کلام المحقّق النائینی فیما لو شکّ فی ا‏لخروج عن محلّ ا‏لابتلاء

کلام المحقّق النائینی فیما لو شکّ فی الخروج عن محلّ الابتلاء

‏ ‏

‏ثمّ إنّ المحقّق المعاصر ‏‏قدس سره‏‏ بعد ذهابـه إلی جریان البراءة فیما لو کان بعض‏‎ ‎‏الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء ، اختار الاحتیاط فیما لو شکّ فی ذلک ، لا من‏‎ ‎‏جهـة الاُمور الخارجیّـة ، بل من جهـة إجمال ما هو خارج عن موارد التکلیف‏‎ ‎‏الفعلی ، حیث قال فی کتاب الدرر فی وجهـه ما لفظـه :‏

‏إنّ البیان المصحّح للعقاب عند العقل ـ وهو العلم بوجود مبغوض المولی‏‎ ‎‏بین أمور ـ حاصل ، وإن شکّ فی الخطاب الفعلی من جهـة الشکّ فی حسن‏‎ ‎‏التکلیف وعدمـه .‏

‏وهذا المقدار یکفی حجّـة علیـه ، نظیر ما إذا شکّ فی قدرتـه علی إتیان‏‎ ‎‏المأمور بـه وعدمها بعد إحراز کون ذلک الفعل موافقاً لغرض المولی ومطلوباً لـه‏‎ ‎‏ذاتاً ، وهل لـه أن لا یقدم علی الفعل بمجرّد الشکّ فی الخطاب الفعلی الناشئ من‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122
‏الشکّ فی قدرتـه ؟ والحاصل أنّ العقل بعد إحراز المطلوب الواقعی للمولی أو‏‎ ‎‏مبغوضـه لا یری عذراً للعبد فی ترک الامتثال‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

والمحقّق النائینی أیضاً تمسّک بهذا الوجـه‏ لوجوب الاحتیاط علی ما فی‏‎ ‎‏التقریرات‏‎[2]‎‏ ، ولکن الفاضل المقرّر ذکر فی الحاشیـة أنّـه أورد علی شیخـه‏‎ ‎‏الاُستاذ النقض بما لو علم بخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء ، لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّـه لا دخل للابتلاء وعدمـه فی الملاک ، فلو کان العلم بثبوت الملاک‏‎ ‎‏یقتضی وجوب الاجتناب عن أحد الطرفین مع الشکّ فی خروج الآخر عن مورد‏‎ ‎‏الابتلاء فلیقتض ذلک أیضاً مع العلم بخروج أحدهما عن مورد الابتلاء ، وذکر أنّـه‏‎ ‎‏بعد النقض علیـه : أسقط هذا الوجـه عن الاعتبار‏‎[3]‎‏ .‏

‏وکیف کان : فبناء علی مبناهم من کون الاضطرار والعجز ونحوهما من‏‎ ‎‏حدود ‏‏التکلیف الفعلی وقیده لا مجال للقول بوجوب الاحتیاط مع الشکّ فی‏‎ ‎‏الخروج عن مورد الابتلاء ؛ لأنّ کشف الملاک إنّما هو من طریق تعلّق التکلیف بناءً‏‎ ‎‏علی مذهب العدلیّـة من تبعیّـة الأحکام للمصالح والمفاسد النفس الأمریّـة ، وإلاّ‏‎ ‎‏فمع عدمـه کیف یستکشف الملاک ؟‏

‏وحینئذٍ : فمع العلم بالخروج عن محلّ الابتلاء لا یکون العلم الإجمالی‏‎ ‎‏بمنجّز أصلاً ؛ لأنّـه لو کان الخارج عن محلّ الابتلاء هو متعلّق التکلیف لم یکن‏‎ ‎‏التکلیف المتعلّق إلیـه فعلیّاً ، لأنّ المفروض أنّـه من حدود التکلیف الفعلی ، وأمّا‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 123
‏مع الشکّ فی ذلک فالأمر أیضاً کذلک ، لأنّ مرجع الشکّ فی الخروج إلی الشکّ فی‏‎ ‎‏ثبوت التکلیف الفعلی وهو مجری البراءة . وقد عرفت أنّ مقتضی کلامهم جریان‏‎ ‎‏البراءة فی صورة الشکّ فی القدرة ، مع أنّهم لا یلتزمون بـه .‏

