ا‏لإشکا‏لات ا‏لثمانیة علی جریان ا‏لبراءة ا‏لعقلیّة عن ا‏لأکثر ودفعها

الإشکالات الثمانیة علی جریان البراءة العقلیّة عن الأکثر ودفعها

‏ ‏

‏ثمّ إنّ هنا إشکالات علی ذلک لابدّ من ذکرها والجواب عنها فنقول :‏

منها‏ : أنّ الأمر فی باب الأقلّ والأکثر أیضاً دائر بین المتباینین ، لأنّ المرکّب‏‎ ‎‏من الأقلّ الذی هو الأمر الوحدانی الحاصل من ملاحظـة أجزائـه شیئاً واحداً‏‎ ‎‏یغایر المرکّب من الأکثر الذی مرجعـه إلی ملاحظـة الوحدة بین أجزائـه ،‏‎ ‎‏فالمرکّب من الأقلّ لـه صورة مغایرة للمرکّب من الأکثر ، فإذا دار الأمر بینهما‏‎ ‎‏یجب الاحتیاط بإتیان الأکثر .‏

‏ویظهر جواب هذا الإشکال من ملاحظـة ما ذکرنا ، فإنّ المرکّب من الأقلّ‏‎ ‎‏لیس لـه صورة تغایر نفس الأجزاء المرکّبـة منـه بحیث کان هنا أمران : الأجزاء‏‎ ‎‏التی یتحصّل منها المرکّب ، والصورة الحاصلـة منها ، بل لیس هنا إلاّ أمر واحد‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179
‏وهو نفس الأجزاء ، ولذا ذکرنا أنّ الأمر یدعو إلی الأجزاء بعین داعویّتـه إلی‏‎ ‎‏المرکّب ، لعدم التغایر بینهما . وهکذا المرکّب من الأکثر لیس لـه صورة مغایرة‏‎ ‎‏للأجزاء ، بل هو نفسها ، وحینئذٍ فلا یکون فی البین إلاّ الأجزاء التی دار أمرها بین‏‎ ‎‏الأقلّ والأکثر . فالمقام لا یکون من قبیل دوران الأمر بین المتباینین ، مضافاً إلی‏‎ ‎‏أنّـه لو کان من ذلک القبیل لکان مقتضاه الجمع بین الإتیان بالمرکّب من الأقلّ مرّة‏‎ ‎‏وبالمرکّب من الأکثر اُخری ، ولا یجوز الاکتفاء بالثانی ، کما أنّـه لا یجوز الاکتفاء‏‎ ‎‏بالأوّل .‏

ومنها‏ : ما نسب إلی المحقّق صاحب الحاشیـة ـ وإن کانت عبارتها‏‎ ‎‏لا تنطبق علیـه ، بل هی ظاهرة فی وجـه آخر سیأتی التعرّض لـه ـ من أنّ العلم‏‎ ‎‏بوجـوب لأقلّ لا ینحلّ بـه العلم الإجمالی ، لتردّد وجوبـه بین المتباینین ، فإنّـه‏‎ ‎‏لا إشکال فی مباینـة الماهیّـة بشرط شیء للماهیّـة لا بشرط ، لأنّ أحدهما قسیم‏‎ ‎‏الآخر ، فلو کان متعلّق التکلیف هو الأقلّ فالتکلیف بـه إنّما یکون لا بشرط عن‏‎ ‎‏الزیادة ، ولو کان متعلّق التکلیف هو الأکثر فالتکلیف بالأقلّ إنّما یکون بشرط‏‎ ‎‏انضمامـه مع الزیادة ، فوجوب الأقلّ یکون مردّداً بین المتباینین باعتبار اختلاف‏‎ ‎‏سنخی الوجوب الملحوظ لا بشرط أو بشرط شیء . کما أنّ امتثال التکلیف‏‎ ‎‏المتعلّق بالأقلّ یختلف حسب اختلاف الوجوب المتعلّق به ، فإنّ امتثاله إنّما یکون‏‎ ‎‏بانضمام الزائد إلیـه إذا کان التکلیف بـه ملحوظاً بشرط شیء ، بخلاف ما إذا کان‏‎ ‎‏ملحوظاً لا بشرط ، فإنّـه لا یتوقّف امتثالـه علی انضمام الزائد إلیـه ، فیرجع الشکّ‏‎ ‎‏فی الأقلّ والأکثر الارتباطی إلی الشکّ بین المتباینین تکلیفاً وامتثالاً‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180
‏ویرد علیـه مضافاً إلی ما وقع فی کلامـه من سوء التعبیر ، لأنّ الموصوف‏‎ ‎‏باللا بشرطیـة والبشرط شیئیـة لیس إلاّ متعلّق التکلیف وهو الأقلِّ، فإنّـه علی‏‎ ‎‏تقدیر تعلّق التکلیف بـه فقط یکون ملحوظاً لا بشرط ، وعلی تقدیر تعلّقـه بالأکثر‏‎ ‎‏یکون ملحوظاً بشرط شیء ، وأمّا التکلیف الذی هو عبارة عن البعث إلی المکلّف‏‎ ‎‏بـه أو الزجر عن المتعلّق فلا یکون موصوفاً لهذین الوصفین . ثمّ إنّ اتّصاف‏‎ ‎‏المتعلّق بهما أیضاً محلّ نظر ؛ لأنّ مرکز البحث هو ما إذا کان الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏من قبیل الجزء والکلّ لا الشرط والمشروط ، فالأکثر علی تقدیر کونـه متعلّقاً‏‎ ‎‏للتکلیف یکون بجمیع أجزائـه کذلک ، لا أنّ المتعلّق هو الأقلّ بشرط الزیادة علی‏‎ ‎‏أن یکون الزائد شرطاً .‏

