فی جریان البراءة العقلیة

فی جریان البراءة العقلیة

‏ ‏

‏وتنقیحـه یتمّ برسم اُمور :‏

الأوّل‏ : أنّ المرکّبات الاعتباریّـة فی عالم الاعتبار واللحاظ یکون‏‎ ‎‏کالمرکّبات الخارجیّـة الحقیقیّـة فی الخارج ، فکما أنّ الترکیب الحقیقی إنّما‏‎ ‎‏یحصل بالکسر والانکسار الحاصل بین الأجزاء بحیث صار موجباً لانخلاع‏‎ ‎‏صورة کلّ واحد منها وحصول صورة اُخری للمجموع ، کذلک المرکّب الاعتباری‏‎ ‎‏فی عالم الاعتبار لا یکون ملحوظاً إلاّ شیئاً واحداً وأمراً فارداً یکون لـه صورة‏‎ ‎‏واحدة اعتباراً ، فکأنّـه لا یکون لـه إلاّ وجود واحد هو وجود المجموع ، والأجزاء‏‎ ‎‏لا یکون لها وجود مستقل ، بل هی فانیـة فی المرکّب .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176
الثانی‏ : أنّ المأمور الذی اُمر بإیجاد مرکّب اعتباری إذا قصد امتثال الأمر‏‎ ‎‏والإتیان بالمأمور بـه ، یتعلّق إرادتـه أوّلاً بنفس المرکّب الذی هو أمر واحد ،‏‎ ‎‏وربّما لا یکون الأجزاء حینئذٍ ملحوظـة لـه ومتوجّهاً إلیها أصلاً ، ثمّ بعد ما یتوجّـه‏‎ ‎‏إلی تلک الأجزاء التی یتحصّل المرکّب منها یتعلّق إرادة اُخری بإیجادها فی‏‎ ‎‏الخارج حتّی یتحقّق المجموع ، هذا فی المأمور .‏

‏وأمّا الآمر ، فالأمر فیـه بالعکس ، فإنّـه یتصوّر أوّلاً الأجزاء والشرائط کلّ‏‎ ‎‏واحد منها مستقلاًّ ، ثمّ یلاحظ أنّ الغرض والمصلحـة یترتّب علی مجموعها بحیث‏‎ ‎‏یکون اجتماعها مؤثّراً فی حصول الغرض ، فیلاحظها أمراً واحداً وتعلّق أمره بـه‏‎ ‎‏ویحرّک المکلّف نحو إتیانـه ، فهو ینتهی من الکثرة إلی الوحدة ، کما أنّ المأمور‏‎ ‎‏ینتهی من الوحدة إلی الکثرة .‏

الثالث‏ : الأمر المتعلّق بالمرکّب الاعتباری لا یکون إلاّ أمراً واحداً متعلّقاً‏‎ ‎‏بأمر واحد ، والأجزاء لا تکون مأموراً بها أصلاً ، لعدم کونها ملحوظـة إلاّ فانیـة فی‏‎ ‎‏المرکّب بحیث لا یکون لها وجود استقلالی . غایـة الأمر أنّ کلّ جزء مقدّمـة‏‎ ‎‏مستقلّـة لتحقّق المأمور بـه ، غایـة الأمر أنّها مقدّمـة داخلیّـة فی مقابل المقدّمـة‏‎ ‎‏الخارجیـة .‏

‏والفرق بین قسمی المقدّمـة : أنّ المقدّمـة الخارجیّـة یکون الداعی إلی‏‎ ‎‏إتیانهما أمر آخر ناشٍ من الأمر بذی المقدّمـة ، بناءً علی وجوب المقدّمـة ، أو‏‎ ‎‏اللزوم العقلی بناءً علی عدم الوجوب ، والمقدّمات الداخلیّـة یکون الداعی إلیها‏‎ ‎‏هو نفس الأمر المتعلّق بذی المقدّمـة لعدم کون المرکّب مغایراً لها ، لأنّـه إجمالها‏‎ ‎‏وصورتها الوحدانیّـة ، وهی تفصیلـه وتحلیلـه ، وهو لا ینافی مقدّمیـة الأجزاء ،‏‎ ‎‏لأنّ المقدّمـة إنّما هو کلّ جزء مستقلاًّ لا مجموع الأجزاء . وبالجملـة ، فالأمر‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177
‏المتعلّق بالمرکّب یدعو بعینـه إلی الأجزاء ، ولا یلزم من ذلک أن یکون الأمر‏‎ ‎‏داعیاً إلی غیر متعلّقـه ، لأنّ الأجزاء هی نفس المرکّب ، والفرق بینهما بالإجمال‏‎ ‎‏والتفصیل والبساطـة والتحلیل .‏

