مقتضی الأصل فی الوجوه المذکورة
الوجه الأوّل :
فنقول : إذا شکّ فی التعیـین والتخیـیر علی الوجـه الأوّل من الوجوه الثلاثـة المتصوّرة ، وکان الواجب التخیـیری الذی هو طرف الشکّ من الواجبات
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 48
التخیـیریّـة الابتدائیـة فی عالم التشریع فهل الأصل العملی الجاری فیـه هی البراءة أو الاشتغال ؟ التحقیق أن یقال : إنّ ذلک یبتنی علی کیفیـة إنشاء الخطاب التخیـیری وتصویره :
فتارة یقال : بأنّ الخطاب التخیـیری عبارة عن تقیـید إطلاق الخطاب المتعلّق بکلّ من الفردین أو الأفراد بما إذا لم یأت المکلّف بعدلـه ، فیکون وجوب العتق فی الخصال مقیّداً بعدم الإطعام والصیام ، وکذا وجوب الإطعام مقیّد بعدم الخصلتین الاُخریـین ، وحینئذٍ فکلّ واجب تخیـیری یکون واجباً مشروطاً بعدم الإتیان بعدلـه .
واُخری یقال : برجوع جمیع الواجبات التخیـیریّـة إلی الواجب التعیـینی ، نظراً إلی أنّ الغرض یکون مترتّباً علی الجامع ، فهو الواجب تعییناً والتخیـیر بین أفراده تخیـیر عقلی ، وهذا الوجـه هو الذی اختاره المحقّق الخراسانی وتبعـه بعض من تلامیذه ، کما أنّ الوجـه الأوّل هو الذی قوّاه المحقّق النائینی علی ما فی التقریرات .
وثالثـة یقال : بأنّ الواجب التخیـیری سنخ آخر من الخطاب فی مقابل الخطاب التعیـینی ، وهذا هو الذی اخترناه وحقّقناه .
ورابعـة یقال : بأنّ مرجع کون الشیء واجباً تعیـینیّاً إنّما هو إلی کونـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 49
مطلوباً بطلب تامّ قائم بـه بشراشر وجوده الموجب بمقتضی النهی عن النقیض للمنع عن جمیع أنحاء عدمـه حتّی العدم فی حال وجود غیره ، فی قبال الواجب التخیـیری الذی مرجعـه إلی کونـه متعلّقاً لطلب ناقص علی نحو لا یقتضی إلاّ المنع عن بعض أنحاء عدمـه ، وهو العدم فی حال عدم العدل ، وهذا الوجـه هو الذی اختاره المحقّق العراقی علی ما فی التقریرات . ولکن لا یخفی أنّـه لا یکون تصویراً للواجب التخیـیری بحیث یندفع بـه ما أورد علیـه ، بل إنّما هو تقریر لـه وبیان للمراد منـه ، فتدبّر .
إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّـه لو قیل فی تصویر الواجب التخیـیری بالوجـه الأوّل الذی مرجعـه إلی اشتراطـه بعدم الإتیان بالعدل ، فالأصل الجاری فی المورد المفروض هی البراءة ، لأنّ مرجع الشکّ فی التعیـینیـة والتخیـیریّـة إلی الشکّ فی الإطلاق والتقیـید ، وهو مرجـع البراءة فیما لو لـم یحصل القید ، فإذا أتی ببعض الأطراف یشکّ فی أصل التکلیف ، لعدم تحقّق الشرط علی تقدیر الاشتـراط ، لأنّ الشـرط عبـارة عـن عـدم الإتیـان بالعـدل ، والمفـروض أنّـه أتـی بـه ، هذا .
ولو قیل فی تصویر الواجب التخیـیری بالوجـه الثانی الذی مرجعـه إلی کون التخیـیر تخیـیراً عقلیّاً کشف عنـه الشارع ، والواجب الشرعی هو الجامع والقدر المشترک بین الأطراف ففی جریان البراءة أو الاشتغال وجهان ، ذکرهما فی کتاب الدرر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 50
وجـه جریان قاعدة الاشتغال أنّ تعلّق التکلیف بالخاصّ معلوم یجب الخروج عن عهدتـه ویشکّ فی أنّـه هل یسقط بإتیان شیء آخر أو لا ، فمقتضی الاشتغال بالحکم الثابت فراغـه عن عهدة التکلیف یقیناً .
