ا‏لمطلب ا‏لثانی: لو کان ا‏لأقلّ وا‏لأکثر من قبیل ا‏لمطلق وا‏لمشروط

المطلب الثانی فیما لو کان الأقلّ والأکثر من قبیل المطلق والمشروط أو الجنس والنوع ، أو الطبیعی والفرد

‏ ‏

‏کما إذا دار الأمر بین کون الواجب مطلق الصلاة أو هی مشروطـة بالطهارة‏‎ ‎‏مثلاً ، أو دار الأمر بین وجوب إطعام مطلق الحیوان أو الإنسان ، أو وجوب إکرام‏‎ ‎‏الإنسان أو خصوص زید ، ففی جریان البراءة العقلیّـة مطلقاً أو عدمـه کذلک ، أو‏‎ ‎‏التفصیل بین المطلق والمشروط وغیره بالجریان فی الأوّل دون غیره وجوه ،‏‎ ‎‏بل أقوال .‏

‏ولیعلم : أنّ الشرط قد یکون متّحداً مع المشروط فی الوجود الخارجی ،‏‎ ‎‏کالإیمان فی الرقبـة ، وقد یکون مغایراً معـه فی الوجود کالطهارة بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏الصلاة ، ولا فرق بینهما فی المقام . کما أنّـه لا فـرق فی المرکّبات التحلیلیـة بین‏‎ ‎‏أن تکون بسائط فی الخارج أم لم تکن ، کذلک لا فرق بین أن تکون الخصوصیّـة‏‎ ‎‏الزائدة محتاجـة إلی مؤونـة زائدة فی مقام الإثبات ، کبعض الألوان التی لم یوضع‏‎ ‎‏بإزائها لفظ مستقلِّ، بل تعرف بإضافـة لفظ اللون إلی شیء آخر ، أو لم تکن کذلک .‏

‏وکیف کان : فذهب المحقّق الخراسانی فی الکفایـة إلی عدم جریان البراءة‏‎ ‎‏العقلیّـة هنا مطلقاً ، وأنّـه أظهر من عدم الجریان فی الأقلّ والأکثر فی الأجزاء .‏

‏قال فی وجهـه ما نصّـه : فإنّ الانحلال المتوهّم فی الأقلّ والأکثر لا یکاد‏‎ ‎‏یتوهّم هاهنا ، بداهـة أنّ الأجزاء التحلیلیّـة لا تکاد تتّصف باللزوم من باب‏‎ ‎‏المقدّمـة عقلاً ، فالصلاة ـ مثلاً ـ فی ضمن الصلاة المشروطـة أو الخاصّـة‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 202
‏موجودة بعین وجودها وفی ضمن صلاة اُخری فاقدة لشرطها أو خصوصیّتها تکون‏‎ ‎‏متباینـة للمأمور بها ، کما لایخفی‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

‏وتوضیح عدم جریان البراءة فی المقام یتوقّف علی بیان مقدّمتین :‏

الاُولی‏ : أنّـه لابدّ فی الانحلال الموجب لجریان البراءة فی المشکوک أن‏‎ ‎‏یرجع العلم الإجمالی إلی العلم التفصیلی بأحد الطرفین والشکّ البدوی فی‏‎ ‎‏الآخر . وبعبارة اُخری : کان فی البین قدر متیقّن تفصیلاً ووقع الشکّ فی الزائد علی‏‎ ‎‏ذلک المقدار ، ضرورة أنّ بدون ذلک لا وجـه للإنحلال .‏

الثانیـة‏ : أنّ الطبیعی فی المتواطیات یتحصّص إلی حصص متعدّدة وآباء‏‎ ‎‏کذلک بعدد الأفراد ، بحیث کان المتحقّق فی ضمن کلّ فـرد حصّـة وأب خاصّ‏‎ ‎‏مـن الطبیعی المطلق غیر الحصّـة والأب المتحقّق فی ضمن فرد آخر ،‏‎ ‎‏کالحیوانیّـة الموجودة فی ضمن الإنسان بالإضافـة إلی الحیوانیـة الموجودة فی‏‎ ‎‏ضمن نوع آخر کالبقر والغنم ، وکالإنسانیـة المتحقّقـة فی ضمن زید بالقیاس إلی‏‎ ‎‏الإنسانیـة المتحقّقـة فی ضمن بکر وخالـد . فلا محالـة فی مفروض المقام‏‎ ‎‏لا یکاد یکون الطبیعی المطلق بما هو جامع الحصص والآباء القابل للانطباق علی‏‎ ‎‏حصّـة اُخری محفوظاً فی ضمن زید ؛ لأنّ ما هو محفوظ فی ضمنـه إنّما هی‏‎ ‎‏الحصّـة الخاصّـة من الطبیعی ، ومع تغایر هذه الحصّـة مع الحصّـة الاُخری‏‎ ‎‏المحفوظـة فی ضمن فرد آخر کیف یمکن دعوی اندراج البحث فی الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏ولو بحسب التحلیل .‏

