الإشکالات الثمانیة علی جریان البراءة العقلیّة عن الأکثر ودفعها
ثمّ إنّ هنا إشکالات علی ذلک لابدّ من ذکرها والجواب عنها فنقول :
منها : أنّ الأمر فی باب الأقلّ والأکثر أیضاً دائر بین المتباینین ، لأنّ المرکّب من الأقلّ الذی هو الأمر الوحدانی الحاصل من ملاحظـة أجزائـه شیئاً واحداً یغایر المرکّب من الأکثر الذی مرجعـه إلی ملاحظـة الوحدة بین أجزائـه ، فالمرکّب من الأقلّ لـه صورة مغایرة للمرکّب من الأکثر ، فإذا دار الأمر بینهما یجب الاحتیاط بإتیان الأکثر .
ویظهر جواب هذا الإشکال من ملاحظـة ما ذکرنا ، فإنّ المرکّب من الأقلّ لیس لـه صورة تغایر نفس الأجزاء المرکّبـة منـه بحیث کان هنا أمران : الأجزاء التی یتحصّل منها المرکّب ، والصورة الحاصلـة منها ، بل لیس هنا إلاّ أمر واحد
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179
وهو نفس الأجزاء ، ولذا ذکرنا أنّ الأمر یدعو إلی الأجزاء بعین داعویّتـه إلی المرکّب ، لعدم التغایر بینهما . وهکذا المرکّب من الأکثر لیس لـه صورة مغایرة للأجزاء ، بل هو نفسها ، وحینئذٍ فلا یکون فی البین إلاّ الأجزاء التی دار أمرها بین الأقلّ والأکثر . فالمقام لا یکون من قبیل دوران الأمر بین المتباینین ، مضافاً إلی أنّـه لو کان من ذلک القبیل لکان مقتضاه الجمع بین الإتیان بالمرکّب من الأقلّ مرّة وبالمرکّب من الأکثر اُخری ، ولا یجوز الاکتفاء بالثانی ، کما أنّـه لا یجوز الاکتفاء بالأوّل .
ومنها : ما نسب إلی المحقّق صاحب الحاشیـة ـ وإن کانت عبارتها لا تنطبق علیـه ، بل هی ظاهرة فی وجـه آخر سیأتی التعرّض لـه ـ من أنّ العلم بوجـوب لأقلّ لا ینحلّ بـه العلم الإجمالی ، لتردّد وجوبـه بین المتباینین ، فإنّـه لا إشکال فی مباینـة الماهیّـة بشرط شیء للماهیّـة لا بشرط ، لأنّ أحدهما قسیم الآخر ، فلو کان متعلّق التکلیف هو الأقلّ فالتکلیف بـه إنّما یکون لا بشرط عن الزیادة ، ولو کان متعلّق التکلیف هو الأکثر فالتکلیف بالأقلّ إنّما یکون بشرط انضمامـه مع الزیادة ، فوجوب الأقلّ یکون مردّداً بین المتباینین باعتبار اختلاف سنخی الوجوب الملحوظ لا بشرط أو بشرط شیء . کما أنّ امتثال التکلیف المتعلّق بالأقلّ یختلف حسب اختلاف الوجوب المتعلّق به ، فإنّ امتثاله إنّما یکون بانضمام الزائد إلیـه إذا کان التکلیف بـه ملحوظاً بشرط شیء ، بخلاف ما إذا کان ملحوظاً لا بشرط ، فإنّـه لا یتوقّف امتثالـه علی انضمام الزائد إلیـه ، فیرجع الشکّ فی الأقلّ والأکثر الارتباطی إلی الشکّ بین المتباینین تکلیفاً وامتثالاً ، انتهی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180
ویرد علیـه مضافاً إلی ما وقع فی کلامـه من سوء التعبیر ، لأنّ الموصوف باللا بشرطیـة والبشرط شیئیـة لیس إلاّ متعلّق التکلیف وهو الأقلِّ، فإنّـه علی تقدیر تعلّق التکلیف بـه فقط یکون ملحوظاً لا بشرط ، وعلی تقدیر تعلّقـه بالأکثر یکون ملحوظاً بشرط شیء ، وأمّا التکلیف الذی هو عبارة عن البعث إلی المکلّف بـه أو الزجر عن المتعلّق فلا یکون موصوفاً لهذین الوصفین . ثمّ إنّ اتّصاف المتعلّق بهما أیضاً محلّ نظر ؛ لأنّ مرکز البحث هو ما إذا کان الأقلّ والأکثر من قبیل الجزء والکلّ لا الشرط والمشروط ، فالأکثر علی تقدیر کونـه متعلّقاً للتکلیف یکون بجمیع أجزائـه کذلک ، لا أنّ المتعلّق هو الأقلّ بشرط الزیادة علی أن یکون الزائد شرطاً .
