حکم ما لو شکّ فی قابلیة حیوان للتذکیة

حکم ما لو شکّ فی قابلیة حیوان للتذکیة

‏ ‏

الثالث‏ : إذا شکّ فی قابلیـة حیوان للتذکیـة فهل تجری فیـه أصالـة عدم‏‎ ‎‏القابلیـة أم لا ، وعلی الثانی فهل تجری أصالـة عدم التذکیـة أم لا ؟‏

‏فنقول : الظاهر عدم جریان أصالـة عدم القابلیـة ؛ لأنّ القابلیـة ، وعدمها‏‎ ‎‏لیس لهما حالـة سابقـة نظیر کون المرأة قرشیّـة الذی عرفت عدم وجود الحالـة‏‎ ‎‏السابقـة لـه ، وغایـة ما یمکن أن یقال فی تقریب الجریان ما أفاده المحقّق‏‎ ‎‏المعاصر فی باب قرشیّـة المرأة ممّا تقدّم مع توضیح منّا .‏

‏وحاصلـه : أنّ العوارض علی قسمین : قسم یعرض لذات الماهیّـة مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن الوجودین بحیث لو کان لها تقرّر وثبوت فی غیر عالم الوجود لکان‏‎ ‎‏یعرضها کالزوجیـة بالنسبـة إلی الأربعـة ، وقسم یعرض الوجود کالأبیضیـة‏‎ ‎‏للجسم الموجود ، والفاسقیّـة والقرشیّـة للإنسان الموجود ، والقابلیـة للتذکیـة‏‎ ‎‏للحیوان الموجود .‏

‏وحینئذٍ نقول : لا بأس بجریان استصحاب عدم تلک الأوصاف بالنسبـة إلی‏‎ ‎‏موصوفها فی القسم الثانی وإن کان الموصوف حینما یتحقّق لا یخلو من اتصافـه‏‎ ‎‏بذلک الوصف ، بمعنی أنّـه لو کان متّصفاً بـه لکان ذلک من أوّل وجوده وتحقّقـه‏‎ ‎‏کوصف القرشیّـة وکذا القابلیـة فیقال : هذه المرأة ـ مشیراً إلی ماهیّتها ـ لم تکن‏‎ ‎‏قبل الوجود قرشیـة ، فیستصحب ذلک إلی زمان الوجود ، وکذا هذا الحیوان لم‏‎ ‎‏یکن قبل الوجود قابلاً للتذکیـة ، فیستصحب ذلک إلی زمان الوجود‏‎[1]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
أقول أوّلاً‏ : لو سلّمنا وجود الحالـة السابقـة لعدم القابلیـة فلا مجال أیضاً‏‎ ‎‏لجریان استصحابـه بعد عدم ترتّب أثر شرعی علیـه ، ضرورة أنّ الآثار الشرعیّـة‏‎ ‎‏مترتّبـة علی عدم کون الحیوان مذکّی بالتذکیـة الشرعیّـة ، لا علی عدم کونـه‏‎ ‎‏قابلاً لها واستلزام عدم القابلیـة لعدم تحقّق التذکیـة الشرعیّـة استلزام عقلی یحکم‏‎ ‎‏بـه العقل من باب أنّ المرکب ینتفی بانتفاء أحد أجزائـه ، کما لایخفی . ولا یثبت‏‎ ‎‏ذلک بالاستصحاب ، لأنّـه یصیر حینئذٍ من الاُصول المثبتـة التی یکون جریانها‏‎ ‎‏علی خلاف التحقیق .‏

وثانیاً‏ : لا نسلّم وجود الحالـة السابقـة ، فإنّ أخذ هذا القید العدمی أعنی‏‎ ‎‏عدم قابلیـة الحیوان للتذکیـة فی موضوع الحکم بالتحریم والنجاسـة ، إمّا أن‏‎ ‎‏یکون من قبیل القضیّـة الموجبـة المعدولـة .‏

‏وإمّا أن یکون من قبیل الموجبـة السالبـة المحمول ، وهی عبارة عن‏‎ ‎‏القضیّـة الموجبـة التی یکون المحمول فیها قضیّـة سالبـة مثل قولـه : زید هو‏‎ ‎‏الذی لیس بقائم .‏