‏وبالجملـة : لو علم بثبوت الملاک من غیر طریق الخطاب لکان لما ذکروه‏‎ ‎‏وجـه ، ولکنّ الظاهر أنّ مرادهم استکشافـه من طریق التکلیف ، ومع تقیـید إطلاق‏‎ ‎‏الهیئـة علی ما هو المفروض یکون إطلاق المادّة أیضاً المستکشف منـه الملاک‏‎ ‎‏فی کلّ مورد أیضاً مقیّداً ، لأنّ الخطاب المتوجّـه إلی صنف خاصّ إنّما یستفاد منـه‏‎ ‎‏ثبوت الملاک فی متعلّقـه بالنسبـة إلی ذلک الصنف فقط ، ولا یکون طریقاً إلی‏‎ ‎‏ثبوتـه مطلقاً کما هو واضح ، فلا وجـه للاحتیاط مع الشکّ فضلاً عن صورة العلم .‏

‏وأمّا بناءً علی ما هو التحقیق فقد عرفت أنّ اللازم هو الاجتناب عن الطرف‏‎ ‎‏الآخر الذی هو مورد للابتلاء مطلقاً ، فتأمّل جیّداً .‏

ثمّ إنّـه استدلّ المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ لوجوب الاحتیاط مـع الشکّ فی‏‎ ‎‏الخروج عن مورد الابتلاء بوجـه آخر أفاده الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ وهو التمسّک بإطلاقات‏‎ ‎‏أدلّـة المحرّمات ، فقال فی تقریب الاستدلال بـه ما ملخّصـه : أنّـه لا إشکال فی‏‎ ‎‏إطلاق ما دلّ علی حرمـة الخمر مثلاً وشمولـه لکلتا صورتی الابتلاء وعدمـه ،‏‎ ‎‏والقدر الثابت من التقیـید عقلاً هو ما إذا کان الخمر خارجاً عن مورد الابتلاء‏‎ ‎‏بحیث یلزم استهجان النهی عنـه بنظر العرف ، فإذا شکّ فـی استهجان النهی‏‎ ‎‏وعدمـه لأجل الشکّ فی إمکان الابتلاء وعدمـه فالمرجع هو الإطلاق ، لأنّ‏‎ ‎‏التخصیص بالمجمل مفهوماً المردّد بین الأقلّ والأکثر لا یمنع عن التمسّک بالعامّ‏‎ ‎‏فیما عدا القدر المتیقّن ، بل الجواز فی المقام أولی من غیره ، لأنّ المقیّد فیما نحن‏‎ ‎‏فیـه هو حکم العقل ، وفی المقیّدات اللبیّـة یجوز التمسّک بالعامّ فی الشبهات‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124
‏المصداقیّـة فضلاً عن الشبهات المفهومیـة إذا کان التردید بین الأقلّ والأکثر ،‏‎ ‎‏کما فی المقام .‏

‏وبالجملـة : لا ینبغی التأمّل فی جواز التمسّک بإطلاق أدلّـة المحرّمات‏‎ ‎‏الواردة فی الکتاب والسنّـة .‏

فإن قلت‏ : المخصّص المجمل المتّصل بالعامّ یسری إجمالـه إلی العامّ ولا‏‎ ‎‏ینعقد لـه ظهور فی جمیع ما یحتمل انطباق مفهوم المخصّص علیـه إذا کان‏‎ ‎‏المخصّص لفظیاً أو عقلیاً ضروریاً ، سواء کان إجمالـه لأجل تردّده بین المتباینین‏‎ ‎‏أو بین الأقلّ والأکثر ، والتفصیل بینهما إنّما هو فی المخصّص اللفظی المنفصل أو‏‎ ‎‏ما بحکمـه من العقل النظری ، وأمّا العقل الضروری فحکمـه حکم المتّصل ، لأنّ‏‎ ‎‏المخصّص إذا کان ضروریّاً فبمجرّد صدور العامّ من المتکلّم ینتقل الذهن إلیـه‏‎ ‎‏ویکون کالقرینـة المحتفّـة بالکلام یسری إجمالـه إلیـه . وهذا بخلاف العقل‏‎ ‎‏النظری ، فإنّـه لا ینتقل الذهن إلیـه إلاّ بعد الالتفات إلی المبادئ التی أوجبت‏‎ ‎‏حکم العقل ، وقد لا تکون المبادئ حاضرة ، فلا یمنع عن انعقاد الظهور للعامّ ولا‏‎ ‎‏یسری إجمالـه إلیـه ، ومن المعلوم أنّ المخصّص فی المقام إنّما یکون من‏‎ ‎‏الأحکام العقلیّـة الضروریّـة ، لأنّ ضرورة العقل قاضیـة باستهجان النهی عمّا لا‏‎ ‎‏یمکن الابتلاء بـه ، کما لایخفی .‏

