فی تعدّد ا‏لوقائع ا‏لمقتضی لتعدّد ا‏لتکلیف

فی تعدّد الوقائع المقتضی لتعدّد التکلیف

‏ ‏

‏وأمّا إذا کانت متعدّدة فلا إشکال فیها أیضاً فی ثبوت التخیـیر ، لکن هل‏‎ ‎‏التخیـیر بدوی أو استمراری ؟‏

‏ومنشأ الخلاف : أنّ العلم الإجمالی فی کلّ واقعـة من الوقائع المتعدّدة وإن‏‎ ‎‏لم یمکن مخالفتـه قطعاً ولا موافقتـه کذلک ، ولذا یحکم العقل بالتخیـیر ، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏هنا علمین إجمالیـین آخرین لهما موافقـة قطعیـة ومخالفـة کذلک ، فإنّ العلم‏‎ ‎‏الإجمالی بوجوب صلاة الجمعـة أو حرمتها وإن لم یکن فی خصوص یوم واحد‏‎ ‎‏لـه موافقـة ولا مخالفـة ، إلاّ أنّـه یتولّد منـه علم إجمالی بوجوب صلاة الجمعـة‏‎ ‎‏فی هذه الجمعـة أو حرمتها فی جمعـة اُخری ، وکذا علم إجمالی بحرمتها فی هذه‏‎ ‎‏الجمعـة ووجوبها فی اُخری ، فإنّ من یعلم إجمالاً بوجوب صلاة الجمعـة فی کلّ‏‎ ‎‏جمعـة أو حرمتها فیـه یعلم أیضاً إجمالاً بوجوبها فی هذه الجمعـة أو حرمتها فی‏‎ ‎‏الاُخری ، وکذا بحرمتها فیها أو وجوبها فی الاُخری ، وهذان العلمان لهما موافقـة‏‎ ‎‏قطعیـة ومخالفـة قطعیـة .‏

‏غایـة الأمر : أنّ الموافقـة القطعیـة فی إحداهما هی عین المخالفـة‏‎ ‎‏القطعیـة بالنسبـة إلی الآخر ، فإنّ من یصلّی الجمعـة فی جمعـة ویترکها فی‏‎ ‎‏جمعـة اُخری وافق العلم الإجمالی الأوّل قطعاً ، وخالف الثانی أیضاً کذلک .‏

‏وحینئذٍ : فإن قلنا بثبوت الترجیح وأنّ المخالفـة القطعیـة لها مزیّـة علی‏‎ ‎‏الموافقـة القطعیـة یکون التخیـیر بدویّاً ؛ لئلاّ یلزم المخالفـة القطعیـة بالنسبـة‏‎ ‎‏إلی‏‎ ‎‏العلمین الإجمالیـین الآخرین ، وإن قلنا بعدم ثبوت الترجیح وأنّـه لا فرق‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 77
‏بینهما ،‏‎ ‎‏یکون التخیـیر استمراریّاً ، وهذا هو الظاهر ؛ لعدم الدلیل علی ترجیحها .‏‎ ‎‏وما حکی‏‎ ‎‏من کون المخالفـة القطعیـة علّـة تامّـة للحرمـة والموافقـة القطعیـة‏‎ ‎‏مقتضیـة‏‎ ‎‏للوجوب فلیس إلاّ مجرّد دعوی بلا بیّنـة وبرهان .‏

‏وممّا ذکرنا ینقدح الخلل فیما أفاده المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ممّا ملخّصـه : أنّ‏‎ ‎‏المخالفـة القطعیّـة لم یتعلّق بها التکلیف التحریمی شرعاً ، بل قبحها کحسن‏‎ ‎‏الطاعـة من المستقلاّت التی لا تستـتبع الخطاب المولوی ، وحکم العقل بقبح‏‎ ‎‏المخالفـة القطعیـة فرع تنجّز التکلیف ، وإلاّ فنفس المخالفـة بما هی مخالفـة لا‏‎ ‎‏یحکم العقل بقبحها ما لم یتنجّز التکلیف ، فمخالفـة التکلیف المنجّز قبیحـة عقلاً .‏‎ ‎‏وأمّا مخالفـة التکلیف الغیر المنجّز فلا قبح فیها ، وفی المقام یکون الأمر کذلک ؛‏‎ ‎‏لأنّـه فی کلّ واقعـة یدور الأمر بین المحذورین فکون الواقعـة ممّا تـتکرّر‏‎ ‎‏لا یوجب تبدّل المعلوم بالإجمال ولا خروج المورد عن کونـه من دوران الأمر‏‎ ‎‏بین المحذورین‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

‏وجـه الخلل : أنّ المراد بالمخالفـة القطعیـة إن کان هی المخالفـة القطعیـة‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی العلم الإجمالی الأوّل ـ وهو العلم الإجمالی بوجوب صلاة الجمعـة‏‎ ‎‏مطلقاً أو حرمتها کذلک ـ فمن الواضح أنّـه لا یکون لـه مخالفـة قطعیـة بعد کون‏‎ ‎‏التکلیف فی کلّ واقعـة تکلیفاً مستقلاًّ ، ولا فرق من هذه الجهـة بین وحدة الواقعـة‏‎ ‎‏وتعدّدها ، فکما أنّـه لا یکون لـه مخالفـة قطعیـة فی صورة الوحدة ، کذلک لا یکون‏‎ ‎‏لـه تلک فی صورة التعدّد .‏

‏وإن کان المراد بها هی المخالفـة القطعیـة بالنسبـة إلی العلمین‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 78
‏الإجمالیـین‏‎ ‎‏الآخرین فلا وجـه للحکم بعدم قبحها بعد تنجّز التکلیف . غایـة‏‎ ‎‏الأمر أنّک عرفت‏‎ ‎‏أنّـه حیث تکون المخالفـة القطعیـة بالنسبـة إلی أحدهما‏‎ ‎‏ملازمـة للموافقـة‏‎ ‎‏القطعیـة بالنسبـة إلی الآخـر ولا دلیل علی ترجیح الاُولی‏‎ ‎‏علی الثانیـة ، یحکم‏‎ ‎‏العقل بالتخیـیر مستمرّاً . فالوجـه فـی ذلک مـا ذکرنا ،‏‎ ‎‏لا ما أفاده  ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 79

  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 3 : 453 ـ 454 .