ا‏لأمر ا‏لثانی : حکم ا‏لاضطرار إ‏لی أحد أطراف ا‏لعلم ا‏لإجما‏لی

الأمر الثانی حکم الاضطرار إلی أحد أطراف العلم الإجمالی

‏ ‏

‏لو اضطرّ إلی أحد الأطراف فتارة یکون الاضطرار إلی طرف معیّن ، واُخری‏‎ ‎‏یکون إلی واحد من الأطراف غیر معیّن ، وعلی التقدیرین قد یکون الاضطرار قبل‏‎ ‎‏تعلّق التکلیف والعلم بـه ، وقد یکون بعدهما ، وقد یکون بعد واحد منهما وقبل‏‎ ‎‏الآخر ، وقد یکون مقارناً لهما أو لأحدهما ، فهاهنا صور :‏

‏فنقول : أمّا لو کان الاضطرار إلی طرف معیّن وکان الاضطرار قبل تعلّق‏‎ ‎‏التکلیف أو بعده وقبل العلم فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ،‏‎ ‎‏سواء قلنا بأنّ الاضطرار من حدود التکلیف وقیوده بحیث لا یکون فعلیّاً مع‏‎ ‎‏الاضطرار ویکون مشروطاً بعدمـه ، أو قلنا بأنّ الاضطرار وکذا سائر الأعذار أعذار‏‎ ‎‏عقلیّـة والتکلیف ثابت فعلی مطلقاً . غایـة الأمر أنّـه لا یصحّ للمولی الاحتجاج‏‎ ‎‏بـه مع وجود مثل الجهل والعجز والاضطرار ونحوها من الأعذار ، کما هو الحقّ‏‎ ‎‏وقد مرّ تحقیقـه فی مواضع متعدّدة ولعلّـه یأتی أیضاً فیما بعد .‏

‏أمّا علی القول الأوّل : فلأنّـه یشترط فی منجزیّـة العلم الإجمالی أن یکون‏‎ ‎‏متعلّقـه التکلیف الفعلی الثابت علی أیّ تقدیر ، بحیث لو تبدّل إلی العلم التفصیلی‏‎ ‎‏بثبوتـه فی کلّ واحد من الأطراف لکان منجّزاً ، وهنا لیس کذلک ، لأنّـه یحتمل أن‏‎ ‎‏یکون المضطرّ إلیـه هو الشیء الذی تعلّق بـه التکلیف فلم یکن حینئذٍ فعلیّاً ،‏‎ ‎‏لاشتراط فعلیّتـه علی الفرض بعدم عروض الاضطرار بالنسبـة إلی المکلّف بـه .‏‎ ‎‏وحینئذٍ فلا یعلم بثبوت التکلیف الفعلی علی أیّ تقدیر ، کما هو واضح .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 114
‏وأمّا علی القول الثانی : فلأنّ الاضطرار وإن لم یکن من قیود التکلیف‏‎ ‎‏الفعلی ، إلاّ أنّـه من قیود التکلیف الفعلی الصالح للاحتجاج ، ولابدّ فی تأثیر العلم‏‎ ‎‏الإجمالی من أن یکون متعلّقـه هو التکلیف الفعلی الصالح للاحتجاج علی أیّ‏‎ ‎‏تقدیر ، ومن الواضح أنّـه لیس هنا کذلک ؛ لأنّـه یحتمل أن یکون المضطرّ إلیـه هو‏‎ ‎‏المکلّف بـه ، فلا یکون التکلیف حینئذٍ صالحاً للاحتجاج وإن کان باقیاً علی‏‎ ‎‏الفعلیّـة . ومجرّد البقاء علی الفعلیّـة لا یجدی ما لم ینضمّ إلیـه القابلیّـة ، ولذا‏‎ ‎‏لا یکون العلم الإجمالی مؤثّراً لو حصل لـه الاضطرار إلی جمیع الأطراف ،‏‎ ‎‏کما هو واضح .‏

إن قلت‏ : لازم ما ذکرت هو جواز القعود عن تکلیف المولی فیما لو شکّ فی‏‎ ‎‏کونـه قادراً علی إتیان متعلّقـه ؛ لأنّ مقتضی ما ذکرت هو کفایـة مجرّد احتمال‏‎ ‎‏کون المضطرّ إلیـه هو المکلّف بـه ، فإذا کان مجرّد احتمال الاضطرار بالنسبـة‏‎ ‎‏إلی متعلّق التکلیف کافیاً فی عدم قابلیّتـه للاحتجاج ، فکذلک مجرّد احتمال عدم‏‎ ‎‏القدرة والعجز عن إتیان المکلّف بـه یکون کافیاً ، ضرورة أنّـه لا فرق بین‏‎ ‎‏الاضطرار والعجز من هذه الحیثیّـة أصلاً ، وبطلان اللازم واضح کما یظهر‏‎ ‎‏بمراجعـة العقل والعقلاء ، لأنّـه لا یکون العبد الشاکّ فی القدرة معذوراً عندهم فی‏‎ ‎‏المخالفـة ، وحینئذٍ فلابدّ من الالتزام بذلک فی الاضطرار کما فی المقام .‏

