إمکان الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی
الثانی : أنّ تـردّد المکلّف بـه قـد یکون مـع العلم الجـازم بالتکلیف الواقعـی الفعلی بحیث تعلّقت الإرادة الحتمیّـة مـن المولی بذلک ، ففی مثل ذلک لا فرق بین الشبهـة المحصورة وغیرها فی عدم إمکان الترخیص ولو فی بعض الأطراف ، ضرورة مناقضـة الترخیص ولو کذلک مع الإرادة الجدّیـة الواقعیـة ولا یمکن اجتماعهما ، فالمولی إذا أراد حفظ ولـده جـدّاً بحیث لم یرض بقتلـه أصلاً کیف یمکـن لـه حینئذٍ أن یرخّص فی قتل فـرد مشتبـه ولـو کانت الشبهـة غیر محصورة ، فضلاً عمّا إذا کانت الشبهـة محصورة ، سیّما إذا رخّص فی جمیع الأطراف .
وبالجملـة : لا ینبغی الارتیاب فی أنّ مع العلم بالتکلیف الفعلی الواقعی الناشئ عن الإرادة الجدّیـة الحتمیّـة لا یعقل الترخیص من المولی أصلاً ، فیحرم مخالفتـه القطعیـة ، کما أنّـه یجب موافقتـه القطعیـة ، ولا أظنّ بأن یخالف فی ذلک أحد ، ومخالفـة العلمین المحقّقین الخوانساری والقمی فی حرمـة المخالفـة القطعیـة إنّما هو فی غیر هذه الصورة ، إذ وضوح ما ذکرنا بمکان لا یظنّ بأحد من العلماء فضلاً مثلهما أن یتوهّم المخالفـة ، کما لایخفی وإن وقع الخلاف والاشتباه فی بعض الکلمات ، هذا .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
وقد یکون تردّد المکلّف بـه مع العلم القطعی لا بالتکلیف الفعلی الواقعی ، بل بقیام حجّـة معتبرة شرعیّـة علیـه کشمول عموم أو إطلاق أو قیام أمارة کخبر الواحد وشهادة العدلین ونحوهما ، فهو علی قسمین ، فإنّـه قد یعلم بأنّـه مع مصادفـة الحجّـة المعتبرة للواقع یکون الواقع مطلوباً للمولی ومراداً لـه بحیث لم یرفع یده عنـه أصلاً ، وقد لا یعلم ذلک .
ففـی القسـم الأوّل لا معنـی للتـرخیـص ؛ لأنّ التـرخیص ولـو فـی بعـض الأطراف لا یجتمع مع إرادة المولی الواقع علی تقدیـر المطابقـة ، وإرادة المولی وإن لم تکن معلومة لعدم العلم بالمطابقـة ضرورةً ، إلاّ أنّ احتمال المصادفـة مـع العلم بالترخیص مرجعـه إلی احتمال اجتماع النقیضین وهو ـ کالقطع بـه ـ مستحیل بداهـة .
وأمّا القسم الثانی الذی مرجعـه إلی العلم بقیام الحجّـة المعتبرة وعدم العلم بکون الواقع مراداً علی تقدیر المصادفـة ، فهو یمکن أن یقع فیـه الترخیص ، ولا تلزم المناقضـة أصلاً ؛ ضرورة أنّ مع عدم المصادفـة لا یلزم مناقضـة ، لعدم ورود الترخیص علی مورد الحکم الواقعی ، ومع المصادفـة یکون مرجع الترخیص إلی رفع الید عن الحکم الواقعی لمصلحـة أهمّ من مصلحـة درک الواقع ، کما هو الشأن فی الشبهات البدویّـة ، فإنّ الترخیص فی مطلقها مع ثبوت الحکم الواقعی فی بعض مواردها إنّما هو لأجل أنّـه رفع الید عن الحکم الواقعی لمصلحـة أهمِّ.
