ا‏لمقام ا‏لثانی‏: فیما یقتضیه ا‏لأصل ا‏لشرعی فی ا‏لنقیصة ا‏لسهویّة

المقام الثانی : فیما یقتضیه الأصل الشرعی فی النقیصة السهویّة

‏ ‏

‏واعلم أنّ مورد البحث فی هذا المقام ما إذا کان للدلیل المثبت للجزئیـة‏‎ ‎‏إطلاق یشمل حال النسیان أیضاً ، بحیث لو لم یکن مثل حدیث الرفع‏‎[1]‎‏ فی البین‏‎ ‎‏لکان نحکم بعدم الاکتفاء بالمرکّب الناقص المأتی بـه فی حال النسیان ، لکونـه‏‎ ‎‏فاقداً للجزء المعتبر فیـه مطلقاً . غایـة الأمر أنّ محل البحث هنا أنّـه هل یمکن‏‎ ‎‏تقیـید إطلاقات أدلّـة الأجزاء بمثل حدیث الرفع المشتمل علی رفع النسیان حتّی‏‎ ‎‏یکون مقتضاه اختصاص الجزئیّـة بحال الذکر وکون المرکّب الناقص مصداقاً‏‎ ‎‏للمأمور بـه أم لا ؟ ولا یخفی أنّـه لابدّ فی إثبات أجزاء المرکّب الناقص أوّلاً : من‏‎ ‎‏الالتزام بکون حدیث الرفع قابلاً لتقیـید إطلاقات أدلّـة الأجزاء ، وثانیاً : من إثبات‏‎ ‎‏کون الباقی مصداقاً للمأمور بـه ، لأنّـه تمامـه . وتنقیحـه لیظهر ما هو الحقّ یتمّ‏‎ ‎‏برسم اُمور :‏

الأوّل‏ : أنّک قد عرفت فی إحدی مقدّمات الأقلّ والأکثر فی الأجزاء أنّ‏‎ ‎‏المرکّبات الاعتباریّـة عبارة عن الأشیاء المتخالفـة الحقائق . غایـة الأمر أنّـه‏‎ ‎‏لوحظ کونها شیئاً واحداً وأمراً فارداً لترتّب غرض واحد علی مجموعها ، وعرفت‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 237
‏أیضاً أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب الاعتباری أمر واحد . غایـة الأمر أنّـه یدعو إلی‏‎ ‎‏کلّ واحد من الأجزاء بعین دعوتـه إلی المرکّب ، لأنّها هو بعینـه ، ولا تغایر بینهما‏‎ ‎‏إلاّ بالاعتبار ، ولا یتوقّف دعوتـه إلی جزء علی کون الجزء الآخر أیضاً مدعوّاً ،‏‎ ‎‏بل دعوتـه إلی کلّ واحد من الأجزاء فی عرض دعوتـه إلی الآخر ، ولا تکون‏‎ ‎‏مرتبطـة بها ، کما لایخفی .‏

الثانی‏ : أنّ تقیـید إطلاقات أدلّـة الأجزاء بمثل حدیث الرفع یکون مرجعـه‏‎ ‎‏إلی أنّ الإرادة الاستعمالیـة فی تلک الأدلّـة وإن کانت مطلقـة شاملـة لحال‏‎ ‎‏النسیان أیضاً إلاّ أنّ حدیث الرفع یکشف عن قصر الإرادة الجدّیـة علی غیر حال‏‎ ‎‏النسیان . ولیس معنی رفع الجزئیـة فیـه أنّ الجزئیـة المطلقـة المطابقـة للإرادة‏‎ ‎‏الجدّیـة صارت مرفوعـة فی حال النسیان ، فإنّ ذلک من قبیل النسخ المستحیل ،‏‎ ‎‏بل معنی الرفع هو رفع ما ثبت بالقانون العامّ الکلّی المطابق للإرادة الاستعمالیـة ،‏‎ ‎‏وضمّ ذلک القانون إلی حدیث الرفع ینتج أنّ الإرادة الجدّیـة من أوّل الأمر کانت‏‎ ‎‏مقصورة بغیر صورة النسیان ، وهذا هو الشأن فی جمیع الأدلّـة الثانویّـة بالقیاس‏‎ ‎‏إلی الأدلّـة الأوّلیـة .‏

