فی أنّ ملاقی النجس نجس بعنوانه
الثانی : أنّ الظاهر أنّ نجاسـة ملاقی النجس إنّما هی حکم وضعی تعبّدی ثابت لموضوعـه ، ولا تکون من آثار النجس بحیث کان معنی الاجتناب عن النجس راجعاً إلی الاجتناب عنـه وعمّا یلاقیـه .
نعم یمکن أن یقال بأنّ تنجیس النجس الراجع إلی سببیّتـه لنجاسـة الملاقی یکون مجعولاً شرعاً ، بناءً علی ما هو الحقّ من إمکان جعل السببیّـة ، وأمّا السرایـة التکوینـیّـة فقد لا تکون متحقّقـة ، کما لایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 147
وبالجملـة : فظاهر مثل قولـه : « الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسـه شیء » هو کون النجس منجّساً للماء الغیر البالغ حدّ الکرّ وموجباً لنجاستـه ، ومرجع ذلک إلی تأثیره شرعاً فی نجاسـة ملاقیـه ، وأمّا الحکم بأنّ معنی الاجتناب عن النجس هو الاجتناب عنـه وعمّا یلاقیـه فلا وجـه لـه وإن کان قد یستدلّ لذلک بقولـه تعالی : « وَالرُّجزَ فَاهجُر » لأنّ التهجر عن النجاسات لا یتحقّق إلاّ بالتهجّر عن ملاقیها ، وبروایـة جابر الجعفی عن أبی جعفر علیه السلام أنّـه أتاه رجل فقال لـه : وقعت فأرة فی خابیـة فیها سمن أو زیت ، فما تری فی أکلـه ؟ فقال أبو جعفر علیه السلام : « لا تأکلـه » ، فقال الرجل : الفأرة أهون علی من أن أترک طعامی من أجلها ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « إنّک لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدینک ، إنّ اللّٰه حرّم المیتـة من کلّ شیء » .
وجـه الدلالـة أنّـهعلیه السلام جعل ترک الاجتناب عن الطعام استخفافاً بتحریم المیتـة ، ولولا استلزامـه لتحریم ملاقیـه لم یکن أکل الطعام استخفافاً بتحریم المیتـة ، فوجوب الاجتناب عن شیء یستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقیـه .
أقول : أمّا قولـه تعالی : « وَالرُّجزَ فَاهجُر » فنمنع أوّلاً أن یکون المراد بالرجز هی الأعیان النجسـة ، وثانیاً کون المراد بالتهجّر هو التهجّر عنـه وعمّا یلاقیـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 148
وأمّا الروایـة ـ فمضافاً إلی ضعف سندها ـ یرد علی الاستدلال بها أنّـه یحتمل قویّاً أن یکون مورد السؤال هو وقوع الفأرة فی الطعام بحیث تفسّخت فیـه وانبثّت أجزاؤها ، فحرمـة أکل الطعام إنّما هو من حیث إنّـه مستلزم لأکل المیتـة ، والدلیل علی ذلک التعلیل الواقع فی الذیل الدالّ علی أنّ ترک الاجتناب عن الطعام استخفاف بتحریم المیتـة ، ضرورة أنّـه لم یقل أحد بأنّ حرمـة شیء تستلزم حرمـة ما یلاقیـه . وحمل الحرمـة فی الروایـة علی النجاسـة مضافاً إلی أنّـه خلاف الظاهر لا بینـة علیـه أصلاً .
ودعوی أنّ الطباع تـتنفّر من أکل الطعام الکذائی الذی صارت أجزاء المیتـة مخلوطـة بأجزائـه فلا ینبغی حمل مورد السؤال علیـه ، مدفوعـة بقول السائل : « الفأرة أهون علی من أن أترک طعامی من أجلها » خصوصاً بعد ملاحظـة حال الأعراب فی صدر الإسلام ، بل فی الأزمنـة المتأخّرة ، کما لایخفی .
فانقدح ممّا ذکرنا : أنّـه ما لم یقم الدلیل علی نجاسـة ملاقی النجس لم یفهم أحد من نفس الأدلّـة الدالّـة علی نجاسـة الأعیان النجسـة نجاسـة ما یلاقیها من سائر الأشیاء أیضاً ، بل لابدّ من قیام الدلیل علی ذلک ، وقد عرفت أنّ ظاهره جعل السببیّـة الشرعیّـة الراجعـة إلی تأثیر النجس شرعاً فی نجاسـة ملاقیـه ، فتدبّر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 149