‏بل الأمر فی مثل المقام ینتهی إلی العلم الإجمالی بتعلّق التکلیف إمّا‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 203
‏بخصوص حصّـة خاصـة ، أو بجامع الحصص والطبیعی علی الإطلاق بما هو قابل‏‎ ‎‏الانطباق علی حصّـة اُخری غیرها ، فیرجع الأمر إلی الدوران بین المتباینین ،‏‎ ‎‏فیجب فیـه الاحتیاط بإطعام خصوص زید مثلاً ، هذا .‏

‏ویرد علی هذه المقدّمـة : أنّ التحقیق فی باب الکلّی الطبیعی هو کونـه‏‎ ‎‏موجوداً فی الخارج بوصف الکثرة ، فإنّ زیداً إنسان وعمراً أیضاً إنسان ، وزید‏‎ ‎‏وعمرو إنسانان ؛ لأنّ الکلّی الطبیعی لیس إلاّ نفس الماهیّـة ، وهی بذاتها لا تکون‏‎ ‎‏واحدة ولا کثیرة . وحیث إنّها لا تکون بنفسها کذلک یجتمع مع الواحد ومع الکثیر ؛‏‎ ‎‏لأنّها لو کانت واحدة لم یکن یمکن أن تجتمع مع الکثیر ، ولو کانت کثیرة لا یکاد‏‎ ‎‏یمکن أن تجتمع مع الواحد ، فحیث لا تکون کثیرة بذاتها ولا واحدة بنفسها لا یأبی‏‎ ‎‏من الاجتماع معهما .‏

‏وبالجملـة : کلّ فرد من أفراد الإنسان ـ مثلاً ـ هو نفس ماهیّتـه مع‏‎ ‎‏خصوصیّـة زائدة ، فزید حیوان ناطق ، کما أنّ عمراً أیضاً کذلک ، ولا تکون الماهیّـة‏‎ ‎‏المتحقّقـة فی ضمن زید مغایرة للماهیّـة المتحقّقـة فی ضمن عمرو أصلاً ، فجمیع‏‎ ‎‏أفراد الإنسان یشترک فی هذه الجهـة ، ولا مباینـة بینها من هذه الحیثیـة أصلاً ،‏‎ ‎‏والطبیعی الجامع بینها یتّحد فی الخارج مع کلّ واحد منها ، ولا یکون واحداً‏‎ ‎‏بالوحدة العددیّـة کما زعمـه الرجل الهمدانی الذی صادفـه الشیخ الرئیس فی‏‎ ‎‏بلدة همدان ، حیث إنّـه تخیّل أنّ الطبیعی الجامع موجود فی الخارج بوصف‏‎ ‎‏الوحدة‏‎[2]‎‏ ، کما أنّ ما ذکر فی المقدّمـة الثانیـة من تحصّصـه بحصص متباینـة‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 204
‏وکونها آباء متعدّدة ممّا لا یکاد یتصوّر وإن أذعن بـه بعض الأعلام‏‎[3]‎‏ ، مضافاً إلی‏‎ ‎‏أنّـه خلاف ما صرّح بـه الفلاسفـة العظام ، وتعبیرهم بأنّ الطبیعی مع الأفراد‏‎ ‎‏کالآباء مع الأولاد إنّما یریدون بـه نفی ما زعمـه الرجل الهمدانی من کونـه أباً‏‎ ‎‏واحداً خارجاً ولـه أولاد متکثّرة ، لا کونـه ذا حصص متباینـة .‏

‏إذا عرفت ذلک یظهر لک وجود القدر المتیقّن فی مثل المقام ، فإنّـه لو دار‏‎ ‎‏الأمر بین وجوب إکرام مطلق الإنسان أو خصوص زید ، یکون إکرام طبیعـة‏‎ ‎‏الإنسان التی هی عبارة عن الحیوان الناطق مع قطع النظر عن الخصوصیّات‏‎ ‎‏المقارنـة معـه فی الوجود الخارجی معلوماً تفصیلاً ، والشکّ إنّما هو فی‏‎ ‎‏الخصوصیّـة الزائدة . کما أنّـه لو دار الأمر بین عتق مطلق الرقبـة أو خصوص‏‎ ‎‏الرقبـة المؤمنـة یکون وجوب عتق مطلق الرقبـة معلوماً تفصیلاً ، والشکّ إنّما هو‏‎ ‎‏فی وجوب الخصوصیّـة الزائدة وهی کونها مؤمنـة ، ضرورة أنّ الرقبـة الکافرة‏‎ ‎‏تشترک مع الرقبـة المؤمنـة فی أصل المصداقیـة لمطلق الرقبـة . نعم بینهما افتراق‏‎ ‎‏من جهات اُخری لا ترتبط بالطبیعی .‏

‏وحینئذٍ : فلا فرق بین هذه الموارد وبین الأقلّ والأکثر أصلاً . نعم بین تلک‏‎ ‎‏الموارد فرق من جهـة وضوح ذلک وخفائـه ، فإنّ الدوران بین المطلق والمشروط‏‎ ‎‏مع کون الشرط مغایراً فی الوجود الخارجی مع المشروط کالوضوء بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏الصلاة من أوضح تلک الموارد من جهـة احتیاجـه فی عالم الجعل والثبوت إلی‏‎ ‎‏لحاظ آخر ، کاحتیاجـه فی عالم الایصال والإثبات إلی مؤونـة زائدة ، بخلاف‏‎ ‎‏غیره من سائر الموارد .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 205
‏وأمّا من جهـة أصل وجود ما هو المناط فی جریان البراءة من ثبوت القدر‏‎ ‎‏المتیقّن فلا فرق بینها أصلاً .‏

