تحریر محلّ النزاع
ولیعلم : أنّ محلّ الکلام ما إذا لم یکن لدلیل اعتبار ذلک الشیء جزءً أو شرطاً إطلاق ، وإلاّ فلا إشکال فی أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمرکّب مع الاضطرار إلی ترک ذلک الشیء ، وکذا ما إذا لم یکن لدلیل المرکّب إطلاق ، وإلاّ فلا إشکال فی أنّـه یقتضی الإتیان بـه ولو مع الاضطرار إلی ترک بعض أجزائـه أو شرائطـه بناءً علی ما هو التحقیق من کون الماهیات المأمور بها موضوعـة للأعمّ من الصحیح ، کما تقدّم فی مبحث الصحیح والأعمّ .
وأ مّا لو کان لکلا الدلیلین إطلاق ، فتارةً یکون لأحدهما تحکیم علی الآخر ، واُخری یکونان متعارضین ، فعلی الأوّل إن کان التقدّم لإطلاق دلیل المرکّب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 271
فحکمـه حکم ما إذا کان لـه إطلاق ، دون دلیل الجزء والشرط ، وإن کان التقدّم لإطلاق دلیل الجزء والشرط فحکمـه حکم ما إذا کان لـه إطلاق دون دلیل المرکّب .
ولا یخفی : أنّـه لا یکون التقدّم من أحد الجانبین کلّیاً ، لما عرفت وستعرف من أنّ الحکومـة متقوّمـة بلسان الدلیل ، ولسان دلیل المرکّب قد یکون متعرّضاً لحال دلیل الجزء أو الشرط کما إذا کان دلیل المرکّب مثل قولـه : « لا تـترک الصلاة بحال » مثلاً ، ودلیل اعتبار الجزء أو الشرط مثل قولـه : « ارکع فی الصلاة » أو « اسجد فیها » .
وقد یکون دلیل اعتبار الجزء متعرّضاً لحال دلیل المرکّب وحاکماً علیـه کما إذا کان دلیل الجزء مثل قولـه : « لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب » ، أو « لا صلاة إلاّ بطهور » ، ودلیل المرکّب مثل قولـه : « أقیموا الصلاة » فإنّـه حینئذٍ لا إشکال فی تقدّم دلیل الجزء فی هذه الصورة ؛ لأنّـه إنّما یدلّ بظاهره علی عدم تحقّق عنوان الصلاة مع کونها فاقدة لفاتحـة الکتاب ، ودلیل المرکّب إنّما یدلّ علی وجوب إقامـة الصلاة ، کما أنّـه فی الصورة الاُولی یکون الترجیح مع دلیل المرکّب ، لأنّ مقتضاه أنّـه لا یجوز ترکـه بحال ، ومقتضی دلیل الجزء مجرّد الأمر بالرکوع والسجود فی الصلاة مثلاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 272
وبالجملـة : لابدّ من ملاحظـة الدلیلین ، فقد یکون التقدّم لإطلاق دلیل المرکّب وقد یکون لإطلاق دلیل الجزء .
وأ مّا ما أفاده المحقّق النائینی علی ما فی التقریرات من أنّ إطلاق دلیل القید حاکم علی إطلاق دلیل المقیّد کحکومـة إطلاق القرینـة علی ذیها .
فیرد علیـه أوّلاً : أنّ ترجیح القرینـة علی ذیها لیس لحکومتها علیـه ، وإلاّ فیمکن ادّعاء العکس وأنّ ذا القرینـة حاکم علیها ، بل ترجیحها علیـه إنّما هو من باب ترجیح الأظهر علی الظاهر .
وثانیاً : ما عرفت من منع حکومـة إطلاق دلیل القید علی إطلاق دلیل المقیّد مطلقاً ، بل قد عرفت أنّـه قد یکون الأمر بالعکس .
وثالثاً : وضوح الفرق بین المقام وبین باب القرینـة ، فإنّ هنا یکون فی البین دلیلان مستقلاّن ، بخلاف باب القرینـة .
وکیف کان : فقد نسب إلی الوحید البهبهانی قدس سره التفصیل فیما لو کان لدلیل القید إطلاق بین ما إذا کانت القیود مستفادة من مثل قولـه : « لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب » ، و « لا صلاة إلاّ بطهور » ، وبین القیود المستفادة من مثل قولـه : « اسجد فی الصلاة » أو « ارکع فیها » ، أو « لا تلبس الحریر فیها » مثلاً وأمثال ذلک من الأوامر والنواهی الغیریّـة ، فحکم بسقوط الأمر بالمقیّد عند تعذّر القید فی الأوّل دون الثانی ، هذا .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 273
ولعلّ مرجع هذا الکلام إلی ما ذکرنا من أنّ لسان دلیل الجزء أو الشرط قد یکون بنحو الحکومـة علی دلیل المرکّب کما فی الصورة الاُولی ، وقد یکون الأمر بالعکس کما فی الصورة الثانیـة .