‏وبالجملـة : فمورد النزاع هنا أنّ الزائد علی تقدیر ثبوتـه کان جزءً للمرکّب‏‎ ‎‏المأمور بـه والتعبیر بشرط شیء ظاهر فی أنّ الزائد شرط لا جزء .‏

‏وکیف کان فیرد علیـه ـ بعد الغضّ عمّا ذکر ـ منع ما نفی الإشکال عنـه‏‎ ‎‏مـن مباینـة الماهیّـة بشرط شیء للماهیّـة اللابشرط ، فإنّ ما یباین الماهیّـة‏‎ ‎‏بشرط شیء هو الماهیّـة اللابشرط القسمی ، وهی التی اعتبر معها عدم الاشتراط‏‎ ‎‏بوجود شیء أو نفیـه ، وأمّا الماهیّـة اللابشرط المقسمی ـ وهی الماهیّـة بذاتها‏‎ ‎‏مـن دون لحاظ شیء معها حتّی لحاظ عدم لحاظ شیء الذی یحتاج إلی لحاظ‏‎ ‎‏آخر غیر لحاظ الماهیّـة ـ فلا تباین الماهیّـة بشرط شیء . کیف وهی قسم لها ،‏‎ ‎‏ولا یعقل التنافی بین المقسم والقسم ، والمقام من هذا القبیل ، فإنّ الأقلّ علی‏‎ ‎‏تقدیر تعلّق التکلیف بـه کان الملحوظ هو نفسـه من دون لحاظ شیء آخر حتّی‏‎ ‎‏لحاظ عـدم لحاظ شیء آخر . وقـد عرفت أنّـه لا تنافی بینـه وبین الماهیّـة‏‎ ‎‏بشرط شیء .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181
‏ثمّ لو فرض التنافی فاللازم الجمع بینهما فـی مقام الامتثال والإتیان‏‎ ‎‏بالأقلّ من دون زیادة مرّة وبـه معها اُخری ، ولا یظنّ بالقائل الالتزام بـه ،‏‎ ‎‏کمالایخفی .‏

‏ثمّ إنّـه أجاب المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ عن هذه الشبهـة بما حاصلـه : إنّ‏‎ ‎‏الماهیّـة لا بشرط والماهیّـة بشرط شیء لیسا من المتباینین الذین لا جامع‏‎ ‎‏بینهما ، لأنّ التقابل بینهما تقابل العدم والملکـة لا التضادِّ، فإنّ الماهیّـة لا بشرط‏‎ ‎‏لیس معناها لحاظ عدم انضمام شیء معها بحیث یؤخذ العدم قیداً فی الماهیّـة ،‏‎ ‎‏وإلاّ ترجع إلی الماهیّـة بشرط لا ، ویلزم تداخل أقسام الماهیّـة ، بل الماهیّـة‏‎ ‎‏لا بشرط معناها عدم لحاظ شیء معها ، ومن هنا قلنا : إنّ الإطلاق لیس أمراً‏‎ ‎‏وجودیاً ، بل هو عبارة عن عدم ذکر القید ، خلافاً لما ینسب إلی المشهور ،‏‎ ‎‏فالماهیّـة لا بشرط لیست مباینـة للماهیّـة بشرط شیء بحیث لا یوجد بینهما‏‎ ‎‏جامع ، بل یجمعهما نفس الماهیّـة ، والتقابل بینهما إنّما یکون بمجرّد الاعتبار‏‎ ‎‏واللحاظ ، وفی المقام یکون الأقلّ متیقّن الاعتبار علی کلّ حال ، سواء لوحظ‏‎ ‎‏الواجب لا بشرط أو بشرط شیء ، والتغایر الاعتباری لا یوجب خروج الأقلّ عن‏‎ ‎‏سکونـه متیقّن الاعتبار‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

‏ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الماهیّـة اللابشرط کما اعترف بـه هو نفس الماهیّـة‏‎ ‎‏من ‏‏دون أن یلحظ معها شیء آخر بنحو السلب البسیط لا الإیجاب العدولی ،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فلا وجـه لما ذکره من أنّ الجامع بینها وبین الماهیّـة بشرط شیء هو نفس‏‎ ‎‏الماهیّـة ، لأنّ نفس الماهیّـة عبارة اُخری عن الماهیّـة اللابشرط ، إذ المراد بها‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182
‏هی الماهیّـة اللا بشرط المقسمی ، ولا یعقل الجامع بین القسم والمقسم هنا ، کما‏‎ ‎‏هو واضح .‏

‏نعم نفس الماهیّـة جامعـة للماهیّـة بشرط شیء والماهیّـة اللابشرط‏‎ ‎‏القسمی وهی التی لوحظت متقیّدة باللا بشرطیـة .‏

‏ثمّ إنّ تسلیم عدم ثبوت الجامع لو کان بین الماهیّـة لا بشرط والماهیّـة‏‎ ‎‏بشرط شیء نسبـة التضادِّ، لا تقابل العدم والملکـة محلّ منع ، فإنّ المتقابلین‏‎ ‎‏بالتضادّ أیضاً بینهما جامع جنسی کالسواد والبیاض ، فإنّـه یجمعهما جنسهما الذی‏‎ ‎‏هو اللون ، کما هو واضح .‏

‏ثمّ إنّ کون التقابل بین الماهیّـة اللا بشرط والماهیّـة البشرط شیء تقابل‏‎ ‎‏العدم والملکـة لا یوجب نفی وجوب الاحتیاط ، ألا تری أنّـه لو دار الأمر بین‏‎ ‎‏إکرام بصیر أو أعمی أو بین إکرام کوسج أو ملتح یجب الاحتیاط بإکرام کلیهما ، مع‏‎ ‎‏أنّ التقابل بینهما تقابل العدم والملکـة ، کما هو واضح .‏

