مقتضی حدیث « لاتعاد »
وأمّا حدیث « لاتعاد » فیقع الکلام فی مدلولـه من جهات :
الاُولی : فی شموله لحال العمد وعدمه
فاعلم : أنّ شمولـه لهذا الحال ممّا لا محذور فیـه عقلاً ، ولا یلزم منـه کون أدلّـة الأجزاء والشرائط غیر الخمسـة المذکورة فی الحدیث واعتبارهما لغواً خالیاً عن الفائدة ، لإمکان أن تکون الصلاة المشتملـة علی تلک الخمسـة سبباً لحصول مرتبـة من المصلحـة ناقصـة ، بحیث لا یبقی معـه مجال لاستیفائها بالمرتبـة التامّـة ثانیاً .
فالمصلّی إذا ترک بعض الأجزاء الغیر الرکنیّـة عمداً یکون الإتیان بمثل هذه الصلاة موجباً لاستیفاء مرتبـة ناقصـة من المصلحـة ، ولا یتمکّن من إعادة الصلاة المشتملـة علی تلک الأجزاء لاستیفاء جمیع مراتب المصلحـة ، ومع ذلک یعاقب علی عدم استیفاء المصلحـة بمرتبتها الکاملـة ، لأنّ المفروض أنّ فوات تلک المرتبـة کان بسوء اختیاره . وهذا ـ أی عدم استیفاء المرتبـة العلیا من المصلحـة وجواز عقوبتـه علی ذلک ـ هو نتیجـة اعتبار تلک الأجزاء الغیر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 256
الرکنیّـة فی لصلاة ، فلم یکن شمول الحدیث لصورة العمد منافیاً مع اعتبار الأجزاء الغیر الرکنیّـة ، إلاّ أنّ الإنصاف انصراف الحدیث عن هذه الصورة واختصاصـه بغیرها .
الثانیة : فی شموله للجهل أو النسیان مطلقاً فی الحکم أو الموضوع
فاعلم : أنّ المحقّق المتقدّم نفی البعد فی کتاب صلاتـه عن دعوی انصراف الحدیث إلی الفعل الحاصل بالسهو والنسیان فی الموضوع . وقال فی بیانـه ما ملخّصـه : إنّ ذلک یبتنی علی مقدّمتین :
إحداهما : أنّ ظاهر قولـه علیه السلام : « لاتعاد » هو الصحّـة الواقعیّـة وکون الناقص مصداقاً واقعیّاً لامتثال أمر الصلاة ، ویؤیّده الأخبار الواردة فی نسیان الحمد حتّی رکع ، فإنّها حاکمـة بتمامیّـة الصلاة .
ثانیتهما : أنّ الظاهر من الصحیحـة أنّ الحکم إنّما یکون بعد الفراغ من الصلاة ، وإن أبیت من ذلک فلابدّ من اختصاصها بصورة لا یمکن تدارک المتروک ، کمن نسی القراءة ولم یذکر حتّی رکع ، فلا یمکن أن یکون مستنداً لجواز الدخول فی الصلاة ، بل یکون مستنداً لمن دخل فی الصلاة وقصد امتثال الأمر الواقعی باعتقاده ثمّ تبیّن الخلل فی شیء من الأجزاء والشرائط . فالعامد الملتفت خارج عن مصبّ الروایـة کالشاکّ فی وجوب جزء أو شرط أو الشاکّ فی وجود شرط بعد الفراغ عن شرطیّتـه ، فإنّ مرجع ذلک کلّـه إلی قواعد اُخر لابدّ أن یراعیها حتّی یجوز لـه الدخول فی الصلاة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257
نعم لو اعتقد عدم وجوب شیء أو عدم شرطیـة شیء أو کان ناسیاً لحکم شیء من الجزئیّـة والشرطیّـة یمکن توهّم شمول الصحیحـة .
لکن یدفعـه ما ذکرنا فی المقدّمـة الاُولی ، فإنّـه لا یعقل أن یقیّد الجزئیّـة والشرطیّـة بالعلم بهما بحیث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المرکّب ، لما کان الجزء جزءً ولا الشرط شرطاً .
نعم یمکن علی نحو التصویب الذی ادّعی الإجماع علی خلافـه ، بمعنی أنّ المجعول الواقعی وهو المرکّب التامّ یکون ثابتاً لکلّ أحد ، ولکن نسیان الحکم أو الغفلـة عنـه أو القطع بعدمـه بالجهل المرکّب صار سبباً لحدوث مصلحـة فی المرکّب الناقص علی حدّ المصلحـة فـی التامِّ، فیکون الإتیان بـه فی تلک الحالـة مجزیاً عن الواقع ، فیصحّ إطلاق التمامیّـة فی مقام الامتثال علی الناقص المأتی بـه ، وهذا الاحتمال مضافاً إلی ظهور کونـه خلاف الإجماع ینافیـه بعض الأخبار أیضاً .
فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ الأقسام المتوهّم دخولها فی عموم الصحیحـة بعضها خارج عن مصبّ الروایـة وبعضها خارج من جهـة اُخری ، ولا یبقی فیـه إلاّ السهو والنسیان والجهل المرکّب بالنسبـة إلی الموضوع ، انتهی ملخّص موضع الحاجـة من کلامـه ، زید فی علوّ مقامـه .
ویرد علی ما ذکره فی المقدّمـة الاُولی : منع ظهور الحدیث فی الصحّـة الواقعیّـة وکون الناقص مصداقاً واقعیّاً للصلاة المأمور بها ، وذلک لاشتمال الحدیث علی التعلیل بأنّ القراءة سنّـة ، والتشهّد سنّـة ، والسنّـة لا تنقض
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258
الفریضـة ، وهذا لتعلیل ظاهر فی أنّ الصلاة الفاقدة لمثل القراءة والتشهّد وإن کانت ناقصـة من جهـة فقدانها لبعض السنن المعتبرة فیها أو جمیعها ، إلاّ أنّـه لا یجب إعادتها مع ذلک ، لأنّ السنّـة لا تصلح لنقض الفریضـة ، فهی مع کونها ناقصـة إلاّ أنّـه لا یمکن إعادتها تامّـة .
وحینئذٍ فلا یلزم من شمول الحدیث للجاهل أو الناسی بالحکم التصویب الغیر المعقول ولا التصویب الذی أجمع علی خلافـه ، لأنّ المفروض کون صلاتهما ناقصـة فاقدة لبعض الأجزاء المعتبرة فیها فی جمیع الحالات .
نعم ما أفاده فی المقدّمـة الثانیـة من عدم شمول الحدیث للعامد الملتفت وعدم إمکان کونـه مستنداً لجواز الدخول فی الصلاة حقّ لا غبار علیـه .
وبالجملـة ، فالظاهر أنّـه لا مانع من شمول الحدیث لجمیع الأقسام بالنسبـة إلی من دخل فی الصلاة علی وفق القواعد الاُخر التی جوّزت لـه الدخول فی الصلاة .
نعم قد ادّعی الإجماع علی خروج الجاهل المقصّر فی الحکم ، ولکن لم یثبت الإجماع ، فالظاهر دخولـه أیضاً فی الحدیث ، فتدبّر .
الثالثة : فی شمول الحدیث للزیادة أو اختصاصه بالنقیصة
والاحتمالات البدویّـة المتصوّرة فی الحدیث ثلاثـة :
أحـدهـا : شمول الحـدیث للزیـادة والنقیصـة معـاً فـی جملـة المستثنی وکـذا المستثنی منـه .
ثانیها : اختصاصـه بالنقیصـة فی کلتا الجملتین .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 259
ثالثها : عموم المستثنی منـه للزیادة والنقیصـة ، واختصاص المستثنی بخصوص النقیصـة ، هذا .
وقد یقال بإمکان أن یدخل الزیادة فی المستثنی منـه ، لأنّها نقیصـة فی الصلاة من جهـة اعتبار عدمها فیها ، فمرجعـه إلی أنّ کلّ نقیصـة تدخل فی الصلاة سواء کان من جهـة عدم الإتیان بجزء أم قید ، وجودی أو عدمی فلا یضرّ بالصلاة إلاّ من نقص الخمسـة المذکورة ، فیکون زیادة الرکوع والسجود داخلـة فی المستثنی منـه ، هذا .
ولکن لا یخفی : أنّ المتفاهم بنظر العرف هو دخول الزیادة فی کلتا الجملتین وکون مرجع إخلال الزیادة إلی النقصان المأمـور بـه بسببها لا یوجب أن یکون کذلک بنظر العرف أیضاً وإن کان کذلک عند العقل ، فالزیادة فی نظر العرف مضرّة بما أنّها زیادة ، لا بما أنّ مرجعها إلی النقیصـة . فالإنصاف شمول الحدیث للزیادة فی کلتا الجملتین .
ودعـوی : أنّ مثـل الوقت والقبلـة المذکورین فـی جملـة الاُمور الخمسـة لا یعقل فیـه الزیادة ، فلابـدّ مـن کون المراد مـن الحـدیث هـی صورة النقیصـة .
مدفوعـة : بأنّ عدم تعقّل الزیادة فی مثلهما لا یوجب اختصاص الحدیث بصورة النقیصـة بعد کون الظاهر منـه عند العرف هو عدم وجوب الإعادة من قبل شیء من الأجزاء والشرائط زیادةً أو نقصاناً إلاّ من قبل تلک الاُمور الخمسـة کذلک ،کما هو غیر خفی .
فانقدح من جمیع ما ذکرنا : أنّ الحدیث لا یشمل العمد ، ولا یختصّ بناسی الموضوع ولا بالنقیصـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 260