المطلب الرابع: دوران الأمربین الأقلّ والأکثر الارتباطی وکون الشبهة موضوعیّة

المطلب الرابع فی دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطی من جهة الاشتباه فی الاُمور الخارجیة وکون الشبهة موضوعیّة

‏ ‏

‏ولابدّ قبل الخوض فی المقصود من بیان المراد من دوران الأمر بین الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر الارتباطی فی الشبهـة الموضوعیـة والفرق بینـه وبین الشکّ فی الأسباب‏‎ ‎‏والمحصّلات ، فنقول :‏

‏قد عرفت أنّ المراد بالشکّ فی المحصّل أنّ الأمر قد تعلّق بشیء مبیّن‏‎ ‎‏معلوم ، غایـة الأمر أنّ تحقّقـه فی الواقع أو فی عالم الاعتبار یحتاج إلی مسبّب‏‎ ‎‏ومحصّل ، وهو قد یکون عقلیّاً أو عادیّاً وقد یکون شرعیّاً ، فذاک السبب والمحصّل‏‎ ‎‏لا یکون مأموراً بـه بوجـه ، بل المأمور بـه إنّما هو الأمر المتحصّل منـه . فإنّ‏‎ ‎‏الضربـة أو الضربتین اللتین تؤثّران فی قتل من اُمر بقتلـه لا تکونان مأموراً بهما‏‎ ‎‏أصلاً ، وهذا واضح لا یخفی .‏

‏وأمّا الشبهـة الموضوعیـة فی دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر الارتباطی‏‎ ‎‏فالشکّ فیها إنّما هو فی نفس تحقّق المأمور بـه وکون المأتی بـه مصداقاً لـه ، لا‏‎ ‎‏فی سبب تحقّقـه وعلّـة تحصّلـه کما فی الشکّ فی المحصّل ، فلو أمر المولی بإکرام‏‎ ‎‏العلماء علی سبیل العامّ المجموعی ، ودار أمرهم بین مائـة أو أزید للشکّ فی‏‎ ‎‏عالمیـة زید ـ مثلاً ـ فمرجع الشکّ حقیقةً إلی الشکّ فی کون إکرام مجموع العلماء‏‎ ‎‏الذی أمر بـه هل یتحقّق فی الخارج بالاقتصار علی إکرام المائـة ، أو لابدّ من ضمّ‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 215
‏إکرام زید المشکوک کونـه عالماً ، ولیس إکرام مجموع العلماء أمراً آخر متحصّلاً‏‎ ‎‏من إکرام المائـة أو مـع إضافـة الفرد المشکوک ، بل هـو عینـه ، فالشکّ فی‏‎ ‎‏الشبهـة الموضوعیـة إنّما هو فی نفس تحقّق المأمور بـه وانطباق عنوانـه علی‏‎ ‎‏المأتی بـه فی الخارج ، غایـة الأمر أنّ منشأ الشکّ هو الاشتباه فی الاُمور‏‎ ‎‏الخارجیـة .‏

‏وممّا ذکرنا من الفرق بین الشکّ فی المحصّل والشبهـة الموضوعیـة یظهر‏‎ ‎‏أنّ المثالین اللذین أوردهما الشیخ المحقّق الأنصاری ‏‏قدس سره‏‏ مثالاً للشبهـة‏‎ ‎‏الموضوعیـة لا غبار علیهما أصلاً حیث قال : ومنـه ـ یعنی من جملـة ما إذا أمر‏‎ ‎‏بمفهوم مبیّن مردّدمصداقـه بین الأقلّ والأکثر ـ ما إذا وجب صوم شهر هلالی‏‎ ‎‏ـ وهو ما بین الهلالین ـ فشکّ فی أنّـه ثلاثون أو ناقص ، ومثل ما أمر بالطهور لأجل‏‎ ‎‏الصلاة ـ أعنی الفعل الرافع للحدث أو المبیح للصلاة ـ فشکّ فی جزئیـة شیء‏‎ ‎‏للوضوء أو الغسل الرافعین‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

‏ضرورة أنّ دوران الأمر بین کون الشهر تامّاً أو ناقصاً لا یکون من قبیل‏‎ ‎‏التردید فی سبب المأمور بـه ومحصّلـه ، بل إنّما یکون التردید فی نفس تحقّق‏‎ ‎‏المأمور بـه ـ وهو صوم شهر هلالی ـ وأنّـه هل یتحقّق بالاقتصار علی الأقلّ أم لا‏‎ ‎‏ومنشأ الشکّ فیـه إنّما هو الاشتباه فی الاُمور الخارجیـة .‏

