بیان المحقّق النائینی فی ضابط الشبهة الغیر المحصورة
ثمّ إنّ المحقّق النائینی قدس سره أفاد فی بیان ضابط الشبهـة الغیر المحصورة ما ملخّصـه : إنّ ضابط الشبهـة الغیر المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهـة حدّاً لا یمکن عادةً جمعها فی الاستعمال من أکل أو شرب أو نحوهما لأجل الکثرة . فلابدّ فی الشبهـة الغیر المحصورة من اجتماع کلا الأمرین : کثرة العدد ، وعدم التمکّن
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 139
من جمعـه فی الاستعمال ، فالعلم بنجاسـة حبّـة من الحنطـة فی ضمن حقّـة منها لا یکون من قبیل الشبهـة الغیر المحصورة ، لإمکان استعمال الحقّـة من الحنطـة بطحن وخبز وأکل ، مع أنّ نسبـة الحبّـة إلی الحقّـة تزید عن نسبـة الواحد إلی الألف ، کما أنّ مجرّد عدم التمکّن العادی من جمع الأطراف فی الاستعمال فقط لا یوجب أن تکون الشبهـة غیر محصورة ، إذ ربّما لا یتمکّن عادة من ذلک مع کون الشبهـة فیـه أیضاً محصورة ، کما لو کان بعض الأطراف فی أقصی بلاد المغرب ، فلابدّ فیها من اجتماع کلا الأمرین .
ومنـه یظهر عدم حرمـة المخالفـة القطعیّـة ؛ لأنّ المفروض عدم التمکّن العادی منها ، وکذا عدم وجوب الموافقـة القطعیـة ؛ لأنّ وجوبها فرع حرمـة المخالفـة القطعیّـة ، لأنّ الوجوب یتوقّف علی تعارض الاُصول فی الأطراف ، وتعارضها یتوقّف علی حرمـة المخالفـة القطعیـة ، لیلزم من جریانها مخالفـة عملیـة للتکلیف المعلوم فی البین ، فإذا لم تحرم ـ کما هو المفروض ـ لم یقع التعارض ، ومع عدمـه لایجب الموافقـة القطعیـة ، انتهی .
وفیـه وجوه من النظر :
الأوّل : أنّ المراد بالتمکّن العادی من الجمع فی الاستعمال إن کان هو الإمکان دفعةً ؛ أی فی أکل واحد أو شرب واحد أو لبس کذلک وهکذا ، فهذا یوجب دخول أکثر الشبهات المحصورة فی هذا الضابط ، لأنّ کثیراً منها ممّا لا یمکن عادةً جمعها فی استعمال واحد ، لأجل کثرة أطرافـه المحصورة . وإن کان المراد هو الإمکان ولو تدریجاً بحسب مرور الأ یّام والشهور والسنین فلازمـه خروج أکثر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 140
الشبهات الغیر المحصورة ؛ لإمکان جمعها فی الاستعمال تدریجاً ، کما هو واضح .
الثانی : أنّک عرفت فیما تقدّم مراراً أنّ التکالیف الفعلیـة ثابتـة بالنسبـة إلی جمیع المخاطبین ، ولا تکون مشروطـة بالعلم والقدرة ونظائرهما ، غایـة الأمر أنّ الجاهل والعاجز معذوران فی المخالفـة ؛ لأنّ الملاک فی حسن الخطاب بنحو العموم واستهجانـه غیر ما هو المناط فیهما بالنسبـة إلی الخطاب الشخصی ، فلو لم یکن الشخص قادراً علی ترک المنهی عنـه یکون معذوراً ، کما أنّـه لو لم یکن قادراً علی إتیان المأمور بـه یکون کذلک . فالموجب للمعذوریّـة إنّما هو عدم القدرة علی الترک فی الأوّل ، وعلی الفعل فی الثانی لتحقّق المخالفـة ، وأمّا لو لم یکن قادراً علی الفعل فی الأوّل وعلی الترک فی الثانی فلا معنی للعذر هنا ، لعدم حصول المخالفـة منـه أصلاً ، کما لایخفی .
وحینئذٍ : فما أفاده من أنّ عدم التمکّن العادی من المخالفـة القطعیـة یوجب أن لا تکون محرّمـة ، ممنوع ؛ لأنّ عدم التمکّن لا یوجب تحقّق المنهی عنـه حتّی یرتفع حکمـه أو یصیر معذوراً ، فتدبّر .
الثالث : أنّـه لو سلّم ما ذکر فنقول : إنّ ما تعلّق بـه التکلیف التحریمی هو الخمر الموجود فی البین ، فلابدّ من ملاحظـة عدم التمکّن بالنسبـة إلیـه ، وأمّا الجمع بین الأطراف الذی هو عبارة اُخری عن المخالفـة القطعیّـة فلا یکون مورداً لتعلّق التکلیف حتّی یکون عدم التمکّن العادی من المکلّف بـه موجباً لرفع التکلیف المتعلّق بـه .
وبالجملـة : ما هو مورد لتعلّق التکلیف ـ وهو الخمر الموجود بین الأطراف المتکثّرة ـ یکون متمکّناً من استعمالـه فی نفسـه ؛ لأنّـه لا یکون إلاّ فی إناء واحد مثلاً ، وما لا یتمکّن من استعمالـه ـ وهو الجمع بین الأطراف ـ لا یکون متعلّقاً
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 141
لحکم تحریمی أصلاً . نعم یحکم العقل بلزوم ترکـه فی أطراف الشبهـة المحصورة أو غیرها أیضاً بناءً علی بعض الوجوه ، کما عرفت .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 142