ووجـه جریان البراءة أنّ الشکّ فی المقام یرجع إلی الشکّ فی الإطلاق والتقیـید ، لدوران الأمر بین وجوب قدر الجامع وبین وجوب الفرد الخاصّ بخصوصیّتـه والمرجع فیـه هی البراءة ، هذا .
والأقوی هو الوجـه الأوّل ، لثبوت الفرق بین المقام وبین الشکّ فی الإطلاق والتقیـید ، لأنّ الجامع بما هو جامع لا یکون معلوم الوجوب والقید مشکوکاً فیـه ، لأنّـه لو کان الوجوب تعیـینیّاً لا یکون متعلّقـه الجامع أصلاً ، بخلاف المطلق والمقیّد ، فإنّ المطلق معلوم الوجوب والقید مشکوک فیـه .
نعم هنا شیء ، وهو أنّـه لو کان الوجوب تخیـیریّاً یکون الأمر المتعلّق ببعض الأطراف إرشاداً إلی وجوب الجامع والقدر المشترک ، لعدم إمکان تعلّق الوجوب بجمیعها بناءً علی هذا القول ، ولو کان الوجوب تعیـینیّاً یکون الأمر المتعلّق بالبعض أمراً مولویّاً ، فمرجع الشکّ فی التعیـینیّـة والتخیـیریّـة إلی الشکّ فی کون الأمر المعلوم هل یکون إرشادیاً لا یترتّب علی مخالفتـه عقاب ، أو مولویّاً یترتّب علی مخالفتـه العقاب فلا یکون الحجّـة علی خصوصیـة الفرد تامّـة بحیث یستحقّ العبد العقاب علی مخالفتها ، فتجری البراءة ، فتدبّر .
هذا ، ولو قیل فی کیفیـة تصویر الواجب التخیـیری بالوجـه الرابع الذی اختاره المحقّق العراقی علی ما فی التقریرات فهل الأصل الجاری هی البراءة أو الاشتغال ؟
قال فیها ـ بعد تفسیر الواجب التخیـیری بذلک والإشکال بالوجـه الأوّل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 51
بأنّ لازمـه هو عدم تحقّق الامتثال بالواجب التخیـیری عند الإتیان بهما معاً ، وهو کما تری لا یمکن الالتزام بـه ـ ما لفظـه : وعلی ذلک ـ یعنی علی مختاره فی تصویر الواجب التخیـیری ـ نقول : إنّ مرجع الشکّ فی کون الشیء واجباً تعیـینیّاً أو تخیـیریّاً حینئذٍ إلی العلم الإجمالی إمّا بوجوب الإتیان بخصوص الذی علم بوجوبـه فی الجملـة وحرمـة ترکـه مطلقاً حتّی فی ظرف الإتیان بما احتمل کونـه عدلاً لـه ، وإمّا بحرمـة ترک الآخر المحتمل کونـه عدلاً لـه فی ظرف عدم الإتیان بذلک ، ولازم هذا العلم الإجمالی إنّما هو الاحتیاط بتحصیل الفراغ الیقینی بإتیان خصوص ما علم وجوبـه فی الجملـة ووجوب الإتیان بما احتمل کونـه عدلاً لـه عند عدم التمکّن من الإتیان بما علم وجوبـه لاضطرار ونحوه ، انتهی . ویرد علی مجموع ما ذکره فی هذا المقام اُمور :
الأوّل : أنّ ما أفاده فی تصویر الواجب التخیـیری هو بعینـه ما اختاره المحقّق النائینی من الوجـه الأوّل الذی عرفت بلا فرق بینهما فی الحقیقـة أصلاً ، فإنّ کون الواجب التخیـیری عبارة عن الشیء الذی کان متعلّقاً لطلب ناقص علی نحو لا یقتضی إلاّ المنع عن بعض أنحاء عدمـه وهو العدم فی حال عدم العدل عبارة اُخری عن اشتراط مطلوبیّتـه بحال عدم وجود العدل ، فإنّ تضیـیق دائرة النهی وتخصیصـه بخصوص العدم فی حال عدم العدل یوجب التضیـیق فی ناحیـة الأمر الذی تولّد منـه النهی وتخصیصاً لـه بحال عدم وجود العدل ، ضرورة عدم إمکان التوسعـة فی الأمر مع التضیـیق فی ناحیـة النهی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 52
المتولّد منـه ، فرجع الکلام إلی اشتراط الطلب إلی حال عدم وجود العدل وهو بعینـه ما ذکره المحقّق النائینی ، فالإشکال الذی أورده علیـه وهو عدم تحقّق الامتثال عند الإتیان بهما معاً وارد علی نفسـه أیضاً ، فتدبّر .