‏وأمّا المثال الثانی فالمراد منـه کما یقتضیـه التدبّر فی العبارة لیس أن‏‎ ‎‏یکون المأمور بـه هو الطهور الذی هو ضدّ الحدث ویتحقّق بالوضوء أو الغسل‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 216
‏حتّی یقال بأنّـه من قبیل الشکّ فی المحصّل ، کما فی تقریرات العَلمین النائینی‏‎[2]‎‏ ‏‎ ‎‏والعراقی‏‎[3]‎‏ بل المراد بـه هو کون المأمور بـه نفس الوضوء أو الغسل‏‎ ‎‏بما أنّهما رافعان للحدث أو مبیحان للصلاة ، والشکّ إنّما هـو فی نفس تحقّق‏‎ ‎‏المأمور بـه فی الخارج لا فی سببـه ومحصّلـه ، لأنّ الوضوء وکذا الغسل لا یکون‏‎ ‎‏لـه سبب ومحصّل .‏

‏نظیر ذلک ما إذا أمر المولی بالضرب القاتل لزید ، فتردّد الضرب الواقع فی‏‎ ‎‏الخارج بین أن یکون متّصفاً بهذا الوصف أم لم یکن ، فإنّ هذا التردید لا یکون‏‎ ‎‏راجعاً إلاّ إلی نفس تحقّق المأمور بـه فی الخارج ، لا إلی سببـه ، ضرورة أنّـه‏‎ ‎‏لا یکون لـه سبب ، بل الذی لـه سبب إنّما هو القتل ، والمفروض أنّـه لایکون‏‎ ‎‏مأمـوراً بـه ، بل المأمور بـه هـو الضرب القاتل ، وتحقّقـه بنفسـه مردّد فـی‏‎ ‎‏الخارج .‏

‏فالإنصاف أنّ المناقشـة فی هذا المثال ناشئـة من عدم ملاحظـة العبارة‏‎ ‎‏بتمامها وقصر النظر علی کلمـة الطهور وتخیّل کون المراد بـه هو الأمر المتحقّق‏‎ ‎‏بسبب الوضوء أو الغسل مع الغفلـة عن أنّـه ‏‏قدس سره‏‏ فسّره بالفعل الرافع أو المبیح ،‏‎ ‎‏وهو الوضوء أو الغسل .‏

‏إذا تقرّر ما ذکرنا من عدم رجوع الشبهـة الموضوعیـة إلی الشکّ فی‏‎ ‎‏المحصّل فنقول بعد توسعـة دائرة البحث فی مطلق الشبهات الموضوعیـة أعمّ‏‎ ‎‏مـن الاستقلالی والارتباطی : إنّ متعلّق التکلیف قد لا یکون لـه ارتباط‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217
‏بالموضوعات الخارجیـة کالصلاة ونحوها ، وقد یکون لـه ارتباط بها بأن کان لـه‏‎ ‎‏أیضاً متعلّق کإکرام العلماء حیث إنّـه أمر یرتبط بهم ، وعلی التقدیرین قد یکون‏‎ ‎‏التکلیف أمراً ، وقد یکون نهیاً وعلی التقادیر قد یکون متعلّق التکلیف أو متعلّقـه‏‎ ‎‏العموم بنحو الاستغراق أو بنحو العامّ المجموعی أو نفس الطبیعـة أو صرف‏‎ ‎‏وجودها .‏

‏وعلی أیّ تقدیر قد تکون الشبهـة حکمیّـة أو موضوعیـة ، وعلی أیّ حال‏‎ ‎‏قد یکون الشکّ فی أصل التکلیف وقد یکون فی الجزء أو فی الشرط أو فی المانع‏‎ ‎‏أو فی القاطع . والظاهر إمکان تصویر الشبهـة الموضوعیّـة فی الجمیع حتّی فی‏‎ ‎‏الأجزاء ، فإنّـه یمکن الشکّ بعد تعلّق الأمر بالصلاة مع السورة فی کون السورة‏‎ ‎‏الفلانیّـة من القرآن أم لا ؟‏

‏وکیف کان فقد عرفت حکم الشبهـة الحکمیـة .‏

‏وأمّا الشبهـة الموضوعیّـة فهل تجری فیها البراءة مطلقاً ، أو لا تجری‏‎ ‎‏مطلقاً ، أو یفصّل بین الموارد ؟ وجوه .‏