‏وإمّا أن یکون من قبیل الوصف والنعت .‏

‏وإمّا أن یکون من قبیل القضیّـة السالبـة الصادقـة مع عدم الموضوع ، ولا‏‎ ‎‏مجال لجریان الاستصحاب علی شیء من الوجوه والاحتمالات .‏

‏أمّا علی الوجوه الثلاثـة الاُوَل : فلأنّ جمیعها یحتاج إلی وجود الموضوع ،‏‎ ‎‏ضرورة أنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت لـه ، وثبوت الوصف فرع ثبوت‏‎ ‎‏الموصوف ، وفی المقام لا یکون الموضوع موجوداً فی الزمان السابق حتّی یثبت‏‎ ‎‏لـه المحمول والوصف فیستصحب ، کما هو واضح .‏

‏وأمّا علی الوجـه الأخیر : فلأنّ اعتبار الموضوع للحکم بهذا النحو الذی‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11
‏یکون قیده السلبی صادقاً مع عدمـه ممّا لا یعقل ، ضرورة أنّـه لا یعقل أن یکون‏‎ ‎‏الموضوع للحکم بالحرمـة والنجاسـة إلاّ أمراً وجودیاً ثابتاً .‏

إن قلت‏ : لا بأس بجریان الاستصحاب علی الوجـه الأخیر ؛ لأنّـه‏‎ ‎‏یستصحب عدم قابلیّـة الحیوان للتذکیـة الصادق مع عدم الحیوان إلی زمان‏‎ ‎‏وجوده ، فیصیر الموضوع موجوداً ، فیترتّب علیـه الحکم .‏

قلت‏ ‏‏استصحاب تلک الحالـة وإن کان صحیحاً من حیث وجود الحالـة‏‎ ‎‏السابقـة ، إلاّ أنّ تطبیق تلک الحالـة التی تکون أعمّ من وجود الموضوع علی‏‎ ‎‏الحالـة اللاحقـة المشروطـة بوجود الموضوع یکون بحکم العقل ، فیصیر حینئذٍ‏‎ ‎‏من الاُصول المثبتـة التی لا نقول بها ، وقد تقدّم منّا فی باب قرشیّـة المرأة تفصیل‏‎ ‎‏هذا الکلام بما لا مزید علیـه ، هذا .‏

‏وقد یقال فی تقریب جریان استصحاب عدم القرشیّة وکذا عدم القابلیـة : إنّ‏‎ ‎‏الموضوع للحکم الشرعی إنّما هو المرکّب من عنوان المرأة وعنوان الغیر القرشیّـة‏‎ ‎‏وکذا المرکّب من الحیوان ومن عدم القابلیـة للتذکیـة ، وحینئذٍ فلا بأس بجریان‏‎ ‎‏استصحاب هذا الجزء من الموضوع بعد کون الجزء الآخر محرزاً بالوجدان .‏

‏ویرد علیـه ـ مضافاً إلی أنّ ذلک مخالف لظاهر الأدلّـة الشرعیّـة ـ أنّ أخذ‏‎ ‎‏هذا فی الجزء العدمی إمّا أن یکون علی نحو یکون جزؤه الآخر مفروض الوجود ،‏‎ ‎‏وإمّا أن یکون علی نحو یصدق مع عدم الجزء الآخر أیضاً ، فعلی الأوّل یرجع إلی‏‎ ‎‏أحد الوجوه الثلاثـة من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة ، وقد تقدّم الجواب عنـه ،‏‎ ‎‏وعلی الثانی ـ فمضافاً إلی أنّ هذا النحو من الاعتبار ممّا لا یعقل ، لاستلزامـه‏‎ ‎‏التناقض ، فإنّ أخذ الجزء الأوّل جزءً للموضوع لا یصحّ إلاّ بعد أن یکون قد فرض‏‎ ‎‏وجوده ، وأخذ الجزء الآخر علی نحو یصدق مع عدم الجزء الأوّل مناقض لذلک ،‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12
‏کما هو واضح یرد علیـه ما اُورد علی الوجـه الأخیر من الوجوه الأربعـة‏‎ ‎‏المتقدّمـة ، فتدبّر فی المقام ، فانقدح أنّـه لا مجال لاستصحاب عدم القابلیة أصلاً .‏

وأمّا استصحاب عدم التذکیـة‏ : فالظاهر عدم جریانـه أیضاً ، وقبل الخوض‏‎ ‎‏فی ذلک لابدّ من بیان الوجوه المتصوّرة فی معنی عدم التذکیـة بحسب التصوّر‏‎ ‎‏الابتدائی فنقول :‏