‏فنفی الحکم الحرجی بقولـه تعالی : ‏‏«‏‏ ‏وَمَا جَعَلَ عَلَیکُم فِی الدِّینِ مِن‎ ‎حَرَجٍ‏ ‏‏»‏‎[2]‎‏ مرجعـه إلی کون ذلک کاشفاً عن انحصار مقتضی الأدلّـة الأوّلیـة بغیر‏‎ ‎‏صورة الحرج .‏

‏غایـة الأمر أنّها القیت بصورة الإطلاق قانوناً ، کما هو کذلک فی القوانین‏‎ ‎‏الموضوعـة عند العقلاء ، وقد تقدّم فی مباحث العموم والخصوص شطر من‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 238
‏الکلام علی ذلک‏‎[3]‎‏ وأنّ معنی التخصیص یرجع إلی التخصیص بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏الإرادة الاستعمالیـة لا الجدّیـة ، فإنّها من أوّل الأمر لم تکن متعلّقـة بما یشمل‏‎ ‎‏مورد المخصّص أیضاً ، کما لایخفی .‏

الثالث‏ : أنّ معنی رفـع النسیان لیس راجعـاً إلی رفـع نفس النسیان التی‏‎ ‎‏هی صفـة منقدحـة فی النفس ، ولا إلی رفـع الآثـار المترتّبـة علیها ، بل معناه‏‎ ‎‏هـو رفـع المنسـی بما لـه مـن الآثـار المترتّبـة علیـه . فقـد وقـع فـی ذلک‏‎ ‎‏ادّعـاءان :‏

‏أحدهما : أنّ المنسی هو النسیان .‏

‏ثانیهما : ادّعاء أنّ المنسی إذا لم یترتّب علیـه أثر فی الشریعـة یکون کأنّـه‏‎ ‎‏لم یوجد فی عالم التشریع . وقد عرفت سابقاً أنّ المصحّح لهذا الادّعاء هو رفع‏‎ ‎‏جمیع الآثار المترتّبـة علیـه ، وأ مّا رفع بعض الآثار فلا یلائم رفع الموضوع الذی‏‎ ‎‏یترتّب علیـه الأثر ، کما هو واضح .‏

الرابع‏ : أنّ النسیان المتعلّق بشیء الموجب لعدم تحقّقـه فی الخارج هل هـو‏‎ ‎‏متعلّق بنفس طبیعـة ذلک الشیء مـن غیر مدخلیّـة الوجـود أو العدم ، أو‏‎ ‎‏یتعلّق بوجود تلک الطبیعـة ، أو یتعلّق بعدمها ؟ وجوه ، والظاهر هو الأوّل ، فإنّ‏‎ ‎‏الموجب لعدم تحقّق الطبیعـة فی الخارج هو الغفلـة والذهول عن نفس الطبیعـة ،‏‎ ‎‏لا الغفلـة عن وجـودها ، کیف والمفروض أنّـه لم یوجـد حتّی یتعلّق بوجـوده‏‎ ‎‏النسیان ، ولا الغفلـة عن عدمها ، کیف ولا یعقل أن یصیر الغفلـة عـن العدم موجباً‏‎ ‎‏لـه ، کما هو واضح .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 239
إذا تمهّد لک هذه الاُمور تعرف‏ : أنّ مقایسـة حدیث الرفع المشتمل علی رفع‏‎ ‎‏النسیان مع الأدلّـة الأوّلیـة المطلقـة الدالّـة علی جزئیـة الجزء المنسی مطلقاً ،‏‎ ‎‏یقتضی کون المرکّب الناقص المأتی بـه فی حال النسیان تمام المأمور بـه ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض کونـه معنوناً بعنوان الصلاة التی هی متعلّق الأمر . وقد عرفت أنّ الأمر‏‎ ‎‏الذی یدعو إلیها داعٍ إلی جمیع أجزائها ، ولا یتوقّف دعوتـه إلی جزء علی کون‏‎ ‎‏الجزء الآخر أیضاً مدعوّاً .‏