وبالجملـة : فمورد النزاع هنا أنّ الزائد علی تقدیر ثبوتـه کان جزءً للمرکّب المأمور بـه والتعبیر بشرط شیء ظاهر فی أنّ الزائد شرط لا جزء .
وکیف کان فیرد علیـه ـ بعد الغضّ عمّا ذکر ـ منع ما نفی الإشکال عنـه مـن مباینـة الماهیّـة بشرط شیء للماهیّـة اللابشرط ، فإنّ ما یباین الماهیّـة بشرط شیء هو الماهیّـة اللابشرط القسمی ، وهی التی اعتبر معها عدم الاشتراط بوجود شیء أو نفیـه ، وأمّا الماهیّـة اللابشرط المقسمی ـ وهی الماهیّـة بذاتها مـن دون لحاظ شیء معها حتّی لحاظ عدم لحاظ شیء الذی یحتاج إلی لحاظ آخر غیر لحاظ الماهیّـة ـ فلا تباین الماهیّـة بشرط شیء . کیف وهی قسم لها ، ولا یعقل التنافی بین المقسم والقسم ، والمقام من هذا القبیل ، فإنّ الأقلّ علی تقدیر تعلّق التکلیف بـه کان الملحوظ هو نفسـه من دون لحاظ شیء آخر حتّی لحاظ عـدم لحاظ شیء آخر . وقـد عرفت أنّـه لا تنافی بینـه وبین الماهیّـة بشرط شیء .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181
ثمّ لو فرض التنافی فاللازم الجمع بینهما فـی مقام الامتثال والإتیان بالأقلّ من دون زیادة مرّة وبـه معها اُخری ، ولا یظنّ بالقائل الالتزام بـه ، کمالایخفی .
ثمّ إنّـه أجاب المحقّق النائینی قدس سره عن هذه الشبهـة بما حاصلـه : إنّ الماهیّـة لا بشرط والماهیّـة بشرط شیء لیسا من المتباینین الذین لا جامع بینهما ، لأنّ التقابل بینهما تقابل العدم والملکـة لا التضادِّ، فإنّ الماهیّـة لا بشرط لیس معناها لحاظ عدم انضمام شیء معها بحیث یؤخذ العدم قیداً فی الماهیّـة ، وإلاّ ترجع إلی الماهیّـة بشرط لا ، ویلزم تداخل أقسام الماهیّـة ، بل الماهیّـة لا بشرط معناها عدم لحاظ شیء معها ، ومن هنا قلنا : إنّ الإطلاق لیس أمراً وجودیاً ، بل هو عبارة عن عدم ذکر القید ، خلافاً لما ینسب إلی المشهور ، فالماهیّـة لا بشرط لیست مباینـة للماهیّـة بشرط شیء بحیث لا یوجد بینهما جامع ، بل یجمعهما نفس الماهیّـة ، والتقابل بینهما إنّما یکون بمجرّد الاعتبار واللحاظ ، وفی المقام یکون الأقلّ متیقّن الاعتبار علی کلّ حال ، سواء لوحظ الواجب لا بشرط أو بشرط شیء ، والتغایر الاعتباری لا یوجب خروج الأقلّ عن سکونـه متیقّن الاعتبار ، انتهی .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الماهیّـة اللابشرط کما اعترف بـه هو نفس الماهیّـة من دون أن یلحظ معها شیء آخر بنحو السلب البسیط لا الإیجاب العدولی ، وحینئذٍ فلا وجـه لما ذکره من أنّ الجامع بینها وبین الماهیّـة بشرط شیء هو نفس الماهیّـة ، لأنّ نفس الماهیّـة عبارة اُخری عن الماهیّـة اللابشرط ، إذ المراد بها
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182
هی الماهیّـة اللا بشرط المقسمی ، ولا یعقل الجامع بین القسم والمقسم هنا ، کما هو واضح .
نعم نفس الماهیّـة جامعـة للماهیّـة بشرط شیء والماهیّـة اللابشرط القسمی وهی التی لوحظت متقیّدة باللا بشرطیـة .
ثمّ إنّ تسلیم عدم ثبوت الجامع لو کان بین الماهیّـة لا بشرط والماهیّـة بشرط شیء نسبـة التضادِّ، لا تقابل العدم والملکـة محلّ منع ، فإنّ المتقابلین بالتضادّ أیضاً بینهما جامع جنسی کالسواد والبیاض ، فإنّـه یجمعهما جنسهما الذی هو اللون ، کما هو واضح .
ثمّ إنّ کون التقابل بین الماهیّـة اللا بشرط والماهیّـة البشرط شیء تقابل العدم والملکـة لا یوجب نفی وجوب الاحتیاط ، ألا تری أنّـه لو دار الأمر بین إکرام بصیر أو أعمی أو بین إکرام کوسج أو ملتح یجب الاحتیاط بإکرام کلیهما ، مع أنّ التقابل بینهما تقابل العدم والملکـة ، کما هو واضح .
