ردّ تفصیل المحققّ النائینی بین استیعاب النسیان لجمیع الوقت وعدمه
ثمّ إنّـه قد مرّت الإشارة إلی أنّ محـلّ الکلام فی جـریان البراءة العقلیّـة فـی المقام هو ما إذا لم یکن لشیء مـن دلیلی المرکّب والأجـزاء إطـلاق ، وإلاّ فلا مجال لها أصلاً ، کما هو واضح . ومع عدم ثبوت الإطلاق لا فرق فی جریانها بین کون النسیان مستوعباً لجمیع الوقت أو لم یکن کذلک ، خلافاً لما صرّح بـه المحقّق النائینی مـن التفصیل ، بیـن الصورتین حیث إنّـه بعـد اختیار جـریان البراءة قال ما ملخّصـه :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229
إنّ أقصی ما تقتضیـه أصالـة البراءة هو رفع الجزئیـة فی حال النسیان فقط ، ولا تقتضی رفعها فی تمام الوقت إلاّ مع استیعاب النسیان لتمام الوقت ، فلو تذکّر فی أثنائـه بمقدار یمکنـه إیجاد الطبیعـة بتمام ما لها من الأجزاء فأصالـة البراءة عن الجزء المنسی فی حال النسیان لا تقتضی عدم وجوب الفرد التامّ فی ظرف التذکّر ، بل مقتضی إطلاق الأدلّـة وجوبـه ، لأنّ المأمور بـه هو صرف وجود الطبیعـة التامّـة الأجزاء والشرائط فی مجموع الوقت ، ویکفی فی وجوب ذلک التمکّن من إیجادها کذلک ولو فی جزء من الوقت ، ولا یعتبر التمکّن من ذلک فی جمیع الآنات .
والحاصل أنّ رفع الجزئیّـة فی حال النسیان لا یلازم رفعها فی ظرف التذکـر ، لأنّ الشکّ فـی الأوّل یرجـع إلی ثبوت الجزئیّـة فی حـال النسیان ، وفی الثانی یرجع إلی سقوط التکلیف بالجزء فی حال الذکر ، والأوّل مجری البراءة ، والثانی مجـری الاشتغال . هـذا إذا لم یکن ذاکـراً فـی أوّل الوقت ثمّ عـرض لـه النسیان فی الأثناء ، وإلاّ فیجـری استصحاب التکلیف الثابت علیـه فـی أوّل الـوقت ، للشـکّ فـی سقـوطـه بسبب النسیـان الطـارئ الـزائـل فـی الوقت ، انتهی .
وفیـه : أنّک عرفت أنّ محلّ الکلام هو ما إذا لم یکن للدلیل المثبت للجزئیـة إطلاق ، وإلاّ فلا مجال لأصالـة البراءة العقلیّـة مطلقاً ، ومع عدم الإطلاق ، کما هو المفروض نقول : لاموقع لهذا التفصیل ، لأنّ الناسی فی حال النسیان لا إشکال فی عدم کونـه مکلّفاً بالمرکّب التامّ المشتمل علی الجزء
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230
المنسی ، لعدم کونـه قادراً علیـه ، بل إمّا أن نقول بعدم کونـه مأموراً بالمرکّب الناقص أیضاً ، کما حکی عن السیّد المحقّق المیرزا الشیرازی قدس سره . وإمّا أن نقول بکونـه مکلّفاً بما عدا الجزء المنسی ، کما حکی عن تقریرات بعض الأجلّـة لبحث الشیخ ، وإمّا أن نقول بما أفاده المحقّق الخراسانی الذی ارتضاه المحقّق النائینی من کون المکلّف بـه أوّلاً فی خصوص الذاکر والناسی هو خصوص ما عدا الجزء المنسی ، ویختصّ الذاکر بخطاب یخصّـه بالنسبـة إلی الجزء المنسی . وعلی التقادیر الثلاثـة تجری البراءة مطلقاً .
أمّا علی التقدیر الأوّل ، فلأنّـه بعد الإتیان بالفرد الناقص فی حال النسیان یشکّ فی أصل ثبوت التکلیف ، لاحتمال اختصاص اقتضاء الجزء المنسی بحال العمد ، وکذا علی التقدیر الثانی ، فإنّـه بعد الإتیان بما هو المأمور بـه بالنسبـة إلیـه یشکّ فی توجّـه الأمر بالمرکّب التامِّ، وهو مجری البراءة ، کما أنّـه بناءً علی التقدیر الثالث یشکّ فی کونـه مشمولاً للخطاب الآخر المختصّ بالذاکرین ، والمرجع فیـه لیس إلاّ البراءة .
وبالجملـة : لا مجال للإشکال فی سقوط الجزء عن الجزئیّـة فی حال النسیان وبعده یرجع الشکّ إلی الشکّ فی توجّـه الأمر المتعلّق بالفرد التامِّ.
نعم قد عرفت : أنّـه لو لم یأت بالمأمور بـه أصلاً فی حال النسیان لا یبقی شکّ فی عدم سقوط الأمر ، وهذا واضح ، وأمّا مع الإتیان بالفرد الناقص ـ کما هو المفروض ـ لا یعلم ببقاء الأمر وتوجّهـه إلیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 231
وأمّا ما ذکره من الاستصحاب فیما إذا کان ذاکراً فی أوّل الوقت ثمّ عرض لـه النسیان ، ففیـه أنّـه فی حال النسیان نقطع بارتفاعـه ، ونشکّ بعد الإتیان بالفرد الناقص وزوال النسیان فی عوده ، والأصل یقتضی البراءة ، کما هو واضح .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 232