ومنها‏ : أنّ وجوب الأقلّ دائر بین کونـه نفسیّاً یترتّب علی مخالفـة الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بـه العقاب ، وبین کونـه غیریّاً لا یترتّب علی مخالفتـه شیء ، لأنّ العقاب‏‎ ‎‏إنّما هو علی ترک الواجب النفسی لا الغیری . وحینئذٍ فلا یعلم بلزوم الإتیان‏‎ ‎‏بالأقلّ علی أیّ تقدیر حتّی ینحلّ بـه العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ أو الأکثر ،‏‎ ‎‏فالعلم الإجمالی باقٍ علی حالـه ، ومقتضاه وجوب الاحتیاط بإتیان الأکثر .‏

‏ویرد علیـه أوّلاً : أنّ المرکّب کما أنّـه لیس لـه إلاّ وجود واحد هو عین‏‎ ‎‏وجود الأجزاء ، کذلک لا یکون لـه إلاّ عدم واحد ؛ لأنّ نقیض الواحد لا یکون إلاّ‏‎ ‎‏واحداً ، وإلاّ یلزم ارتفاع النقیضین ، وحینئذٍ فنقیض المرکّب إنّما هو عدم ذلک‏‎ ‎‏الوجود الواحد ، غایـة الأمر أنّ عدمـه تارة بعدم جمیع أجزائها ، واُخری بعدم‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183
‏بعضها ،لوضوح اشتراک تارک الصلاة رأساً مع تارک رکوعها ـ مثلاً ـ فی عدم إتیان‏‎ ‎‏واحد منهما بالمرکّب الذی هو الصلاة .‏

‏وحینئذٍ نقول : ترک الأقلّ یعلم بترتّب العقاب علیـه ؛ إمّا من جهـة کونـه هو‏‎ ‎‏تمام المأمور بـه ، وإمّا من جهـة کون ترکـه هو عین ترک المأمور بـه الذی یترتّب‏‎ ‎‏علیـه العقاب ، فیترتّب العقاب علی ترکـه قطعاً ، وبـه ینحلّ العلم الإجمالی .‏

‏نعم لو کان الواجب فی الواقع هو الأکثر ولم یأت المکلّف إلاّ بالأقلّ‏‎ ‎‏اعتماداً علی حکم العقل بالبراءة فهو وإن کان تارکاً للمأمور بـه ، لأنّ ترکـه بعین‏‎ ‎‏ترک الجزء الزائد أیضاً إلاّ أنّ ترک المأمور بـه هنا إنّما هو لعذر ، بخلاف ترکـه‏‎ ‎‏بعدم الإتیان بالأقلِّ، فإنّـه لا یکون لعذر ، فهما مشترکان فی عـدم إتیانهما‏‎ ‎‏بالمأمور بـه ، لکن بینهما فرق من حیث العذر وعدمـه ، نظیر ما لو علم المکلّف‏‎ ‎‏بوجوب إنقاذ أحد الغریقین علی سبیل التخیـیر مع کـون الواجب فی الواقـع‏‎ ‎‏واحداً معیّناً منهما ، فإنّـه تارة یعصی المولی بعدم إنقاذ واحد منهما واُخری ینقذ‏‎ ‎‏غیر من یجب إنقاذه بحسب الواقع . ففی الصورتین وإن کان المأمور بـه قد ترک‏‎ ‎‏ولم یأت المکلّف بـه ، إلاّ أنّـه فی الصورة الثانیـة معذور فی المخالفـة دون‏‎ ‎‏الصورة الاُولی .‏

‏وثانیاً : لو سلّم دوران أمر الأقلّ بین کونـه نفسیّاً یترتّب علی مخالفتـه‏‎ ‎‏العقاب أو غیریّاً لا یترتّب علیـه ، کدوران شیء بین الواجب والمستحبِّ، إلاّ أنّا‏‎ ‎‏نقول : إنّ الملاک فی جریان حکم العقل بالبراءة المستند إلی قبح العقاب بلا بیان‏‎ ‎‏هل هو عدم البیان علی التکلیف ، أو عدم البیان علی العقوبـة ؟ لا سبیل إلی‏‎ ‎‏الثانی ؛ لأنّـه تصحّ العقوبـة فیما لو بیّن المولی التکلیف ، وإن لم یبیّن العقوبـة‏‎ ‎‏علیـه . ألا تری أنّـه لو ارتکب المکلّف واحداً من المحرّمات بتخیّل ضعف العقاب‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184
‏المترتّب علی ارتکابـه لا إشکال فی صحّـة عقوبتـه المترتّبـة علیـه فی الواقع‏‎ ‎‏وإن کان من الشدّة بمکان .‏

‏وبالجملـة : فمستند حکم العقل بالبراءة لیس عدم البیان علی العقاب ، بل‏‎ ‎‏عدم البیان علی التکلیف ، والبیان علیـه موجود بالنسبـة إلی الأقلّ قطعاً ، ولذا‏‎ ‎‏لا یجوز ترکـه . وحینئذٍ فدوران أمر الأقلّ بین ترتّب العقاب علیـه لو کان نفسیّاً‏‎ ‎‏وعدم ترتّبـه لو کان غیریّاً لا یوجب أن لا یکون وجوبـه معلوماً ، ومع العلم‏‎ ‎‏بالوجوب لا یحکم العقل بالبراءة قطعاً ، فلزوم الإتیان بـه معلوم علی أیّ تقدیر ،‏‎ ‎‏وبـه ینحلّ العلم الإجمالی ، کما لایخفی .‏

ومنها‏ : ما ذکره المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریرات المنسوبـة إلیـه ـ‏‎ ‎‏وهو ینحلّ إلی وجهین :‏

