الکلام فی مفاد العلوی الأوّل
وأمّا قولـه علیه السلام فی العلوی : « المیسور لا یسقط بالمعسور » فیجری فی مفادها احتمالات :
منها : أن یکـون المراد أنّ نفس المیسور لا یسقط عـن عهـدة المکلّف بسبب المعسور .
ومنها : أنّ المیسور لا یسقط حکمـه والطلب المتعلّق بـه بالمعسور .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286
ومنها : أنّ المیسور لا یسقط عن موضوعیّتـه للحکم بالمعسور .
ومنها : أنّ المیسور لا یسقط حکمـه عن موضوعـه بالمعسور .
ولا یخفی أنّـه یعتبر فی معنی السقوط بعد ملاحظـة موارد استعماله أمران : أحدهما : أن یکون الساقط ثابتاً ومتحقّقاً قبل عروض السقوط .
ثانیهما : أن یکون السقوط من مکان مرتفع ومحلّ عالٍ .
وحینئذٍ فنقول : إنّ حمل الحدیث علی الاحتمال الأوّل لا یوجب الإخلال بشیء من هذین الأمرین المعتبرین فی مفهوم السقوط ، لأنّ المیسور من الطبیعـة یکون ثابتاً علی عهدة المکلّف بواسطـة تعلّق الأمر بـه ، ویدلّ علیـه مضافاً إلی مساعدة العرف التعبیر فی بعض الروایات عن الصلاة بأنّها دین اللّٰه وعن الحجّ بأنّـه حقّ للّٰه علی المستطیع .
وبالجملـة : فمتعلّق التکلیف أمر ثابت علی عهدة المکلّف ، وذمّتـه مشغولـة بـه ، مع أنّ الذمّـة والعهدة کأنّها مکان مرتفع یکون المکلّف بـه ثابتاً فیـه ومحمولاً علیـه . وحینئذٍ فالظاهر من الحدیث أنّ المیسور من أفراد الطبیعـة أو من أجزائها لا یسقط نفس ذلک المیسور بالمعسور . ومن المعلوم أنّـه لا یلزم تقدیر أصلاً .
نعم هنا شیء ، وهو أنّ الثابت علی العهدة کان هو الأمر المعسور ، والمفروض سقوطـه عن العهدة یقیناً . وأمّا المیسور فلم یکن بنفسـه ثابتاً علی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 287
العهدة ، بل کان ثبوتـه بتبع ثبوت المعسور ، فإذا سقط یسقط المیسور بتبعـه ، فلم یکن المیسور ثابتاً حتّی ینسب إلیـه عدم السقوط .
ولکن لا یخفی : أنّـه یکفی فی نسبـة عدم السقوط مجرّد بقاء المیسور علی العهدة ولو بأمر آخر وطلب ثان متحقّق بمجرّد السقوط عن المعسور ، فالاختلاف إنّما هو فی جهـة ثبوت الأمر .
وأمّا أصلـه فهو باق ، غایـة الأمر أنّـه فی الابتداء کان بتبع المعسور وبعد تحقّق العسر تعلّق بـه أمر آخر مستقلِّ، فأصل الثبوت علی العهدة الذی هـو الملاک للتعبیر بعدم السقوط کان متحقّقاً من الأوّل ولم یعرض لـه سقوط أصلاً ، کما لایخفی .
وهذا نظیر اختلاف الدعامـة التی بها کان السقف محفوظاً علی حالـه ، فإنّ تبدیلها وتغیـیرها لا یوجب سقوط السقف وإن کان الجهـة لعدم السقوط مستندة فی السابق إلی الدعامـة الاُولی وفی اللاحق إلی الدعامـة الثانیـة .
وبالجملـة : فمحلّ الحـدیث علی هـذا الاحتمال لا یکون فیـه مخالفـة للظاهر أصلاً .
وأمّا سائر الاحتمالات ـ فمضافاً إلی أنّها کلّها خلاف الظاهر ، لأنّ اللازم فیها أن لا یکون مرجع الضمیر فی قولـه : « لا یسقط » ، هو نفس المیسور ، أو أن لا یکون المراد بالسقوط هو السقوط عن عهدة المکلّف ، وهما خلاف الظاهر ، لأنّ الظاهر هو کون الأمر الغیر الساقط هو نفس المیسور وکون المراد هو عدم سقوطـه عن عهدة المکلّف ، کما لایخفی ـ یکون بعضها غیر معقول کالاحتمال الثانی الذی مرجعـه إلی عدم سقوط حکم المیسور أو المیسور بمالـه من الحکم ، ضرورة أنّ الحکم الأوّل الثابت قبل التعذّر قد ارتفع بسبب التعذّر ، ولا یعقل بقاء
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 288
شخص ذلک الحکم مع کون متعلّقـه أمراً آخر مغایراً للأمر الأوّل ، لأنّ تشخّص الإرادة إنّما هو بالمراد ، ولا یعقل تعدّده مع وحدتها ، کما أنّـه لا یعقل وحدتـه مع تعدّدها ، ولا یلزم ذلک بناءً علی الاحتمال الأوّل ، لأنّ الباقی إنّما هو نفس المیسور وإن کانت علّـة البقاء هو تعلّق أمر آخر بـه .
ومن هنا یظهر الخلل فما أفاده المحقّق الخراسانی وتبعـه الأعاظم من تلامذتـه من أنّ المراد من الحدیث هو عدم سقوط المیسور بما لـه من الحکم ، کما فی مثل « لا ضرر ولا ضرار » حیث إنّ ظاهره نفی ما لـه من تکلیف أو وضع .
وجـه الخلل ما عرفت من عدم معقولیّـة بقاء شخص ذلک الحکم بعد اختلاف متعلّقـه .
فالإنصاف : أنّـه لا مجال للإشکال فی ظهور الحدیث فیما ذکرنا ، وعلیـه فیتمّ الاستدلال بـه للمقام ، لعدم اختصاصـه بالمیسور من أفراد العامِّ، بل الظاهر کونـه أعمّ منـه ومن المیسور من أجزاء الطبیعـة المأمور بها .
نعم یبقی الکلام فی اختصاصـه بالواجبات أو شمولـه للمستحبّات أیضاً ، والظاهر هو الأوّل ، لأنّ اعتبار الثبوت علی العهدة واشتغال الذمّـة ینافی مع کونـه مستحبّاً ، کما لایخفی .
نعم لو قلنا بشمولـه للمستحبّات لا یبقی مجال للاستدلال بـه حینئذٍ ، لأنّـه یصیر عدم السقوط أعمّ من الثبوت بنحو اللزوم ، فیحتمل أن یکون الثابت فی الواجبات أیضاً هو الثبوت ولو بنحو الاستحباب ، کما هو غیر خفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 289
نعم لو کان المراد من الحدیث هو عدم سقوط المیسور بما لـه من الحکم تمّ الاستدلال بـه حینئذٍ ولو قلنا بشمولـه للمستحبّات ، ولکن قد عرفت فساد هذا الاحتمال ، هذا .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 290