‏وقد عرفت أیضاً أنّ مقتضی حدیث الرفع تقیـید تلک الأدلّـة بحال الذکر‏‎ ‎‏وکون السورة المنسیّـة ـ مثلاً ـ معتبرة فی الصلاة فی خصوص هذا الحال ،‏‎ ‎‏فالصلاة الفاقدة للسورة المنسیّـة تمام المأمور بـه بالأمر المتعلّق بطبیعـة الصلاة‏‎ ‎‏المشترکـة بین التامّ والناقص .‏

‏ومن جمیع ما ذکرنا ینقدح الخلل فیما أفاده العَلَمان النائینی‏‎[4]‎‏ ‏‎ ‎‏والعراقی فی هذا المقام فی بیان عدم دلالـة الحدیث علی رفع الجزئیّـة فی‏‎ ‎‏حال النسیان .‏

‏ومحصّل ما أفاده المحقّق العراقی یرجع إلی وجوه ثلاثـة :‏

‏أحدها : أنّ الحدیث علی تقدیر کون المرفوع فیـه هو المنسی لا یمکن‏‎ ‎‏التمسّک بـه لإثبات الاجتزاء بالمأتی بـه فی حال النسیان ، لأنّ أثر وجود الجزء‏‎ ‎‏لا یکون إلاّ الصحّـة لا الجزئیّـة ، لأنّها من آثار طبیعـة الجزء لا من آثار وجود‏‎ ‎‏الجزء المنسی ، ورفع الصحّـة یقتضی البطلان ووجوب الإعادة .‏

‏ثانیها : أنّـه إن اُرید برفع الجزئیّـة والشرطیّـة رفعهما عن الجزء والشرط‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 240
‏المنسیّین فـی مقام الدخـل فی الملاک والمصلحـة فلا شبهـة فی أنّ هـذا الدخـل‏‎ ‎‏أمـر تکوینی غیر قابل لأن یتعلّق بـه الرفـع التشریعی .‏

‏وإن اُرید رفعهما بلحاظ انتزاعهما عن التکلیف الضمنی المتعلّق بالجزء‏‎ ‎‏والتقیّد بالشرط ، فیرد علیـه ما تقدّم من اختصاص الرفع فی الحدیث برفع ما لولاه‏‎ ‎‏یکون قابلاً للثبوت تکلیفاً أو وضعاً وعدم شمولـه للتکالیف المتعلّقـة بالمنسی فی‏‎ ‎‏حال النسیان ، لارتفاعها بمحض تعلّق النسیان ، بملاک استحالـة التکلیف‏‎ ‎‏بمالا یطاق .‏

‏ثالثها : أنّـه علی تقدیر تسلیم دلالـة الحدیث فغایـة ما یقتضیـه إنّما هو رفع‏‎ ‎‏إبقاء الأمر الفعلی والجزئیّـة الفعلیـة عن الجزء المنسی فی حال النسیان الملازم‏‎ ‎‏بمقتضی ارتباطیـة التکلیف لسقوط الأمر الفعلی عن البقیّـة أیضاً ما دام النسیان ،‏‎ ‎‏وأمّا اقتضاؤه لسقوط المنسی عن الجزئیـة والشرطیـة فی حال النسیان لطبیعـة‏‎ ‎‏الصلاة المأمور بها رأساً علی نحو یستـتبع تحدید دائرة الطبیعـة فی حال النسیان‏‎ ‎‏بالبقیّـة ویقتضی الأمر بإتیانها ، فلا ؛ بداهـة خروج ذلک عن عهدة حدیث الرفع ،‏‎ ‎‏لعدم تکفّل الحدیث لإثبات الوضع والتکلیف ، لأنّ شأنـه إنّما هو التکفّل للرفع‏‎ ‎‏محضاً‏‎[5]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

