تصحیح ا‏لاحتیاط فی ا‏لعبادات با‏لأمر ا‏لمتعلّق بنفس ا‏لاحتیاط

‏ ‏

تصحیح الاحتیاط فی العبادات بالأمر المتعلّق بنفس الاحتیاط

‏ ‏

‏ثمّ إنّـه لو قیل بعدم إمکان الاحتیاط فی العبادات فی الشبهات البدویّـة ؛‏‎ ‎‏لاحتیاج ذلک إلی ثبوت الأمر من ناحیـة المولی ، فهل یمکن تصحیح ذلک بالأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بنفس الاحتیاط فی مثل قولـه ‏‏علیه السلام‏‏ : « ‏أخوک دینک فاحتط لدینک‏ »‏‎[1]‎‏ ؟‏

‏قد یقال : نعم . ولکنّ التحقیق العدم ؛ لأنّ شمول مثل ذلک القول للعبادات‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22
‏فی‏‎ ‎‏الشبهات البدویّـة متفرّع علی إمکان الاحتیاط فیها ؛ لأنّ شمول الحکم فرع‏‎ ‎‏تحقّق موضوعـه ، فإثبات إمکان الاحتیاط فیها بمثل ذلک القول دور واضح ،‏‎ ‎‏کمالایخفی .‏

‏نعم ، قد یقال فی توجیـه ذلک بأنّ الأمر بالاحتیاط قد تعلّق بذات العمل‏‎ ‎‏الذی یحتمل وجوبـه ، لا بالعمل بقید أنّـه محتمل الوجوب بحیث یکون احتمال‏‎ ‎‏الوجوب قیداً فی المأمور بـه ، بل متعلّق الأمر نفس العمل الذی یحتمل وجوبـه ،‏‎ ‎‏فإن کان توصّلیاً ، یکفی الإتیان بـه بلا قصد الأمر المتعلّق بـه ، وإن کان عبادیّاً‏‎ ‎‏ـ أی کان بحیث لو تعلّق الأمر بـه لکان أمره عبادیّاً ـ فلابدّ من قصد الأمر الذی‏‎ ‎‏تعلّق بـه وهو الأمر بالاحتیاط الذی فرض تعلّقـه بذات العمل ، فینوی التقرّب بـه‏‎ ‎‏ویقصد امتثالـه .‏

‏هذا ، ولکن لایخفی أنّ الأمر المتعلّق بالاحتیاط إنّما تعلّق بعنوان الاحتیاط ،‏‎ ‎‏ولا یعقل أن یتجاوز عنـه ویسری إلی ذات العمل الذی لـه عنوان آخر کالصلاة‏‎ ‎‏ونظائرها ، ومجرّد أنّ تحقّق هذا العنوان فی الخارج إنّما هو بإیجاد ذلک العنوان‏‎ ‎‏لا یوجب سرایـة الأمر إلیـه بعد وضوح تغایرهما فی عالم المفهومیّـة وعدم کون‏‎ ‎‏الخارج ظرفاً لتعلّق الأمر وثبوتـه ، وقد حقّقنا ذلک بما لا مزید علیـه فی مبحث‏‎ ‎‏اجتماع الأمر والنهی فراجع .‏

ثمّ إنّ المحقّق النائینی أجاب‏ عن هذا التوجیـه علی ما فی تقریرات بحثـه‏‎ ‎‏بما‏‎ ‎‏ملخّصـه : أنّ الأمر بالعمل إمّا أن یکون بنفسـه عبادیّاً ـ أی کان الغرض من‏‎ ‎‏الأمر‏‎ ‎‏التعبّد والتقرّب بـه ـ کالأمر المتعلّق بالصلاة ، وإمّا أن یکتسب العبادیّـة من‏‎ ‎‏أمر آخر‏‎ ‎‏لأجل اتّحاد متعلّقهما ، کوجوب الوفاء بالنذر ، فإنّ الأمر بالوفاء بالنذر‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23
‏لا یکون‏‎ ‎‏عبادیّاً ، بل هو کسائر الأوامر التوصلیّـة ، ولکن لو تعلّق النذر بما یکون‏‎ ‎‏عبادة کنذر‏‎ ‎‏صلاة اللیل یکتسب الأمر بالوفاء بالنذر العبادیّـة من الأمر بصلاة‏‎ ‎‏اللیل ، کما أنّ‏‎ ‎‏الأمر بصلاة اللیل یکتسب الوجوب من الأمر بالوفاء .‏