ولکن وجّهـه المحقّق النائینی بما ملخّصـه : أنّ الأمر الغیری المتعلّق بالجزء أو الشرط مقصورة بصورة التمکّن لاشتراط کلّ خطاب بالقدرة علی متعلّقـه ، فلابدّ من سقوط الأمر بالقید عند تعذّره ، ویبقی الأمر بالباقی . وهذا بخلاف ما لو کان القید مستفاداً من مثل قولـه : « لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب » ، فإنّـه لم یتعلّق أمر بالفاتحـة حتّی یشترط فیـه القدرة علیها ، بل إنّما اُفید ذلک بلسان الوضع لا التکلیف ، ولازم ذلک سقوط الأمر بالصلاة عند تعذّر الفاتحـة ، لعدم التمکّن من إیجاد الصلاة الصحیحـة عند عدم تمکّنـه من الفاتحـة .
وأجاب عنـه بأنّ القدرة إنّما تعتبر فی متعلّقات التکالیف النفسیّـة ، لکونها طلباً مولویّاً وبعثاً فعلیّاً نحو المتعلّق ، والعقل یستقلّ بقبح تکلیف العاجز ، وهذا بخلاف الخطابات الغیریّـة ، فإنّـه یمکن أن یقال : إنّ مفادها لیس إلاّ الإرشاد وبیان دخل متعلّقاتها فی متعلّقات الخطابات النفسیـة ، وفی الحقیقـة الخطابات الغیریّـة فی باب التکالیف وفی باب الوضع تکون بمنزلـة الإخبار من دون أن یکون فیها بعث وتحریک حتّی تقتضی القدرة علی متعلّقـه .
ثمّ إنّـه لو سلّم الفرق بین الخطابات الغیریّـة فی باب متعلّقات التکالیف وفی باب الوضعیّات وأنّها فی التکالیف تـتضمّن البعث والتحریک ، فلا إشکال فی أنّـه لیس فی آحاد الخطابات الغیریّـة ملاک البعث المولوی ، وإلاّ لخرجت عن کونها غیریّـة ، بل ملاک البعث المولوی قائم بالمجموع ، فالقدرة إنّما تعتبر أیضاً فی المجموع لا فی الآحاد ، وتعذّر البعض یوجب سلب القدرة عن المجموع ، ولازم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 274
ذلک سقوط الأمر منـه لا من خصوص ذلک البعض ، انتهی .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ ما أفاده من أنّ الخطابات الغیریّـة فی باب التکالیف وفی باب الوضع تکون بمنزلـة الإخبار من دون أن یکون فیها بعث وتحریک فممنوع جدّاً ، ضرورة أنّ الأوامر مطلقاً نفسیّـة کانت أو غیریّـة ، مولویّـة کانت أو إرشادیّـة إنّما تکون للبعث والتحریک کما مرّت الإشارة إلی ذلک سابقاً .
غایـة الأمر : أنّ الاختلاف بینهما إنّما هو باختلاف الأغراض والدواعی ، وأ مّا من جهـة البعث والتحریک فلا فرق بینهما أصلاً ، وحینئذٍ فیشترط فیـه عقلاً القدرة علی متعلّقـه ، وحیث إنّـه لا قدرة فی البین ، کما هو المفروض فاللازم سقوطـه وبقاء الأمر بالباقی ، بخلاف ما لو کان بمثل قولـه : « لا صلاة إلاّ بفاتحـة الکتاب » ، ممّا لا یکون فیـه بعث وتحریک أصلاً ، فإنّ ظاهره اشتراط الصلاة بالفاتحـة وعدم تحقّقها بدونها ، فمع عدم القدرة علیها یسقط الأمر المتعلّق بها ، وحینئذٍ فیتمّ ما أفاده الوحید قدس سره .
وثانیاً : منع ما ذکره من اعتبار القدرة فی المجموع لقیام ملاک البعث المولوی بـه ، لأنّ البعث مطلقاً مولویّاً کان أو غیریّاً مشروط بالقدرة ، وکون المتعلّق فی البعث الغیری دخیلاً فی المطلوب الذاتی جزءً أو شرطاً لا نفس المطلوب الذاتی لا یوجب نفی اعتبار القدرة علیـه ، لأنّ اعتبارها إنّما هو لأجل نفس البعث والتحریک ، کما هو واضح .
فالإنصاف بطلان هذا الجواب ، وکذا فساد أصل التوجیـه . والظاهر أنّ مرجع کلام الوحید قدس سره إلی ما ذکرناه فتدبّر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 275
وکیف کان : فانقدح أنّ مرکز البحث إنّما هو فیما لو لم یکن لشیء من دلیلی المرکّب والجزء والشرط إطلاق أو کان لهما إطلاق مع عدم حکومـة أحد الإطلاقین علی الآخر . إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الکلام یقع فی مقامین :
أحدهما : فیما تقتضیـه القواعد الأوّلیـة .
وثانیهما : فیما تقتضیـه القواعد الثانویّـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 276