‏ذهب المحقّق العراقی علی ما فی التقریرات‏‎[4]‎‏ إلی جریان البراءة فیها ،‏‎ ‎‏سواء کانت الشبهـة من الأقلّ والأکثر الاستقلالی ، أو من الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏الارتباطی ، نظراً إلی أنّـه علی کلّ تقدیر یرجع الشکّ فی الموضوع الخارجی فی‏‎ ‎‏اتّصافـه بعنوان موضوع الکبری إلی الشکّ فی سعـة الحکم وضیقـه من ناحیـة‏‎ ‎‏الخطاب ، والمرجع فی مثلـه هی البراءة .‏

‏وقد یقال بعدم جریانها مطلقاً ، نظراً إلی أنّ وظیفـة الشارع لیس إلاّ بیان‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218
‏الکبریات فقط لا الصغریات أیضاً ، مثلاً إذا قال : أکرم العلماء ، أو لا تشرب الخمر‏‎ ‎‏فقد تمّ بیانـه بالنسبـة إلی وجوب إکرام کلّ عالم واقعی وبالنسبـة إلی حرمـة‏‎ ‎‏شرب جمیع أفراد الخمر الواقعی . ولا یلزم مع ذلک أن یبیّن للمکلّفین أفراد طبیعـة‏‎ ‎‏العالم وأنّ زیداً ـ مثلاً ـ عالم أم لا ، وکذا لا یلزم علیـه تعیـین الأفراد الواقعیّـة‏‎ ‎‏للخمر ، کما هو واضح .‏

‏وحینئذٍ : فبیان المولی قد تمّ بالنسبـة إلی جمیع الأفراد الواقعیّـة لموضوع‏‎ ‎‏الکبری ، ففی موارد الشکّ یلزم الاحتیاط بحکم العقل ، خروجاً من المخالفـة‏‎ ‎‏الاحتمالیـة الغیر الجائزة بعد تمامیـة الحجّـة ووصول البیان بالنسبـة إلی ما کان‏‎ ‎‏علی المولی بیانـه ، هذا .‏

‏والتحقیق : التفصیل بین الاستقلالی والارتباطی ، فتجری البراءة فی مثل‏‎ ‎‏أکرم العلماء ، إذا أخذ العامّ علی سبیل العام الاُصولی أی الاستغراقی ، ولا تجری‏‎ ‎‏إذا أخذ بنحو العامّ المجموعی .‏

‏والسرّ فیـه : أنّ المأمور بـه فی مثل أکرم کلّ عالم إنّما هو إکرام کلّ واحد‏‎ ‎‏من أفراد طبیعـة العالم بحیث کان إکرام کلّ واحد منها مأموراً بـه مستقلاًّ ، فهو‏‎ ‎‏بمنزلـة أکرم زیداً العالم وأکرم عمراً العالم وأکرم بکراً العالم وهکذا . غایـة الأمر‏‎ ‎‏أنّ الأمر توصّل إلی إفادة ذلک بأخذ مثل کلمـة « کلِّ» فی خطابـه ، وإلاّ فعنوان‏‎ ‎‏الکلّ لا یکون مطلوباً ومترتّباً علیـه الغرض ، بل هو عنوان مشیر إلی أفراد ما یلیـه‏‎ ‎‏من العالم وغیره ، وقد حقّقنا ذلک فی مبحث العموم والخصوص من مباحث‏‎ ‎‏الألفاظ‏‎[5]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219
‏وحینئذٍ : فلو شکّ فی فرد أنّـه عالم أم لا ، یکون مرجع هذا الشکّ إلی الشکّ‏‎ ‎‏فی أنّـه هل یجب إکرامـه أم لا ؟ ووظیفـة المولی وإن لم تکن إلاّ بیان الکبریات ،‏‎ ‎‏إلاّ أنّها بمجرّدها لا تکون حجّـة ما لم ینضمّ إلیـه العلم بالصغری وجداناً أو‏‎ ‎‏بطریق معتبر شرعی أو عقلی ، فقولـه : أکرم کلّ عالم ، وإن کان مفیداً لوجوب إکرام‏‎ ‎‏کلّ عالم واقعی ، إلاّ أنّـه لا یکون حجّـة بالنسبـة إلی الفرد المشکوک ،‏‎ ‎‏والمفروض أیضاً أنّ المأمور بـه لا یکون لـه عنوان شکّ فی تحقّقـه مع الإخلال‏‎ ‎‏بإکرام الفرد المشکوک ، لما عرفت من أنّ عنوان الکلّ عنوان مشیر إلی أفراد ما‏‎ ‎‏یلیـه من غیر أن یجب علینا تحصیلـه .‏

