إشکال الشیخ الأعظم فی المقام
وقد صرّح الشیخ فی الرسالـة بالأوّل ، محتجّاً بأنّ ما کان جزءً فی حال العمد کان جزءً فی حال الغفلـة ، فإذا انتفی ، انتفی المرکّب ، فلم یکن المأتی بـه موافقاً للمأمور بـه وهو معنی فساده . أمّا عموم جزئیّتـه لحال الغفلـة ، فلأنّ الغفلـة لا یوجب تغیـیر المأمور بـه . فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة فی الأثناء لم یتغیّر الأمر المتوجّـه إلیـه قبل الغفلـة ، ولم یحدث بالنسبـة إلیـه من الشارع أمر آخر حین الغفلـة ، لأنّـه غافل عن غفلتـه ، فالصلاة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 224
المأتی بها من غیرسورة غیر مأمور بها بأمر أصلاً . غایـة الأمر عدم استمرار الأمر الفعلی بالصلاة مع السورة إلیـه ، لاستحالـة تکلیف الغافل ، فالتکلیف ساقط عنـه ما دام الغفلـة ، نظیر من غفل عن الصلاة رأساً أو نام عنها ، فإذا التفت إلیها والوقت باق وجب علیـه لإتیان بـه بمقتضی الأمر الأوّل ، انتهی موضع الحاجـة من نقل کلامـه ، زید فی علوّ مقامـه .
واُجیب عنـه بوجوه کثیرة .
ولکنّ التحقیق فی الجواب أن یقال : إنّـه یمکن القول بجریان البراءة عن الجزئیّـة فی حال السهو مع عدم الالتزام باختصاص الغافل بخطاب آخر خاصّ بـه ، بل مع الالتزام بلغویّـة ذلک الخطاب علی تقدیر إمکانـه وعدم استحالتـه .
توضیحـه : أنّـه لو فرض ثبوت الفرق بین العالم والعامد وبین غیرهما فی الواقع ونفس الأمر ، بحیث کان المأمور بـه فی حقّ العامد هو المرکّب التام المشتمل علی السورة ، وفی حقّ الساهی هو المرکّب الناقص الغیر المشتمل علیها ، بحیث کانت السورة غیر مقتضیـة للجزئیّـة مطلقاً ، بل اقتضاؤها لها إنّما هو فی خصوص صورة العمد فقط .
فنقول : بأنّـه یمکن للمولی أن یتوصّل إلی مطلوبـه بتوجیـه الأمر بطبیعـة الصلاة إلی جمیع المکلّفین بقولـه مثلاً « أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَمسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ » غایـة الأمر أنّ هذا الأمر إنّما یحرّک العامد نحو الصلاة المشتملـة علی السورة ، لالتفاتـه إلی کونها جزءً لها ، ولا ینبعث منـه الساهی إلاّ بمقدار التفاتـه ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 225
وهو ما عدا الجزء المنسی ، فمع فرض انحصار الملاک فی المرکّب التامّ إلی حال العمد وثبوت الملاک فی المرکّب الناقص فی حال السهو لا یلزم علی المولی أن یوجّـه خطاباً آخر إلی النساة ، بل یکفی فی الوصول إلی غرضـه مجرّد توجیـه الأمر بطبیعـة الصلاة إلی جمیع المکلّفین ، بل نقول بلغویّـة الخطاب الآخر بعد کون الخطاب الأوّل وافیاً بجمیع المقصود .
فإذا ثبت جواز الاکتفاء بأمر واحد متوجّـه إلی الجمیع مع فرض اشتمال المأتی بـه لکلّ من العامد والساهی علی الملاک والمصلحـة . فنقول : لو شکّ فی ذلک وأنّ المرکّب الناقص هل یکون تمام المأمور بـه فی حال السهو أم لا ، فیجب الإعادة والإتیان بالمرکّب الناقص ، فمرجع ذلک الشکّ إلی الشکّ فی کون السورة جزءً فی حال النسیان أم لا ، فمع عدم إطلاق دلیل جزئیتها ، کما هو المفروض لا مانع من جریان البراءة فی حقّ الساهی ، لعین ما ذکر فی الأقلّ والأکثر فی الأجزاء ، ولا فرق بین المقامین أصلاً .
وهنا وجوه اُخر فی الجواب عن الإشکال الذی ذکره الشیخ قدس سره :
منها : ما حکی عن السیّد الأجلّ المیرزا الشیرازی قدس سره من عدم کون الغافل مخاطباً بخطاب ومأموراً بأمر ، لا بالمرکّب التامّ ولا بالمرکّب الناقص ؛ لعدم کونـه قادراً علی الإتیان بالمرکّب التامّ مع الغفلـة والذهول ، والتکلیف مشروط بالقدرة . وعدم إمکان توجیـه خطاب آخر إلیـه علی ما هو المفروض مـن استحالـة تخصیصـه بخطاب آخـر ، ففی حـال الغفلـة لا یکون مأمـوراً بشیء أصلاً . وأمّا بعد زوالها فنشکّ فی ثبوت التکلیف بالنسبـة إلیـه ، والمرجع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 226
عند الشکّ فی أصلالتکلیف هی البراءة .
نعم لو لم یأت فی حال الغفلـة بشیء أصلاً فمع ارتفاعها نقطع بثبوت التکلیف وإنّما الشکّ مع الإتیان بالمرکّب الناقص ، کما هو المفروض ، إذ معـه لانقطع بثبوت الاقتضاء والملاک بالنسبـة إلی المرکّب التامِّ، لأنّا نحتمل اختصاص جزئیّـة الجزء المنسی بحال العمد ، کما لایخفی .