ومنها : أنّ وجوب الأقلّ دائر بین کونـه نفسیّاً یترتّب علی مخالفـة الأمر المتعلّق بـه العقاب ، وبین کونـه غیریّاً لا یترتّب علی مخالفتـه شیء ، لأنّ العقاب إنّما هو علی ترک الواجب النفسی لا الغیری . وحینئذٍ فلا یعلم بلزوم الإتیان بالأقلّ علی أیّ تقدیر حتّی ینحلّ بـه العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ أو الأکثر ، فالعلم الإجمالی باقٍ علی حالـه ، ومقتضاه وجوب الاحتیاط بإتیان الأکثر .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ المرکّب کما أنّـه لیس لـه إلاّ وجود واحد هو عین وجود الأجزاء ، کذلک لا یکون لـه إلاّ عدم واحد ؛ لأنّ نقیض الواحد لا یکون إلاّ واحداً ، وإلاّ یلزم ارتفاع النقیضین ، وحینئذٍ فنقیض المرکّب إنّما هو عدم ذلک الوجود الواحد ، غایـة الأمر أنّ عدمـه تارة بعدم جمیع أجزائها ، واُخری بعدم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183
بعضها ،لوضوح اشتراک تارک الصلاة رأساً مع تارک رکوعها ـ مثلاً ـ فی عدم إتیان واحد منهما بالمرکّب الذی هو الصلاة .
وحینئذٍ نقول : ترک الأقلّ یعلم بترتّب العقاب علیـه ؛ إمّا من جهـة کونـه هو تمام المأمور بـه ، وإمّا من جهـة کون ترکـه هو عین ترک المأمور بـه الذی یترتّب علیـه العقاب ، فیترتّب العقاب علی ترکـه قطعاً ، وبـه ینحلّ العلم الإجمالی .
نعم لو کان الواجب فی الواقع هو الأکثر ولم یأت المکلّف إلاّ بالأقلّ اعتماداً علی حکم العقل بالبراءة فهو وإن کان تارکاً للمأمور بـه ، لأنّ ترکـه بعین ترک الجزء الزائد أیضاً إلاّ أنّ ترک المأمور بـه هنا إنّما هو لعذر ، بخلاف ترکـه بعدم الإتیان بالأقلِّ، فإنّـه لا یکون لعذر ، فهما مشترکان فی عـدم إتیانهما بالمأمور بـه ، لکن بینهما فرق من حیث العذر وعدمـه ، نظیر ما لو علم المکلّف بوجوب إنقاذ أحد الغریقین علی سبیل التخیـیر مع کـون الواجب فی الواقـع واحداً معیّناً منهما ، فإنّـه تارة یعصی المولی بعدم إنقاذ واحد منهما واُخری ینقذ غیر من یجب إنقاذه بحسب الواقع . ففی الصورتین وإن کان المأمور بـه قد ترک ولم یأت المکلّف بـه ، إلاّ أنّـه فی الصورة الثانیـة معذور فی المخالفـة دون الصورة الاُولی .
وثانیاً : لو سلّم دوران أمر الأقلّ بین کونـه نفسیّاً یترتّب علی مخالفتـه العقاب أو غیریّاً لا یترتّب علیـه ، کدوران شیء بین الواجب والمستحبِّ، إلاّ أنّا نقول : إنّ الملاک فی جریان حکم العقل بالبراءة المستند إلی قبح العقاب بلا بیان هل هو عدم البیان علی التکلیف ، أو عدم البیان علی العقوبـة ؟ لا سبیل إلی الثانی ؛ لأنّـه تصحّ العقوبـة فیما لو بیّن المولی التکلیف ، وإن لم یبیّن العقوبـة علیـه . ألا تری أنّـه لو ارتکب المکلّف واحداً من المحرّمات بتخیّل ضعف العقاب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184
المترتّب علی ارتکابـه لا إشکال فی صحّـة عقوبتـه المترتّبـة علیـه فی الواقع وإن کان من الشدّة بمکان .
وبالجملـة : فمستند حکم العقل بالبراءة لیس عدم البیان علی العقاب ، بل عدم البیان علی التکلیف ، والبیان علیـه موجود بالنسبـة إلی الأقلّ قطعاً ، ولذا لا یجوز ترکـه . وحینئذٍ فدوران أمر الأقلّ بین ترتّب العقاب علیـه لو کان نفسیّاً وعدم ترتّبـه لو کان غیریّاً لا یوجب أن لا یکون وجوبـه معلوماً ، ومع العلم بالوجوب لا یحکم العقل بالبراءة قطعاً ، فلزوم الإتیان بـه معلوم علی أیّ تقدیر ، وبـه ینحلّ العلم الإجمالی ، کما لایخفی .