الثانی : أنّ ما ذکره من إیجاب الطلب المتعلّق بالشیء للنهی عن النقیض ممّا لا یتمِّ، فإنّ مقتضی ظاهره هو استلزام الأمر بالشیء للنهی عن نقیضـه ، بحیث لو خالف الأمر ولم یأت بمتعلّقـه فقد خالف الأمر والنهی معاً ، فاستحقّ علی ذلک عقوبتین . ومن الواضح عدم إمکان الالتزام بـه ، وقد عرفت ذلک فی مبحثـه فی باب مباحث الألفاظ ، فراجع .
الثالث : إنّ التمسّک للاحتیاط بالعلم الإجمالی المذکور فی کلامـه مصادرة واضحـة ، فإنّ هذا العلم الإجمالی عبارة اُخری عن العلم الإجمالی بکون الشیء واجباً تعیـینیّاً أو تخیـیراً فالاستدلال لوجوب الاحتیاط فی صورة العلم الإجمالی بکون الشیء إمّا واجباً تعیـیناً وإمّا واجباً تخیـیراً بنفس هذا العلم الإجمالی ممّا لا سبیل إلیـه ، کما هو واضح .
الرابع : أنّ ما ذکره فی تقریر العلم الإجمالی محلّ نظر ؛ فإنّ مرجع العلم الإجمالی بکون الشیء إمّا واجباً تعیـیناً وإمّا واجباً تخیـیراً إلی العلم الإجمالی إمّا بوجوب الإتیان بخصوص الطرف الذی علم بوجوبـه فی الجملـة وحرمـة ترکـه مطلقاً حتّی فی ظرف الإتیان بما احتمل کونـه عدلاً لـه ، وإمّا بوجوبـه وحرمـة ترکـه فی حال عدم العدل ووجوب الشیء الآخر المحتمل کونـه عدلاً لـه ، وحرمـة ترکـه فی ظرف عدم الإتیان بما علم وجوبـه فی الجملـة ، وقد أسقط احتمال وجوبـه وحرمـة ترکـه فی حال عدم الإتیان بالعدل ، مع أنّـه هو العمدة ؛ لأنّـه بعد الإتیان بالشیء الذی یحتمل کونـه عدلاً لا یبقی مجال للعلم
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53
بوجوب ما علم وجوبـه فی الجملـة لا تفصیلاً ولا إجمالاً ، ولأجلـه تجری البراءة کما عرفت بناءً علی الوجـه الأوّل ، هذا .
ولکن الإنصاف : عدم ورود هذا الإیراد علیـه ، لأنّ وجوب خصوص الذی علم بوجوبـه فی ظرف عدم الإتیان بالشیء المحتمل کونـه عدلاً لـه معلوم تفصیلاً ، لأنّـه لو کان واجباً تعیـیناً یکون واجباً فی هذا الظرف لا محالـة ، ولو کان واجباً تخیـیراً یکون واجباً فی ذاک الظرف أیضاً بناءً علی هذا القول ، فوجوبـه فی ظرف عدم الإتیان بالعدل معلوم تفصیلاً وخارج عن أطراف العلم الإجمالی ، وما هو معلوم إجمالاً إنّما هو وجوبـه مطلقاً حتّی فی ظرف الإتیان بالآخر ووجوب الآخر وحرمـة ترکـه فی خصوص صورة عدم الإتیان بذلک ، فمقتضی قاعدة العلم الإجمالی الاحتیاط بالنحو الذی أفاده ، ومن هذا یظهر عدم ورود الإیراد الثالث علیـه أیضاً فتدبّر ، هذا .
