کلام المحقّق العراقی فی تصویر وقوع الزیادة الحقیقیّة
ثمّ إنّ المحقّق العراقی قدس سره أفاد فی تصویر وقوع الزیادة الحقیقیّـة فی الأجزاء والشرائط کلاماً أوضحـه بما مهّده من اُمور ثلاثـة :
الأوّل : لا شبهـة فی أنّـه یعتبر فی صدق الزیادة الحقیقیـة فی الشیء أن یکون الزائد من سنخ المزید علیـه ، وبدونـه لا یکاد یصدق هذا العنوان ، ولذا لا یصدق علی الدهن الذی اُضیف إلیـه مقدار من الدبس أنّـه زاد فیـه إلاّ علی نحو من العنایـة . نعم الصادق إنّما هو عنوان الزیادة علی ما فی الظرف بعنوان کونـه مظروفاً ، لا بعنوان کونـه دهناً ، فقوام الزیادة حینئذٍ فی المرکّبات إنّما هو بکون الزائد من سنخ ما اعتبر جزءً أو شرطاً لها . فإذا کان المرکّب بنفسـه من
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 244
العناوین لقصدیّـة کالصلاة ـ مثلاً ـ علی ما هو التحقیق یحتاج فی صدق عنوان الزیادة فیها إلی قصد عنوان الصلاتیـة بالجزء المأتی بـه أیضاً ، وإلاّ لا یکون المأتی بـه حقیقـة من سنخ الصلاة ، فلا یصدق عنوان الزیادة .
الثانی : یعتبر أیضاً فی صدق عنوان الزیادة فی الشیء أن یکون المزید فیـه مشتملاً علی حدّ مخصوص ولو اعتباراً حتّی یصدق بالإضافـة إلیـه عنوان الزیادة وعدمها ، کما فی ماء النهر مثلاً ، فإنّـه لابدّ فی صدق هذا العنوان من أن یفرض للماء حدّ مخصوص ککونـه بالغاً إلی نقطـة کذا لیکون الزائد موجباً لانقلاب حدّه الخاصّ إلی حدّ آخر ، وإلاّ فبدون ذلک لا یصدق علیـه هذا العنوان ، وکذلک الأمر فی المرکّبات ، ففیها أیضاً لابدّ من اعتبار حدّ خاصّ فیما اعتبر جزء لها فی مقام اختراع المرکّب .
الثالث : أنّ أخذ الجزء أو الشرط فی المرکّب فی مقام اعتباره واختراعـه یتصوّر علی وجوه ثلاثـة :
أحدها : اعتبار کونـه جزءً أو شرطاً علی نحو « بشرط لا » من جهـة الزیادة فی مقام الوجود والتحقّق .
ثانیها : اعتبار کونـه جزءً علی نحو « لا بشرط » من طرف الزیادة ، علی معنی أنّـه لو زید علیـه لکان الزائد خارجاً عن ماهیّـة المرکّب باعتبار عدم تعلّق اللحاظ بالزائد فی مقام اعتباره جزءً للمرکّب ، کما لو فرض أنّـه اعتبر فی جعل ماهیّـة الصلاة الرکوع الواحد لا مقیّداً کونـه بشرط عدم الزیادة ولا طبیعـة الرکوع ، فإنّ فی مثلـه یکون الوجود الثانی من الرکوع خارجاً عن حقیقـة الصلاة ، لعدم تعلّق اللحاظ بـه فی مقام جعل ماهیّـة الصلاة .
ثالثها : اعتبار کونـه جزءً علی نحو « لا بشرط » بنحو لو زید علیـه لکان
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 245
الزائد أیضاً من المرکّب ، وداخلاً فیـه لا خارجاً عنـه ، کما لو اعتبر فی جعل ماهیّـة الصلاة طبیعـة الرکوع فی کلّ رکعـة منها الجامعـة بین الواحد والمتعدّد .
وبعدمـا عرفت ذلک نقول : إنّـه علـی الاعتبار الأوّل لا شبهـة فـی أنّـه لا مجال لتصوّر تحقّق الزیادة ، فإنّـه من جهـة اشتراطـه بعدم الزیادة فی مقام اعتباره جزءً للمرکّب تکون الزیادة فیـه موجبـة للإخلال بقیده ، فترجع إلی النقیصـة .
وکذلک الأمر علی الاعتبار الثانی ، فإنّـه وإن لم ترجع الزیادة فیـه إلی النقیصـة ، إلاّ أنّ عدم تصوّر الزیادة الحقیقیّـة إنّما هو لمکان عدم کون الزائد من سنخ المزید علیـه ، فإنّـه بعد خروج الوجود الثانی عن دائرة اللحاظ فی مقام جعل ماهیّـة الصلاة یستحیل اتّصاف الوجود الثانی بالصلاتیـة ، فلا یرتبط حینئذٍ بالصلاة حتّی یصدق علیـه عنوان الزیادة .