وهذا الجواب وإن کان تامّاً من حیث دفـع إشکال الشیخ قدس سره لکن یرد علیـه ما عرفت من منع استحالـة کون الغافل مأموراً بالمرکّب الناقص ، إذ لا یلزم فی ذلک توجیـه خطاب آخر خاصّ بـه ، بل یکفی فیـه مجرّد الأمر بإقامـة الصلاة التی هی طبیعـة مشترکـة بین التامّ والناقص ، لأنّـه یدعو الذاکر إلی جمیع أجزائها ، والناسی إلی ما عدا الجـزء المنسی منها ، کما لا یخفی .
ومنها : ما حکاه المحقّق النائینی عن تقریرات بعض الأجلّـة لبحث الشیخ قدس سرهفی مسائل الخلل ، ومحصّلـه یرجع إلی إمکان أخذ الناسی عنواناً للمکلّف وتکلیفـه بما عدا الجزء المنسی ، لأنّ المانع من ذلک لیس إلاّ توهّم کون الناسی لا یلتفت إلی نسیانـه فی ذلک الحال ، فلا یمکنـه امتثال الأمر المتوجّـه إلیـه ، لأنّـه فرع الالتفات إلی ما اُخذ عنواناً للمکلّف .
ولکن یمکن أن یقال : بأنّ امتثال الأمر لا یتوقّف علی أن یکون المکلّف ملتفتاً إلی ما اُخذ عنواناً لـه بخصوصـه ، بل یمکن الالتفات إلی ما ینطبق علیـه من العنوان ولو کان من باب الخطأ فی التطبیق ، فیقصد الأمر المتوجّـه إلیـه بالعنوان الذی یعتقد أنّـه واجد لـه وإن أخطأ فی اعتقاده ، والناسی للجزء حیث
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 227
لم یلتفت إلی نسیانـه ، بل یری نفسـه ذاکراً فیقصد الأمر المتوجّـه إلیـه بتخیّل أنّـه أمر الذاکر ، فیؤول إلی الخطأ فی التطبیق ، نظیر الأمر بالأداء والقضاء فی مکان الآخر .
هذا ، وأجاب عنـه المحقّق المتقدّم بما حاصلـه : أنّـه یعتبر فی صحّـة البعث أن یکون قابلاً للانبعاث عنـه ، بحیث یمکن أن یصیر داعیاً لانقداح الإرادة وحرکـة العضلات نحو المأمور بـه ولو فی الجملـة ، وأمّا التکلیف الذی لا یصلح لأن یصیر داعیاً ومحرّکاً للإرادة فی وقت من الأوقات فهو قبیح مستهجن .
ومن المعلوم أنّ التکلیف بعنوان الناسی غیر قابل لأن یصیر داعیاً لانقداح الإرادة ، لأنّ الناسی لا یلتفت إلی نسیانـه فی جمیع الموارد ، فیلزم أن یکون التکلیف بما یکون امتثالـه دائماً من باب الخطأ فی التطبیق ، وهو کما تری ممّا لا یمکن الالتزام بـه ، وهذا بخلاف الأمر بالقضاء والأداء ، فإنّ الأمر قابل لأن یصیر داعیاً ومحرِّکاً للإرادة بعنوان الأداء أو القضاء ، لإمکان الالتفات إلی کونـه أداءً أو قضاءً .
نعم قد یتّفق الخطأ فی التطبیق ، وأین هذا من التکلیف بما یکون امتثالـه دائماً من باب الخطأ فی التطبیق کما فیما نحن فیـه ، فقیاس المقام بالأمر بالأداء أو القضاء لیس علی ما ینبغی ، انتهی .
هذا ولکن یرد علی هذا الجواب : أنّـه بعد تسلیم کون الباعث والمحرِّک للناسی دائماً إنّما هو الأمر الواقعی المتعلّق بالناسی لا مجال لما ذکره ، لعدم المانع من کون الخطأ فی التطبیق أمراً دائمیاً ، إذ الملاک هو الانبعاث من البعث
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228
المتوجّـه إلیـه والمفروض تحقّقـه ، لعدم کونـه منبعثاً إلاّ عن الأمر الواقعی المتعلّق بخصوص الناسی ، فمع تسلیم باعثیّـة ذلک الأمر لا موقع لهذا الإشکال ، کما هو واضح .
نعم یرد علی هذا البعض المجیب عن إشکال الشیخ : منع کون المحرّک للناسی هو الأمر الواقعی المتعلّق بعنوانـه ، بل المحرّک لـه إنّما هو الأمر المتوجّـه إلی الذاکر ، لکونـه لا یری نفسـه إلاّ ذاکراً ، ضرورة أنّـه لو فرض عدم ذلک الأمر فی الواقع لکان الناسی أیضاً متحرّکاً ، فوجود ذلک الأمر وعدمـه سواء ، وهذا دلیل علی أنّ المحرّک لـه إنّما هو الأمر المحرّک للذاکر الواقعی بلا فرق بینهما من هذه الجهـة أصلاً .
نعم قد عرفت : أنّ تکلیفـه بما عدا الجزء المنسی لا یتوقّف علی أخذ الناسی عنواناً للمکلّف بتکلیف آخر خاصّ بـه ، بل یمکن التوصّل إلی هذا المطلوب بالأمر الواحد المتعلّق بطبیعـة الصلاة المشترکـة بین التامّ والناقص کما مرِّ، فتدبّر جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229