‏منها : أن یکون المراد بـه عدم زهوق الروح بالنحو المعتبر شرعاً المأخوذ‏‎ ‎‏موضوعاً للحکم بالطهارة أو مع الحلّیـة علی نحو السالبـة المحصّلـة الصادقـة‏‎ ‎‏مع انتفاء الموضوع الذی هو عبارة عن زهوق الروح .‏

‏ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق روح الحیوان لا علی النحو المعتبر شرعاً‏‎ ‎‏علی نحو الموجبـة المعدولـة .‏

‏ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق الروح الذی لم یکن علی النحو الشرعی‏‎ ‎‏علی نحو الموجبـة السالبـة المحمول .‏

‏ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق الروح لا بنحو التذکیـة علی نحو‏‎ ‎‏السالبـة المحصّلـة .‏

‏ومنها : أن یکون أمراً مرکّباً من زهوق الروح ومن عدم تحقّق النحو المعتبر‏‎ ‎‏شرعاً فی صیرورتـه طاهراً وحلالاً .‏

‏إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ أخذ عدم التذکیـة بالمعنی الأوّل موضوعاً للحکم‏‎ ‎‏الشرعی ممّا لا یعقل ، لأنّ الأمر السلبی یستحیل أن یکون موضوعاً لحکم من‏‎ ‎‏الأحکام ، ومن هنا یعلم أنّ أخذه کذلک بالمعنی الرابع أیضاً لا یمکن إذا کانت‏‎ ‎‏السالبـة أعمّ من وجود الموضوع ، وإذا کانت فی صورة وجود الموضوع فهو‏‎ ‎‏یرجع إلی أحد الوجهین الثانی والثالث ، وأمّا المعنی الأخیر فهو أیضاً غیر معقول‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 13
‏لو کان لمراد من الجزء السلبی هو السلب الصادق مع عدم الجزء الآخر ، للزوم‏‎ ‎‏التناقض ، فلم یبق فی البین إلاّ الوجـه الثانی والوجـه الثالث . فالاستصحاب‏‎ ‎‏لابدّ أن یکون مجراه هو أحدهما .‏

‏ومن الواضح أنّـه لا یجری ، لأنّـه لیس لـه حالـة سابقـة حتّی تستصحب ،‏‎ ‎‏لأنّـه لم یمض للحیوان زمان کان زاهق الروح فیـه لا علی النحو المعتبر شرعاً ،‏‎ ‎‏فإنّـه من حین زهوق روحـه کان مشکوکاً من حیث التذکیـة وعدمها ، فلا مجال‏‎ ‎‏للاستصحاب .‏

ودعوی‏ أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم موضوعها کانت صادقـة‏‎ ‎‏فی الزمان السابق ، فتستصحب إلی زمان وجود الموضوع ، والمستصحب لابدّ وأن‏‎ ‎‏یکون ذا أثر شرعی فی الزمان اللاحق ، ولا یعتبر أن یکون موضوعاً للحکم‏‎ ‎‏الشرعی حتّی فی الزمان السابق .‏

مدفوعـة‏ : بأنّ المستصحب لابدّ أن یکون بنفسـه موضوعاً للحکم الشرعی‏‎ ‎‏ولو فی الزمان اللاحق ، وقد عرفت أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء‏‎ ‎‏الموضوع لا یعقل أن تؤخذ موضوعاً ، وإثبات الموضوع باستصحاب السالبـة‏‎ ‎‏یکون من قبیل استصحاب العامّ لإثبات الخاصّ الموضوع للحکم ، وهو من‏‎ ‎‏الاُصول المثبتـة التی جریانها علی خلاف التحقیق .‏

فانقـدح‏ : أنّـه لا مجـال لاستصحـاب عـدم التـذکیـة ، سـواء شـکّ فـی‏‎ ‎‏قابلیّـة الحیوان لها وعدمها ، أو شکّ فی اعتبار شرط آخر زائـد علی الاُمور‏‎ ‎‏المعتبرة فیها ، أو شکّ فی مانعیّـة شیء کالوط ء والجلل ، أو غیره مـن الشبهات‏‎ ‎‏الحکمیّـة ، وکذا لو شکّ فی کون الحیوان الموجود فی البین مذکّی أم لا ، فإنّـه‏‎ ‎‏لا یجری فیـه أیضاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 14
‏ثمّ إنّـه ربّما یظهر من الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ التفصیل فی جریان استصحاب عدم‏‎ ‎‏التذکیـة بین الآثار الوجودیّـة والآثار العدمیـة‏‎[2]‎‏ .‏