وأمّا علی الاعتبار الثالث فالظاهر أنّـه لا قصور فی تصوّر الزیادة الحقیقیّـة ، فإنّ المدار فی زیادة الشیء فی الشیء علی ما عرفت إنّما هو بکون الزائد من سنخ المزید فیـه مع کونـه موجباً لقلب حدّ إلی حدّ آخر ، وهذا لا فرق فیـه بین أن یکون الجزء مأخوذاً فی مقام الأمر والطلب بشرط لا ، أو علی نحو لا بشرط بالمعنی الأوّل ، أو اللابشرط بالمعنی الثانی .
وذلک علی الأوّلین ظاهر ، فإنّ الوجود الثانی من طبیعـة الجزء ممّا یصدق علیـه عنوان الزیادة بالنسبـة إلی ما اعتبر فی المأمور بـه من تحدید الجزء بالوجود الواحد ، حیث إنّـه بتعلّق الأمر بالصلاة المشتملـة علی رکوع واحد یتحدّد طبیعـة الصلاة بالقیاس إلی دائرة المأمـور بـه منها بحـدّ یکون الوجـود الثانی بالقیاس إلی لک الحدّ مـن الزیادة فی الصلاة الموجب لقلب حـدّه إلی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 246
حـدّ آخـر وإن لـم صـدق علیـه عنـوان الـزیادة بالنسبـة إلـی المأمـور بـه بما هـو مأمور بـه . غایـة ما هناک أنّـه علی الأوّل یکون الوجـود الثانی مـن الزیادات المضرّة بالمأمـور بـه من جهـة رجوعـه إلی الإخلال بـه من جهـة النقیصـة ، بخلافـه علـی الثانی ، فإنّـه لا یکون مـن الزیادات المبطلـة ، وإنّما غایتـه کونـه لغواً .
وکـذلک الأمـر علی الأخیـر ، إذ بانطبـاق صـرف الطبیعـی علـی الوجـود الأوّل فی الوجـودات المتعاقبـة یتحدّد دائـرة المرکّب والمأمـور بـه قهراً ، بحـدّ یکون الوجـود الثانـی بالقیاس إلیـه من الزیـادة فی المرکّب والمأمـور بـه فتأمّل ، انتهی ملخّصاً .
ویرد علیـه ـ مضافاً إلی عدم معقولیّـة الوجـه الثانی من الوجوه الثلاثـة التی صوّرها فی مقام أخذ الجزء أو الشرط فی المرکّب فی مقام اعتباره ، فإنّـه کیف یمکن الجمع بین کون المعتبر فی جعل ماهیّـة الصلاة الرکوع المتّصف بوصف الوحدة وبین کونـه علی نحو لا بشرط من جهـة الزیادة . فإنّـه لو کان قید الوحدة معتبراً لکان الرکوع المعتبر ، بشرط لا من جهـة الزیادة ، فیرجع إلی الوجـه الأوّل ، وإن لم یکن فمرجعـه إلی الوجـه الثالث ، فلا یکون الوجـه الثانی وجهاً فی حیالهما . ومضافاً إلی أنّ مقتضی الوجـه الثالث لیس کون الزائد أیضاً داخلاً فی المرکّب لأنّـه لو فرض کون المعتبر فی المرکّب هی طبیعـة الرکوع بما هی هی لکان مقتضی ذلک هو صیرورة الوجود الأوّل جزءً ، واتصاف الوجود الثانی بالجزئیّـة موقوف علی اعتبار شیء آخر مع الطبیعـة ، والمفروض عدمـه ـ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 247
أنّ لزیادة التی هی مورد للبحث هی الزیادة فی المکتوبـة أی المأمور بـه ، وحینئذٍ فلابدّ من ملاحظـة مقام الأمر والطلب ، ومجرّد تصویر الزیادة بناءً علی الاعتبار الثالث فی مقام التحدید والاعتبار لا یجدی بالنسبـة إلی مقام الأمر والطلب ، کما هو واضح .
فلو کان فی هذا المقام قد اُخذ الجزء بشرط لا أو لا بشرط بالمعنی الأوّل لا یمکن تحقّق الزیادة بناءً علی ما ذکره من عدم تصوّرها فی الوجهین الأوّلین ، مضافاً إلی أنّـه لو کان الأمر مطابقاً للاعتبار الثالث الذی تصوّر فیـه الزیادة لا یکون أیضاً من الزیادة فی المکتوبـة بما أنّها مکتوبـة ، لأنّ الزائد إن اتّصف بوصف الجزئیّـة لا یکون حینئذٍ زائداً علی المکتوبـة ، وإن لم یتّصف بـه فلا یکون جزءً ، ولا یتحقّق زیادة الجزء بناءً علی ما ذکره فی الأمر الأوّل من أنّـه یعتبر فی صدق عنوان الزیادة کون الزائد من سنخ المزید فیـه ، کما لایخفی .
فالإنصاف : أنّـه لا یمکن تصوّر الزیادة الحقیقیّـة أصلاً ، بل المتصوّر منها إنّما هی الزیادة بنظر العرف ، هذا بحسب الموضوع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 248