ومنها : ما ذکره المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریرات المنسوبـة إلیـه ـ وهو ینحلّ إلی وجهین :
أحدهما : ما ذکره فی صدر کلامـه وملخّصـه : إنّ العقل یستقلّ بعدم کفایـة الامتثال الاحتمالی للتکلیف القطعی ، ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالی إنّما یقتضیـه التکلیف الاحتمالی ، وأمّا التکلیف القطعی فمقتضاه الامتثال القطعی ، لأنّ العلم باشتغال الذمّـة یستدعی العلم بالفراغ عقلاً ، ولا یکفی احتمال الفراغ ، ففی المقام لا یجوز الاقتصار علی الأقلّ عقلاً ، لأنّـه یشکّ فی الامتثال والخروج عن عهدة التکلیف المعلوم فی البین ، ولایحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ الخصوصیّـة الزائدة المشکوکـة . والعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ المردّد بین کونـه لا بشرط أو بشرط شیء هو عین العلم الإجمالی بالتکلیف المردّد بین الأقلّ والأکثر ، ومثل هذا العلم التفصیلی لا یعقل أن یوجب الانحلال ، لأنّـه یلزم أن یکون العلم الإجمالی موجباً لانحلال نفسـه .
ثانیهما : ما ذکره فی ذیل کلامـه وحاصلـه : إنّ الشکّ فی تعلّق التکلیف
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185
بالخصوصیـة الزائدة المشکوکـة من الجزء أو الشرط وإن کان عقلاً لا یقتضی التنجّز واستحقاق العقاب علی مخالفتـه من حیث هو ، للجهل بتعلّق التکلیف بـه ، إلاّ أنّ هناک جهـة اُخری تقتضی التنجیز والاستحقاق علی تقدیر تعلّق التکلیف بها ، وهی احتمال الارتباطیّـة وقیدیّـة الزائد للأقل ، فإنّ هذا الاحتمال بضمیمـة العلم الإجمالی یقتضی التنجیز واستحقاق العقاب عقلاً . فإنّـه لا رافع لهذا الاحتمال ، ولیس من وظیفـة العقل وضع القیدیّـة أو رفعها ، بل ذلک من وظیفـة الشارع ، ولا حکم للعقل من هذه الجهـة فیبقی حکمـه بلزوم الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم علی حالـه ، فلابدّ من ضمّ الخصوصیّـة الزائدة .
هذا ، ویرد علی التقریب الأوّل : أنّ الاشتغال الیقینی وإن کان مستدعیاً للبراءة الیقینیّـة ، إلاّ أنّ ذلک بمقدار ثبت الاشتغال بـه وقامت الحجّـة علیـه ، وأمّا ما لم تقم الحجّـة علیـه فلم یثبت الاشتغال بـه حتّی یستدعی البراءة الیقینیّـة عنـه ، کما لایخفی .
وما ذکره من أنّ العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ المردّد بین کونـه لا بشرط أو بشرط شیء هو عین العلم الإجمالی محلّ منع ، لما عرفت من أنّ المراد باللابشرط فی المقام هو اللا بشرط المقسمی الذی هو عبارة عن نفس الماهیّـة من دون أن یلحظ معها شیء علی نحو السلب البسیط لا الإیجاب العدولی . ومن المعلوم أنّ اللابشرط المقسمی لا یغایر مع البشرط شیء أصلاً ، لأنّ اللا بشرط یجتمع مع ألف شرط .
وحینئذٍ فالأقلّ المردّد بین کونـه لا بشرط أو بشرط شیء یعلم تفصیلاً
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
بوجوبـه بحیث لا إجمال فی ذلک عند العقل ولا یکون متردّداً فیـه أصلاً ، والخصوصیّـة الزائدة مشکوکـة بالشکّ البدوی .
وبالجملـة ، فالعلم الإجمالی إذا لوحظ طرفاه أو أطرافـه یکون کلّ واحد منهما أو منها مشکوکاً من حیث هو ، وفی المقام لا یکون کذلک ، لأنّ العقل لا یری إجمالاً بالنسبـة إلی وجوب الأقلّ أصلاً ، والأمر الزائد لا یکون إلاّ مشکوکاً بالشکّ البدوی .
والعجب أنّـه قدس سره أجاب عن الإشکال الذی نسبـه إلی صاحب الحاشیـة کما عرفت بعدم مباینـة الماهیّـة اللابشرط مع الماهیّـة بشرط شیء وقال : إنّ الأقلّ متیقّن الاعتبار علی کلّ حال ، سواء لوحظ لا بشرط أو بشرط الجزء الزائد ، وهنا أنکر الانحلال الذی مرجعـه إلی العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ علی کلّ حال والشکّ البدوی فی الزائد ، ولعمری أنّـه تنافر واضح وتهافت فاحش ، هذا .