‏أحدهما : ما ذکره فی صدر کلامـه وملخّصـه : إنّ العقل یستقلّ بعدم کفایـة‏‎ ‎‏الامتثال الاحتمالی للتکلیف القطعی ، ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالی إنّما‏‎ ‎‏یقتضیـه التکلیف الاحتمالی ، وأمّا التکلیف القطعی فمقتضاه الامتثال القطعی ،‏‎ ‎‏لأنّ العلم باشتغال الذمّـة یستدعی العلم بالفراغ عقلاً ، ولا یکفی احتمال الفراغ ،‏‎ ‎‏ففی المقام لا یجوز الاقتصار علی الأقلّ عقلاً ، لأنّـه یشکّ فی الامتثال والخروج‏‎ ‎‏عن عهدة التکلیف المعلوم فی البین ، ولایحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ‏‎ ‎‏الخصوصیّـة الزائدة المشکوکـة . والعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ المردّد بین‏‎ ‎‏کونـه لا بشرط أو بشرط شیء هو عین العلم الإجمالی بالتکلیف المردّد بین‏‎ ‎‏الأقلّ والأکثر ، ومثل هذا العلم التفصیلی لا یعقل أن یوجب الانحلال ، لأنّـه یلزم‏‎ ‎‏أن یکون العلم الإجمالی موجباً لانحلال نفسـه .‏

‏ثانیهما : ما ذکره فی ذیل کلامـه وحاصلـه : إنّ الشکّ فی تعلّق التکلیف‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185
‏بالخصوصیـة الزائدة المشکوکـة من الجزء أو الشرط وإن کان عقلاً لا یقتضی‏‎ ‎‏التنجّز واستحقاق العقاب علی مخالفتـه من حیث هو ، للجهل بتعلّق التکلیف بـه ،‏‎ ‎‏إلاّ أنّ هناک جهـة اُخری تقتضی التنجیز والاستحقاق علی تقدیر تعلّق التکلیف‏‎ ‎‏بها ، وهی احتمال الارتباطیّـة وقیدیّـة الزائد للأقل ، فإنّ هذا الاحتمال بضمیمـة‏‎ ‎‏العلم الإجمالی یقتضی التنجیز واستحقاق العقاب عقلاً . فإنّـه لا رافع لهذا‏‎ ‎‏الاحتمال ، ولیس من وظیفـة العقل وضع القیدیّـة أو رفعها ، بل ذلک من وظیفـة‏‎ ‎‏الشارع ، ولا حکم للعقل من هذه الجهـة فیبقی حکمـه بلزوم الخروج عن عهدة‏‎ ‎‏التکلیف المعلوم علی حالـه ، فلابدّ من ضمّ الخصوصیّـة الزائدة‏‎[3]‎‏ .‏

‏هذا ، ویرد علی التقریب الأوّل : أنّ الاشتغال الیقینی وإن کان مستدعیاً‏‎ ‎‏للبراءة ‏‏الیقینیّـة ، إلاّ أنّ ذلک بمقدار ثبت الاشتغال بـه وقامت الحجّـة علیـه ، وأمّا‏‎ ‎‏ما لم تقم الحجّـة علیـه فلم یثبت الاشتغال بـه حتّی یستدعی البراءة الیقینیّـة‏‎ ‎‏عنـه ، کما لایخفی .‏

‏وما ذکره من أنّ العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ المردّد بین کونـه لا بشرط‏‎ ‎‏أو بشرط شیء هو عین العلم الإجمالی محلّ منع ، لما عرفت من أنّ المراد‏‎ ‎‏باللابشرط فی المقام هو اللا بشرط المقسمی الذی هو عبارة عن نفس الماهیّـة‏‎ ‎‏من دون أن یلحظ معها شیء علی نحو السلب البسیط لا الإیجاب العدولی . ومن‏‎ ‎‏المعلوم أنّ اللابشرط المقسمی لا یغایر مع البشرط شیء أصلاً ، لأنّ اللا بشرط‏‎ ‎‏یجتمع مع ألف شرط .‏

‏وحینئذٍ فالأقلّ المردّد بین کونـه لا بشرط أو بشرط شیء یعلم تفصیلاً‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
‏بوجوبـه بحیث لا إجمال فی ذلک عند العقل ولا یکون متردّداً فیـه أصلاً ،‏‎ ‎‏والخصوصیّـة الزائدة مشکوکـة بالشکّ البدوی .‏

‏وبالجملـة ، فالعلم الإجمالی إذا لوحظ طرفاه أو أطرافـه یکون کلّ واحد‏‎ ‎‏منهما أو منها مشکوکاً من حیث هو ، وفی المقام لا یکون کذلک ، لأنّ العقل لا یری‏‎ ‎‏إجمالاً بالنسبـة إلی وجوب الأقلّ أصلاً ، والأمر الزائد لا یکون إلاّ مشکوکاً‏‎ ‎‏بالشکّ البدوی .‏

‏والعجب أنّـه ‏‏قدس سره‏‏ أجاب عن الإشکال الذی نسبـه إلی صاحب الحاشیـة‏‎ ‎‏کما عرفت بعدم مباینـة الماهیّـة اللابشرط مع الماهیّـة بشرط شیء وقال : إنّ‏‎ ‎‏الأقلّ متیقّن الاعتبار علی کلّ حال ، سواء لوحظ لا بشرط أو بشرط الجزء‏‎ ‎‏الزائد‏‎[4]‎‏ ، وهنا أنکر الانحلال الذی مرجعـه إلی العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ‏‎ ‎‏علی کلّ حال والشکّ البدوی فی الزائد ، ولعمری أنّـه تنافر واضح وتهافت‏‎ ‎‏فاحش ، هذا .‏