قلت أوّلاً‏ : یمکننا منع کون المخصّص فی المقام من الضروریات العقلیّـة‏‎ ‎‏المرتکزة فی أذهان العرف والعقلاء .‏

وثانیاً‏ : أنّ سرایـة إجمال المخصّص اللفظی المتّصل أو العقلی الضروری‏‎ ‎‏إلی العامّ إنّما هو فیما إذا کان الخارج عن العموم عنواناً واقعیّاً غیر مختلف‏‎ ‎‏المراتب وتردّد مفهومـه بین الأقلّ والأکثر ، کما لو تردّد مفهوم « الفاسق » الخارج‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125
‏عن عموم « أکرم العلماء » بین أن یکون خصوص مرتکب الکبیرة أو الأعمّ منـه‏‎ ‎‏ومن مرتکب الصغیرة ، وأمّا إذا کان الخارج عنواناً ذا مراتب مختلفـة وعلم بخروج‏‎ ‎‏بعض مراتبـه عن العامّ وشکّ فی خروج بعض آخر فإجمالـه لا یسری إلی العامِّ،‏‎ ‎‏لأنّ الشکّ فی مثل هذا یرجع إلی الشکّ فی ورود مخصّص آخر للعامّ غیر ما علم‏‎ ‎‏التخصیص بـه فتأمّل‏‎[4]‎‏ . انتهی ملخّص موضع الحاجـة من کلامـه علی ما فی‏‎ ‎‏التقریرات .‏

ویرد علیـه وجوه‏ :‏

منها‏ : أنّ ما أفاده من جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهات المصداقیّـة‏‎ ‎‏للمقیّدات اللبّـیّـة محلّ نظر ، بل منع ؛ لأنّ مبنی ذلک إنّما هو دعوی أنّ العقل یخرج‏‎ ‎‏الأفراد والخصوصیات ، فمرجع الشکّ فی کون شیء مصداقاً للمخصّص إلی الشکّ‏‎ ‎‏فی التخصیص الزائد ، وهذا المبنی بمکان من البطلان . ضرورة أنّ حکم العقل‏‎ ‎‏عبارة عن الکبریات الکلّیـة الثابتـة فی مواردها ، وحکم العقل بخروج الأفراد‏‎ ‎‏إنّما هو لملاک واحد مشترک بینهما ، فلا فرق بین قیام الدلیل اللفظی علی‏‎ ‎‏التخصیص وحکم العقل بذلک أصلاً ، فکما لا یجوز التمسّک بالعامّ فی الشبهـة‏‎ ‎‏المصداقیّـة للمخصّص فی المخصّصات اللفظیـة فکذلک لا یجوز فی اللبّـیّات‏‎ ‎‏أیضاً .‏

ومنها‏ : أنّ الفرق بین العقل الضروری والنظری محلّ منع ، بل الظاهر عدم‏‎ ‎‏الفرق بینهما مـن حیث کونهما کالمخصّص المتّصل ؛ لأنّ العقل النظری وإن کان‏‎ ‎‏لا ینتقل الذهـن إلیـه إلاّ بعـد الالتفات إلـی المبادئ الموجبـة لـذلک ، إلاّ أنّـه‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126
‏بعد الانتقال یعلم بعدم کون الظهور المنعقد للعامّ قبل الالتفات إلی تلک المبادئ‏‎ ‎‏ظهوراً حقیقیّاً وأنّـه أخطـأ فـی توهّمـه انعقاد الظهور للعامِّ؛ لأنّـه بعد الانتقال‏‎ ‎‏یعلم بکون دائرة العامّ من أوّل صدوره من المولی کانت أضیق ممّا کان یتوهّمـه‏‎ ‎‏سابقاً .‏

‏وهذا بخلاف المخصّص اللفظی المنفصل ، فإنّ العامّ کان منعقداً ظهوره فی‏‎ ‎‏العموم ولا یجوز رفع الید عنـه إلاّ بالمقدار الذی یکون المخصّص فیـه حجّـة ،‏‎ ‎‏وهو الأقلِّ، ضرورة أنّ رفع الید بالنسبـة إلی الأکثر یکون من قبیل رفع الید عن‏‎ ‎‏الحجّـة بغیر الحجّـة .‏

