ا‏لمقام ا‏لثانی : فی ا‏لدوران بین ا‏لأقلّ وا‏لأکثر

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

‏ ‏

المقام الثانی فی الدوران بین الأقلّ والأکثر

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی المقصود لابدّ من تقدیم أمرین هما بمنزلـة تحریر محلّ‏‎ ‎‏النزاع :‏

الأوّل‏ : أنّ المراد بالأقلّ والأکثر فی هذا المقام هو الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏الارتباطی ، لا الاستقلالی . والفرق بینهما أنّ الأوّل عبارة عن عدّة اُمور لوحظ‏‎ ‎‏مجموعها أمراً واحداً وشیئاً فارداً ، لأنّـه یترتّب علیها غرض واحد وتؤثّر بنعت‏‎ ‎‏الاجتماع فی حصولـه ، بحیث یکون فقدان بعضها کعدم جمیعها فی عدم حصول‏‎ ‎‏الغرض بوجـه ، ومن هنا لا یتعلّق بها إلاّ أمر واحد أو نهی فارد ؛ لأنّ اجتماعها‏‎ ‎‏دخیل فی حصول الغرض أو ترتّب المفسدة علیها ، وأمّا کلّ واحد منها من حیث‏‎ ‎‏هو یکون وجوده بمنزلـة العدم .‏

‏ألا تری أنّ الصلاة الفاقدة للرکوع ـ مثلاً ـ إنّما هی فی عدم حصول الآثار‏‎ ‎‏المترتّبـة علیها کترکها رأساً .‏

‏وأمّا الأقلّ والأکثر الاستقلالی فلیس کذلک ، بل لا یکون من قبیل الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر أصلاً ، فإنّ تردّد قضاء الصلوات الفائتـة بین أن تکون عشرین أو ثلاثین‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 173
‏إنّما هو من قبیل التردّد بینهما بعد ملاحظـة المکلّف المقدار المشکوک مع المقدار‏‎ ‎‏المعلوم وضمّـه إلیـه ، وإلاّ ففی الحقیقـة لا یکون من هذا القبیل ، فإنّ الأمر لم‏‎ ‎‏یتوجّـه إلاّ إلی قضاء کلّ صلاة ، والغرض یترتّب علیـه ، سواء أتی بقضاء صلاة‏‎ ‎‏فائتـة اُخری أم لم یأت ، فکما أنّ أداء صلاة الظهر لا یکون أقلّ بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏مجموع أداء الظهرین فکذلک قضائهما .‏

‏وبالجملـة : فالاستقلالی من الأقلّ والأکثر خارج عن هذا العنوان حقیقـة ،‏‎ ‎‏وإنّما یحصل بعد ملاحظتهما وضمّ کلّ واحد إلی الآخر . ومن هذا البیان تظهر لک‏‎ ‎‏أنّـه لیس فیـه علم إجمالی أصلاً حتّی یقال بانحلالـه إلی علم تفصیلی وشکّ‏‎ ‎‏بدوی ، بل الأقلّ من أوّل الأمر معلوم تفصیلاً والأکثر مشکوک ، فتجری فیـه البراءة‏‎ ‎‏بلا ریب .‏

‏ثمّ لا یخفی أنّ مورد النزاع هو ما إذا کان الأقلّ مأخوذاً لا بشرط من جهـة‏‎ ‎‏الزیادة ، وأمّا لو کان مأخوذاً بشرط لا ودار الأمر بینـه وبین الأکثر ، کما إذا تردّد‏‎ ‎‏السورة بین أن تکون جزءً أو مانعاً ، فهو خارج عن محلّ البحث وداخل فی المقام‏‎ ‎‏الأوّل ، للمباینـة المتحقّقـة بین الأقلّ بشرط لا والأکثر الذی هو عبارة عن الأقلّ‏‎ ‎‏بشرط شیء ، ضرورة ثبوت المضادّة بین البشرط شیء والبشرط لا ، کما لایخفی .‏

الثانی‏ : یدخل فی مورد النزاع جمیع أقسام الأقلّ والأکثر ، سواء کان فی‏‎ ‎‏نفس المأمور بـه أو فی الموضوع الخارجی الذی تعلّق التکلیف بفعلـه أو ترکـه ،‏‎ ‎‏أو فی الأسباب مطلقاً ، وسواء کان من قبیل الجزء والکلِّ، أو من قبیل الشرط‏‎ ‎‏والمشروط ، أو من قبیل الجنس والنوع ، أو الطبیعـة والحصّـة ، وسواء کانت‏‎ ‎‏الشبهـة وجوبیّـة ، أو تحریمیـة وسواء کانت حکمیّـة أو موضوعیّـة .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174
‏وأمّا ما أفاده المحقّق العراقی ـ علی ما فی التقریرات المنسوبـة إلیـه ـ من‏‎ ‎‏خروج الطبیعی والحصّـة عن مرکز هذا النزاع ، لأنّ الطبیعی باعتبار قابلیّتـه‏‎ ‎‏للانطباق علی حصّـة اُخری منـه المباینـة مع الحصّـة المتحقّقـة فی ضمن زید‏‎ ‎‏لا تکون محفوظاً بمعناه الإطلاقی فی ضمن الأکثر ، فیدخل فی التعیـین والتخیـیر‏‎ ‎‏الراجع إلی المتباینین‏‎[1]‎‏ .‏

‏ففیـه : أنّـه لا فرق بین الطبیعی والحصّـة وبین الجنس والنوع ، فإنّ الملاک‏‎ ‎‏فی ‏‏الجمیع هو کون الأقلّ القدر المشترک مأخوذاً فی التکلیف علی أیّ تقدیر ،‏‎ ‎‏وهذا الملاک موجود فی الطبیعی والحصّـة .‏

‏نعم ، المثال الذی ذکره ـ وهو الإنسان وزید ـ خارج عن موضوع البحث ،‏‎ ‎‏کما أنّ أخذ النوع لو کان بعنوان واحد یکون أیضاً خارجاً . نعم لو کان بنحو أخذ‏‎ ‎‏الجنس أیضاً یکون داخلاً ، کما أنّ الطبیعی والحصّـة أیضاً کذلک .‏

‏وبالجملـة : لو کانت الحصّـة وکذا النوع مأخوذاً بعنوان واحد لا یکون‏‎ ‎‏الطبیعی أو الجنس فی ضمنـه ، لما کان وجـه لجریان البراءة أصلاً ، ولو لم یکن‏‎ ‎‏علی هذا النحو یکون داخلاً فی مورد النزاع ، فتدبّر .‏

‏ثمّ أنّا نتکلّم من تلک الأقسام الکثیرة المتقدّمـة فی مهمّاتها ، وهی الأقلّ‏‎ ‎‏والأکثر الذی کان من قبیل الکلّ والجزء ، وما کان من قبیل الشرط والمشروط ، وما‏‎ ‎‏کان فی الأسباب والمحصّلات والأقلّ والأکثر فی الشبهـة الموضوعیـة ، فهنا‏‎ ‎‏مطالب :‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175

  • )) نهایـة الأفکار 3 : 373 .