‏ویرد علی الوجـه الأوّل : ما عرفت من أنّ المرفوع فی باب الأجزاء هو‏‎ ‎‏المنسی وهو طبیعـة الأجزاء مع قطع النظر عن الوجود والعدم . ومعنی رفع‏‎ ‎‏الطبیعـة هو رفع الأثر الشرعی المترتّب علیها وهی الجزئیـة ، ولیس المنسی هو‏‎ ‎‏وجود الطبیعـة حتّی یقال : إنّ أثر وجود الجزء هی الصحّـة لا الجزئیـة . هذا‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 241
‏مضافاً إلی نّـه یمکن منع ذلک أیضاً ، فإنّ أثر الجزء الموجود أیضاً هی الجزئیـة‏‎ ‎‏لا الصحّـة ، لأنّها من الآثار العقلیّـة المنتزعـة عن مطابقـة المأتی بـه مع المأمور‏‎ ‎‏بـه ، وأمّا الأثر الشرعی فلیس إلاّ الجزئیّـة ، کما لایخفی .‏

‏وعلی الوجـه الثانی : أنّ ما ذکره فی الشقّ الثانی من التردید مخالف لما‏‎ ‎‏حقّقـه سابقاً من عدم الفرق فی إطلاق أدلّـة الأجزاء وشمولها لحال النسیان بین‏‎ ‎‏کونها بلسان الوضع أو بلسان الأمر بالتقریب المتقدّم فی کلامـه وإن کان هذا‏‎ ‎‏التقریب محلّ نظر من وجوه ، کما عرفت .‏

‏وعلی الوجـه الثالث : ما حقّقناه من الاُمور المتقدّمـة التی نتیجتها أنّ‏‎ ‎‏حدیث الرفع کالاستثناء بالنسبـة إلی الأدلّـة الأوّلیـة الدالّـة علی الأجزاء ، حیث‏‎ ‎‏إنّـه یخصّصها ویقیّدها بحال الذکر ، ولازم ذلک کون المأمور بـه فی حقّ الناسی‏‎ ‎‏هی الطبیعـة المنطبقـة علی الناقصـة ، ومع الإتیان بالمأمور بـه لا معنی لعدم‏‎ ‎‏الإجزاء ، کما هو واضح من أن یخفی .‏

‏فانقدح من جمیع ما ذکرنا : أنّ مقتضی الأصل الشرعی کالأصل العقلی هو‏‎ ‎‏الاجتزاء بالمرکّب الناقص وعدم لزوم الإعادة ، سواء کان النسیان مستوعباً للوقت‏‎ ‎‏أم لم یکن .‏

‏وقد عرفت أیضاً : أنّ قیاس المقام بما إذا لم یأت بالمأمور بـه رأساً فی‏‎ ‎‏النسیان الغیر المستوعب ، حیث إنّـه یجب الإتیان بـه بعد زوال النسیان قطعاً ،‏‎ ‎‏قیاس مع الفارق ، لأنّ فی المقام قد أتی بما هو المأمور بـه واقعاً .‏

‏غایـة الأمـر أنّ دائـرتـه محدودة فـی حـال النسیان بالبقیّـة ، وهـذا‏‎ ‎‏بخـلاف مـا إذا لم یـأت بـه أصـلاً ، فإنّـه لم یـأت بشـیء حتّی نحکم بالإجـزاء ،‏‎ ‎‏کمـا هـو واضح .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 242

  • )) الخصال : 417 / 9 ، وسائل الشیعـة 15 : 369 ، کتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحدیث 1 .
  • )) الحجّ ( 22 ) : 78 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 282 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 223 ـ 228 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 428 ـ 429 .