‏ویرد علی التقریب الثانی : أنّـه کما أنّ تعلّق التکلیف بالخصوصیّـة الزائدة‏‎ ‎‏مشکوک وهو لا یقتضی التنجیز واستحقاق العقاب علی مخالفتـه من حیث هو ،‏‎ ‎‏کذلک احتمال الارتباطیّـة وقیدیّـة الزائد مورد لجریان البراءة بعد عدم قیام‏‎ ‎‏الحجّـة علیها ، لعدم الفرق بین نفس الجزء الزائد وحیثیتـه الارتباطیـة أصلاً ،‏‎ ‎‏لوجود ملاک جریان البراءة العقلیّـة وهو الجهل وعدم ثبوت البیان فیهما ، ولا‏‎ ‎‏یکون مقتضی جریانها هو رفع القیدیّـة حتّی یقال بأنّـه لیس من وظیفـة العقل‏‎ ‎‏وضع القیدیّـة ولا رفعها ، بل معنی جریانها هو قبح العقاب علی ترک المأمور بـه‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
‏من جهـة الإخلال بالخصوصیّـة الزائدة المشکوکـة بعد عدم ورود بیان علی‏‎ ‎‏ثبوتها وکونها دخیلاً فی المأمور بـه .‏

‏ومن جمیع ما ذکرنا یظهر الجواب عن تقریب آخر للاحتیاط ، وهو أنّ تعلّق‏‎ ‎‏التکلیف بالأقلّ معلوم ضرورة ، والاشتغال الیقینی بذلک یقتضی البراءة الیقینیّـة ،‏‎ ‎‏وهی لا تحصل إلاّ بضمّ الجزء الزائد المشکوک ، ضرورة أنّـه مع دخالتـه فی‏‎ ‎‏المأمور بـه لا یکون الإتیان بالأقلّ بمجد أصلاً .‏

‏والجواب : أنّ الشکّ فی حصول البراءة إنّما هو من جهـة مدخلیّـة‏‎ ‎‏الخصوصیّـة الزائدة ، وحیث إنّ دخالتها مشکوکـة ولم یرد من المولی بیان‏‎ ‎‏بالنسبـة إلیها فالعقاب علی ترک المأمور بـه من جهـة الإخلال بتلک الخصوصیـة‏‎ ‎‏لا یکون إلاّ عقاباً من دون بیان ومؤاخذة بلا برهان .‏

‏وبالجملـة : ما علم الاشتغال بـه یقیناً یحصل البراءة بالإتیان بـه کذلک ،‏‎ ‎‏وما لم یعلم الاشتغال بـه تجری البراءة العقلیّـة بالنسبـة إلیـه ، کما عرفت .‏

ومنها‏ : ما أفاده الشیخ المحقّق صاحب الحاشیـة الکبیرة علی المعالم ،‏‎ ‎‏وملخّصـه : أنّ الأمر دائر بین تعلّق الوجوب بالأقلّ أو بالأکثر ، وعلی تقدیر تعلّقـه‏‎ ‎‏بالأکثر لا یکون الأقلّ بواجب ؛ لأنّ ما هو فی ضمن الأکثر إنّما هو الأجزاء التی‏‎ ‎‏ینحلّ إلیها الأقلّ لا نفس الأقلِّ، فإنّـه لا یکون فی ضمن الأکثر أصلاً ؛ لأنّ لـه‏‎ ‎‏صورة مغایرة لصورة الأکثر . ومع هذا التغایر لو کان الأقلّ والأکثر غیر ارتباطیـین‏‎ ‎‏لکنّا نحکم بالبراءة بالنسبـة إلی الزائد المشکوک ، لعدم توقّف حصول الغرض‏‎ ‎‏علی ضمّ الزائد ، بل الأقلّ یترتّب علیـه الغرض فی الجملـة ولو لم یکن متعلّقاً‏‎ ‎‏للتکلیف . وهذا بخلاف المقام ، فإنّـه لو کان الأمر متعلّقاً فی نفس الأمر بالأکثر‏‎ ‎‏لکان وجود الأقلّ کعدمـه فی عدم ترتّب شیء علیـه وعدم تأثیره فی حصول‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188
‏الغرض أصلاً . وحینئذٍ فمقتضی العلم الإجمالی بوجود التکلیف فی البین هو لزوم‏‎ ‎‏الإتیان بالأکثر تحصیلاً للبراءة الیقینیّـة‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏

‏ویرد علیـه ما أجبنا بـه عن الإشکال الأوّل المتقدّم‏‎[6]‎‏ من أنّ المرکّب من‏‎ ‎‏الأقلّ لا یکون لـه صورة مغایرة للمرکّب من الأکثر ، لأنّ الترکیب الاعتباری لیس‏‎ ‎‏إلاّ ملاحظـة أشیاء متعدّدة شیئاً واحداً ، بحیث تکون الأجزاء فانیـة غیر ملحوظـة‏‎ ‎‏بنفسها ، ولا یکون هنا صورة اُخری ما عدا الأجزاء حتّی یقال بأنّها مغایرة للصورة‏‎ ‎‏الحاصلـة من المرکّب من الأکثر .‏

‏وبالجملـة : فلیس هنا إلاّ نفس الأجزاء التی دار أمرها بین القلّـة والکثرة ،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فیظهر أنّ تعلّق الوجوب بالأقلّ معلوم تفصیلاً ، لما عرفت من أنّ الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بالمرکّب یدعو إلی أجزائـه بعین داعویّتـه إلی المرکّب ، وحینئذٍ فلو کان‏‎ ‎‏الأکثر متعلّقاً للتکلیف یکون الأقلّ أیضاً واجباً ، بمعنی أنّ الأمر یدعو إلیـه ، کما‏‎ ‎‏أنّـه لو کان الأقلّ کذلک یکون واجباً حینئذٍ ، فوجوب الأقلّ معلوم تفصیلاً ، والشکّ‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی الزائد شکّ بدوی یجری فیـه البراءة ، کما عرفت .‏