الرابع‏ : أنّک عرفت فی الأمر الثالث أنّ الأمر یدعو إلی الأجزاء بعین‏‎ ‎‏دعوتـه إلی المرکّب ، ویترتّب علی ذلک أنّ الحجّـة علی الأجزاء إنّما هی بعینها‏‎ ‎‏الحجّـة علی المرکّب لکن مع تعیـین الأجزاء التی ینحلّ إلیها ، وأمّا مع عدم قیام‏‎ ‎‏الحجّـة علی بعض ما یحتمل جزئیّتـه فلا یمکن أن یکون الأمر المتعلّق بالمرکّب‏‎ ‎‏داعیاً إلی ذلک الجزء المشکوک أیضاً بعد عدم إحراز انحلال المأمور بـه إلیـه .‏

‏وبالجملـة : فالأمر المتعلّق بالمرکّب إنّما یدعو إلی ما علم انحلالـه إلیـه‏‎ ‎‏من الأجزاء ، وأمّا الجزء المشکوک فلا یعلم بتعلّق الأمر بما ینحلّ إلیـه حتّی یدعو‏‎ ‎‏الأمر إلیـه أیضاً .‏

‏وبالجملـة : فتمامیـة الحجّـة تـتوقّف علی إحراز الصغری والکبری معاً ،‏‎ ‎‏وإلاّ فمع الشکّ فی إحداهما لا معنی لتمامیّتها ، فاللازم العلم بتعلّق الأمر بالمرکّب‏‎ ‎‏وبأجزائـه التحلیلیّـة أیضاً ، وبدون ذلک تجری البراءة عقلاً الراجعـة إلی قبح‏‎ ‎‏العقاب بلا بیان والمؤاخذة بلا برهان .‏

ودعوی‏ : أنّ مع ترک الجزء المشکوک لا یعلم بتحقّق عنوان المرکّب ، ومن‏‎ ‎‏الواضح لزوم تحصیلـه .‏

مدفوعـة‏ : بأنّ مرجع ذلک إلی کون أسامی العبادات موضوعـة للصحیحـة‏‎ ‎‏منها ، والکلام إنّما هو بناءً علی القول الأعمّی الذی مرجعـه إلی صدق الاسم مع‏‎ ‎‏الإخلال بالجزء المشکوک .‏

‏وکیف کان : فتعلّق الأمر بالمرکّب الذی هو أمر وجدانی معلوم تفصیلاً لا‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178
‏خفاء فیـه ، وعدم کون الأجزاء متعلّقـة للأمر بوجـه أیضاً معلومـة کذلک ، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏ذلک الأمر المعلوم إنّما یکون حجّـة بالنسبـة إلی ما قامت الحجّـة علی انحلال‏‎ ‎‏المرکّب بـه ، وأمّا ما لم یدلّ علی جزئیّتـه لـه فلا یکون الأمر بالمرکّب حجّـة‏‎ ‎‏بالنسبـة إلیـه ولا یحرّک العبد نحوه . ولسنا نقول بأنّ متعلّق الأمر معلوم إجمالاً ،‏‎ ‎‏وهذا العلم الإجمالی ینحلّ إلی العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ والشکّ البدوی فی‏‎ ‎‏وجوب الأکثر . کیف وقد عرفت أنّ متعلّق الأمر هو الأمر المرکّب ، وتعلّقـه بـه‏‎ ‎‏معلوم تفصیلاً ، والشکّ إنّما هو فی أجزاء المرکّب ، وهی غیر مأمور بها أصلاً ، سواء‏‎ ‎‏فیـه الأقلّ والأکثر ، غایـة الأمر أنّ هذا الأمر لا یکاد یدعو إلاّ إلی ما علم بترکیب‏‎ ‎‏المرکّب منـه ، کما عرفت . فتحصّل من جمیع ما ذکرنا أنّ الحقّ جریان البراءة‏‎ ‎‏العقلیّـة .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179