‏وهذا بخلاف العامّ المجموعی ، فإنّ المأمور بـه فیـه إنّما هو المجموع بما‏‎ ‎‏هو مجموع ، لکون الغرض مترتّباً علیـه ، ومع عدم إکرام الفرد المشکوک ، یشکّ فی‏‎ ‎‏تحقّق عنوان المأمور بـه ؛ لعدم العلم حینئذٍ بإکرام المجموع . والمفروض أنّ هذا‏‎ ‎‏العنوان مورد تعلّق الغرض والأمر ، وبعد العلم بأصل الاشتغال لا یکون مفرّ من‏‎ ‎‏إحراز حصول المأمور بـه ، وهو لا یتحقّق إلاّ بضمّ الفرد المشکوک ، والإخلال بـه‏‎ ‎‏إنّما هو کالاقتصار علی مجرّد احتمال إکرام بعض من کان عالماً قطعاً ، فکما أنّ‏‎ ‎‏هذا الاحتمال لا یجدی فی نظر العقل بعد إحراز کونـه عالماً ، کذلک مجرّد‏‎ ‎‏احتمال عدم کونـه عالماً لا ینفع فی عدم لزوم إکرامـه .‏

‏وممّا ذکرنا یظهر : أنّ الأقوی فی المثالین المتقدّمین‏‎[6]‎‏ اللذین أوردهما‏‎ ‎‏الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ هو لزوم الاحتیاط ؛ لأنّـه إذا کان الواجب علی المکلّف هو عنوان صوم‏‎ ‎‏بین الهلالین فاللازم علیـه تحصیلـه وعدم الاقتصار علی الأقلّ باحتمال کـون‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220
‏الشهر ناقصاً ، وکذا إذا وجب علیـه الطهور ـ بمعنی الفعل الرافع أو المبیح ـ‏‎ ‎‏فالواجب علیـه العلم بحصول عنوانـه ، وهو موقوف علی ضمّ القید المشکوک ، إذ‏‎ ‎‏بدونـه لا یعلم بتحقّق الوضوء أو الغسل الرافعین أو المبیحین .‏

‏إن قلت : ما الفرق بین هذا المقام الذی أوجبت فیـه الاحتیاط وبین ما‏‎ ‎‏تقدّم‏‎[7]‎‏ من دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر فی الأجزاء فی الشبهـة الحکمیـة ،‏‎ ‎‏حیث أجریت فیـه البراءة ؟‏

‏قلت : الفرق بینهما أنّ هناک مع الاقتصار علی الأقلّ لا یتحقّق خلل فی‏‎ ‎‏عنوان المأمور بـه کالصلاة ونحوها ، فإنّ ترک جلسـة الاستراحـة مع احتمال‏‎ ‎‏وجوبها لا یوجب خللاً فی حصول عنوان الصلاة .‏

‏نعم لو کان الجزء المشکوک بحیث یشکّ مع الإخلال بـه فی حصول عنوان‏‎ ‎‏المأمور بـه لنحکم بلزوم الإتیان بـه أیضاً ، کما فی المقام .‏

‏فالمناط والمیزان لجریان البراءة هو أن لا یکون الإخلال بالفرد المشکوک‏‎ ‎‏موجباً للشکّ فی تحقّق المأمور بـه أو العلم بتحقّق المنهی عنـه ، وقد تقدّم تحقیق‏‎ ‎‏ذلک وأنّ مقتضی الاُصول العملیّـة فی الشبهات الموضوعیّـة فی الأوامر والنواهی‏‎ ‎‏حسب اختلاف متعلّقاتهما من کونها نفس الطبیعـة أو صرف الوجود أو العامّ‏‎ ‎‏الاستغراقی أو المجموعی ماذا .‏

‏ولکن ذلک کلّـه فی التکالیف الاستقلالیّـة ، وأمّا التکالیف الغیریّـة ففی‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط یکون الحکم فیهما هو الحکم فی التکالیف النفسیّـة‏‎ ‎‏سالوجوبیّـة من عدم جواز الاکتفاء بالفرد المشکوک فیما لو کان الجزء هو نفس‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221
‏الطبیعـة أو رف وجودها ، وعدم وجوب الإتیان بـه فیما لو کان بنحو العامّ‏‎ ‎‏الاستغراقی ، وعدم جواز الإخلال بـه فیما لو کان بنحو العامّ المجموعی .‏