ومنها‏ : ما أفاده المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی الکفایـة من أنّ الانحلال مستلزم‏‎ ‎‏للخلف أو المحال الذی هو عبارة عن استلزام وجود الشیء لعدمـه‏‎[7]‎‏ .‏

‏أمّا الخلف ، فلأنّـه یتوقّف لزوم الأقلّ فعلاً إمّا لنفسـه أو لغیره علی تنجّز‏‎ ‎‏التکلیف مطلقاً ولو کان متعلّقاً بالأکثر ، ضرورة أنّه لو لم یتنجّز علی تقدیر تعلّقه به‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 189
‏لم یکن الأقلّ واجباً بالوجوب الغیری ، لأنّـه تابع لوجوب ذی المقدّمـة ، ومع‏‎ ‎‏عدمـه لا مجال لـه ، کما أنّـه لو لم یتنجّز علی تقدیر تعلّقـه بالأقلّ لم یکن واجباً‏‎ ‎‏بالوجوب النفسی ، فوجوبـه الأعمّ من النفسی والغیری یتوقّف علی تنجّز‏‎ ‎‏التکلیف علی أیّ تقدیر ، فلو کان لزومـه کذلک موجباً لعدم تنجّز التکلیف إلاّ علی‏‎ ‎‏تقدیر تعلّقـه بالأقلّ یلزم الخلف .‏

‏وأمّا استلزام وجوده للعدم ، فلأنّ لزوم الأقلّ علی الفرض یستلزم عدم تنجّز‏‎ ‎‏التکلیف علی کلّ حال ، وهو یستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً ، وهو یستلزم عدم‏‎ ‎‏الانحلال ، فلزم من وجود الإنحلال عدمـه ، وما یلزم من وجوده عدمـه فهو‏‎ ‎‏محال ، هذا .‏

‏ویمکن هنا تقریب ثالث زائد علی التقریبین المذکورین فی کلام المحقّق‏‎ ‎‏الخراسانی ، وهو أنّ العلم التفصیلی لو تولّد من العلم الإجمالی بحیث کان معلولاً‏‎ ‎‏لـه ومسبّباً عنـه لا یعقل أن یوجب انحلال ذاک العلم الإجمالی ، وهل یمکن أن‏‎ ‎‏یؤثّر المعلول فی عدم علّتـه ؟‏

‏والمقام من هذا القبیل ، فإنّ العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ إمّا لنفسـه أو‏‎ ‎‏لغیره إنّما نشأ من العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ أو الأکثر ، کما هو واضح ، نظیر ما‏‎ ‎‏إذا تردّد أمر الوضوء مثلاً بین کون وجوبـه نفسیّاً أو غیریّاً ناشئاً من الوجوب‏‎ ‎‏المتعلّق بما یکون الوضوء مقدّمـة لـه ، ولکن کان وجوب ذی المقدّمـة مشکوکاً ،‏‎ ‎‏فإنّـه لا یعقل أن یصیر العلم التفصیلی بوجوب الوضوء علی أیّ تقدیر موجباً‏‎ ‎‏لانحلال العلم الإجمالی بوجوب الوضوء نفسیّاً أو بوجوب ما یکون هو مقدّمـة‏‎ ‎‏لـه ، لأنّ مع الانحلال وإجراء البراءة بالنسبـة إلی وجوب ذی المقدّمـة لا یکون‏‎ ‎‏العلم التفصیلی باقیاً علی حالـه ، فالعلم التفصیلی المسبّب عن العلم الإجمالی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
‏یستحیل أن یؤثّر فی انحلالـه ، هذا .‏

‏ولکن هذه التقریبات الثلاثـة إنّما یتمّ بناءً علی مبنی فاسد ، وهو القول‏‎ ‎‏بکون الأجزاء فی المرکّبات واجبـة بالوجوب الغیری کالمقدّمات الخارجیّـة ،‏‎ ‎‏ونحن وإن أنکرنا وجوب المقدّمـة والملازمـة بینـه وبین وجوب ذیها رأساً ، کما‏‎ ‎‏مرّ تحقیقـه فی مبحث مقدّمـة الواجب من مباحث الألفاظ‏‎[8]‎‏ ، إلاّ أنّـه لو سلّمنا‏‎ ‎‏ذلک فی المقدّمات الخارجیّـة فلا نسلّم فی المقدّمات الداخلیـة أصلاً ، بل قد‏‎ ‎‏عرفت أنّ الأجزاء واجبـة بعین وجوب الکلِّ، والأمر المتعلّق بـه یدعو إلیها بعین‏‎ ‎‏دعوتـه إلیـه ، إذ لا مغایرة بینها وبینـه أصلاً ، لأنّ المرکّب لیس أمراً وراءها بل هو‏‎ ‎‏نفسها . وحینئذٍ فالأقلّ واجب بالوجوب الأصلی النفسی تفصیلاً ولا یکون هذا‏‎ ‎‏العلم التفصیلی مسبّباً عن العلم الإجمالی ، فلا مانع من التأثیر فی الانحلال ، بل‏‎ ‎‏قد عرفت أنّـه لیس هنا إلاّ علم تفصیلی وشکّ بدوی ، کما لایخفی .‏

