تحریر محلّ ا‏لنزاع

‏ ‏

تحریر محلّ النزاع

‏ ‏

‏ولیعلم : أنّ محلّ الکلام ما إذا لم یکن لدلیل اعتبار ذلک الشیء جزءً أو‏‎ ‎‏شرطاً إطلاق ، وإلاّ فلا إشکال فی أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمرکّب مع الاضطرار‏‎ ‎‏إلی ترک ذلک الشیء ، وکذا ما إذا لم یکن لدلیل المرکّب إطلاق ، وإلاّ فلا إشکال‏‎ ‎‏فی أنّـه یقتضی الإتیان بـه ولو مع الاضطرار إلی ترک بعض أجزائـه أو شرائطـه‏‎ ‎‏بناءً علی ما هو التحقیق من کون الماهیات المأمور بها موضوعـة للأعمّ من‏‎ ‎‏الصحیح ، کما تقدّم فی مبحث الصحیح والأعمّ‏‎[1]‎‏ .‏

‏وأ مّا لو کان لکلا الدلیلین إطلاق ، فتارةً یکون لأحدهما تحکیم علی الآخر ،‏‎ ‎‏واُخری یکونان متعارضین ، فعلی الأوّل إن کان التقدّم لإطلاق دلیل المرکّب‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 271
‏فحکمـه حکم ما إذا کان لـه إطلاق ، دون دلیل الجزء والشرط ، وإن کان التقدّم‏‎ ‎‏لإطلاق دلیل الجزء والشرط فحکمـه حکم ما إذا کان لـه إطلاق دون دلیل‏‎ ‎‏المرکّب .‏

‏ولا یخفی : أنّـه لا یکون التقدّم من أحد الجانبین کلّیاً ، لما عرفت وستعرف‏‎ ‎‏من أنّ الحکومـة متقوّمـة بلسان الدلیل ، ولسان دلیل المرکّب قد یکون متعرّضاً‏‎ ‎‏لحال دلیل الجزء أو الشرط کما إذا کان دلیل المرکّب مثل قولـه : « لا تـترک‏‎ ‎‏الصلاة بحال » مثلاً ، ودلیل اعتبار الجزء أو الشرط مثل قولـه : « ارکع فی الصلاة »‏‎ ‎‏أو « اسجد فیها » .‏

‏وقد یکون دلیل اعتبار الجزء متعرّضاً لحال دلیل المرکّب وحاکماً علیـه‏‎ ‎‏کما إذا کان دلیل الجزء مثل قولـه : « ‏لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب‏ »‏‎[2]‎‏ ، أو‏‎ ‎‏« لا ‏صلاة إلاّ بطهور‏ »‏‎[3]‎‏ ، ودلیل المرکّب مثل قولـه : « أقیموا الصلاة » فإنّـه حینئذٍ‏‎ ‎‏لا إشکال فی تقدّم دلیل الجزء فی هذه الصورة ؛ لأنّـه إنّما یدلّ بظاهره علی عدم‏‎ ‎‏تحقّق عنوان الصلاة مع کونها فاقدة لفاتحـة الکتاب ، ودلیل المرکّب إنّما یدلّ علی‏‎ ‎‏وجوب إقامـة الصلاة ، کما أنّـه فی الصورة الاُولی یکون الترجیح مع دلیل‏‎ ‎‏المرکّب ، لأنّ مقتضاه أنّـه لا یجوز ترکـه بحال ، ومقتضی دلیل الجزء مجرّد الأمر‏‎ ‎‏بالرکوع والسجود فی الصلاة مثلاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 272
‏وبالجملـة : لابدّ من ملاحظـة الدلیلین ، فقد یکون التقدّم لإطلاق دلیل‏‎ ‎‏المرکّب وقد یکون لإطلاق دلیل الجزء .‏

‏وأ مّا ما أفاده المحقّق النائینی علی ما فی التقریرات من أنّ إطلاق دلیل القید‏‎ ‎‏حاکم علی إطلاق دلیل المقیّد کحکومـة إطلاق القرینـة علی ذیها‏‎[4]‎‏ .‏