وقد صرّح بذلک بعض المحقّقین‏ من محشی الرسالـة ، فقال ـ بعد استظهار‏‎ ‎‏أنّ المیتـة فی نظر الشارع والمتشرّعـة هی ما کان فاقداً لشرائط التذکیـة ، وأنّ‏‎ ‎‏الموضوع للحرمـة والنجاسـة هو ما عدا المذکّی ، وأنّـه لا یثبت بأصالـة عدم‏‎ ‎‏التذکیـة ـ ما لفظـه : فمقتضی القاعدة هو التفکیک بین الآثار ، فما کان منها مرتّباً‏‎ ‎‏علی عدم کون اللحم مذکّی کعدم حلّیتـه وعدم جواز الصلاة فیـه وعدم طهارتـه‏‎ ‎‏وغیر ذلک من الأحکام العدمیـة المنتزعـة من الوجودیّات التی تکون التذکیـة‏‎ ‎‏شرطاً فی ثبوتها ترتّب علیـه ، فیقال : الأصل عدم تعلّق التذکیـة بهذا اللحم الذی‏‎ ‎‏زهق روحـه ، فلایحلّ أکلـه ولا الصلاة فیـه ولا استعمالـه فیما یشترط بالطهارة .‏‎ ‎‏وأمّا الآثار المترتّبـة علی کونـه غیر مذکّی کالأحکام الوجودیّـة الملازمـة لهذه‏‎ ‎‏العدمیات کحرمـة أکلـه ونجاستـه وتنجیس ملاقیـه وحرمـة الانتفاع بـه ببیعـه‏‎ ‎‏وغیر ذلک من الأحکام المعلّقـة علی عنوان المیتـة أو غیر المذکّی فلا‏‎[3]‎‏ ، انتهی‏‎ ‎‏موضع الحاجـة من کلامـه ‏‏قدس سره‏‏ .‏

ویرد علیـه أوّلاً‏ : أنّ ما أفاد من أنّ التذکیـة سبب فی ثبوت الآثار‏‎ ‎‏الوجودیّـة کالطهارة والحلّیـة وجواز الاستعمال فی الصلاة ، وهو مسبوق بالعدم ،‏‎ ‎‏فیترتّب علیـه ما ذکر ، محلّ نظر ؛ فإنّـه لم یجعل الحیوان المذکّی موضوعاً لتلک‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 15
‏الآثار ، بل لم یجعل هذه الأحکام بعد تحقّق التذکیـة أصلاً ؛ ضرورة أنّ الطهارة‏‎ ‎‏الثابتـة بعد التذکیـة هی الطهارة التی کانت متحقّقـة فی حال حیاة الحیوان ،‏‎ ‎‏غایـة الأمر أنّها استمرّت إلی بعد الموت لعدم قیام الدلیل علی النجاسـة ، وهکذا‏‎ ‎‏الحلّیـة وجواز الصلاة فیـه ؛ فإنّ الحیوان فی حال الحیاة کان حلالاً والصلاة فیـه‏‎ ‎‏جائزاً ، واستمرّ ذلک إلی بعد الموت فی الحیوان المذکّی ، لعدم قیام ما یدلّ علی‏‎ ‎‏الحرمـة وعدم جواز الصلاة فیـه ، بل المجعول فی باب الحیوان هو الحرمـة‏‎ ‎‏والنجاسـة وغیر ذلک من الآثار المترتّبـة علی عدم کون اللحم مذکّی ، وقد ذکر‏‎ ‎‏أنّـه لا مجال للاستصحاب لإثبات ذلک .‏