قلت‏ : الفرق بین المقام وبین مسألـة الشکّ فی القدرة التی لا یکون العبد‏‎ ‎‏فیها معذوراً فی المخالفـة هو أنّ فی المقام یکون الاضطرار معلوماً ولا یکون‏‎ ‎‏المکلّف المضطرّ شاکّاً فیـه أصلاً ، غایـة الأمر أنّـه یشکّ فی انطباقـه علی مورد‏‎ ‎‏التکلیف ، ویحتمل أن یکون المضطرّ إلیـه هو المکلّف بـه ، أو أن یکون غیره ،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فأمره دائر بین أن یکون عروض الاضطرار بالنسبـة إلی المکلّف بـه ، فلا‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 115
‏یکون التکلیف بالنسبـة إلیـه صالحاً للاحتجاج ، وبین أن یکون المضطرّ إلیـه هو‏‎ ‎‏غیر المکلّف بـه ، فیکون التکلیف بالنسبـة إلیـه قابلاً لـه ، فلا یعلم بثبوت‏‎ ‎‏التکلیف الفعلی الصالح للاحتجاج علی أیّ تقدیر ، وقد عرفت أنّـه شرط فی تأثیر‏‎ ‎‏العلم الإجمالی ، فتأمّل ، هذا .‏

‏وأمّا لو کان الاضطرار إلی المعیّن بعد تعلّق التکلیف والعلم بـه ، فالظاهر‏‎ ‎‏هنا وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ، لأنّ مقتضی العلم الإجمالی بالتکلیف‏‎ ‎‏الفعلی الصالح للاحتجاج علی أیّ تقدیر هو لزوم الاحتیاط وتحصیل الموافقـة‏‎ ‎‏القطعیّـة ، فإذا عرض لـه الاضطرار المانع عن ذلک فلا یری العقل المکلّف معذوراً‏‎ ‎‏فی ترک الموافقـة الاحتمالیـة ، کما لایخفی .‏

‏هذا کلّـه فیما لو کان الاضطرار إلی واحد معیّن من الأطراف .‏

وأمّا لو کان إلی واحد غیر معیّن منها‏ فالظاهر وجوب الاجتناب عن الطرف‏‎ ‎‏الآخر مطلقاً ؛ لعدم کون الاضطرار عارضاً للمکلّف بـه حتّی یخرج التکلیف‏‎ ‎‏الفعلی المتعلّق بـه عن الصالحیّـة للاحتجاج ؛ لأنّ الاضطرار إنّما عرض بالنسبـة‏‎ ‎‏إلی واحد غیر معیّن من الأطراف ، فالعلم بالتکلیف الفعلی الصالح للاحتجاج‏‎ ‎‏علی أیّ تقدیر موجود ، ضرورة أنّـه لو تبدّل إلی العلم التفصیلی بثبوتـه فی کلّ‏‎ ‎‏واحد من الأطراف لکان اللازم رفع الاضطرار بارتکاب الطرف الآخر ، واحتمال‏‎ ‎‏کون ما یختاره المکلّف هو المکلّف بـه لا یضرّ بذلک بعد کون ذلک ناشئاً عن جهل‏‎ ‎‏المکلّف بالواقع .‏

‏وبالجملـة : لا مزاحمـة بین ثبوت التکلیف بالوصف المذکور وبین‏‎ ‎‏الاضطرار إلی بعض الأطراف بحسب الواقع ، ولذا لو علم المکلّف بـه تفصیلاً‏‎ ‎‏لکان اللازم علیـه امتثالـه ورفع الاضطرار بالطرف الآخر ، وإنّما المزاحمـة بینهما‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 116
‏وقع فی بعض الأوقات فی مقام العمل ، لجهل المکلّف بالواقع ، وهذا هو الفارق‏‎ ‎‏بین الاضطرار إلی المعیّن والاضطرار إلی غیره ، لأنّـه فی الأوّل لا تکون‏‎ ‎‏المزاحمـة مستندة إلی الجهل ، بل المزاحمـة علی تقدیر کون المضطرّ إلیـه هو‏‎ ‎‏المکلّف بـه ثابتـة مطلقاً مع العلم والجهل ، بخلاف الثانی .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ الاضطرار لم یعرّض المکلّف بـه هنا لـه أصلاً ، بخلاف‏‎ ‎‏الاضطرار إلی المعیّن ، فإنّـه فی أحد الوجهین یکون عارضاً للمکلّف بـه ، کما‏‎ ‎‏لایخفی .‏