ومنها‏ : ما أورده علی نفسـه الشیخ المحقّق الأنصاری فی الرسالـة‏‎[9]‎‏ ‏‎ ‎‏بقولـه : « إن قلت » وتقریره : أنّ الأوامر والنواهی الشرعیّـة تابعـة للمصالح‏‎ ‎‏والمفاسد النفس الأمریّـة ، کما اشتهر ذلک بین العدلیّـة ، حیث یقولون : إنّ‏‎ ‎‏الواجبات الشرعیّـة إنّما وجبت لکونها ألطافاً فی الواجبات العقلیّـة ، فاللطف‏‎ ‎‏والمصلحـة النفس الأمریّـة إمّا هو المأمور بـه حقیقةً ، والأوامر المتعلّقة بمثل‏‎ ‎‏الصلاة والصوم ونظائرهما أوامر إرشادیّـة والغرض منها الإرشاد إلی عدم حصول‏‎ ‎‏المأمور بـه حقیقـة إلاّ بمثلها ، وإمّا أنّـه غرض للآمر . وعلی کلا التقدیرین فیجب‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191
‏تحصیل العلم بحصول اللطف لعدم العلم بإتیان المأمور بـه علی الأوّل وبحصول‏‎ ‎‏الغرض علی الثانی مع الاقتصار علی الأقلّ فی مقام الامتثال . ومن الواضح عند‏‎ ‎‏العقول لزوم العلم بإتیان المأمور بـه وبحصول الغرض ، أمّا الأوّل فبدیهی ، وأمّا‏‎ ‎‏الثانی فلأنّ الغرض إنّما هو العلّـة والداعی للأمر ، ومع الشکّ فی حصولـه یشکّ‏‎ ‎‏فی سقوط الأمر . فمرجع الشکّ فیـه إلی الشکّ فی الإتیان بالمأمور بـه المسقط‏‎ ‎‏للأمر ، وقد عرفت أنّ لزوم العلم بإتیانـه من الواضحات عند العقول ، هذا .‏

‏ولا یخفی أنّ المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ اعتمد فی الکفایـة‏‎[10]‎‏ علی هذا الکلام‏‎ ‎‏وردّ ما أجاب بـه عنـه الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فی الرسالـة ، هذا .‏

‏والتحقیق فی الجواب عن هذا الإشکال أن یقال : إنّ هذه المسألـة ـ وهی‏‎ ‎‏أنّ الأوامر والنواهی الشرعیّـة هل هی تابعـة للمصالح والمفاسد النفس الأمریّـة‏‎ ‎‏أم لا ـ مسألـة کلامیّـة ، ومنشأ البحث فیها مسألـة اُخری کلامیّـة أیضاً ، وهی أنّـه‏‎ ‎‏هل یمتنع علی اللّٰه الإرادة الجزافیّـة ، فلا یجوز علیـه الفعل من دون غرض کما‏‎ ‎‏علیـه العدلیّـة ، أو أنّـه لا یمتنع علیـه تعالی ذلک ، بل یجوز منـه الإرادة الجزافیّـة‏‎ ‎‏والفعل من دون غرض ومصلحـة ، کما علیـه الأشاعرة .‏

‏فظهر أنّـه بناءً علی مذهب العدلیّـة لابدّ من الالتزام بعدم کون الأفعال‏‎ ‎‏الاختیاریّـة الصادرة من اللّٰه تعالی خالیاً من الغرض والمصلحـة ، أمّا أنّـه لابدّ‏‎ ‎‏من أن یکون المأمور بـه حقیقـة هو نفس تلک المصلحـة والغرض ، أو یکون‏‎ ‎‏الغرض أمـراً آخـر مترتّباً علی المأمـور بـه فلا یستفاد مـن ذلک ، بل اللازم هـو‏‎ ‎‏أن یقال بعدم کون إرادتـه تعالی المتعلّقـة بإتیان المأمور بـه إرادة جزافیّـة غیر‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192
‏ناشئـة من المصلحـة فی المراد . وهو کما یتحقّق بأحد الأمرین المذکورین ، کذلک‏‎ ‎‏یتحقّق بأن یکون المأمور بـه الذی هو عبارة عن مثل الصلاة والصوم والحجّ‏‎ ‎‏بنفسـه مصلحةً ومحبوباً ؛ لأنّـه لا فرق فی عدم کون الإرادة جزافیّـة بین أن تکون‏‎ ‎‏الصلاة مؤثِّرة فی حصول غرض ومصلحـة وهی معراج المؤمن کما قیل ، أو أن‏‎ ‎‏تکون بنفسها محبوبـة ومصلحـة ، لاشتمالها علی التهلیل والتکبیر والتسبیح مثلاً ،‏‎ ‎‏کما أنّـه یتحقّق ذلک بأن تکون المصلحـة فی نفس الأمر لا فی المأمور بـه .‏

‏وبالجملـة : فمقتضی مذهب العدلیّـة أنّـه لابدّ أن یکون فی البین غرض‏‎ ‎‏وغایـة ومصلحـة ولطف ، أمّا لزوم أن یکون هو متعلّق الأمر بحیث کانت الأوامر‏‎ ‎‏المتعلّقـة بمثل الصلاة والصوم إرشاداً إلیـه أو أن یکون أمراً آخر وراء المأمور بـه‏‎ ‎‏فلا ، فمن المحتمل أن یکون نفس المأمور بـه محبوباً بذاتـه وغایـة بنفسـه ، أو‏‎ ‎‏یکون الغرض فی نفس الأمر ، وعلی هذین التقدیرین لا وجـه للاحتیاط بالإتیان‏‎ ‎‏بالأکثر .‏

‏أمّا علی التقدیر الأوّل : فلأنّ محبوبیـة الأقلّ معلومـة ، ولم یقم دلیل علی‏‎ ‎‏محبوبیـة الخصوصیّـة الزائدة ، والعقل یحکم بعدم جواز العقوبـة علیها مع عدم‏‎ ‎‏قیام الحجّـة علیها ، کما أنّـه علی التقدیر الثانی حصل الغرض بمجرّد الأمر‏‎ ‎‏والبعث ولا یکون المکلّف مأخوذاً بأزید ممّا قام الدلیل علی لزوم الإتیان بـه .‏