‏فیرد علیـه أوّلاً : أنّ ترجیح القرینـة علی ذیها لیس لحکومتها علیـه ، وإلاّ‏‎ ‎‏فیمکن ادّعاء العکس وأنّ ذا القرینـة حاکم علیها ، بل ترجیحها علیـه إنّما هو من‏‎ ‎‏باب ترجیح الأظهر علی الظاهر .‏

‏وثانیاً : ما عرفت‏‎[5]‎‏ من منع حکومـة إطلاق دلیل القید علی إطلاق دلیل‏‎ ‎‏المقیّد مطلقاً ، بل قد عرفت أنّـه قد یکون الأمر بالعکس .‏

‏وثالثاً : وضوح الفرق بین المقام وبین باب القرینـة ، فإنّ هنا یکون فی البین‏‎ ‎‏دلیلان مستقلاّن ، بخلاف باب القرینـة .‏

‏وکیف کان : فقد نسب إلی الوحید البهبهانی ‏‏قدس سره‏‏ التفصیل فیما لو کان لدلیل‏‎ ‎‏القید إطلاق بین ما إذا کانت القیود مستفادة من مثل قولـه : « ‏لا صلاة إلاّ بفاتحـة‎ ‎الکتاب‏ » ، و « ‏لا صلاة إلاّ بطهور‏ » ، وبین القیود المستفادة من مثل قولـه : « اسجد‏‎ ‎‏فی الصلاة » أو « ارکع فیها » ، أو « لا تلبس الحریر فیها » مثلاً وأمثال ذلک من‏‎ ‎‏الأوامر والنواهی الغیریّـة ، فحکم بسقوط الأمر بالمقیّد عند تعذّر القید فی الأوّل‏‎ ‎‏دون الثانی‏‎[6]‎‏ ، هذا .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 273
‏ولعلّ مرجع هذا الکلام إلی ما ذکرنا من أنّ لسان دلیل الجزء أو الشرط قد‏‎ ‎‏یکون بنحو الحکومـة علی دلیل المرکّب کما فی الصورة الاُولی ، وقد یکون الأمر‏‎ ‎‏بالعکس کما فی الصورة الثانیـة .‏

‏ولکن وجّهـه المحقّق النائینی بما ملخّصـه : أنّ الأمر الغیری المتعلّق‏‎ ‎‏بالجزء أو الشرط مقصورة بصورة التمکّن لاشتراط کلّ خطاب بالقدرة علی‏‎ ‎‏متعلّقـه ، فلابدّ من سقوط الأمر بالقید عند تعذّره ، ویبقی الأمر بالباقی . وهذا‏‎ ‎‏بخلاف ما لو کان القید مستفاداً من مثل قولـه : « ‏لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب‏ » ،‏‎ ‎‏فإنّـه لم یتعلّق أمر بالفاتحـة حتّی یشترط فیـه القدرة علیها ، بل إنّما اُفید ذلک‏‎ ‎‏بلسان الوضع لا التکلیف ، ولازم ذلک سقوط الأمر بالصلاة عند تعذّر الفاتحـة ،‏‎ ‎‏لعدم التمکّن من إیجاد الصلاة الصحیحـة عند عدم تمکّنـه من الفاتحـة .‏

‏وأجاب عنـه بأنّ القدرة إنّما تعتبر فی متعلّقات التکالیف النفسیّـة ، لکونها‏‎ ‎‏طلباً مولویّاً وبعثاً فعلیّاً نحو المتعلّق ، والعقل یستقلّ بقبح تکلیف العاجز ، وهذا‏‎ ‎‏بخلاف الخطابات الغیریّـة ، فإنّـه یمکن أن یقال : إنّ مفادها لیس إلاّ الإرشاد‏‎ ‎‏وبیان دخل متعلّقاتها فی متعلّقات الخطابات النفسیـة ، وفی الحقیقـة الخطابات‏‎ ‎‏الغیریّـة فی باب التکالیف وفی باب الوضع تکون بمنزلـة الإخبار من دون أن‏‎ ‎‏یکون فیها بعث وتحریک حتّی تقتضی القدرة علی متعلّقـه .‏

