لکلام فی هذا ا‏لباب بتعارض ا‏لأخبار

‏ ‏

اختصاص الکلام فی هذا الباب بتعارض الأخبار

‏ ‏

‏وموضوعـه هو الدلیلان المتعارضان مطلقاً من غیر اختصاص بخصوص‏‎ ‎‏الأخبار المتعارضـة ، لکن حیث کانت الأخبار أهمّ الأدلّـة فی باب الفقـه مضافاً‏‎ ‎‏إلی أنّ الروایات الدالّـة علی الترجیح واردة فی خصوص الخبرین المتعارضین ،‏‎ ‎‏فلذا اختصّ الکلام بخصوص تعارض الروایتین وبیان المرجّحات المنصوصـة‏‎ ‎‏وغیرها . فلابدّ أوّلاً من بیان ما بـه یتحقّق التعارض ثمّ النظر فی المرجّحات .‏

‏فنقول : الروایات الواردة فی باب الترجیح إذا لاحظتها بعد التـتبّع تعرف‏‎ ‎‏أنّـه قد اُخذ فی موضوع بعضها عنوان التعارض کالمقبولـة الآتیـة‏‎[1]‎‏ وفی موضوع‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 319
‏أکثرها عنوان الاختلاف . والظاهر أنّـه لا فرق بینهما عند العرف الذی یکون هو‏‎ ‎‏المرجع فی تشخیص مثل هذه الاُمور الواقعـة فی موضوعات الأحکام . فکما أنّ‏‎ ‎‏تشخیص الماء والخمر والکلب وغیرها من العناوین المأخوذة فی الموضوعات‏‎ ‎‏راجع إلی العرف ولا مدخلیـة للشارع بما هو شارع فیها ، فکذلک تشخیص عنوان‏‎ ‎‏التعارض والاختلاف الواقع بین الدلیلین أو الأدلّـة راجع إلیـه أیضاً ، لعدم الفرق‏‎ ‎‏بین الموارد أصلاً .‏

‏نعم یقع الکلام فی تعیـین مورد التشخیص وأنّـه فی أیّ مورد یحکم‏‎ ‎‏بالتعارض فنقول : لا خفاء فی أنّ السالبـة الکلّیـة تناقض الموجبـة الجزئیّـة ،‏‎ ‎‏وکذا فی أنّ الموجبـة الکلّیـة تناقض السالبـة الجزئیـة ، وقد بیّن ذلک فی علم‏‎ ‎‏المیزان ، ومع ذلک نری أنّ العرف لا یحکم بالتناقض بینهما فی بعض الموارد . ألا‏‎ ‎‏تری أنّ العرف والعقلاء لا یحکم بتعارض الخاصّ والعامِّ، مع أنّ أمرهما غالباً لا‏‎ ‎‏یخلو عن السالبـة الکلّیـة والموجبـة الجزئیـة أو العکس .‏

‏والدلیل علی عدم حکمهم بتعارضهما ـ مضافاً إلی الوجدان ـ اشتمال‏‎ ‎‏القرآن علی مثل ذلک مع تصریحـه بعدم الاختلاف فیـه ، وأنّـه ‏‏«‏‏ ‏لَو کانَ مِن عِندِ‎ ‎غَیرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِیـه اختِلافاً کَثِیراً‏ ‏‏»‏‎[2]‎‏ ولو کان مثل ذلک من قبیل الدلیلین‏‎ ‎‏المتعارضین عند العقلاء لما کان لاعتصامهم بحبل القرآن مع اشتمالـه علی ذلک‏‎ ‎‏مجال أصلاً ، کما هو أوضح من أن یخفی ، هذا .‏

‏ولکن الظاهر أنّ الحکم بعدم تعارضهما لیس مطلقاً وفی جمیع الموارد ، لأنّا‏‎ ‎‏نراهم أیضاً یحکمون بالمعارضـة فیما لو وقعا فی کلام متکلّم عادی ، أو فی تصنیف‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
‏مصنّف کذلک ، فإنّـه لو وقع فی مورد من الرسالـة العملیّـة لفقیـه : أنّـه یجب‏‎ ‎‏الوفاء بجمیع العقود مثلاً ، وفی مورد آخر منها : أنّـه لا یجب الوفاء بالعقد‏‎ ‎‏الربوی ، یرون التعارض بینهما ، مع أنّهم لا یرونـه بالنسبـة إلی القرآن الدالّ علی‏‎ ‎‏ذلک بقولـه تعالی : ‏‏«‏‏ ‏یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ‏ ‏‏»‏‎[3]‎‏ وقولـه تعالی :‏‎ ‎‏«‏‏ ‏وَحَرَّمَ الـرِّبَا‏ ‏‏»‏‎[4]‎‏ .‏

‏والسرّ فی ذلک مغایرة محیط التقنین وجعل الأحکام الکلّیـة والقوانین‏‎ ‎‏العامّـة لمحیط غیره ، کما هو الشأن فی القوانین الموضوعـة عند العقلاء ، فإنّ‏‎ ‎‏بنائهم أوّلاً علی جعل القانون علی سبیل العموم ثمّ تخصیص بعض الموارد بعنوان‏‎ ‎‏التبصرة وغیره مثلاً .‏

‏ومرجع ذلک إلی أنّ أصالـة العموم بالنسبـة إلی العموم القانونی لا تبلغ‏‎ ‎‏مـن القوّة حدّ مثلها الجاری فی غیر العموم القانونی ، فإنّـه فی غیره یعتمد علیها‏‎ ‎‏من دون لزوم فحص عن مخصّص ، بل قد عرفت‏‎[5]‎‏ أنّـه علی تقدیر ثبوت‏‎ ‎‏المخصّص لا یرونـه إلاّ معارضاً لـه یعملون معهما معاملـة المتعارضین ، وهذا‏‎ ‎‏بخـلاف أصالـة العموم الجـاریـة فـی العمومـات القانونیـة ، فإنّها ضعیفـة‏‎ ‎‏غیر جاریـة قبل الفحص عن المخصّص ، وبعد الفحص أیضاً مع الظفر به ، لکونه‏‎ ‎‏مقدّماً علیه عندهم ولا یکون معارضاً له .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321

  • )) یأتی تخریجـه فی الصفحة 338 .
  • )) النساء ( 4 ) : 81 .
  • )) المائدة ( 5 ) : 1 .
  • )) البقرة ( 2 ) : 275 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 302 .