‏وأمّا الموانع والقواطع فاعلم أوّلاً : أنّـه قد یقال فی الفرق بینهما هو أنّ‏‎ ‎‏المانع ما یکون عدمـه معتبراً فی نفس المأمور بـه ، والقاطع ما یکون موجباً‏‎ ‎‏لانقطاع الهیئـة الاتصالیّـة المعتبرة فی المأمور بـه ، کانفصام الحبل الرابط بین‏‎ ‎‏أجزاء السبحـة . ونحن نقول : الأمر فی القاطع کما ذکر ، وأمّا المانع فنمنع کون‏‎ ‎‏عدمـه معتبراً فی المأمور بـه ، بل وجوده مضادّ لـه ومانع عن تحقّقـه ، نظیر الموانع‏‎ ‎‏فی الاُمور التکوینیـة ، فإنّ مانعیـة الرطوبـة عن الإحراق مرجعها إلی کونها‏‎ ‎‏بوجودها مضادّة لتحقّقـه ، لا کون عدمها شرطاً فیـه .‏

‏وکیف کان : فلو کان المانع عبارة عمّا یکون عدمـه معتبراً فمرجعـه حینئذٍ‏‎ ‎‏إلی الشرط ، ویجری فیـه ما یجری فیـه .‏

‏نعم حیث یکون الشرط حینئذٍ هو العدم فلابدّ من إحرازه ، وهو لا یتحقّق‏‎ ‎‏إلاّ بترک جمیع أفراد الطبیعـة لو کان المانع هو نفس الطبیعـة ، أو صرف وجودها ،‏‎ ‎‏أو بنحو العامّ المجموعی ، ولا یجوز الإتیان بالفرد المشکوک . نعم لو کان علی‏‎ ‎‏نحو العموم الاستغراقی لا بأس بالإتیان بـه ، لجریان البراءة بالنسبـة إلیـه ، کما‏‎ ‎‏عرفت .‏

‏وأمّا لو کان المانع عبارة عمّا یکون وجوده مضادّاً للمأمور بـه ومانعاً عن‏‎ ‎‏تحقّقـه فالتکلیف المتعلّق بـه حینئذٍ هو التکلیف التحریمی الغیری .‏

‏فلو کان متعلّقـه هو نفس الطبیعـة أو صرف وجودها أو العامّ الاستغراقی‏‎ ‎‏فلا بأس بالإتیان بما یشکّ فی کونـه مانعاً للاشتباه فی الاُمور الخارجیـة ،‏‎ ‎‏ولا یجوز الإتیان بشیء من الأفراد المعلومـة .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 222
‏وأمّا لو کان متعلّقـه هو العامّ المجموعی فیجوز الإتیان بجمیع الأفراد‏‎ ‎‏المعلومـة والاقتصار علی ترک الفرد المشکوک ، لعدم العلم حینئذٍ بتحقّق المنهی‏‎ ‎‏عنـه ، ولا یلزم فی النهی أن یعلم بعدم تحقّقـه ، بل اللازم هو أن لا یعلم بتحقّقـه ،‏‎ ‎‏وهذا بخلاف الأمر ، فإنّ اللازم فیـه هو العلم بتحقّق المأمور بـه ، للزوم الامتثال ،‏‎ ‎‏وهو لا یتحقّق بدون إحرازه ، کما هو واضح .‏

‏وممّا ذکرنا ظهر أنّ مسألـة الصلاة فی اللباس المشکوک کونـه من مأکول‏‎ ‎‏اللحم لا تبتنی علی النزاع فی المراد من المانع وأنّـه عبارة عمّا یکون عدمـه‏‎ ‎‏معتبراً أو ما یکون وجوده مضادّاً ؛ لما عرفت من جریان البراءة بناءً علی الأوّل‏‎ ‎‏أیضاً لو کان بنحو العموم الاستغراقی ، بل لابدّ مع ذلک من ملاحظـة کیفیّـة اعتبار‏‎ ‎‏غیر المأکول مانعاً ، فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 223

  • )) فرائد الاُصول 2 : 478 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 200 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 408 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 409 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 263 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 216 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 176 ـ 179 .