نعم فی المقام قبل ورود الترخیص یحکم العقل بلزوم المشی علی طبق
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
الأمارة ووجوب الاحتیاط ، ولا فرق فی نظره من هذه الحیثیـة بین العلم التفصیلی والعلم الإجمالی ، فکما أنّ العالم تفصیلاً بحجّـة معتبرة شرعیّـة لا یکون معذوراً لو خالفها وصادف الواقع ، فکذلک العالم إجمالاً بها لا یکون معذوراً لو خالفها ولو بإتیان بعض الأطراف ، ویجب علیـه الاحتیاط بإتیان الجمیع فی الشبهات الوجوبیـة وبترکـه فی الشبهات التحریمیـة .
وممّا ذکرنا ظهر : أنّ الترخیص والإذن فی الارتکاب لا یکون ترخیصاً فی المعصیـة التی هی قبیحـة عند العقل ، فیلزم من ذلک مضافاً إلی الترخیص فیما هو قبیح عند العقل ـ وهو لا یصدر من الحکیم ـ المناقضـة ، لعدم إمکان اجتماع المعصیـة مع الترخیص فیها بعد کونها متوقّفـة علی تکلیف المولی ، کما لایخفی ، وذلک لأنّ المعصیـة القبیحـة التی یستحقّ بها العبد العقوبـة هی مخالفـة المولی فی بعثـه وزجره ، وإلاّ فمن الواضح أنّ مخالفـة الأمارة التی هی طریق إلی الواقع لا تکون معصیـة ، والترخیص فی جمیع الأطراف إنّما یرجع إلی الترخیص فی مخالفـة الأمارة وعدم المشی علی طبقها ، وهی لا تکون بنفسها قبیحـة موجبـة لاستحقاق العقوبـة .
وإن شئت قلت : إنّ القبیح والموجب لاستحقاق العقوبـة هی مخالفـة التکلیف الواقعی الذی کان مطلوباً للمولی ولم یرفع یده عنـه لمصلحـة اُخری أهمِّ، وأمّا مخالفـة التکلیف الواقعی الذی یکون قد رفع الید عنـه لها فلا تکون قبیحـة ولا موجبـة لاستحقاق العقوبـة أصلاً .
فانقـدح مـن جمیع مـا ذکرنـا : الخلـل فیمـا أفـاده بعـض الأعـلام مـن أنّ التـرخیص فـی جمیـع الأطـراف یوجب الترخیص فـی المعصیـة وهـو مستلـزم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86
للتناقض . وبالجملـة : فالعقل قبل ورود الترخیص وإن کان یحکم بلزوم العمل علی طبق الحجّـة الإجمالیـة ووجوب المشی معها بالاحتیاط ، إلاّ أنّـه لا مانع عنده من ورود الترخیص ولو فی جمیع الأطراف .
وحینئذٍ : فلابدّ من ملاحظـة أنّـه هل یکون هنا مانع من جهـة اُخری ، أم لا ، وعلی تقدیر عدم المانع فهل هنا ما یـدلّ علی الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی أم لا .
ولیعلم أنّـه علی تقدیر عـدم المانـع ووجـود الترخیص لا یکون الأدلّـة المـرخّصـة مقیّـدة للإطـلاق أو الـعمـوم الشـاملیـن لحـال العلـم الإجمـالـی بصـورة العلم التفصیلی بالموضـوع أو الحکم ، فإنّـه ـ مضافـاً إلی الاستحالـة فـی قسم ـ یکـون مقتضی التقیـید عدم وجـوب التعلیم والتعلّم حینئذٍ ، کمـا لا یخفی .
مـع أنّ مـن الواضح وجوبهما علی العالـم والجاهل ، وکذا لاندّعی کونها مقیّدة لحجّیـة الأمارة بصورة العلم التفصیلی بقیامها ، بل نقول بأنّ فی جمیع ذلک یکون الإطلاق أو العموم أو الأمارة بحالـه ، غایـة الأمر أنّ المولی لمراعاة مصلحـة أهمّ اضطرّ إلی رفع الید عنـه وجعل الترخیص .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87