وثانیاً‏ : أنّـه لو سلّم أنّ الطهارة والحلّیـة وغیرهما کانت مجعولـة ومترتّبـة‏‎ ‎‏علی کون الحیوان مذکّی ، لکن نقول : إنّ عدم هذه الأحکام الوجودیّـة لا یکون‏‎ ‎‏مترتّباً علی عدم کون الحیوان مذکّی ، فإنّ هذا الأمر العدمی یصدق مع عدم‏‎ ‎‏الحیوان ، ومع وجوده حیّاً ، ومع موتـه حتف الأنف ، أو بغیر التذکیـة الشرعیّـة ،‏‎ ‎‏ومن المعلوم أنّ الموضوع لعدم الحلّیـة وعدم جواز الصلاة فیـه وعدم الطهارة هو‏‎ ‎‏القسم الأخیر ، فإنّ الحیوان فی حال حیاتـه حلال طاهر کما عرفت ، ومع عدمـه‏‎ ‎‏لا یعقل الحکم علیـه بذلک .‏

‏وحینئذٍ نقول : إنّ عدم کون الحیوان مذکّی وإن کان لـه حالـة سابقـة ، إلاّ‏‎ ‎‏أنّـه لا یکون مترتّباً علیـه أثر شرعی ، واستصحابـه إلی زمان الموت لإثبات‏‎ ‎‏القسم الأخیر یکون مثبتاً محضاً ، کما هو واضح لایخفی .‏

وثالثاً‏ ‏‏لو سلّم کون الموضوع لعدم هذه الأحکام الوجودیّـة هو عدم کون‏‎ ‎‏اللحم مذکّی وقطعنا النظر عن استحالـة کون الموضوع للحکم هو العدم‏‎ ‎‏المحمولی ، لکن نقول : إنّ ترتّب تلک الأعدام علی الموضوع العدمی لیس ترتّباً‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 16
‏شرعیاً ، بل عقلیاً ، بملاحظـة أنّـه إذا کان السبب فی ثبوت تلک الآثار الوجودیّـة‏‎ ‎‏هو التذکیـة فعند عدمها تنتفی تلک الآثار ، لاستلزام انتفاء السبب انتفاء المسبّب‏‎ ‎‏استلزاماً عقلیّاً ، کما هو واضح .‏

ورابعـاً‏ ‏‏لـو سلّمنا جمیع ذلـک نقول ـ بعـد تسلیم کـون الطهاره ونحـوها‏‎ ‎‏مجعولـة للمذکّی بسبب التذکیـة ، وعـدم کونها هی الطهارة الموجـودة حال‏‎ ‎‏الحیاة ـ : لابدّ مـن الالتزام بکون الطهارة الثابتـة فی حال الحیاة مسبّبـة عـن‏‎ ‎‏سبب آخر غیر التذکیـة ، وحینئذٍ لا مانع من استصحاب بقاء الجامع بعد زوال‏‎ ‎‏السبب فی حال الحیاة ، واحتمال عروض سبب آخر الذی هو التذکیـة مقارناً‏‎ ‎‏لـزوال السبب الأوّل ، وبـه یثبت طهارة الحیوان وجـواز أکلـه واستعمالـه فیما‏‎ ‎‏یشترط بالطهارة .‏

‏ولکن ذلک متفرّع أوّلاً : علی جریان استصحاب القسم الثالث من أقسام‏‎ ‎‏استصحاب الکلّی .‏

‏وثانیاً : علی کون الجامع موضوعاً لأثر شرعی ، وکلا الأمرین غیر خالیـین‏‎ ‎‏عن المناقشـة .‏

‏ثمّ إنّه لو قطع النظر عمّا ذکرنا من عدم جریان استصحاب عدم التذکیـة‏‎ ‎‏بوجه فهل یجری فیما لو شکّ فی أنّ اللحم أو الجلد الموجود فی البین هل اُخذ من‏‎ ‎‏الغنم المذکّی الموجود المعلوم ، أو من الغنم الغیر المذکّی کذلک ، أو لا یجری ؟‏‎ ‎‏وجهان مبنیّان علی أنّ التذکیـة هل تکون وصفاً للحیوان بأجمعه ، کما هو الظاهر ،‏‎ ‎‏أو أنّـه یتّصف بها الأجزاء أیضاً ؟‏

‏فعلی الأوّل لا وجـه لجریان استصحاب عدم التذکیـة ، لأنّـه لیس هنا‏‎ ‎‏حیوان‏‎ ‎‏شکّ فی اتّصافـه بهذا الوصف حتّی یجری فیـه استصحاب عدمـه ، لأنّ‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 17
‏المفروض‏‎ ‎‏تمیّز المذکّی عن غیره ، ولیس هنا أصل آخر یثبت بـه أنّـه اُخذ من‏‎ ‎‏المذکّی أو منغیره ، وحینئذٍ فیحکم بالحلّیـة والطهارة ، لأصالتهما .‏

