مقتضی حدیث «‏لاتعاد‏»

مقتضی حدیث « لاتعاد »

‏ ‏

‏وأمّا حدیث « ‏لاتعاد‏ »‏‎[1]‎‏ فیقع الکلام فی مدلولـه من جهات :‏

‏ ‏

الاُولی : فی شموله لحال العمد وعدمه

‏ ‏

‏فاعلم : أنّ شمولـه لهذا الحال ممّا لا محذور فیـه عقلاً ، ولا یلزم منـه کون‏‎ ‎‏أدلّـة الأجزاء والشرائط غیر الخمسـة المذکورة فی الحدیث واعتبارهما لغواً‏‎ ‎‏خالیاً عن الفائدة ، لإمکان أن تکون الصلاة المشتملـة علی تلک الخمسـة سبباً‏‎ ‎‏لحصول مرتبـة من المصلحـة ناقصـة ، بحیث لا یبقی معـه مجال لاستیفائها‏‎ ‎‏بالمرتبـة التامّـة ثانیاً .‏

‏فالمصلّی إذا ترک بعض الأجزاء الغیر الرکنیّـة عمداً یکون الإتیان بمثل‏‎ ‎‏هذه الصلاة موجباً لاستیفاء مرتبـة ناقصـة من المصلحـة ، ولا یتمکّن من إعادة‏‎ ‎‏الصلاة المشتملـة علی تلک الأجزاء لاستیفاء جمیع مراتب المصلحـة ، ومع ذلک‏‎ ‎‏یعاقب علی عدم استیفاء المصلحـة بمرتبتها الکاملـة ، لأنّ المفروض أنّ فوات‏‎ ‎‏تلک المرتبـة کان بسوء اختیاره . وهذا ـ أی عدم استیفاء المرتبـة العلیا من‏‎ ‎‏المصلحـة وجواز عقوبتـه علی ذلک ـ هو نتیجـة اعتبار تلک الأجزاء الغیر‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 256
‏الرکنیّـة فی لصلاة ، فلم یکن شمول الحدیث لصورة العمد منافیاً مع اعتبار‏‎ ‎‏الأجزاء الغیر الرکنیّـة ، إلاّ أنّ الإنصاف انصراف الحدیث عن هذه الصورة‏‎ ‎‏واختصاصـه بغیرها .‏

‏ ‏

الثانیة : فی شموله للجهل أو النسیان مطلقاً فی الحکم أو الموضوع

‏ ‏

‏فاعلم : أنّ المحقّق المتقدّم نفی البعد فی کتاب صلاتـه عن دعوی انصراف‏‎ ‎‏الحدیث إلی الفعل الحاصل بالسهو والنسیان فی الموضوع . وقال فی بیانـه ما‏‎ ‎‏ملخّصـه : إنّ ذلک یبتنی علی مقدّمتین :‏

‏إحداهما : أنّ ظاهر قولـه ‏‏علیه السلام‏‏ : « ‏لاتعاد‏ » هو الصحّـة الواقعیّـة وکون‏‎ ‎‏الناقص مصداقاً واقعیّاً لامتثال أمر الصلاة ، ویؤیّده الأخبار‏‎[2]‎‏ الواردة فی نسیان‏‎ ‎‏الحمد حتّی رکع ، فإنّها حاکمـة بتمامیّـة الصلاة .‏

‏ثانیتهما : أنّ الظاهر من الصحیحـة أنّ الحکم إنّما یکون بعد الفراغ من‏‎ ‎‏الصلاة ، وإن أبیت من ذلک فلابدّ من اختصاصها بصورة لا یمکن تدارک المتروک ،‏‎ ‎‏کمن نسی القراءة ولم یذکر حتّی رکع ، فلا یمکن أن یکون مستنداً لجواز الدخول‏‎ ‎‏فی الصلاة ، بل یکون مستنداً لمن دخل فی الصلاة وقصد امتثال الأمر الواقعی‏‎ ‎‏باعتقاده ثمّ تبیّن الخلل فی شیء من الأجزاء والشرائط . فالعامد الملتفت خارج‏‎ ‎‏عن مصبّ الروایـة کالشاکّ فی وجوب جزء أو شرط أو الشاکّ فی وجود شرط بعد‏‎ ‎‏الفراغ عن شرطیّتـه ، فإنّ مرجع ذلک کلّـه إلی قواعد اُخر لابدّ أن یراعیها حتّی‏‎ ‎‏یجوز لـه الدخول فی الصلاة .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257
‏نعم لو اعتقد عدم وجوب شیء أو عدم شرطیـة شیء أو کان ناسیاً لحکم‏‎ ‎‏شیء من الجزئیّـة والشرطیّـة یمکن توهّم شمول الصحیحـة .‏