‏هذا کلّـه مضافاً إلی أنّـه لو فرض کون الغرض مترتّباً علی المأمور بـه نمنع‏‎ ‎‏لزوم العلم بحصولـه ، لأنّ المکلّف إنّما هو مأخوذ بالمقدار الذی ورد البیان من‏‎ ‎‏قبل المولی علی دخالتـه فی المأمور بـه ، ومع الإتیان بـه لا معنی لعقوبتـه وإن‏‎ ‎‏کان شاکّاً فی حصول الغرض ، لأنّ الأمر لم یتعلّق بتحصیل الغرض بل تعلّق‏‎ ‎‏بالأجزاء التی یعلم بانحلال المرکّب إلیها ، وتعلّقـه بالزائد مشکوک یحکم العقل‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 193
‏بالبراءة عنـه . کیف ولو کان اللازم العلم بحصول الغرض لم یحصل العلم بامتثال‏‎ ‎‏کثیر من المرکّبات الشرعیّـة ، إذ ما من مرکّب إلاّ ونحتمل دخالـة أمر آخر فیـه‏‎ ‎‏شطراً أو شرطاً واقعاً وإن لم یصل إلینا دلیلـه ، کما هو واضح ، فاللازم بحسب نظر‏‎ ‎‏العقل هو العلم بإتیان المأمور بـه الذی قامت الحجّـة علیـه وهو یحصل بإتیان‏‎ ‎‏الأقلِّ، فتدبّر .‏

ومنها‏ : ما یختصّ بالواجبات التعبّدیـة ولا یجری فی التوصّلیات ، وهو أنّـه‏‎ ‎‏لابدّ فیها من قصد التقرّب ، وهو لا یکون إلاّ بالواجب النفسی ، لأنّ الواجب‏‎ ‎‏الغیری لا یکون مقرّباً ، وحینئذٍ فمع الاقتصار علی الأقلّ لا یکاد یمکن قصد‏‎ ‎‏التقرّب ، لأنّـه یحتمل أن یکون الواجب فی الواقع هو الأکثر وکان الأقلّ واجباً‏‎ ‎‏غیریّاً ، وهذا بخلاف ما إذا أتی بالأکثر ، فإنّـه یقطع بکونـه مقرّباً إمّا بنفسـه ، وإمّا‏‎ ‎‏بالأقلّ المتحقّق فی ضمنـه .‏

‏والتحقیق فی الجواب أن یقال : أمّا أوّلاً ، فلأنّ المعتبر فی العبادات أن لا‏‎ ‎‏یکون الإتیان بها بداع نفسانی ، بل بداع إلهی اُخروی . ومن المعلوم أنّـه لافرق فی‏‎ ‎‏ذلک بین الإتیان بالأقلّ أو بالأکثر ، ضرورة أنّ الآتی بالأقلّ لا یکون الداعی لـه‏‎ ‎‏إلی الإتیان بـه إلاّ أمر إلهی . نعم لا یعلم بکون المأتی بـه هو المأمور بـه ، کما أنّ‏‎ ‎‏الآتی بالأکثر أیضاً لا یعلم بذلک .‏

‏وبالجملـة : لا فرق بین الإتیان بالأقلّ أو بالأکثر فی إمکان قصد التقرّب‏‎ ‎‏الذی مرجعـه إلی الإتیان بالعمل لا لداع نفسانی من ریاء وغیره ، وکذا فی عدم‏‎ ‎‏العلم بکون ما یأتی بـه هو المأمور بـه .‏

‏وأمّا ثانیاً : فلأنّ مبنی الإشکال علی کون الأقلّ واجباً بالوجوب الغیری‏‎ ‎‏علی تقدیر کون متعلّق التکلیف هو الأکثر ، وقد عرفت غیر مرّة منع ذلک وأنّ‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194
‏الأجزاء واجبـة بعین وجوب المرکّب ، والأمر المتعلّق بـه یدعو إلی الأجزاء بعین‏‎ ‎‏دعوتـه إلیـه ، وحینئذٍ فالأقلّ واجب بالوجوب النفسی علی التقدیرین .‏

‏وبالجملـة : لا فرق فی الداعی بین القائل بالبراءة والقائل بالاشتغال ، فإنّ‏‎ ‎‏الداعی بالنسبـة إلیهما هو الأمر المتعلّق بإقامـة الصلاة لدلوک الشمس إلی غسق‏‎ ‎‏اللیل . غایـة الأمر أنّـه لا یصلح للداعویّـة فی نظر القائل بالبراءة إلاّ بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏ما علم انحلال الصلاة إلیـه من الأجزاء ، کما أنّـه فی نظر القائل بالاشتغال یدعو‏‎ ‎‏إلی جمیع ما تنحلّ إلیـه واقعاً ولو کان هو الأکثر ، ولذا لا یتحقّق العلم بامتثالـه إلاّ‏‎ ‎‏بالإتیان بـه . فلا اختلاف للداعی بالنسبـة إلیهما ، فیجوز الإتیان بالأقلّ بداعی‏‎ ‎‏الأمر المتعلّق بالصلاة بلا ریب ولا یوجب ذلک قدحاً فی عبادیّتها أصلاً ، کما هو‏‎ ‎‏واضح لا یخفی .‏

‏هذا کلّـه فی البراءة العقلیّـة ، وقد عرفت جریانها وعدم ورود شیء من‏‎ ‎‏الإشکالات الثمانیـة المتقدّمـة علیها .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195

  • )) هدایـة المسترشدین : 441 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 154 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 159 ـ 161 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 182 .
  • )) هدایة المسترشدین : 441 .
  • )) تقدّم فی الصفحـة 179 .
  • )) کفایـة الاُصول : 413 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 16 ـ 17 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 461 .
  • )) کفایة الاُصول : 414 .