‏والسرّ أنّ النذر إنّما یتعلّق بذات صلاة اللیل ، لا بها بما أنّها مستحبّـة ، وإلاّ‏‎ ‎‏کان النذر باطلاً ؛ لعدم القدرة علی وفائـه ، فإنّها تصیر بالنذر واجبـة ، فلابدّ وأن‏‎ ‎‏یتعلّق النذر بذات صلاة اللیل ، والأمر الاستحبابی أیضاً تعلّق بها لا بوصف کونها‏‎ ‎‏مستحبّـة ، کما هو واضح ، فیکون کلّ من الأمر الاستحبابی والأمر بالوفاء بالنذر‏‎ ‎‏قـد تعلّق بذات صلاة اللیل ، ولمکان اتحاد متعلّقهما یکتسب کـلّ منهما مـن الآخر‏‎ ‎‏ما کان فاقداً لـه ، هذا إذا اتّحد متعلّق الأمرین .‏

‏وأمّا إذا لم یتّحد فلا یکاد یمکن أن یکتسب أحـد الأمرین العبادیّـة مع‏‎ ‎‏کونـه فاقداً لها من الآخر الواجد لها ، کالأمر بالوفاء بالإجارة إذا کان متعلّق‏‎ ‎‏الإجارة أمراً عبادیّاً ، کما لو اُوجر الشخص علی الصلاة الواجبـة أو المستحبّـة‏‎ ‎‏علی الغیر ، فإنّ الأجیر إنّما یستأجر لتفریغ ذمّـة الغیر ، فالإجارة إنّما تـتعلّق‏‎ ‎‏بما فی ذمّـة المنوب عنـه ، ومـا فی ذمّـة المنوب عنـه إنّما هـی الصلاة الواجبـة‏‎ ‎‏أو المستحبّـة بوصف کونها واجبـة أو مستحبّـة ، فمتعلّق الإجارة إنّما تکون الصلاة‏‎ ‎‏بقید کونها مستحبّـة علی المنوب عنـه ، لا بذات الصلاة بما هی هی ، ومتعلّق‏‎ ‎‏الأمـر الاستحبابی إنّما هـو نفس الصلاة ، فلا یتّحد الأمـر الاستحبابی مع الأمـر‏‎ ‎‏الإجاری .‏

‏وکیف کـان : فقد عرفت أنّ الأمـر العبادی إمّا أن یکون بنفسـه عبادة ، وإمّا‏‎ ‎‏أن‏‎ ‎‏یکتسب العبادیّـة من أمر آخر ، والأوامر المتعلّقـة بالاحتیاط فاقدة لکلتا‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 24
‏الجهتین ،‏‎ ‎‏أمّا الجهـة الاُولی فواضح ، وأمّا الجهـة الثانیـة فلأنّ الأمر بالاحتیاط‏‎ ‎‏لم یتعلّق بذات‏‎ ‎‏العمل مرسلاً عن قید کونـه محتمل الوجوب ، بل التقیـید بذلک‏‎ ‎‏مأخوذ فی موضوع‏‎ ‎‏أوامر الاحتیاط ، وإلاّ لم یکن من الاحتیاط بشیء ، بخلاف‏‎ ‎‏الأمر المتعلّق بالعملالمحتاط فیـه ، فإنّـه علی تقدیر وجوده الواقعی إنّما تعلّق‏‎ ‎‏بذات العمل ، فلم یتّحد‏‎ ‎‏متعلّق الأمرین حتّی یکتسب الأمر بالاحتیاط العبادیّـة‏‎ ‎‏من الأمر المتعلّق بالعمل لو‏‎ ‎‏فرض أنّـه کان ممّا تعلّق الأمر العبادی بـه ، وقد‏‎ ‎‏عرفت أنّـه ما لم یتّحد متعلّق الأمر‏‎ ‎‏الغیر العبادی مع متعلّق الأمر العبادی لا یمکن‏‎ ‎‏أن یصیر الأمر الغیر العبادی‏‎ ‎‏عبادیاً‏‎[2]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

