التنبیه الثانی : فی کیفیة النیّة لو کان المعلوم بالإجمال من العبادات
لو کان المعلوم بالإجمال من العبادات کالمثالین المتقدّمین فی التنبیـه السابق فقد وقع الخلاف فی کیفیـة نیّـتـه ، فیظهر مـن الشیخ قدس سره أنّـه لابدّ مـن قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال علی کلّ تقدیر ، وذلک یتوقّف علی أن یکون المکلّف حال الإتیان بأحد المحتملین قاصداً للإتیان بالمحتمل الآخر ، إذ مع عدمـه لا یتحقّق قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال علی کلّ تقدیر ، بل یکون قاصداً لامتثال الأمر علی تقدیر تعلّقـه بما ینطبق علی المأتی بـه . وهذا لا یکفی فی تحقّق الإطاعـة مع العلم بالأمر .
نعم یکفی فی الشبهـة البدویّـة مجـرّد قصد احتمال الأمر والمحبوبیـة ، لأنّ هذا هو الذی یمکن فی حقّـه ، بخلاف المقام .
وأورد علیـه المحقّق النائینی بما حاصلـه : أنّ العلم بتعلّق الأمر بأحد المحتملین لایوجب فرقاً فی کیفیـة النیّـة فی الشبهات ، فإنّ الطاعـة والامتثال فی کل من المحتملین لیست إلاّ احتمالیّـة ، کما فی الشبهـة البدویّـة ، إذ المکلّف
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 167
لا یمکنـه أزید من قصد امتثال الأمر الاحتمالی عند الإتیان بکلّ من المحتملین ، لأنّهما لیسا بمنزلـة فعل واحد مرتبط الأجزاء حتّی یقال : العلم بتعلّق التکلیف بالفعل الواحد یقتضی قصد امتثال الأمر المعلوم . وحینئذٍ فلو أتی بأحد المحتملین من دون أن یکون قاصداً للإتیان بالمحتمل الآخر یحصل الامتثال ویصحّ العمل علی تقدیر تعلّق الأمر بذلک المحتمل .
نعم یکون متجرّیاً فی قصده ، ولکن ذلک لا دخل لـه فی تحقّق الإطاعـة علی تقدیر مصادفـة المأتی بـه للواقع ، هذا .
ولایخفی أنّـه لا ینبغی الإشکال فی أنّ الداعی فی الشبهات البدویّـة هو احتمال الأمر فقط ، لأنّـه لا یمکن فی حقّـه غیره ، وأمّا فی الشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالی فالداعی هو الأمر المعلوم تعلّقـه بما ینطبق علی أحد المحتملین ، لا احتمال الأمر . غایـة الأمر أنّـه ینشأ من هذا الداعی إرادة الإتیان بکلّ من المحتملین ، لتوقّف الإتیان بالمأمور بـه علیـه .
وحینئذٍ فقد یکون المکلّف بمثابـة ینبعث من الأمر المعلوم بحیث یحصل لـه الداعی إلی الإتیان بالمحتملین معاً ؛ لأنّـه لا یرضی إلاّ بالموافقـة القطعیّـة التی لا تحصل إلاّ بالإتیان بهما . وقد یکون بحیث ینبعث من الأمر المعلوم بمقدار لا یحصل لـه إلاّ الداعی إلی الإتیان بأحد المحتملین ؛ لأنّـه یخاف من المخالفـة القطعیّـة الحاصلـة بترک کلا المحتملین معاً .
وبالجملـة : فرق بین الآتی بالشبهـة البدویّـة وبین من یأتی بأحد المحتملین فی الشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالی وبین من یأتی بکلیهما معاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 168
فالأوّل لا یکون الداعی لـه إلاّ مجرّد الاحتمال ، والأخیران یشترکان فی أنّ الداعی الأوّلی لهما هو العلم بالأمر ، غایـة الأمر أنّ انبعاث الثانی بمقدار لا یکون مستلزماً للموافقـة القطعیـة ، بخلاف الأخیر . وحینئذٍ فلو أتی بأحدهما وصادف الواقع یکون ممتثلاً ، لا لما أفاده المحقّق النائینی من کفایـة الإتیان باحتمال الأمر وعدم الفرق بین الشبهات ، بل لأجل أنّ الداعی لـه هو قصد الامتثال بالنسبـة إلی الأمر المعلوم ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 169