مقتضی الأصل فی الزیادة
وأمّا الحکم المتعلّق بالزیادة فاعلم : أنّ الأصل الأوّلی فی الزیادة یقتضی عدم بطلان العمل بسببها ، سواء کانت عمدیّـة أو سهویّـة ، لأنّ المعتبر فی مقام الامتثـال کـون المأتی بـه مطابقاً للمأمـور بـه ، والبطلان إنّما ینتزع مـن عدم تطابقـه معـه ، والمفروض أنّ الزیادة غیر دخیلـة فی المأمور بـه .
نعم یمکن الشکّ فی اعتبار عدمهما فی الواجب . وحینئذٍ یرجع إلی الشکّ فی النقیصـة ، وقد مرّ حکمها .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 248
وبالجملـة : فالزیادة بما أنّها زیادة لا توجب الفساد والبطلان ، بخلاف النقیصـة التی عرفت أنّ الأصل الأوّلی فیها هو الفساد والبطلان .
ثـمّ إنّـه ربّما یتمسّک لصحّـة العمل مـع الزیـادة بالاستصحـاب ، وتقریره مـن وجوه :
أحدها : استصحاب عدم مانعیّـة الزیادة وعدم کونها مضادّة للمأمور بـه ، بتقریب أنّ ماهیّـة الزائد قبل تحقّقها فی الخارج لم تکن مانعـة وقاطعـة ، وبعد وجودها فیـه نشکّ فی اتّصافها بهذا الوصف ، فمقتضی الاستصحاب عدمـه ، وأنّ الماهیّـة الآن کما کانت قبل وجودها ، هذا .
وقد عرفت فیما سبق غیر مرّة : أنّ مثل هذا الاستصحاب لا یجری بناءً علی ما هو التحقیق ـ کاستصحاب عدم قرشیـة المرأة وعدم التذکیـة فی الحیوان ونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضیّـة المشکوکـة مع القضیّـة المتیقّنـة ، لأنّ القضیّـة المتیقّنـة هی السالبـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع ، وهی الآن متیقّنـة أیضاً ، والقضیـة المشکوکـة هی السالبـة مع وجود الموضوع ، وهی کانت فی السابق أیضاً مشکوکـة ، کما هو واضح .
ثانیها : استصحاب عدم وقوع المانع فی الصلاة ، لأنّها قبل إیجاد الزیادة لم یقع المانع فیها ، والآن نشکّ بسبب إیجاد الزیادة فی وقوعـه فیها ، ومقتضی الاستصحاب العدم .
ولو نوقش فی هذا الاستصحاب بتقریب أنّ عدم وقوع المانع فی الصلاة لا یثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها علی المانع ، والأثر إنّما یترتّب علی ذلک لا علی عدم وقوع المانع فی الصلاة ، نظیر استصحاب العدالـة لزیـد ، فإنّـه لا یثبت الموضوع للحکم الشرعی ، وهو کون زید عادلاً ، فیمکن الجواب عنـه :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 249
بأنّا ستصحب الصلاة المتقیّدة بعدم وقوع المانـع فیها لا مجـرّد عـدم وقوعـه فیها ، کما أنّـه یستصحب فی المثال کـون زید عادلاً ، لا عـدالته حتّی یکون الأصل مثبتاً ، هـذا .
ولکن یرد علی هذا التقریر مـن الاستصحاب : أنّـه أخصّ مـن المدّعی ، لأنّ مـورده مـا إذا حدث مـا یشکّ فی مانعیّتـه فی أثناء الصلاة ، وأمّا لـو کان مقارناً لها من أوّل الشروع فیها فلا یجری ، لعدم الحالـة السابقـة المتیقّنـة ، کما هو واضح .
ثمّ إنّـه قد یقال : بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفـة بخلوّها عن المانع إنّما یتمّ بناءً علی أن یکون المانع عبارة عمّا یکون عدمـه معتبراً فی المأمور بـه ، وأمّا لو کان المانع عبارة عمّا یکون وجوده مضادّاً للمأمور بـه ومانعاً عن تحقّقـه فلا یتمِّ، لأنّ استصحاب أحد الضدّین لا یثبت عدم الضدّ الآخر ، وکذا استصحاب عدم المانع لا یثبت وجود الضدّ الآخر الذی هو الصلاة ، هذا .
ولکن لا یخفی : أنّ المضادّة بین الحدث ـ مثلاً ـ وبین الصلاة التی هی مرکّبـة من التکبیر والقراءة ونحوهما من الأقوال والأفعال التی هی من الاُمور التکوینیـة ممّا لا نتصوّرها ، لأنّ معنی المضادّة هو کون وجود أحد الضدّین مانعاً عن تحقّق الضدّ الآخر کما فی الاُمور التکوینیّـة ، فإنّ تحقّق الرطوبـة مانع عن تحقّق الإحراق ، وهذا المعنی مفقود فی مثل المقام . ضرورة أنّ الصلاة یمکن أن تـتحقّق مع الحدث وبدونـه ، لأنّها لیست إلاّ عبارة عن بعض الأقوال والأفعال التی هی من الاُمور التکوینیـة ، فعدم تحقّقها مع الحدث لابدّ وأن یکون مستنداً إلی ثبوت قید فی الصلاة تمنع تحقّقـه معـه ، وإلاّ مع عدم تقیّدها بـه لا مجال لعدم تحقّقها معـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 250
فمانعیّـة الحدث ـ مثلاً ـ إنّما هی باعتبار کون الصلاة متقیّدة بعدمـه ، وإلاّ فلا یتصوّر أن یکون مانعاً أصلاً ، ولا یلزم من ذلک أن یکون العـدم مؤثّراً حتّی یقال بأنّ الاعدام لا تکون مؤثّرة ولا متأثّرة ، لأنّا لا ندّعی تأثیر العدم ، بل نقول : إنّ المأمور بـه محدود بحدّ لا یتحقّق إلاّ مع عدم المانع ، ولا یترتّب علیـه الأثـر إلاّ معـه .
