ضابط الشبهة الغیر المحصورة
ثمّ إنّ ضابط الشبهـة الغیر المحصورة یختلف حسب اختلاف الوجوه التی استدلّ بها لعدم الوجوب ؛ أی الاحتیاط فیها ، فلو تمسّک فیها بالإجماع فالواجب الرجوع إلی العرف فی تعیـین مفهومها . وقد اختلف کلماتهم فی تحدید المعنی العرفی ، فعن الشهید والمحقّق الثانیـین وبعض آخر أنّـه عبارة عمّا یعسر
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 137
عدّه مطلقاً ، أو فی زمان قصیر کما عن المحقّق الثانی ، وحکی عن غیرهم اُمور اُخر لعلّـه یأتی بعضها .
ولکن حیث إنّ الإجماع ممّا لا یجوز التمسّک بـه ، لاختلاف العلل الموجبـة للحکم بعدم وجوب الاحتیاط ، کما هو المحتمل قویّاً فلا یکشف عن رأی المعصوم علیه السلام فلا طائل تحت النزاع فی موضوعـه وتحقیق ما هو الحقِّ. ولکنّـه علی تقدیر ثبوتـه لا یقتضی إلاّ عدم وجوب الموافقـة القطعیـة ، لأنّـه القدر المتیقّن منـه ، وأمّا جواز المخالفـة القطعیـة بارتکاب الجمیع فلا یستفید منـه بعد عدم تیقّن کونـه معقد الإجماع أیضاً ، هذا .
وأمّا لو استند فی الحکم إلی الروایات المتقدّمـة ونظائرها فلیس هنا عنوان الشبهـة الغیر المحصورة حتّی ینازع فی تعیـین معناها وبیان مفهومها ؛ لأنّها لا تدلّ إلاّ علی حلّیـة الشیء المختلط من الحلال والحرام ، وهی وإن کانت مخصّصـة بالنسبـة إلی الشبهـة المحصورة ، إلاّ أنّ عنوان المخصّص لیس أیضاً هو عنوانها ، بل مورد المخصّص هو ما إذا کان الترخیص فی ارتکاب الجمیع مستلزماً للإذن فی المعصیـة بنظر العقل أو العقلاء ، ففی غیر هذا المورد یتمسّک بالعموم ویحکم بالترخیص .
وممّا ذکرنا یظهر أیضاً أنّـه بناءً علی هذا الوجـه کما لا تکون الموافقـة القطعیـة واجبـة ، کذلک لا تکون المخالفـة القطعیـة بمحرّمـة أصلاً ؛ لدلالـة الروایات علی حلّیـة مجموع الشیء المختلط من الحلال والحرام . وقد عرفت فیما سبق أنّ مرجع ذلک إلی رفع الید عن التکلیف التحریمی الموجود فی البین لمصلحـة أقوی ، وحینئذٍ فلو کان من أوّل الأمر قاصداً لارتکاب الجمیع لوجود الخمر بین الأطراف ولا یتحقّق العلم بارتکابـه إلاّ بعد ارتکاب الجمیع لا یکون
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 138
عاصیاً ، بل ولا متجرّیاً ؛ لعدم کون الخمر الموجود بینها بمحرّم أصلاً بعد حصول الاختلاط ، هذا .
ولو استند فی الباب إلی الوجـه الأخیر الذی أفاده فی کتاب الدرر فالضابط هو بلوغ کثرة الأطراف إلی حدّ یکون احتمال کون کلّ واحد منها هو المحرّم الواقعی ضعیفاً ، بحیث لم یکن معتنی بـه عند العقلاء أصلاً ، فکلّما بلغت الکثرة إلی هذا الحدّ تصیر الشبهـة غیر محصورة .
ومقتضی هذا الوجـه أیضاً جواز ارتکاب الجمیع ؛ لأنّ المفروض أنّ فی کلّ واحد من الأطراف أمارة عقلائیّـة علی عدم کونـه هو المحرّم الواقعی حتّی فیما إذا بقی طرف واحد ، فإنّ الأمارة أیضاً قائمـة علی عدم کونـه هو المحرّم ، بل المحرّم کان فی ضمن ما ارتکبـه .
نعم لو کان قصده من أوّل الأمر ارتکاب المحرّم الواقعی بارتکاب الجمیع وارتکب واحداً منها واتّفق مصادفتـه للمحرّم الواقعی تصحّ عقوبتـه علیـه ، کمالایخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 139