مقالة الشیخ فی وجه عدم جریان الاُصول فی أطراف العلم الإجمالی
وقد اختلفت کلمات الشیخ قدس سره فی وجـه عدم جریان الاُصول فی أطراف العلم الإجمالی ، فظاهر کلامـه فی مبحث الاشتغال وصریحـه فی أواخر الاستصحاب أنّ المانع من جریان الاُصول هو لزوم التناقض من جریانها علی فرض الشمول ، لأنّ قولـه : « لا تنقض الیقین بالشکّ ولکن تنقضـه بیقین آخر » ـ مثلاً یدلّ علی حرمـة النقض بالشکّ ووجوب النقض بالیقین ، فإذا فرض الیقین بارتفاع الحالـة السابقـة فی أحد المستصحبین فلا یجوز إبقاء کلّ منهما تحت عموم حرمـة النقض بالشکِّ، لأنّـه مستلزم لطرح الحکم بنقض الیقین بمثلـه ، فالمانع عنده حینئذٍ هوجهـة الإثبات وعدم شمول الأدلّـة ، ولکنّ الذی یظهر من کلامـه فی بحث القطع .
وفی بعض المواضع الاُخر أنّ المانع هو لزوم المخالفـة العملیّـة ، وحینئذٍ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92
فالمانع هو عدم إمکان الجعل ثبوتاً .
وکیف کان : فلو کان المانع عنده هـو جهـة الإثبات وقصور الأدلّـة عـن الشمول یرد علیـه : أنّ المراد بالیقین المأخوذ فی قولـه : « لا تنقض الیقین بالشکِّ. . . » هـل هـو الیقین الوجدانی أو الحجّـة المعتبـرة ، یقینیّـاً کانت أو غیره ؟
فعلی الأوّل نقول : إنّ الحکم بحرمـة نقض الیقین الواجـدانی بالشکّ وإن کان قابلاً للجعل ، إلاّ أنّ الحکم بوجوب نقض الیقین بیقین آخـر مثلـه لا یکون قابلاً للجعل بعد کون حجّیـة القطع غیر قابلـة للإثبات ولا للنفی کما تقدّم فی مبحث القطـع . فقولـه : « ولکـن تنقضـه بیقین آخـر » لا یکون بصدد جعل حکم آخـر حتّی یتحقّق التناقض بینـه وبین الحکم الأوّل علی تقدیر جریانـه فـی أطراف العلم الإجمالی ، بل بصدد التحدیـد للحکم المجعول أوّلاً ، وأنّ حرمـة النقض بالشکّ تکون ثابتـة إلی أن یجیء یقین آخر ، فظهر أنّـه بناءً علی هـذا الاحتمال لا تکون الروایـة مشتملـة علـی حکمین حتّی یتحقّق مـورد التناقض وعدمـه .
ومن هنا ظهر : أنّـه بناءً علی الاحتمال الثانی أیضاً لا تکون الروایـة کذلک ؛ لأنّ الحکم بوجوب نقض الحجّـة المعتبرة غیر القطع بحجّـة اُخری وإن کان قابلاً للجعل والتشریع ، إلاّ أنّـه باعتبار کون القطع أیضاً من أفراد الحجّـة المعتبرة لا یمکن هذا التشریع ، وجعل الحکم بالنسبـة إلی بعض أفراد الحجّـة وبیان التحدید بالنسبـة إلی بعضها الآخر ممّا لا یکون لهما جامع حتّی یمکن فی استعمال واحد ، کما هو واضح .
هذا کلّـه مضافاً إلی أنّـه لو سلّم جمیع ذلک نقول : ظاهر سیاق الروایـة أنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
المراد بالیقین فی قولـه : « ولکن تنقضـه بیقین آخر » هو الیقین بما تعلّق بـه الیقین والشکّ فی قولـه : « ولا تنقض الیقین بالشکِّ» لا الیقین بأمر آخر ، ضرورة عدم وجوب النقض بالیقین المتعلّق بشیء آخر ، کما هو واضح .
وحینئذٍ نقول : إنّ فی موارد العلم الإجمالی لا یکون العلم الإجمالی متعلّقاً بنفس ما تعلّق بـه الیقین السابق ، فلا یجب نقضـه بـه .
ألا تری أنّـه لو علم إجمالاً بنجاسـة أحد الإنائین اللذین علم بطهارتهما سابقاً لا یکون العلم الإجمالی متعلّقاً بنفس مـا تعلّق بـه الیقین السابق ، ضرورة أنّ الیقین السابق إنّما تعلّق بطهارة هذا الإناء بالخصوص وبطهارة ذاک الإناء کذلک ، ولم یتحقّق بعد یقین بنجاسـة واحد معیّن منهما حتّی یجب نقض الیقین السابق بالیقین اللاحق ، بل الموجود هو الیقین بنجاسـة أحـدهما المردّد ، وهـو لم یکن مسبوقاً بالیقین بالطهارة ، فمتعلّق الیقین السابق واللاحق مختلف ، فلا یجب النقض بـه .
فانقدح : أنّ أدلّـة الاستصحاب تجری فی المقام ولا یلزم التناقض أصلاً ، فلو کان هناک مانع فإنّما هـو مـن جهة الثبوت کما اختـاره فی مواضع اُخـر ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94