ا‏لکلام فی مفاد ا‏لنبوی

الکلام فی مفاد النبوی

‏ ‏

‏وکیف کان فقد روی النبوی مرسلاً فی الکفایـة‏‎[1]‎‏ مصدّراً بهذا الصدر وهو :‏‎ ‎‏أنّـه خطب رسول اللّٰه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فقال : « ‏إنّ اللّٰه کتب علیکم الحجِّ»‏ فقام عکاشـة ـ‏‎ ‎‏ویروی سراقـة بن مالک ـ فقال : فی کلّ عام یا رسول اللّٰه ؟ فأعرض عنـه حتّی‏‎ ‎‏أعاد مرّتین أو ثلاثاً ، فقال : « ‏ویحک وما یؤمنک أن أقول‏ ‏: نعم‏ ‏، واللّٰه لو قلت‏ ‏: نعم‎ ‎لوجب‏ ‏، ولو وجب ما استطعتم‏ ‏، ولو ترکتم‏ ‏، لکفرتم فاترکونی ما ترکتم وإنّما هلک‎ ‎من کان قبلکم بکثرة سؤالهم واختلافهم إلی أنبیائهم‏ ‏، فإذا أمرتکم بشیء فأتوا‎ ‎منـه ما استطعتم‏ ‏، وإذا نهیتکم عن شیء فاجتنبوه‏ »‏‎[2]‎‏ ، هذا .‏

‏وقد رواه فی محکی العوالی من دون هذا الصدر‏‎[3]‎‏ ، کما أنّـه قد روی‏‎ ‎‏الصدر من دون هذا القول مع اختلاف یسیر .‏

‏وکیف کان : فالکلام قد یقع فیها مع قطع النظر عن هذا الصدر ، وقد یقع مع‏‎ ‎‏ملاحظتـه .‏

‏أمّا الأوّل : فالظاهر أنّ المراد بکلمـة « الشیء » ما هو معناها الظاهر الذی‏‎ ‎‏هو أعمّ من الطبیعـة التی لها أفراد ومصادیق ومن الطبیعـة المرکّبـة من الأجزاء .‏‎ ‎‏کما أنّ الأظهر أن تکون کلمـة « من » بمعنی التبعیض ، وهذا لا ینافی أعمّیـة معنی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 284
‏« الشیء » بدعوی أنّ التبعیض ظاهر فی الطبیعـة المرکّبـة ، فإنّا نمنع أن تکون‏‎ ‎‏کلمـة « من » مرادفاً للتبعیض بحیث تستعمل مکانـه ، بل الظاهر أنّ معناها هو‏‎ ‎‏الذی یعبَّر عنـه بالفارسیـة بـ ( از ) .‏

‏نعم لا مجال للإشکال فی اعتبار نحو من الاقتطاع فی معناها ، ولکن ذلک‏‎ ‎‏لا ینافی صحّـة استعمالها فی الطبیعـة بالنسبـة إلی الأفراد والمصادیق ، فإنّها‏‎ ‎‏بنظر العرف کأنّها جزء من الطبیعـة منشعبٌ منها ، کما لایخفی .‏

‏وأمّا کلمـة « ما » فاستعمالها موصولـة وإن کان شائعاً بل أکثر ، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الظاهر کونها فی المقام زمانیّـة ، ولکن ذلک بملاحظـة الصدر ، کما أنّ بملاحظتـه‏‎ ‎‏یکون الظاهر من کلمـة « الشیء » هو الأفراد لا الأجزاء ، لأنّ الظاهر أنّ إعراضـه‏‎ ‎‏عن عکاشـة أو سراقـة إنّما هو لأجل أنّ مقتضی حکم العقل لزوم الإتیان‏‎ ‎‏بالطبیعـة المأمور بها مرّة واحدة لحصولها بفرد واحد ، وحینئذٍ فلا مجال معـه‏‎ ‎‏للسؤال أصلاً .‏

‏وحینئـذٍ فقـولـه : « ‏إذا أمـرتکم بشـیء فأتـوا منـه مـا استطعتـم‏ » بیـان‏‎ ‎‏لهـذه القاعـدة العقلیّـة ومـرجعـه إلـی أنّـه إذا أمـرتکم بطبیعـة ذات أفـراد‏‎ ‎‏فـأتـوا منهـا زمـان استطاعتکم ، ولا تکون کلمـة « ما » موصـولـة حتّی یکـون‏‎ ‎‏الحدیث بصدد إیجاب جمیع المصادیق التی هی مـورد للاستطاعـة والقـدرة ،‏‎ ‎‏کمـا لا یخفی .‏

‏وبالجملـة : فسیاق الحدیث یشهد بأنّ قولـه : « ‏إذا أمرتکم‏ . . . » إلی آخره ،‏‎ ‎‏لا یدلّ علی أزید ممّا یستفاد من نفس الأمر بطبیعـة ذات أفرادٍ ، وهو لزوم إیجادها‏‎ ‎‏فی الخارج المتحقّق بإیجاد فرد واحد منها ، ولا یستفاد منـه لزوم الإتیان بالمقدار‏‎ ‎‏المستطاع من أفراد الطبیعـة حتّی یکون ذلک لأجل السؤال عن وجوبـه فی کلّ‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
‏عام فأثّر السؤال فی هذا الإیجاب الذی هو خلاف ما تقتضیـه القاعدة العقلیّـة .‏

‏وممّا ذکرنا ظهر اختصاص هذا القول بالطبیعـة ذات الأفراد والمصادیق ،‏‎ ‎‏فلا مجال للاستدلال بـه للمقام .‏‏ ‏

‏وظهر أیضاً اندفاع توهّم أنّ المورد وإن کان هی الطبیعـة ذات الأفراد ، إلاّ‏‎ ‎‏أنّـه لا مانع من کون مفاد القاعدة أعمّ منها ومن الطبیعـة المرکّبـة ، لأنّ ذلک یتمّ‏‎ ‎‏فیما لم یکـن المورد قرینـة لما یستفاد مـن القاعدة کما فی المقام ، حیث عرفت‏‎ ‎‏أنّ الظاهـر منها بیان لما هـو مقتضی حکم العقل ولا تکون بصدد إفادة مطلب‏‎ ‎‏آخـر أصلاً .‏

‏ثمّ لو قطع النظر عن ذلک فدفعـه بأنّ وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب‏‎ ‎‏یمنع عن الظهور فی الإطلاق ، لا یتمّ بعدما حقّقنا فی مبحث المطلق والمقیّد من‏‎ ‎‏عدم اشتراط ظهور المطلق فی الإطلاق بعدم وجود القدر المتیقّن فی مقام‏‎ ‎‏التخاطب فراجع‏‎[4]‎‏ . هذا کلّـه فی النبوی .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286

  • )) کفایة الاُصول : 421 .
  • )) مجمع البیان 3 : 386 ، بحار الأنوار 22 : 31 ، صحیح مسلم 3 : 149 / 1337 ، سنن النسائی 5 : 110 .
  • )) عوالی اللآلی 4 : 58 / 206 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 352 .