‏وأمّا فی المقام فبعد استکشاف حکم العقل یعلم بعدم انعقاد ظهور لـه فی‏‎ ‎‏العموم أصلاً کالعقل الضروری . وتوهّم الانعقاد لایوجب التفکیک ، فکما یسری‏‎ ‎‏الإجمال إلی العامّ فـی العقل الضروری فکذلک یسری إلیـه فی العقل النظری ،‏‎ ‎‏فلا یجوز التمسّک بـه فی کلتا الصورتین فتدبّر .‏

ومنها‏ : أنّ ما أفاده من الجواب الثانی عن الإشکال الذی أورده علی نفسـه‏‎ ‎‏یرد علیـه : ـ مضافاً إلی عدم الفرق بین مثال الفاسق وبین المقام ؛ لأنّ الفاسق‏‎ ‎‏أیضاً ذو مراتب ، للفرق بین الفسق الناشئ من التصرّف فی مال الغیر مثلاً وبین‏‎ ‎‏الفسق الناشئ من قتل النفس المحترمـة عمداً ، کما هو واضح .‏

‏وحینئذٍ فلو ثبت أنّ عنوان الفاسق یصدق أیضاً علی مرتکب الصغیرة تکون‏‎ ‎‏هذه المرتبـة من الفسق من المراتب النازلـة لعنوان الفسق ـ أنّ الفرق بین ما إذا‏‎ ‎‏کان عنوان المخصّص عنواناً واقعیّاً غیر مختلف المراتب ، وما إذا کان عنواناً ذا‏‎ ‎‏مراتب مختلفـة فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الأوّل دون الثانی ، ممّا لا یکون‏‎ ‎‏لـه وجـه ؛ لأنّ المخصّص ولو کان عنواناً ذا مراتب إذا کان متّصلاً بالعامّ سواء کان‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127
‏لفظیاً أو عقلیاً ضروریّاً یسری إجمالـه إلی العامّ لا محالـة ویمنع عن انعقاد ظهور‏‎ ‎‏للعامّ فی العموم ، ولیس هنا حجّـة علی العموم حتّی یتمسّک بها فی المقدار الذی‏‎ ‎‏لا یکون المخصّص حجّـة بالنسبـة إلیـه .‏

‏وبالجملـة : اتّصال المخصّص بالعامّ مانع عن کون ظهوره متّبعاً وقابلاً‏‎ ‎‏للاحتجاج ؛ لأنّ الکلام ما دام کون المتکلِّم مشتغلاً بـه لا ینعقد لـه ظهور متّبع حتّی‏‎ ‎‏إذا فرغ المتکلّم منـه ، وهذا واضح جدّاً .‏

‏وحینئذٍ : فلا فرق من هذه الحیثیّـة بین کون المخصّص ذا مراتب أو غیره ،‏‎ ‎‏فمرجع التمسّک بالعامّ حینئذٍ إلی التمسّک بـه فی الشبهـة المصداقیّـة لنفس العامِّ،‏‎ ‎‏وهو ممّا لا یجوز قطعاً .‏

‏وما ذکره من أنّ الشکّ فی مثل هذا یرجع إلی الشکّ فی ورود مخصّص آخر‏‎ ‎‏خروج عن محلّ النزاع ؛ لأنّ الکلام فی الشبهـة المفهومیّـة التی هی عبارة عن‏‎ ‎‏کون مفهوم المخصّص مجملاً ولا یعلم انطباقـه علی بعض المصادیق .‏

‏وحینئذٍ فلا یلزم من دخول بعض المراتب أو خروجـه تخصیص زائد أصلاً .‏‎ ‎‏نعم لو علم بکون المفهوم ذا مراتب وشکّ مع ذلک فی خروج بعض المراتب‏‎ ‎‏وعـدمـه یکون ذلک مـن قبیل إجمال المراد ، ولا یکون مـن قبیل الشبهـة‏‎ ‎‏المفهومیّـة أصلاً .‏

