الکلام فی مفاد النبوی
وکیف کان فقد روی النبوی مرسلاً فی الکفایـة مصدّراً بهذا الصدر وهو : أنّـه خطب رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم فقال : « إنّ اللّٰه کتب علیکم الحجِّ» فقام عکاشـة ـ ویروی سراقـة بن مالک ـ فقال : فی کلّ عام یا رسول اللّٰه ؟ فأعرض عنـه حتّی أعاد مرّتین أو ثلاثاً ، فقال : « ویحک وما یؤمنک أن أقول : نعم ، واللّٰه لو قلت : نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو ترکتم ، لکفرتم فاترکونی ما ترکتم وإنّما هلک من کان قبلکم بکثرة سؤالهم واختلافهم إلی أنبیائهم ، فإذا أمرتکم بشیء فأتوا منـه ما استطعتم ، وإذا نهیتکم عن شیء فاجتنبوه » ، هذا .
وقد رواه فی محکی العوالی من دون هذا الصدر ، کما أنّـه قد روی الصدر من دون هذا القول مع اختلاف یسیر .
وکیف کان : فالکلام قد یقع فیها مع قطع النظر عن هذا الصدر ، وقد یقع مع ملاحظتـه .
أمّا الأوّل : فالظاهر أنّ المراد بکلمـة « الشیء » ما هو معناها الظاهر الذی هو أعمّ من الطبیعـة التی لها أفراد ومصادیق ومن الطبیعـة المرکّبـة من الأجزاء . کما أنّ الأظهر أن تکون کلمـة « من » بمعنی التبعیض ، وهذا لا ینافی أعمّیـة معنی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
« الشیء » بدعوی أنّ التبعیض ظاهر فی الطبیعـة المرکّبـة ، فإنّا نمنع أن تکون کلمـة « من » مرادفاً للتبعیض بحیث تستعمل مکانـه ، بل الظاهر أنّ معناها هو الذی یعبَّر عنـه بالفارسیـة بـ ( از ) .
نعم لا مجال للإشکال فی اعتبار نحو من الاقتطاع فی معناها ، ولکن ذلک لا ینافی صحّـة استعمالها فی الطبیعـة بالنسبـة إلی الأفراد والمصادیق ، فإنّها بنظر العرف کأنّها جزء من الطبیعـة منشعبٌ منها ، کما لایخفی .
وأمّا کلمـة « ما » فاستعمالها موصولـة وإن کان شائعاً بل أکثر ، إلاّ أنّ الظاهر کونها فی المقام زمانیّـة ، ولکن ذلک بملاحظـة الصدر ، کما أنّ بملاحظتـه یکون الظاهر من کلمـة « الشیء » هو الأفراد لا الأجزاء ، لأنّ الظاهر أنّ إعراضـه عن عکاشـة أو سراقـة إنّما هو لأجل أنّ مقتضی حکم العقل لزوم الإتیان بالطبیعـة المأمور بها مرّة واحدة لحصولها بفرد واحد ، وحینئذٍ فلا مجال معـه للسؤال أصلاً .
وحینئـذٍ فقـولـه : « إذا أمـرتکم بشـیء فأتـوا منـه مـا استطعتـم » بیـان لهـذه القاعـدة العقلیّـة ومـرجعـه إلـی أنّـه إذا أمـرتکم بطبیعـة ذات أفـراد فـأتـوا منهـا زمـان استطاعتکم ، ولا تکون کلمـة « ما » موصـولـة حتّی یکـون الحدیث بصدد إیجاب جمیع المصادیق التی هی مـورد للاستطاعـة والقـدرة ، کمـا لا یخفی .
وبالجملـة : فسیاق الحدیث یشهد بأنّ قولـه : « إذا أمرتکم . . . » إلی آخره ، لا یدلّ علی أزید ممّا یستفاد من نفس الأمر بطبیعـة ذات أفرادٍ ، وهو لزوم إیجادها فی الخارج المتحقّق بإیجاد فرد واحد منها ، ولا یستفاد منـه لزوم الإتیان بالمقدار المستطاع من أفراد الطبیعـة حتّی یکون ذلک لأجل السؤال عن وجوبـه فی کلّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
عام فأثّر السؤال فی هذا الإیجاب الذی هو خلاف ما تقتضیـه القاعدة العقلیّـة .
وممّا ذکرنا ظهر اختصاص هذا القول بالطبیعـة ذات الأفراد والمصادیق ، فلا مجال للاستدلال بـه للمقام .
وظهر أیضاً اندفاع توهّم أنّ المورد وإن کان هی الطبیعـة ذات الأفراد ، إلاّ أنّـه لا مانع من کون مفاد القاعدة أعمّ منها ومن الطبیعـة المرکّبـة ، لأنّ ذلک یتمّ فیما لم یکـن المورد قرینـة لما یستفاد مـن القاعدة کما فی المقام ، حیث عرفت أنّ الظاهـر منها بیان لما هـو مقتضی حکم العقل ولا تکون بصدد إفادة مطلب آخـر أصلاً .
ثمّ لو قطع النظر عن ذلک فدفعـه بأنّ وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب یمنع عن الظهور فی الإطلاق ، لا یتمّ بعدما حقّقنا فی مبحث المطلق والمقیّد من عدم اشتراط ظهور المطلق فی الإطلاق بعدم وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب فراجع . هذا کلّـه فی النبوی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286