ولو قیل فی کیفیـة تصویر الواجب التخیـیری بالوجـه الثالث الذی اخترناه ، ومرجعـه إلی کون الواجب التخیـیری سنخاً آخر من الوجوب ، فهل المرجع هی قاعدة البراءة أو أصالـة الاشتغال ؟ فیـه وجهان :
من جهـة أنّ الحجّـة من قبل المولی لم تـتمّ بالنسبـة إلی الخصوصیّـة ، بل ما قامت بـه الحجّـة هو التکلیف المردّد بین التعیـینیّـة والتخیـیریّـة ، فتعلّق الطلب بصلاة الجمعـة مثلاً معلوم ، إلاّ أن کیفیتـه وأنّـه هل علی نحو التعیـین المقتضی للإتیان بخصوصها وعدم جواز الاجتزاء بصلاة الظهر أو علی نحو التخیـیر المقتضی لجواز الاجتزاء بها مجهول ، فترک الصلاتین معاً ممّا لا یجوز قطعاً ، وأمّا ترک صلاة الجمعـة والإتیان بصلاة الظهر فلم یعلم عدم جوازه ، فالعقل
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 54
یحکم بالبراءة ، نظراً إلی عدم تمامیـة الحجّـة بالنسبـة إلیـه ، کما لایخفی .
ومن جهـة أنّ الملاک فی جریان قاعدة الاشتغال ـ علی ما عرفت فی بعض المقدّمات ـ هو ما إذا کان الشکّ فی سقوط التکلیف الذی علم ثبوتـه ، وهو هنا موجود ، ضرورة أنّ تعلّق الطلب بصلاة الجمعـة معلوم وإن کان کیفیّتـه وخصوصیّتـه مجهولـة . ومع الإتیان بصلاة الظهر یشکّ فی سقوط التکلیف المتعلّق بصلاة الجمعـة ، فلا مجال للاکتفاء بها عنها ، لعدم کونـه معذوراً بحکم العقل . والظاهر هو الوجـه الثانی کما لایخفی .
هذا کلّـه فیما لو کان الشکّ فی التعیـین والتخیـیر علی الوجـه الأوّل من الوجوه الثلاثـة المتقدّمـة المتصوّرة فی الشکّ فیهما .
الوجه الثانی :
وأمّا لو کان علی الوجـه الثانی الذی مرجعـه إلی أنّـه یعلم بتعلّق التکلیف بکلّ من الشیئین ، ولکن یشکّ فی أنّ کلاًّ منهما واجب عیناً فیجب الإتیان بکلیهما ، أو تخیـیراً فلا یجب إلاّ الإتیان بواحد منهما ، فالکلام فیـه هو الکلام فی الوجـه الأوّل بعینـه من جریان البراءة علی القول برجوع الواجب التخیـیری إلی الواجب المشروط ، وکذا علی القول بوجوب الجامع تعیـیناً ، لما عرفت من دوران الأمر المتعلّق بکلّ منهما بین أن یکون مولویّاً أو إرشادیّاً وجریان قاعدة الاشتغال بناءً علی المختار فی معنی الواجب التخیـیری .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
الوجه الثالث :
وأمّا لو کان الشکّ فی التعیـین والتخیـیر علی الوجـه الأخیر وهو ما إذا علم تعلّق الوجوب بواحد معیّن من الشیئین ، ویعلم بأنّ الإتیان بالشیء الآخر مسقط للوجوب المتعلّق بالشیء الأوّل ، ولکن یشکّ فی أنّ إسقاطـه لـه هل هو لکونـه عدلاً لـه فیحصل الغرض من الإتیان بـه أیضاً ، أو أنّـه یوجب تفویت موضوعـه ، إمّا لکونـه مانعاً عن استیفاء الملاک ، أو لکون عدمـه شرطاً فی حصول أصل الملاک ، وعلی کلا التقدیرین یکون عدمـه شرطاً لوجوب الواجب ، ولا یمکن أن یکون أحد فردی الواجب المخیّر .