ولا یخفی ما فیـه‏ ؛ فإنّ اکتساب الأمر الغیر العبادی العبادیّـة من الأمر‏‎ ‎‏العبادی نظراً إلی اتّحاد متعلّقهما ممّا لا نتصوّره بعد عدم إمکان اتّحاد متعلّق‏‎ ‎‏الأمرین ، فإنّـه کیف یعقل تعلّق إرادتین مستقلّتین بأمر واحد وشیء فارد . ولذا لو‏‎ ‎‏تعلّق أمران بطبیعـة واحدة لابدّ من جعل الأمر الثانی تأکیداً للأمر الأوّل لو لم یکن‏‎ ‎‏المقصود الإتیان بفردین منها ؛ لوضوح استحالـة أن یکون أمراً تأسیسیّاً ناشئاً من‏‎ ‎‏إرادة مستقلّـة ، فاتّحاد متعلّق الأمرین ممّا لا یعقل . وعلی تقدیر الإمکان فاکتساب‏‎ ‎‏الأمر الغیر العبادی العبادیّـة من الأمر الآخر العبادی ممّا لا وجـه لـه بعد کون‏‎ ‎‏کلّ من الأمرین لـه مبادئ مخصوصـة ومقدّمات خاصّـة بـه ، فإنّ مجرّد اتّحاد‏‎ ‎‏المتعلّق لا یوجب سرایـة العبادیّـة بعد عدم کون الأمر الناشئ من مقدّماتـه‏‎ ‎‏الخاصّـة بـه أمراً عبادیّاً کان الغرض التعبّد والتقرّب بـه .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 25
‏هذا مضافاً إلی أنّ المثال الذی ذکره لاتّحاد متعلّق الأمرین لا یکون من‏‎ ‎‏هذا‏‎ ‎‏الباب ؛ فإنّ متعلّق الأمر النذری هو الوفاء بالنذر ، ومتعلّق الأمر الاستحبابی‏‎ ‎‏الذی‏‎ ‎‏تعلّق بالمنذور هی صلاة اللیل ، ولا خفاء فی کونهما متغایرین فی عالم‏‎ ‎‏المفهومیـة‏‎ ‎‏الذی هو ظرف تعلّق الأمر وثبوتـه ، ومجرّد اجتماعهما فی الخارج‏‎ ‎‏بوجود واحد لا‏‎ ‎‏یوجب اتّحادهما مفهوماً وصیرورتهما عنواناً واحداً حتّی یصحّ‏‎ ‎‏القول باتحاد‏‎ ‎‏متعلّقهما ، کما حقّقنا ذلک فی محلّـه .‏

فالتحقیق‏ : أنّ صلاة اللیل إنّما تکون مستحبّـة ولو بعد تعلّق النذر ، والوفاء‏‎ ‎‏بالنذر یکون واجباً مطلقاً ، وبعد تغایر المتعلّقین لا یعقل سرایـة الوجوب من‏‎ ‎‏الثانی إلی الأوّل ، وکذا سرایـة العبادیّـة من الأوّل إلی الثانی ، فافهم واغتنم .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 26

  • )) ا لأما لی ، ا لشیخ ا لطوسی : 110 / 168 ، وسائل ا لشیعـة 27 : 167 ، کتاب ا لقضاء ، أبواب صفات ا لقاضی ، ا لباب 12 ، ا لحدیث 46 .
  • )) فوائد ا لاُصول ( تقریرات ا لمحقّق ا لنائینی ) ا لکاظمی 3 : 403 ـ 406 .