‏ثمّ إنّـه أورد المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی الکفایـة علی هذا الوجـه الذی‏‎ ‎‏أفاده الشیخ وتابعـه المحقّق النائینی بما لفظـه : إنّـه لو شکّ فی ذلک ـ یعنی فی‏‎ ‎‏صحّـة انقداح الداعی إلی الفعل فی نفس العبد ـ کان المرجع هو البراءة ، لعدم‏‎ ‎‏القطع بالاشتغال ، لا إطلاق الخطاب ، ضرورة أنّـه لا مجال للتشبّث بـه إلاّ فیما‏‎ ‎‏إذا شکّ فی التقیـید بشیء بعد الفراغ عن صحّـة الإطلاق بدونـه ، لا فیما شکّ فی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 128
‏اعتباره فی صحّتـه‏‎[5]‎‏ . وقال فی هامشها : نعم لو کان الإطلاق فی مقام یقتضی‏‎ ‎‏بیـان التقیـید بالابتلاء ـ لو لم یکن هناک ابتلاء مصحّح للتکلیف ـ کان الإطلاق‏‎ ‎‏وعدم بیان التقیـید دالاًّ علی فعلیتـه ووجود الابتلاء المصحّح لها ، کما لایخفی‏‎ ‎‏فافهم‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

‏وأجاب عنـه المحقّق النائینی ـ علی ما فی التقریرات ـ بما ملخّصـه : إنّ‏‎ ‎‏إطلاق الکاشف بنفسـه یکشف عن إمکان إطلاق النفس الأمری ، ولو کان التمسّک‏‎ ‎‏بالمطلقات مشروطاً بإحراز إمکان الإطلاق لانسدّ باب التمسّک بالمطلقات‏‎ ‎‏بالکلّیـة ، إذ ما من مورد یشکّ فی التقیـید إلاّ ویرجع إلی الشکّ فی إمکان‏‎ ‎‏الإطلاق ، خصوصاً علی مذهب العدلیّـة من تبعیّـة الأحکام للمصالح والمفاسد‏‎ ‎‏النفس الأمریّـة ، لأنّ الشکّ فی کلّ قید یلازم الشکّ فی ثبوت المصلحـة‏‎ ‎‏الموجبـة للتقیـید .‏

‏وبالجملـة : الإطلاق اللفظی یکشف عن ثبوت الإطلاق النفس الأمری ،‏‎ ‎‏کما أنّ الخطاب اللفظی یکشف عن ثبوت الملاک والمناط ، وحینئذٍ فیؤخذ بظاهر‏‎ ‎‏الإطلاق فی الموارد المشکوکـة ویستکشف منـه إنّاً عدم استهجان التکلیف فی‏‎ ‎‏مورد الشکِّ، کما یستکشف من إطلاق قولـه  ‏‏علیه السلام‏‏ : « اللهمّ العن بنی اُمیّـة قاطبـة »‏‎ ‎‏عدم إیمان من شکّ فی إیمانـه من هذه الطائفـة الخبیثـة ، مع أنّ حکم العقل بقبح‏‎ ‎‏لعن المؤمن لا ینقص عن حکمـه بقبح تکلیف من لا یتمکّن عادة‏‎[7]‎‏ ، انتهی .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 129
‏وفیـه : وضوح الفرق بین المقام وبین المقیّدات الاُخر ؛ لأنّ استهجان‏‎ ‎‏الخطاب ‏‏مع عدم الابتلاء ممّا یکون بدیهیّاً عند العامّـة ، بخلاف قضیّـة المصلحـة‏‎ ‎‏والمفسدة التی ذهب إلیها جمع من العلماء لنهوض الدلیل علیها وتکون مغفولاً‏‎ ‎‏عنها عند العرف والعقلاء ، فإذا ورد « أکـرم العلماء » مثلاً ، یکون المتفاهم منـه‏‎ ‎‏بنظر العرف هو وجوب إکرام الجمیع من غیر توجّـه إلی ثبوت المصلحـة فـی‏‎ ‎‏إکرام الجمیع ، ویکون العموم حجّـة لا یرفعون الید عنها فی موارد الشکّ فی‏‎ ‎‏التخصیص . وهذا بخلاف المقام الذی لا یکون الخطاب مطلقاً بنظرهم وشاملاً‏‎ ‎‏لکلتا صورتی الابتلاء وعدمـه ، بل یکون مقیّداً من أوّل الأمر بصورة الابتلاء .‏‎ ‎‏وحینئذٍ فلا یجوز التمسّک بـه مع الشکّ فی الابتلاء وعدمـه ، کما هو واضح .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 130

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 465 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 55 .
  • )) نفس المصدر : 57 ، الهامش 1 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 57 ـ 60 .
  • )) کفایـة الاُصول : 410 .
  • )) نفس المصدر : 410 ، الهامش 4 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 4 : 61 ـ 62 .