فقد أفاد المحقّق النائینی علی ما فی التقریرات : أنّـه مع التمکّن من الإتیان بما علم تعلّق التکلیف بـه لا یترتّب علی الوجهین أثر حتّی یبحث عن الوظیفـة فی حال الشکِّ، إلاّ من حیث العصیان وعدمـه ، فإنّـه عند ترک المکلّف ما علم تعلّق التکلیف بـه والاکتفاء بالشیء الآخر مع أنّـه یمکن أن یکون فی الواقع ممّا لم یتعلّق بـه التکلیف وکان مسقطیّتـه لمکان کونـه مفوّتاً لملاک الآخر ومانعاً عن استیفائـه ، یستحقّ العقوبـة ، وأمّا مع عدم التمکّن من الإتیان بما علم تعلّق التکلیف بـه فیظهر بین الوجهین أثر عملی ، فإنّـه لو کان الشیء الآخر من أفراد الواجب التخیـیری یتعیّن الإتیان بـه بعد تعذّر الآخر ، وإن لم یکن من أفراد الواجب التخیـیری فلا یجب الإتیان بـه ، فتجری البراءة عن التکلیف بـه ، للشکّ فی تعلّقـه بـه ، کما هو واضح ، انتهی ملخّصاً ، هذا .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56
ولا یخفی : أنّـه بناءً علی ما ذکره من رجوع الواجب التخیـیری إلی الواجب المشروط یصیر احتمال الوجوب المشروط أیضاً أحد الاحتمالات . ومن الواضح نّـه لو دار الأمر بین کون الوجوب مطلقاً أو مشروطاً تجری البراءة من الوجوب ند عدم حصول الشرط ، فإذا أتی بالشیء الآخر الذی یکون عدم الإتیان بـه شرطاً لی تقدیر کون الواجب الآخر واجباً تخیـیریّاً یشکّ فی أصل ثبوت التکلیف النسبـة إلی الشیء الأوّل ، کما لایخفی ، وهو مجری البراءة . ومجرّد احتمال کون مسقطیتـه للتکلیف المتعلّق بالشیء الأوّل من جهـة کونـه مانعاً عن استیفاء ملاکـه أو کون عدمـه شرطاً فی حصول أصل الملاک لا یوجب استحقاق العقوبـة بعد عدم ثبوت کون الوجوب مطلقاً غیر مشروط ، فلا وجـه لاستحقاق العقوبـة أصلاً کما فی صورة عدم التمکّن من الإتیان بـه ، فلا فرق بین الصورتین .
نعم بناءً علی المذهب المختار فی کیفیّـة الواجب التخیـیری وأنّـه سنخ آخر من الوجوب تجری قاعدة الاشتغال ، لأنّ تعلّق التکلیف بالشیء الأوّل معلوم وإن کان کیفیتـه وخصوصیتـه مجهولـة ، وسقوطـه بالإتیان بالشیء الثانی مجهول ، فیجب الفراغ عن عهدة التکلیف المعلوم بالإتیان بمتعلّقـه ، کما لایخفی .
هذا کلّـه فیما یتعلّق بالقسم الأوّل من الأقسام الثلاثـة المتقدّمـة للواجب التخیـیری .
وأمّا إذا کان الشکّ فی التعیـین والتخیـیر فی القسم الثانی من تلک الأقسام وهو ما کان التخیـیر فیـه لأجل التزاحم بأن احتمل کون الملاک فی أحدهما أقوی ، کما لو فرض کونـه مأموراً بإنقاذ الغریقین اللذین أحدهما هاشمی ، واحتمل اهمّیـة إنقاذه لأجل أقوائیـة ملاکـه ، فهل الأصل یقتضی البراءة أو الاشتغال ؟
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57
قال المحقّق النائینی علی ما فی التقریرات : إنّـه بناءً علی المسلک المختار فی باب التزاحم ـ وهو کون التخیـیر لأجل تقیـید الإطلاق ـ یرجع الشکّ إلی الشکّ فی تقیـید إطلاق محتمل الأهمّیـة فی مرحلـة البقاء والامتثال مع العلم بتقیـید الإطلاق فی الطرف الآخر ، ولا إشکال فی أنّ الأصل عند الشکّ فی تقیـید الإطلاق فی مرحلـة البقاء یقتضی الاشتغال لا البراءة للشکّ فی سقوط التکلیف عن محتمل الأهمّیـة بعد العلم بتعلّق التکلیف بـه ، انتهی .