ویرد علی التقریب الثانی : أنّـه کما أنّ تعلّق التکلیف بالخصوصیّـة الزائدة مشکوک وهو لا یقتضی التنجیز واستحقاق العقاب علی مخالفتـه من حیث هو ، کذلک احتمال الارتباطیّـة وقیدیّـة الزائد مورد لجریان البراءة بعد عدم قیام الحجّـة علیها ، لعدم الفرق بین نفس الجزء الزائد وحیثیتـه الارتباطیـة أصلاً ، لوجود ملاک جریان البراءة العقلیّـة وهو الجهل وعدم ثبوت البیان فیهما ، ولا یکون مقتضی جریانها هو رفع القیدیّـة حتّی یقال بأنّـه لیس من وظیفـة العقل وضع القیدیّـة ولا رفعها ، بل معنی جریانها هو قبح العقاب علی ترک المأمور بـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
من جهـة الإخلال بالخصوصیّـة الزائدة المشکوکـة بعد عدم ورود بیان علی ثبوتها وکونها دخیلاً فی المأمور بـه .
ومن جمیع ما ذکرنا یظهر الجواب عن تقریب آخر للاحتیاط ، وهو أنّ تعلّق التکلیف بالأقلّ معلوم ضرورة ، والاشتغال الیقینی بذلک یقتضی البراءة الیقینیّـة ، وهی لا تحصل إلاّ بضمّ الجزء الزائد المشکوک ، ضرورة أنّـه مع دخالتـه فی المأمور بـه لا یکون الإتیان بالأقلّ بمجد أصلاً .
والجواب : أنّ الشکّ فی حصول البراءة إنّما هو من جهـة مدخلیّـة الخصوصیّـة الزائدة ، وحیث إنّ دخالتها مشکوکـة ولم یرد من المولی بیان بالنسبـة إلیها فالعقاب علی ترک المأمور بـه من جهـة الإخلال بتلک الخصوصیـة لا یکون إلاّ عقاباً من دون بیان ومؤاخذة بلا برهان .
وبالجملـة : ما علم الاشتغال بـه یقیناً یحصل البراءة بالإتیان بـه کذلک ، وما لم یعلم الاشتغال بـه تجری البراءة العقلیّـة بالنسبـة إلیـه ، کما عرفت .
ومنها : ما أفاده الشیخ المحقّق صاحب الحاشیـة الکبیرة علی المعالم ، وملخّصـه : أنّ الأمر دائر بین تعلّق الوجوب بالأقلّ أو بالأکثر ، وعلی تقدیر تعلّقـه بالأکثر لا یکون الأقلّ بواجب ؛ لأنّ ما هو فی ضمن الأکثر إنّما هو الأجزاء التی ینحلّ إلیها الأقلّ لا نفس الأقلِّ، فإنّـه لا یکون فی ضمن الأکثر أصلاً ؛ لأنّ لـه صورة مغایرة لصورة الأکثر . ومع هذا التغایر لو کان الأقلّ والأکثر غیر ارتباطیـین لکنّا نحکم بالبراءة بالنسبـة إلی الزائد المشکوک ، لعدم توقّف حصول الغرض علی ضمّ الزائد ، بل الأقلّ یترتّب علیـه الغرض فی الجملـة ولو لم یکن متعلّقاً للتکلیف . وهذا بخلاف المقام ، فإنّـه لو کان الأمر متعلّقاً فی نفس الأمر بالأکثر لکان وجود الأقلّ کعدمـه فی عدم ترتّب شیء علیـه وعدم تأثیره فی حصول
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188
الغرض أصلاً . وحینئذٍ فمقتضی العلم الإجمالی بوجود التکلیف فی البین هو لزوم الإتیان بالأکثر تحصیلاً للبراءة الیقینیّـة ، انتهی .
ویرد علیـه ما أجبنا بـه عن الإشکال الأوّل المتقدّم من أنّ المرکّب من الأقلّ لا یکون لـه صورة مغایرة للمرکّب من الأکثر ، لأنّ الترکیب الاعتباری لیس إلاّ ملاحظـة أشیاء متعدّدة شیئاً واحداً ، بحیث تکون الأجزاء فانیـة غیر ملحوظـة بنفسها ، ولا یکون هنا صورة اُخری ما عدا الأجزاء حتّی یقال بأنّها مغایرة للصورة الحاصلـة من المرکّب من الأکثر .
وبالجملـة : فلیس هنا إلاّ نفس الأجزاء التی دار أمرها بین القلّـة والکثرة ، وحینئذٍ فیظهر أنّ تعلّق الوجوب بالأقلّ معلوم تفصیلاً ، لما عرفت من أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب یدعو إلی أجزائـه بعین داعویّتـه إلی المرکّب ، وحینئذٍ فلو کان الأکثر متعلّقاً للتکلیف یکون الأقلّ أیضاً واجباً ، بمعنی أنّ الأمر یدعو إلیـه ، کما أنّـه لو کان الأقلّ کذلک یکون واجباً حینئذٍ ، فوجوب الأقلّ معلوم تفصیلاً ، والشکّ بالنسبـة إلی الزائد شکّ بدوی یجری فیـه البراءة ، کما عرفت .