‏لکن یدفعـه ما ذکرنا فی المقدّمـة الاُولی ، فإنّـه لا یعقل أن یقیّد الجزئیّـة‏‎ ‎‏والشرطیّـة بالعلم بهما بحیث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المرکّب ، لما کان‏‎ ‎‏الجزء جزءً ولا الشرط شرطاً .‏

‏نعم یمکن علی نحو التصویب الذی ادّعی الإجماع علی خلافـه ، بمعنی أنّ‏‎ ‎‏المجعول الواقعی وهو المرکّب التامّ یکون ثابتاً لکلّ أحد ، ولکن نسیان الحکم أو‏‎ ‎‏الغفلـة عنـه أو القطع بعدمـه بالجهل المرکّب صار سبباً لحدوث مصلحـة فی‏‎ ‎‏المرکّب الناقص علی حدّ المصلحـة فـی التامِّ، فیکون الإتیان بـه فی تلک‏‎ ‎‏الحالـة مجزیاً عن الواقع ، فیصحّ إطلاق التمامیّـة فی مقام الامتثال علی الناقص‏‎ ‎‏المأتی بـه ، وهذا الاحتمال مضافاً إلی ظهور کونـه خلاف الإجماع ینافیـه بعض‏‎ ‎‏الأخبار أیضاً .‏

‏فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ الأقسام المتوهّم دخولها فی عموم الصحیحـة بعضها‏‎ ‎‏خارج عن مصبّ الروایـة وبعضها خارج من جهـة اُخری ، ولا یبقی فیـه إلاّ السهو‏‎ ‎‏والنسیان والجهل المرکّب بالنسبـة إلی الموضوع‏‎[3]‎‏ ، انتهی ملخّص موضع‏‎ ‎‏الحاجـة من کلامـه ، زید فی علوّ مقامـه .‏

‏ویرد علی ما ذکره فی المقدّمـة الاُولی : منع ظهور الحدیث فی الصحّـة‏‎ ‎‏الواقعیّـة وکون الناقص مصداقاً واقعیّاً للصلاة المأمور بها ، وذلک لاشتمال‏‎ ‎‏الحدیث علی التعلیل بأنّ القراءة سنّـة ، والتشهّد سنّـة ، والسنّـة لا تنقض‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258
‏الفریضـة ، وهذا لتعلیل ظاهر فی أنّ الصلاة الفاقدة لمثل القراءة والتشهّد وإن‏‎ ‎‏کانت ناقصـة من جهـة فقدانها لبعض السنن المعتبرة فیها أو جمیعها ، إلاّ أنّـه‏‎ ‎‏لا یجب إعادتها مع ذلک ، لأنّ السنّـة لا تصلح لنقض الفریضـة ، فهی مع کونها‏‎ ‎‏ناقصـة إلاّ أنّـه لا یمکن إعادتها تامّـة .‏

‏وحینئذٍ فلا یلزم من شمول الحدیث للجاهل أو الناسی بالحکم التصویب‏‎ ‎‏الغیر المعقول ولا التصویب الذی أجمع علی خلافـه ، لأنّ المفروض کون‏‎ ‎‏صلاتهما ناقصـة فاقدة لبعض الأجزاء المعتبرة فیها فی جمیع الحالات .‏

‏نعم ما أفاده فی المقدّمـة الثانیـة من عدم شمول الحدیث للعامد الملتفت‏‎ ‎‏وعدم إمکان کونـه مستنداً لجواز الدخول فی الصلاة حقّ لا غبار علیـه .‏