‏ثمّ إنّـه لو سلّم الفرق بین الخطابات الغیریّـة فی باب متعلّقات التکالیف‏‎ ‎‏وفی باب الوضعیّات وأنّها فی التکالیف تـتضمّن البعث والتحریک ، فلا إشکال فی‏‎ ‎‏أنّـه لیس فی آحاد الخطابات الغیریّـة ملاک البعث المولوی ، وإلاّ لخرجت عن‏‎ ‎‏کونها غیریّـة ، بل ملاک البعث المولوی قائم بالمجموع ، فالقدرة إنّما تعتبر أیضاً فی‏‎ ‎‏المجموع لا فی الآحاد ، وتعذّر البعض یوجب سلب القدرة عن المجموع ، ولازم‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 274
‏ذلک سقوط الأمر منـه لا من خصوص ذلک البعض‏‎[7]‎‏ ، انتهی .‏

‏ویرد علیـه أوّلاً : أنّ ما أفاده من أنّ الخطابات الغیریّـة فی باب التکالیف‏‎ ‎‏وفی ‏‏باب الوضع تکون بمنزلـة الإخبار من دون أن یکون فیها بعث وتحریک‏‎ ‎‏فممنوع جدّاً ، ضرورة أنّ الأوامر مطلقاً نفسیّـة کانت أو غیریّـة ، مولویّـة کانت أو‏‎ ‎‏إرشادیّـة إنّما تکون للبعث والتحریک کما مرّت الإشارة إلی ذلک سابقاً .‏

‏غایـة الأمر : أنّ الاختلاف بینهما إنّما هو باختلاف الأغراض والدواعی ،‏‎ ‎‏وأ مّا من جهـة البعث والتحریک فلا فرق بینهما أصلاً ، وحینئذٍ فیشترط فیـه عقلاً‏‎ ‎‏القدرة علی متعلّقـه ، وحیث إنّـه لا قدرة فی البین ، کما هو المفروض فاللازم‏‎ ‎‏سقوطـه وبقاء الأمر بالباقی ، بخلاف ما لو کان بمثل قولـه : « لا صلاة إلاّ بفاتحـة‏‎ ‎‏الکتاب » ، ممّا لا یکون فیـه بعث وتحریک أصلاً ، فإنّ ظاهره اشتراط الصلاة‏‎ ‎‏بالفاتحـة وعدم تحقّقها بدونها ، فمع عدم القدرة علیها یسقط الأمر المتعلّق بها ،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فیتمّ ما أفاده الوحید ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏وثانیاً : منع ما ذکره من اعتبار القدرة فی المجموع لقیام ملاک البعث‏‎ ‎‏المولوی بـه ، لأنّ البعث مطلقاً مولویّاً کان أو غیریّاً مشروط بالقدرة ، وکون‏‎ ‎‏المتعلّق فی البعث الغیری دخیلاً فی المطلوب الذاتی جزءً أو شرطاً لا نفس‏‎ ‎‏المطلوب الذاتی لا یوجب نفی اعتبار القدرة علیـه ، لأنّ اعتبارها إنّما هو لأجل‏‎ ‎‏نفس البعث والتحریک ، کما هو واضح .‏

‏فالإنصاف بطلان هذا الجواب ، وکذا فساد أصل التوجیـه . والظاهر أنّ‏‎ ‎‏مرجع کلام الوحید ‏‏قدس سره‏‏ إلی ما ذکرناه فتدبّر .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275
‏وکیف کان : فانقدح أنّ مرکز البحث إنّما هو فیما لو لم یکن لشیء من دلیلی‏‎ ‎‏المرکّب والجزء والشرط إطلاق أو کان لهما إطلاق مع عدم حکومـة أحد‏‎ ‎‏الإطلاقین علی الآخر . إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الکلام یقع فی مقامین :‏

أحدهما‏ : فیما تقتضیـه القواعد الأوّلیـة .‏

وثانیهما‏ : فیما تقتضیـه القواعد الثانویّـة .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276

  • )) راجع مناهج الوصول 1 : 140 ـ 174 .
  • )) عوالی اللآلی 1 : 196 / 2 ، مستدرک الوسائل 4 : 158 ، کتاب الصلاة ، أبواب القراءة فی الصلاة ، الباب 1 ، الحدیث 5 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 49 / 144 ، وسائل الشیعـة 1 : 365 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 250 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 356 ـ 366 .
  • )) اُنظر فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 251 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 251 ـ 253 .