وفیـه ـ مضافاً إلی ما عرفت من عدم معقولیّـة التقیـید فی مرحلـة البقاء ، فإنّ التکلیف إمّا أن یکون من أوّل حدوثـه مشروطاً أو مطلقاً ، ولا یعقل استحالـة التکلیف المطلق مشروطاً وکذا العکس ـ أنّـه لا معنی للشکّ فی السقوط هنا ، فإنّ الشکّ فیـه إمّا أن یکون قبل إنقاذ واحد منهما ، وإمّا أن یکون بعد إنقاذ غیر الهاشمی ، ففی الأوّل نعلم ببقاء التکلیف قطعاً ، کما أنّـه فی الثانی نعلم بارتفاعـه یقیناً ، إذ لا معنی حینئذٍ للشکّ فی سقوط التکلیف عن محتمل الأهمّیـة بعد فرض کونهما متزاحمین ولا یقدر المکلّف علی الإتیان بهما معاً ، کما لایخفی .
فالإنصاف أنّـه بناءً علی هذا المسلک لابدّ من الالتزام بجریان البراءة ، للشکّ فی کون محتمل الأهمّیـة هل یکون واجباً مطلقاً أو مشروطاً ، وقد مرّ غیر مرّة أنّـه إذا دار الأمر بینهما فالأصل الجاری هی البراءة ، هذا .
وأمّا بناءً علی المسلک المختار فی باب التزاحم من کون التکلیف المتعلّق بکلّ واحد من المتزاحمین باقیاً علی إطلاقـه وفعلیّـتـه ، لأنّ التکلیف والحکم المتوجّـه إلیهما لیس ناظراً إلی حال الامتثال ، فضلاً عن حال الاجتماع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58
والمعارضـة ، فضلاً عن علاجـه ، غایـة الأمر أنّـه حیث لا یکون المکلّف قادراً علی امتثالهما یکون معذوراً بحکم العقل لعدم القدرة من دون أن یوجب ذلک تقیـید الحکم بصورة القدرة ، فإنّ الحکم مطلق والعجز عذر عقلی ، وحینئذٍ فإن کان المتزاحمان متساویـین یحکم العقل بالتخیـیر ، وإن کان الملاک فی أحدهما أقوی من الآخر یحکم بتعیّنـه ، وإن احتمل الأقوائیـة ـ کما هو المفروض فی المقام ـ فالظاهر أنّ مجرّد الاحتمال لا یعیّن محتمل الأقوائیـة بحیث لو أتی بالمهمّ یکون مستحقّاً للعقوبـة لأجل ترک محتمل الأهمّیـة ، مع أنّـه لم یقم حجّـة من المولی علی تعیّنـه ، فتدبّر جیّداً .
هذا کلّـه لو کان الشکّ فی التعیـین والتخیـیر فی القسم الثانی من أقسام الواجب التخیـیری .
وأمّا لو کان الشکّ فیهما فی القسم الثالث من أقسامـه ، وهو ما لو کان التخیـیر ناش عن تعارض الحجّتین ، فبناء علی الطریقیـة ـ کما هو الحقّ ـ یکون مقتضی القاعدة هو الاشتغال والأخذ بخصوص ما لـه مزیّـة محتملـة ، لأنّـه بعد التعارض والتساقط یجب الرجوع إلی الأدلّـة الشرعیّـة فی الأخذ بالمرجّحات ، ومع عدمها فالتخیـیر ، وحینئذٍ فالشکّ فی التعیـین والتخیـیر الذی یکون ناشئاً من احتمال المزیّـة فی أحدهما المعیّن یوجب الشکّ فی حجّیـة الحجّـة التی لیس فیها احتمال المزیّـة ، لأنّ حجّیتها إنّما هو علی تقدیر عدم المزیّـة فی الآخر ، وإلاّ فعلی تقدیر وجودها لا تکون حجّـة ، فحجّیـة محتمل المزیّـة معلومـة علی التقدیرین ، وحجّیـة غیرها مشکوکـة ، وقد عرفت أنّ مقتضی الأدلّـة عدم حجّیـة الأمارة التی شکّ فی حجّیتها کما لا یخفی .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 59