ومنها : ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره فی الکفایـة من أنّ الانحلال مستلزم للخلف أو المحال الذی هو عبارة عن استلزام وجود الشیء لعدمـه .
أمّا الخلف ، فلأنّـه یتوقّف لزوم الأقلّ فعلاً إمّا لنفسـه أو لغیره علی تنجّز التکلیف مطلقاً ولو کان متعلّقاً بالأکثر ، ضرورة أنّه لو لم یتنجّز علی تقدیر تعلّقه به
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 189
لم یکن الأقلّ واجباً بالوجوب الغیری ، لأنّـه تابع لوجوب ذی المقدّمـة ، ومع عدمـه لا مجال لـه ، کما أنّـه لو لم یتنجّز علی تقدیر تعلّقـه بالأقلّ لم یکن واجباً بالوجوب النفسی ، فوجوبـه الأعمّ من النفسی والغیری یتوقّف علی تنجّز التکلیف علی أیّ تقدیر ، فلو کان لزومـه کذلک موجباً لعدم تنجّز التکلیف إلاّ علی تقدیر تعلّقـه بالأقلّ یلزم الخلف .
وأمّا استلزام وجوده للعدم ، فلأنّ لزوم الأقلّ علی الفرض یستلزم عدم تنجّز التکلیف علی کلّ حال ، وهو یستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً ، وهو یستلزم عدم الانحلال ، فلزم من وجود الإنحلال عدمـه ، وما یلزم من وجوده عدمـه فهو محال ، هذا .
ویمکن هنا تقریب ثالث زائد علی التقریبین المذکورین فی کلام المحقّق الخراسانی ، وهو أنّ العلم التفصیلی لو تولّد من العلم الإجمالی بحیث کان معلولاً لـه ومسبّباً عنـه لا یعقل أن یوجب انحلال ذاک العلم الإجمالی ، وهل یمکن أن یؤثّر المعلول فی عدم علّتـه ؟
والمقام من هذا القبیل ، فإنّ العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ إمّا لنفسـه أو لغیره إنّما نشأ من العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ أو الأکثر ، کما هو واضح ، نظیر ما إذا تردّد أمر الوضوء مثلاً بین کون وجوبـه نفسیّاً أو غیریّاً ناشئاً من الوجوب المتعلّق بما یکون الوضوء مقدّمـة لـه ، ولکن کان وجوب ذی المقدّمـة مشکوکاً ، فإنّـه لا یعقل أن یصیر العلم التفصیلی بوجوب الوضوء علی أیّ تقدیر موجباً لانحلال العلم الإجمالی بوجوب الوضوء نفسیّاً أو بوجوب ما یکون هو مقدّمـة لـه ، لأنّ مع الانحلال وإجراء البراءة بالنسبـة إلی وجوب ذی المقدّمـة لا یکون العلم التفصیلی باقیاً علی حالـه ، فالعلم التفصیلی المسبّب عن العلم الإجمالی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
یستحیل أن یؤثّر فی انحلالـه ، هذا .
ولکن هذه التقریبات الثلاثـة إنّما یتمّ بناءً علی مبنی فاسد ، وهو القول بکون الأجزاء فی المرکّبات واجبـة بالوجوب الغیری کالمقدّمات الخارجیّـة ، ونحن وإن أنکرنا وجوب المقدّمـة والملازمـة بینـه وبین وجوب ذیها رأساً ، کما مرّ تحقیقـه فی مبحث مقدّمـة الواجب من مباحث الألفاظ ، إلاّ أنّـه لو سلّمنا ذلک فی المقدّمات الخارجیّـة فلا نسلّم فی المقدّمات الداخلیـة أصلاً ، بل قد عرفت أنّ الأجزاء واجبـة بعین وجوب الکلِّ، والأمر المتعلّق بـه یدعو إلیها بعین دعوتـه إلیـه ، إذ لا مغایرة بینها وبینـه أصلاً ، لأنّ المرکّب لیس أمراً وراءها بل هو نفسها . وحینئذٍ فالأقلّ واجب بالوجوب الأصلی النفسی تفصیلاً ولا یکون هذا العلم التفصیلی مسبّباً عن العلم الإجمالی ، فلا مانع من التأثیر فی الانحلال ، بل قد عرفت أنّـه لیس هنا إلاّ علم تفصیلی وشکّ بدوی ، کما لایخفی .