‏وأمّا ما أفاده المحقّق النائینی من وجوب الاحتیاط فیما إذا کان الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر من قبیل الجنس والنوع ، لأنّ التردید بینهما وإن کان یرجع بالتحلیل‏‎ ‎‏العقلی إلی الأقلّ والأکثر ، إلاّ أنّـه خارجاً بنظر العرف یکون من التردید بین‏‎ ‎‏المتباینین ؛ لأنّ الإنسان بما لـه من المعنی المرتکز فی الذهن مباین للحیوان‏‎ ‎‏عرفاً ، فلو علم إجمالاً بوجوب إطعام الإنسان أو الحیوان فاللازم هو الاحتیاط‏‎ ‎‏بإطعام خصوص الإنسان ؛لأنّ ذلک جمع بین الأمرین ، فإنّ إطعام الإنسان یستلزم‏‎ ‎‏إطعام الحیوان أیضاً‏‎[4]‎‏ .‏

‏فیرد علیـه أوّلاً : أنّ التنافی بین الحیوان والإنسان بنظر العرف لو سلّم لا‏‎ ‎‏یوجب تعمیم الحکم لمطلق ما إذا دار الأمر بین الجنس والنوع ، فمن الممکن أن‏‎ ‎‏لا یکون بعض الأنواع منافیاً لجنسـه بنظر العرف أیضاً .‏

‏وثانیاً : لو سلّم التنافی فمقتضی القاعدة الحاکمـة بوجوب الاحتیاط الجمع‏‎ ‎‏بین الجنس والنوع بإطعام الحیوان والإنسان معاً فی المثال ، لا الاقتصار علی‏‎ ‎‏إطعام الإنسان فقط . وما أفاده من أنّ إطعام الإنسان یستلزم إطعام الحیوان أیضاً‏‎ ‎‏رجوع عمّا ذکره أوّلاً من المباینـة بینهما بنظر العرف ، فإنّ استلزامـه لذلک إنّما هو‏‎ ‎‏بملاحظـة التحلیل العقلی لا النظر العرفی ، کما لایخفی .‏

‏ثمّ إنّک عرفت ممّا تقدّم أنّ تمام المناط لجریان البراءة هو وجود القدر‏‎ ‎‏المتیقّن فی البین ، بلا فرق بین أن تکون الخصوصیّـة المشکوکـة من قبیل‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 206
‏الخصوصیّات المنوّعـة أو المفرّدة ، أو من الخصوصیّات العرضیّـة ، بل قد عرفت‏‎ ‎‏أوضحیّـة الجریان فی القسم الثانی .‏

‏کما أنّـه لا فرق فیـه ـ أی فی القسم الثانی ـ بین أن یکون القید المشکوک‏‎ ‎‏فیـه بحیث یمکن اتّصاف کلّ فرد من أفراد الطبیعی بـه کالقیام والقعود والإیمان‏‎ ‎‏والعدالـة ، وبین ما لم یکن کذلک کالهاشمیّـة ونحوها .‏

‏کما أنّـه لا فرق أیضاً بین أن یکون النوع المأخوذ متعلّقاً للتکلیف بنحو کان‏‎ ‎‏الجنس مأخوذاً فی ضمنـه أیضاً کالحیوان الناطق أو لم یکن کذلک کالإنسان .‏‎ ‎‏والسرّ فی الجریان فی الجمیع اشتراکـه فیما هو المناط .‏

‏وأمّا ما أفاده المحقّق العراقی من التفصیل فی الخصوصیّات العرضیّـة بین‏‎ ‎‏قسمیها لجریان البراءة فی القسم الأوّل دون الثانی‏‎[5]‎‏ ، فإنّما هو مبنی علی الأصل‏‎ ‎‏الذی زعمـه من الاختلاف بین الحصص وکون الحصّـة الواجدة لخصوصیّـة‏‎ ‎‏الهاشمیّـة مغایرة للحصّـة الفاقدة لها ، فدوران الأمر بین خصوص تلک الحصّـة‏‎ ‎‏والجامع بینها وبین الفاقد من قبیل الدوران بین التعیـین والتخیـیر ، ولکن عرفت أنّ‏‎ ‎‏ذلک بمکان من البطلان .‏

‏فتحصّل من جمیع ما ذکرناه فی المطلبین أنّ الحقّ جریان البراءة فی جمیع‏‎ ‎‏موارد الدوران بین الأقلّ والأکثر .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207

  • )) کفایـة الاُصول : 417 .
  • )) راجع رسائل ابن سینا : 463 ، الحکمـة المتعالیـة 1 : 273 ـ 274 ، شرح المنظومـة ، قسم الحکمـة : 99 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 397 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 208 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 399 .