ا‏لتنبیه ا‏لثا‏لث‏: حکم ما لو کان ا‏لمعلوم با‏لإجما‏ل أمرین مترتّبین شرعاً

‏ ‏

التنبیه الثالث : حکم ما لو کان المعلوم بالإجمال أمرین مترتّبین شرعاً

‏ ‏

‏لو کان المعلوم بالإجمال أمرین مترتّبین کالظهر والعصر المردّدین بین‏‎ ‎‏أربع ،لاشتباه القبلـة ، فقد وقع الخلاف فی جواز الإتیان ببعض محتملات الثانیـة‏‎ ‎‏إلی الجهـة التی أتی ببعض محتملات الاُولی إلیها ، وعدم الجواز حتّی یأتی بجمیع‏‎ ‎‏محتملات الاُولی ، بعد الاتّفاق علی عدم جواز الإتیان بجمیع محتملات الثانیـة‏‎ ‎‏قبل استیفاء محتملات الاُولی ، وعلی عدم جواز الإتیان ببعض محتملات العصر‏‎ ‎‏ـ مثلاً ـ إلی جهـة مغایرة للجهـة التی أتی ببعض محتملات الظهر إلیها ؛ للعلم‏‎ ‎‏ببطلان العصر ـ أی المأتی بها ثانیاً ـ فی الصورتین ، إمّا لکونها فاقدة للترتیب‏‎ ‎‏المعتبر فیها علی المفروض ، وإمّا لعدم وقوعها إلی القبلـة .‏

‏وکیف کان فالخلاف فی المقام مبنی أوّلاً علی تقدّم رتبـة الامتثال العلمی‏‎ ‎‏التفصیلی علی الامتثال العلمی الإجمالی وعدمـه ، وثانیاً علی الفرق بین المقام‏‎ ‎‏وبین ما إذا أتی بمحتملات العصر بعد الإتیان بجمیع محتملات الظهر الذی هو‏‎ ‎‏جائز بلا ریب .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 169
‏والتحقیق عدم تقدّم رتبـة الأوّل علی الثانی ، وعدم الفرق بین المقامین‏‎ ‎‏علی تقدیر تسلیم التقدّم وثبوت المراتب للامتثال .‏

‏أمّا الأوّل الذی هو بمنزلـة الکبری ، فقد مـرّت الإشارة إلیـه ، ولعلّـه‏‎ ‎‏سیأتی مفصّلاً .‏

‏وإجمالـه أنّ الأمر المتعلّق بشیء لا یدعـو إلاّ إلی نفس متعلّقـه ولا‏‎ ‎‏یحـرّک العبد إلاّ نحوه . فکلّ شیء اُخذ فی المتعلّق ، یکون الأمر داعیاً إلیـه‏‎ ‎‏ومحرّکاً نحوه ، وأمّا ما هو خارج عنـه سواء أمکن أخذه فیـه أم لم یمکن فلا یدعو‏‎ ‎‏إلیـه ، بل لا یعقل ذلک أصلاً ولذا قد حقّقنا‏‎[1]‎‏ فی مبحث التعبّدی والتوصّلی أنّ‏‎ ‎‏القاعدة تقتضی التوصّلیّـة وإن کان أخذ قصد التقرّب وامتثال الأمـر فی المتعلّق‏‎ ‎‏بمکان مـن الإمکان ، إلاّ أنّـه ما لم یـدلّ علیـه دلیل لا یصار إلیـه أصلاً ، بل‏‎ ‎‏یحکـم بعدم اعتباره . وحینئذٍ فإذا أتی بالطبیعـة المأمور بها لا مجال لبقاء الأمر ،‏‎ ‎‏سواء علم بها تفصیلاً أم إجمالاً ، إذ الأمـر لا یدعـو إلاّ إلی إیجادها فی الخـارج ،‏‎ ‎‏والمفروض وجودها ، وأمّا اعتبار العلم بها تفصیلاً فلم یدلّ علیـه دلیل ، فلا فرق‏‎ ‎‏بینـه وبین العلم الإجمالی بإیجادهـا أصلاً ، فتقدّم الأوّل علی الثانی ممّا لا نری‏‎ ‎‏لـه وجهاً .‏

‏وأمّا الثانی الذی هو بمنزلـة الصغری ، فنقول : لو سلم ثبوت المراتب‏‎ ‎‏للامتثال وتقدّم الامتثال العلمی التفصیلی علی الامتثال العلمی الإجمالی فلا‏‎ ‎‏نسلم الفرق بین المقامین أصلاً ، ضرورة أنّ فی الصورة الثانیـة التی هی جائزة‏‎ ‎‏بالاتّفاق لا یعلم بحصول الترتیب تفصیلاً کما فی الصورة الاُولی ، ضرورة أنّ تحقّق‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 170
‏عنوان الترتیب مع العلم بـه کذلک یتوقّف علی العلم باُمور ثلاثـة : أحدها : وقوع‏‎ ‎‏الظهر ، والثانی : وقوع العصر ، والثالث : ترتّب العصر علی الظهر وتأخّرها عنها .‏‎ ‎‏فالعلم التفصیلی بالترتیب لا یتحقّق إلاّ مع العلم تفصیلاً بأنّ ما یأتی بـه هو العصر‏‎ ‎‏مع العلم بوقوع الظهر قبلـه ، ولا یعقل تحقّقـه مع الشکّ فی ذلک وإن علم إجمالاً‏‎ ‎‏بالإتیان بالعصر .‏

‏وکیف کان فالترتیب من الاُمور الإضافیـة المتقوّمـة بالطرفین ، ولا یعقل‏‎ ‎‏العلم بـه مع الشکّ فی أحد الطرفین ، وحینئذٍ فکیف یمکن أن یدّعی العلم بـه فی‏‎ ‎‏الصورة الثانیـة مع اشتباه العصر بین الصلوات الأربع .‏

‏وممّا ذکرنا یظهر الخلل فیما أفاده المحقّق النائینی فی هذا المقام ، فراجع‏‎ ‎‏التقریرات المنسوبـة إلیـه‏‎[2]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 172

  • )) مناهج الوصول إلی علم الاُصول 1 : 274 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 137 ـ 141 .