ومنها : ما أورده علی نفسـه الشیخ المحقّق الأنصاری فی الرسالـة بقولـه : « إن قلت » وتقریره : أنّ الأوامر والنواهی الشرعیّـة تابعـة للمصالح والمفاسد النفس الأمریّـة ، کما اشتهر ذلک بین العدلیّـة ، حیث یقولون : إنّ الواجبات الشرعیّـة إنّما وجبت لکونها ألطافاً فی الواجبات العقلیّـة ، فاللطف والمصلحـة النفس الأمریّـة إمّا هو المأمور بـه حقیقةً ، والأوامر المتعلّقة بمثل الصلاة والصوم ونظائرهما أوامر إرشادیّـة والغرض منها الإرشاد إلی عدم حصول المأمور بـه حقیقـة إلاّ بمثلها ، وإمّا أنّـه غرض للآمر . وعلی کلا التقدیرین فیجب
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191
تحصیل العلم بحصول اللطف لعدم العلم بإتیان المأمور بـه علی الأوّل وبحصول الغرض علی الثانی مع الاقتصار علی الأقلّ فی مقام الامتثال . ومن الواضح عند العقول لزوم العلم بإتیان المأمور بـه وبحصول الغرض ، أمّا الأوّل فبدیهی ، وأمّا الثانی فلأنّ الغرض إنّما هو العلّـة والداعی للأمر ، ومع الشکّ فی حصولـه یشکّ فی سقوط الأمر . فمرجع الشکّ فیـه إلی الشکّ فی الإتیان بالمأمور بـه المسقط للأمر ، وقد عرفت أنّ لزوم العلم بإتیانـه من الواضحات عند العقول ، هذا .
ولا یخفی أنّ المحقّق الخراسانی قدس سره اعتمد فی الکفایـة علی هذا الکلام وردّ ما أجاب بـه عنـه الشیخ قدس سره فی الرسالـة ، هذا .
والتحقیق فی الجواب عن هذا الإشکال أن یقال : إنّ هذه المسألـة ـ وهی أنّ الأوامر والنواهی الشرعیّـة هل هی تابعـة للمصالح والمفاسد النفس الأمریّـة أم لا ـ مسألـة کلامیّـة ، ومنشأ البحث فیها مسألـة اُخری کلامیّـة أیضاً ، وهی أنّـه هل یمتنع علی اللّٰه الإرادة الجزافیّـة ، فلا یجوز علیـه الفعل من دون غرض کما علیـه العدلیّـة ، أو أنّـه لا یمتنع علیـه تعالی ذلک ، بل یجوز منـه الإرادة الجزافیّـة والفعل من دون غرض ومصلحـة ، کما علیـه الأشاعرة .
فظهر أنّـه بناءً علی مذهب العدلیّـة لابدّ من الالتزام بعدم کون الأفعال الاختیاریّـة الصادرة من اللّٰه تعالی خالیاً من الغرض والمصلحـة ، أمّا أنّـه لابدّ من أن یکون المأمور بـه حقیقـة هو نفس تلک المصلحـة والغرض ، أو یکون الغرض أمـراً آخـر مترتّباً علی المأمـور بـه فلا یستفاد مـن ذلک ، بل اللازم هـو أن یقال بعدم کون إرادتـه تعالی المتعلّقـة بإتیان المأمور بـه إرادة جزافیّـة غیر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192
ناشئـة من المصلحـة فی المراد . وهو کما یتحقّق بأحد الأمرین المذکورین ، کذلک یتحقّق بأن یکون المأمور بـه الذی هو عبارة عن مثل الصلاة والصوم والحجّ بنفسـه مصلحةً ومحبوباً ؛ لأنّـه لا فرق فی عدم کون الإرادة جزافیّـة بین أن تکون الصلاة مؤثِّرة فی حصول غرض ومصلحـة وهی معراج المؤمن کما قیل ، أو أن تکون بنفسها محبوبـة ومصلحـة ، لاشتمالها علی التهلیل والتکبیر والتسبیح مثلاً ، کما أنّـه یتحقّق ذلک بأن تکون المصلحـة فی نفس الأمر لا فی المأمور بـه .
وبالجملـة : فمقتضی مذهب العدلیّـة أنّـه لابدّ أن یکون فی البین غرض وغایـة ومصلحـة ولطف ، أمّا لزوم أن یکون هو متعلّق الأمر بحیث کانت الأوامر المتعلّقـة بمثل الصلاة والصوم إرشاداً إلیـه أو أن یکون أمراً آخر وراء المأمور بـه فلا ، فمن المحتمل أن یکون نفس المأمور بـه محبوباً بذاتـه وغایـة بنفسـه ، أو یکون الغرض فی نفس الأمر ، وعلی هذین التقدیرین لا وجـه للاحتیاط بالإتیان بالأکثر .
أمّا علی التقدیر الأوّل : فلأنّ محبوبیـة الأقلّ معلومـة ، ولم یقم دلیل علی محبوبیـة الخصوصیّـة الزائدة ، والعقل یحکم بعدم جواز العقوبـة علیها مع عدم قیام الحجّـة علیها ، کما أنّـه علی التقدیر الثانی حصل الغرض بمجرّد الأمر والبعث ولا یکون المکلّف مأخوذاً بأزید ممّا قام الدلیل علی لزوم الإتیان بـه .
