الفرق بین الخطابات القانونیة والخطابات الشخصیة
ولا یخفی أنّ ذلک مبنی علی القول بانحلال الخطابات الشرعیّـة إلی الخطابات المتعدّدة حسب تعدّد المکلّفین ، فإنّـه حینئذٍ لابدّ من ملاحظـة المکلّف المتوجّـه إلیـه الخطاب الشخصی وأنّـه هل یکون مستهجناً بالنسبـة إلیـه ، لأجل الاضطرار أو عدم القدرة العقلیّـة أو العادیّـة أو عدم انصراف إرادتـه ، أو لا یکون کذلک ، لفقدان هذه الاُمور ، ولایخفی أنّ الالتزام بذلک یوجب محذورات کثیرة :
منها : أنّ لازمـه عدم صحّـة تکلیف العاصی الذی لا یحتمل المولی الآمر أن یؤثّر أمره فیـه ، فیخرج عن کونـه عاصیاً ، وکذا الکافر بطریق أولی .
ومنها : أنّ لازمـه تعمیم ذلک بالنسبـة إلی الأحکام الوضعیـة أیضاً ، فإنّـه کما یستهجن التکلیف بحرمـة الخمر الموجود فی البلاد البعیدة والنهی عن شربـه ، کذلک یکون جعل النجاسـة لـه أیضاً مستهجناً بعد وضوح أنّ مثل هذا الجعل إنّما هو لغرض ترتیب الآثار ، ولا معنی لـه بعد عدم الابتلاء بـه عادةً . وحینئذٍ فیلزم أن یکون الخمر الواحد نجساً بالنسبـة إلی من کان مبتلی بـه ، وغیرنجس بالنسبـة إلی غیر المبتلی ، وهذا ممّا لا یمکن أن یلتزم بـه فقیـه .
وبالجملـة : فلا فرق فی الاستهجان بین کون المکلّف غیر قادر علی إتیان متعلّقـه بالقدرة العادیّـة ، وبین کونـه عاصیاً لا یحتمل أن یتأثّر من الأمر .
ودعوی : أنّ المصحّح للبعث والتحریک إنّما هو إمکان الانبعاث من المکلّف ، وهو متحقّق فی العاصی وإن علم بعدم تأثیر الأمر فیـه ، لأنّـه لا ینافی العلم بعدم التأثیر خارجاً مع إمکان الانبعاث ذاتاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120
مدفوعـة : بأنّ البعث لا یمکن أن یصدر إلاّ مع تحقّق مبادیـه التی منها ترتّب الغایـة والغرض علیـه ، وبعد العلم بعدم ترتّب هذه الغایـة علیـه لأجل العلم بعدم انبعاث المکلّف وعدم تأثیر البعث فیـه لا تکون المبادئ بأجمعها متحقّقـة ، وبدونها لا یعقل أن ینقدح فی نفس المولی إرادة البعث ، کما هو واضح .
والتحقیق فی المقام أن یقال : إنّ الخطابات الشرعیّـة خطابات کلّیـة متوجّهـة إلی عامّـة المکلّفین ، بحیث یکون الخطاب فی کلّ واحد منها واحداً والمخاطب متعدّداً حسب تعدّد المکلّفین ، والمصحّح لهذا النحو من الخطاب العامّ إنّما هو ملاحظـة حال نوع المخاطبین دون کلّ واحد منهم ، فإن کانوا بحسب النوع قادرین بالقدرة العقلیّـة والعادیّـة یصحّ الخطاب إلی الجمیع بخطاب واحد ، ولا یکون عجز البعض عقلاً أو عادةً موجباً لاستهجان الخطاب العامّ بعد عدم خصوصیـة ممیّزة للعاجز ، وهکذا بالنسبـة إلی العاصی والکافر ، فإنّ المصحّح لتوجیـه الخطاب العامّ الشامل للعاصی والکافر أیضاً إنّما هو احتمال التأثیر بالنسبـة إلی النوع وإن علم بعدم تأثیره بالنسبـة إلی بعض المخاطبین .
وبالجملـة : لا وجـه للقول بانحلال الخطابات الشرعیّـة إلی خطابات متعدّدة حسب تعدّد المخاطبین المکلّفین ، خصوصاً بعد کون مقتضی ظواهرها هو وحدة الخطاب وتعدّد المخاطب ، بل اللازم إبقائها علی ظاهرها ، وبـه یندفع الإشکالات المتقدّمـة ، کما أنّـه بـه یظهر الوجـه فی وجوب الاحتیاط فی صورة الشکّ فی القدرة الذی هو مورد للاتّفاق .
وهذا بخلاف القول بالانحلال ، فإنّـه حینئذٍ یشکل الوجـه فی ذلک ، لأنّـه بعد اختصاص الخطاب والتکلیف بالقادرین یکون مرجع الشکّ فی القدرة إلی الشکّ فی أصل التکلیف وهو مجری البراءة ، کما هو واضح .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121
إذا ظهر لک ذلک : تعرف أنّـه لو کان بعض الأطراف فی الشبهـة المحصورة خارجاً عن محلّ الابتلاء غیر مقدور بالقدرة العادیّـة لا یکون ذلک موجباً لعدم تنجّز التکلیف المعلوم إجمالاً ، لأنّ التکلیف یکون ثابتاً ولو کان متعلّقـه خارجاً عن محلّ الابتلاء ، لأنّ الخروج عن محلّ ابتلاء بعض المکلّفین لا یوجب استهجان الخطاب العامّ والتکلیف بنحو العموم ، بل الملاک فی الاستهجان ما عرفت من خروجـه عن محلّ ابتلاء عامّـة المکلّفین أو أکثرهم . وحینئذٍ فلابدّ من الاحتیاط بترک ما هو محلّ للابتلاء أیضاً ، هذا مع العلم بالخروج عن محلّ الابتلاء . وأمّا مع الشکّ فی ذلک فالأمر أوضح .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122