‏وبالجملـة ، فالظاهر أنّـه لا مانع من شمول الحدیث لجمیع الأقسام‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی من دخل فی الصلاة علی وفق القواعد الاُخر التی جوّزت لـه‏‎ ‎‏الدخول فی الصلاة .‏

‏نعم قد ادّعی الإجماع علی خروج الجاهل المقصّر فی الحکم ، ولکن لم‏‎ ‎‏یثبت الإجماع ، فالظاهر دخولـه أیضاً فی الحدیث ، فتدبّر .‏

‏ ‏

الثالثة : فی شمول الحدیث للزیادة أو اختصاصه بالنقیصة

‏ ‏

‏والاحتمالات البدویّـة المتصوّرة فی الحدیث ثلاثـة :‏

‏أحـدهـا : شمول الحـدیث للزیـادة والنقیصـة معـاً فـی جملـة المستثنی‏‎ ‎‏وکـذا المستثنی منـه .‏

‏ثانیها : اختصاصـه بالنقیصـة فی کلتا الجملتین .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 259
‏ثالثها : عموم المستثنی منـه للزیادة والنقیصـة ، واختصاص المستثنی‏‎ ‎‏بخصوص النقیصـة ، هذا .‏

‏وقد یقال بإمکان أن یدخل الزیادة فی المستثنی منـه ، لأنّها نقیصـة فی‏‎ ‎‏الصلاة من جهـة اعتبار عدمها فیها ، فمرجعـه إلی أنّ کلّ نقیصـة تدخل فی الصلاة‏‎ ‎‏سواء کان من جهـة عدم الإتیان بجزء أم قید ، وجودی أو عدمی فلا یضرّ بالصلاة‏‎ ‎‏إلاّ من نقص الخمسـة المذکورة ، فیکون زیادة الرکوع والسجود داخلـة فی‏‎ ‎‏المستثنی منـه ، هذا .‏

‏ولکن لا یخفی : أنّ المتفاهم بنظر العرف هو دخول الزیادة فی کلتا‏‎ ‎‏الجملتین وکون مرجع إخلال الزیادة إلی النقصان المأمـور بـه بسببها لا یوجب‏‎ ‎‏أن یکون کذلک بنظر العرف أیضاً وإن کان کذلک عند العقل ، فالزیادة فی نظر‏‎ ‎‏العرف مضرّة بما أنّها زیادة ، لا بما أنّ مرجعها إلی النقیصـة . فالإنصاف شمول‏‎ ‎‏الحدیث للزیادة فی کلتا الجملتین .‏

ودعـوی‏ : أنّ مثـل الوقت والقبلـة المذکورین فـی جملـة الاُمور الخمسـة‏‎ ‎‏لا یعقل فیـه الزیادة ، فلابـدّ مـن کون المراد مـن الحـدیث هـی صورة النقیصـة .‏

مدفوعـة‏ : بأنّ عدم تعقّل الزیادة فی مثلهما لا یوجب اختصاص الحدیث‏‎ ‎‏بصورة النقیصـة بعد کون الظاهر منـه عند العرف هو عدم وجوب الإعادة من قبل‏‎ ‎‏شیء من الأجزاء والشرائط زیادةً أو نقصاناً إلاّ من قبل تلک الاُمور الخمسـة‏‎ ‎‏کذلک ،کما هو غیر خفی .‏

‏فانقدح من جمیع ما ذکرنا : أنّ الحدیث لا یشمل العمد ، ولا یختصّ بناسی‏‎ ‎‏الموضوع ولا بالنقیصـة .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 260

  • )) عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسـة : الطهور ، والوقت ، والقبلـة ، والرکوع ، والسجود . . . » إلی آخره .تهذیب الأحکام 2 : 152 / 597 ، وسائل الشیعـة 7 : 234 ، کتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحدیث 4 .
  • )) راجع وسائل الشیعـة 6 : 90 ، کتاب الصلاة ، أبواب القراءة فی الصلاة ، الباب 29 .
  • )) الصلاة ، المحقّق الحائری : 316 ـ 317 .