ودعوی‏ : أنّ بعد اختیار بعض الأطراف لا یکون العلم بالتکلیف موجوداً ،‏‎ ‎‏فلا وجـه للاحتیاط .‏

مدفوعـة‏ : بأنّ مقتضی ذلک عدم وجوب الاحتیاط فیما لو فقد بعض‏‎ ‎‏الأطراف أیضاً ، ولا یقول بـه أحد .‏

‏ومن جمیع ما ذکرنا یظهر : الخلل فیما أفاده المحقّق الخراسانی فی‏‎ ‎‏الکفایـة ، حیث إنّـه ‏‏قدس سره‏‏ ذهب إلی عدم الفرق بین الاضطرار إلی واحد معیّن وبین‏‎ ‎‏الاضطرار إلی واحد غیر معیّن ، وکذا نفی الفرق بین أن یکون الاضطرار سابقاً‏‎ ‎‏علی حدوث العلم أو لاحقاً ؛ واختار الفرق بین الاضطرار وفقد بعض الأطراف ،‏‎ ‎‏نظراً إلی أنّ الاضطرار من حدود التکلیف بخلاف الفقدان .‏

‏وقال فی هامش الکفایـة ما هذا لفظـه : لایخفی أنّ ذلک إنّما یتمّ فیما کان‏‎ ‎‏الاضطرار إلی أحدهما لا بعینـه ، وأمّا لو کان إلی أحدهما المعیّن فلا یکون بمانع‏‎ ‎‏عن تأثیر العلم للتنجّز ، لعدم منعـه عن العلم بفعلیّـة التکلیف المعلوم إجمالاً‏‎ ‎‏المردّد بین أن یکون التکلیف المحدود فی هذا الطرف أو المطلق فی الطرف‏‎ ‎‏ لآخر ، ضرورة عدم ما یوجب عدم فعلیّـة مثل هذا المعلوم أصلاً ، وعروض‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 117
‏الاضطرار إنّما یمنع عن فعلیّـة التکلیف لو کان فی طرف معروضـه بعد عروضـه ،‏‎ ‎‏لا عن فعلیّـة المعلوم بالإجمال المردّد بین التکلیف المحدود فی طرف‏‎ ‎‏المعروض والمطلق فی الآخر بعد العروض ، وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار‏‎ ‎‏إلی أحدهما لا بعینـه ، فإنّـه یمنع عن فعلیّـة التکلیف فی البین مطلقاً ، فافهم‏‎ ‎‏وتأمّل‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

والخلل فی مجموع ما ذکره من وجوه‏ :‏

‏أحدها : أنّ الاضطرار لا یکون من قیود التکلیف الفعلی وحدوده ، بل‏‎ ‎‏التکلیف فعلی أیضاً مع وجود الاضطرار ، غایـة الأمر أنّـه لا یکون صالحاً‏‎ ‎‏للاحتجاج ، کما مرّ ویأتی .‏

‏ثانیها : أنّ الحکم بعدم الفرق بین صورتی الاضطرار کما فی المتن ، أو‏‎ ‎‏بالفرق بالقول بتأثیر العلم إجمالی فی الاضطرار إلی غیر المعیّن دون الاضطرار‏‎ ‎‏إلی المعیّن کما فی الهامش ممنوع ؛ لما عرفت من ثبوت الفرق بینهما بعکس ما‏‎ ‎‏ذکره فی الهامش ، کما أنّ نفی الفرق بین سبق العلم ولحوقـه قد عرفت منعـه فی‏‎ ‎‏الاضطرار إلی المعیّن .‏

‏ثالثها : منع الفرق بین الاضطرار وفقدان بعض الأطراف ، لأنّـه کما لا یکون‏‎ ‎‏التکلیف الواقعی مؤثّراً مع وجود الاضطرار إلی متعلّقـه ، کذلک لا یکون بمؤثّر مع‏‎ ‎‏فقد المتعلّق ، نعم فرق بین ما إذا کان الفقدان قبل تعلّق التکلیف والعلم بـه ، وبین‏‎ ‎‏ما إذا کان بعدهما ، کما أنّ هذا الفرق ثابت فی الاضطرار أیضاً ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 118

  • )) کفایـة الاُصول : 409 ، الهامش 1 .