ألا تری أنّـه لو أمر المولی بمعجون مرکّب من عدّة أجزاء التی من جملتها مقدار خاصّ من السمِّ، بحیث کان الزائد علی ذلک المقدار موجباً لعدم تأثیر المعجون ، بل مهلکاً ، فالزائد علی ذلک المقدار مانع عن تحقّقـه ، ومرجعـه إلی کونـه مقیّداً بعدمـه ، ومن الواضح أنّ المؤثّر فی تحقّق المعجون لیس هو ذلک المقدار مع عدم الزائد ، بل لیس المؤثّر إلاّ ذلک المقدار الخاصِّ، والزائد مضادّ لتحقّقـه من دون أن یکون عدمـه مؤثّراً ، کما هو واضح .
فانقدح : أنّـه لا ملازمـة بین کون دائرة المأمور بـه مضیّقـة ومحدودة بحدّ لا یتحقّق إلاّ مع عدم المانع ، وبین کون عدمـه مؤثّراً فی تحقّقـه ، کما هو واضح .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّـه بناءً علی کون المانع عبارة عمّا یکون وجوده مضادّاً للممنوع ومانعاً عن تحقّقـه لا مانع من جریان استصحاب الصلاة ، لأنّها متقیّدة بعدمها وهذا المقیّد کان موجودأ ، وبعد الإتیان بما یشکّ فی مانعیّتـه نشکّ فی بقائـه ، والأصل یقتضی البقاء ولا یکون الأصل مثبتاً .
ومن هنا یظهر أنّـه لا مانع من استصحاب الهیئـة الاتّصالیـة مع الشکّ فی قاطعیـة الأمر الموجود ، إذ مرجع القاطعیّـة إلی تقیّد الهیئـة الاتّصالیـة بعدم القاطع ، وإلاّ فلو فرض عدم التقیّد لا وجـه لکونـه قاطعاً لها .
وحینئذٍ فیستصحب هذا الأمر المقیّد . نعم بناءً علی القول بعدم رجوع المانع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 251
إلی تقیـید فی الممنوع بعدمـه لا مجال للاستصحاب ، لأنّ استصحاب عدم الضدّ لا یثبت وجود الضدّ الآخر وکذا العکس .
ثالثها : استصحـاب الصحّـة التأهلیّـة للأجـزاء السابقـة ، بتقریب أنّ الأجـزاء السابقـة کانت صحیحـة تأهّلاً وقابلـة للحوق الأجـزاء الاُخر إلیها ، وبعد تحقّق ما یشکّ فی مانعیّتـه نشکّ فی بقاء صحّتها وقابلیّتها ، فمقتضی الاستصحاب بقائها .
وأورد علی هذا التقریر الشیخ قدس سره فی الرسالـة بأنّ المستصحب إن کان صحّـة مجموع الصلاة فلم تـتحقّق بعد ، وإن کان صحّـة الأجـزاء السابقـة فهی غیر مجدیّـة ، لأنّ صحّـة تلک الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها ، وإمّا ترتّب الأثـر علیها ، والمراد بالأثـر المترتّب علیها حصول المرکّب بها منضمّـة مع باقی الأجزاء والشرائط .
ولا یخفـی أنّ الصحّـة بکلا المعنیـین ثابتـة للأجـزاء السابقـة ، لأنّها بعد وقوعها مطابقـة للأمـر المتعلّق بها لا تنقلب عمّا وقعت علیـه ، وهی بعد علی وجـه لو انضمّ إلیها تمام ما یعتبر فی الکلّ حصل الکلِّ، فعدم حصولـه لعدم انضمام تمام مـا یعتبر فی الکـلّ إلی تلک الأجـزاء لا یخلّ بصحّتها ، انتهی .
ویمکن دفع ذلک بأنّـه لا دلیل علی کون إیجاد المانع فی الصلاة مانعاً عن قابلیـة لحوق الأجزاء اللاحقـة إلی السابقـة من دون أن یکون لـه تأثیر فی الأجـزاء السابقـة أیضاً ، بل یمکن أن یقال : بأنّ المانـع کما یخرج الأجـزاء اللاحقـة عن اللحوق إلی السابقـة ، کذلک یخرج الأجزاء السابقـة عن قابلیّـة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 252
اللحوق بها ، فالمانع کالقاطع للحبل الرابط بین أجزاء السبحـة یمنع عن القابلیـة فی جمیع الأجزاء .
وحینئذٍ فمع تحقّق ما یشکّ فی مانعیّتـه لا مانع من استصحاب التأهلیّـة الثابتـة للأجزاء السابقـة قبل وجوده یقیناً ، فتدبّر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 253