هذا کلّـه مضافاً إلی أنّـه لو فرض کون الغرض مترتّباً علی المأمور بـه نمنع لزوم العلم بحصولـه ، لأنّ المکلّف إنّما هو مأخوذ بالمقدار الذی ورد البیان من قبل المولی علی دخالتـه فی المأمور بـه ، ومع الإتیان بـه لا معنی لعقوبتـه وإن کان شاکّاً فی حصول الغرض ، لأنّ الأمر لم یتعلّق بتحصیل الغرض بل تعلّق بالأجزاء التی یعلم بانحلال المرکّب إلیها ، وتعلّقـه بالزائد مشکوک یحکم العقل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 193
بالبراءة عنـه . کیف ولو کان اللازم العلم بحصول الغرض لم یحصل العلم بامتثال کثیر من المرکّبات الشرعیّـة ، إذ ما من مرکّب إلاّ ونحتمل دخالـة أمر آخر فیـه شطراً أو شرطاً واقعاً وإن لم یصل إلینا دلیلـه ، کما هو واضح ، فاللازم بحسب نظر العقل هو العلم بإتیان المأمور بـه الذی قامت الحجّـة علیـه وهو یحصل بإتیان الأقلِّ، فتدبّر .
ومنها : ما یختصّ بالواجبات التعبّدیـة ولا یجری فی التوصّلیات ، وهو أنّـه لابدّ فیها من قصد التقرّب ، وهو لا یکون إلاّ بالواجب النفسی ، لأنّ الواجب الغیری لا یکون مقرّباً ، وحینئذٍ فمع الاقتصار علی الأقلّ لا یکاد یمکن قصد التقرّب ، لأنّـه یحتمل أن یکون الواجب فی الواقع هو الأکثر وکان الأقلّ واجباً غیریّاً ، وهذا بخلاف ما إذا أتی بالأکثر ، فإنّـه یقطع بکونـه مقرّباً إمّا بنفسـه ، وإمّا بالأقلّ المتحقّق فی ضمنـه .
والتحقیق فی الجواب أن یقال : أمّا أوّلاً ، فلأنّ المعتبر فی العبادات أن لا یکون الإتیان بها بداع نفسانی ، بل بداع إلهی اُخروی . ومن المعلوم أنّـه لافرق فی ذلک بین الإتیان بالأقلّ أو بالأکثر ، ضرورة أنّ الآتی بالأقلّ لا یکون الداعی لـه إلی الإتیان بـه إلاّ أمر إلهی . نعم لا یعلم بکون المأتی بـه هو المأمور بـه ، کما أنّ الآتی بالأکثر أیضاً لا یعلم بذلک .
وبالجملـة : لا فرق بین الإتیان بالأقلّ أو بالأکثر فی إمکان قصد التقرّب الذی مرجعـه إلی الإتیان بالعمل لا لداع نفسانی من ریاء وغیره ، وکذا فی عدم العلم بکون ما یأتی بـه هو المأمور بـه .
وأمّا ثانیاً : فلأنّ مبنی الإشکال علی کون الأقلّ واجباً بالوجوب الغیری علی تقدیر کون متعلّق التکلیف هو الأکثر ، وقد عرفت غیر مرّة منع ذلک وأنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194
الأجزاء واجبـة بعین وجوب المرکّب ، والأمر المتعلّق بـه یدعو إلی الأجزاء بعین دعوتـه إلیـه ، وحینئذٍ فالأقلّ واجب بالوجوب النفسی علی التقدیرین .
وبالجملـة : لا فرق فی الداعی بین القائل بالبراءة والقائل بالاشتغال ، فإنّ الداعی بالنسبـة إلیهما هو الأمر المتعلّق بإقامـة الصلاة لدلوک الشمس إلی غسق اللیل . غایـة الأمر أنّـه لا یصلح للداعویّـة فی نظر القائل بالبراءة إلاّ بالنسبـة إلی ما علم انحلال الصلاة إلیـه من الأجزاء ، کما أنّـه فی نظر القائل بالاشتغال یدعو إلی جمیع ما تنحلّ إلیـه واقعاً ولو کان هو الأکثر ، ولذا لا یتحقّق العلم بامتثالـه إلاّ بالإتیان بـه . فلا اختلاف للداعی بالنسبـة إلیهما ، فیجوز الإتیان بالأقلّ بداعی الأمر المتعلّق بالصلاة بلا ریب ولا یوجب ذلک قدحاً فی عبادیّتها أصلاً ، کما هو واضح لا یخفی .
هذا کلّـه فی البراءة العقلیّـة ، وقد عرفت جریانها وعدم ورود شیء من الإشکالات الثمانیـة المتقدّمـة علیها .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195