‏وعلی الثانی فلا محیص عن استصحاب عدم التذکیـة ، کما هو واضح ، هذا .‏

‏ولو شک فی أنّ لحم الغنم مثلاً الموجود فی البین هل اتّخذ من الغنم المذکّی‏‎ ‎‏المشتبـه بغیر المذکّی أو من غیره ، فهل یجری فیـه وفی الحیوانین استصحاب عدم‏‎ ‎‏التذکیـة أم لا ؟ وجهان مبنیّان علی أنّ عدم جریان الاُصول فی أطراف العلم‏‎ ‎‏الإجمالی هل هو للزوم المخالفـة العملیـة للتکلیف المعلوم بالإجمال ، أو للزوم‏‎ ‎‏التناقض فی أدلّـة الاُصول ؟‏

‏فعلی الأوّل لا یکون هنا مانع من الجریان ، لعدم لزوم المخالفـة العملیّـة ،‏‎ ‎‏لأنّ مقتضی الأصلین الاجتناب عن کلا الحیوانین ، وحینئذٍ فاللازم الاجتناب عن‏‎ ‎‏اللحم أو الجلد أیضاً ، بعد کون الحیوان المتّخذ منـه ذلک محکوماً بالنجاسـة‏‎ ‎‏والحرمـة .‏

‏وعلی الثانی فلا مجال لإجراء استصحاب عدم التذکیـة بعد العلم‏‎ ‎‏الإجمالی بوجـود المذکّی فی البین ، کما أنّـه لا مجال لإجـراء قاعدتی الحـلّ‏‎ ‎‏والطهارة بعد العلم بوجود غیر المذکّی أیضاً ، هذا بالنسبـة إلی الحیوانین .‏

‏وأمّا بالنسبـة إلی اللحم أو الجلد الذی اتّخذ من أحدهما فإن قلنا : بأنّـه‏‎ ‎‏أیضاً یصیر من أطراف العلم الإجمالی فلا یجری فیـه الاستصحاب ولا قاعدتا‏‎ ‎‏الحلّ والطهارة ، وإلاّ فیجری فیـه الاستصحاب بناءً علی الوجـه الثانی من‏‎ ‎‏الوجهین المتقدّمین ، وأمّا علی الوجـه الأوّل فالمرجع فیـه هو قاعدتا الحلّ‏‎ ‎‏والطهارة .‏

‏هذا کلّـه فیما لو کان کلّ واحد من الحیوانین مورداً للابتلاء .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18
‏وأمّـا لو کـان کلاهمـا أو خصوص الحیوان الـذی لم یتّخذ منـه الجلـد‏‎ ‎‏خارجاً عن محلّ الابتلاء فلا مانع حینئذٍ من جریان الاستصحاب فی الحیوان‏‎ ‎‏الـذی اتّخذ منـه الجلد ، لعدم جـریانـه فی الحیوان الآخـر بعد خـروجـه مـن‏‎ ‎‏محـلّ الابتـلاء حتّی یلزم التناقض أو یحصـل التعارض بناءً علـی الجـریان‏‎ ‎‏والتساقط ، والحیوان المتّخذ منـه الجلد وإن کان خارجاً عن محلّ الابتلاء أیضاً‏‎ ‎‏فی الفرض الأوّل ، إلاّ أنّـه یجری فیـه الاستصحاب بالنظر إلی جلده الذی کان‏‎ ‎‏محلاًّ للابتلاء .‏

‏ومن هنا یظهر عدم جریان الاستصحاب فیما لو کان الحیوان الآخر فقط‏‎ ‎‏مورداً لابتلاء المکلّف ، لأنّ الحیوان المتّخذ منـه الجلد أیضاً مورد للابتلاء‏‎ ‎‏لا بنفسـه ، بل بجلده الموجود فی البین ، فیحصل التناقض أو التعارض من جریان‏‎ ‎‏الأصلین ، فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 218 ـ 220 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 371 ـ 372 .
  • )) حاشیـة فرائـد الاُصول ، المحقّـق الهمدانی : 387 ـ 388 ، مصباح الفقیـه ، الطهارة : 653 / السطر 16 .