حکم ما لو شکّ فی قابلیة حیوان للتذکیة
الثالث : إذا شکّ فی قابلیـة حیوان للتذکیـة فهل تجری فیـه أصالـة عدم القابلیـة أم لا ، وعلی الثانی فهل تجری أصالـة عدم التذکیـة أم لا ؟
فنقول : الظاهر عدم جریان أصالـة عدم القابلیـة ؛ لأنّ القابلیـة ، وعدمها لیس لهما حالـة سابقـة نظیر کون المرأة قرشیّـة الذی عرفت عدم وجود الحالـة السابقـة لـه ، وغایـة ما یمکن أن یقال فی تقریب الجریان ما أفاده المحقّق المعاصر فی باب قرشیّـة المرأة ممّا تقدّم مع توضیح منّا .
وحاصلـه : أنّ العوارض علی قسمین : قسم یعرض لذات الماهیّـة مع قطع النظر عن الوجودین بحیث لو کان لها تقرّر وثبوت فی غیر عالم الوجود لکان یعرضها کالزوجیـة بالنسبـة إلی الأربعـة ، وقسم یعرض الوجود کالأبیضیـة للجسم الموجود ، والفاسقیّـة والقرشیّـة للإنسان الموجود ، والقابلیـة للتذکیـة للحیوان الموجود .
وحینئذٍ نقول : لا بأس بجریان استصحاب عدم تلک الأوصاف بالنسبـة إلی موصوفها فی القسم الثانی وإن کان الموصوف حینما یتحقّق لا یخلو من اتصافـه بذلک الوصف ، بمعنی أنّـه لو کان متّصفاً بـه لکان ذلک من أوّل وجوده وتحقّقـه کوصف القرشیّـة وکذا القابلیـة فیقال : هذه المرأة ـ مشیراً إلی ماهیّتها ـ لم تکن قبل الوجود قرشیـة ، فیستصحب ذلک إلی زمان الوجود ، وکذا هذا الحیوان لم یکن قبل الوجود قابلاً للتذکیـة ، فیستصحب ذلک إلی زمان الوجود .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
أقول أوّلاً : لو سلّمنا وجود الحالـة السابقـة لعدم القابلیـة فلا مجال أیضاً لجریان استصحابـه بعد عدم ترتّب أثر شرعی علیـه ، ضرورة أنّ الآثار الشرعیّـة مترتّبـة علی عدم کون الحیوان مذکّی بالتذکیـة الشرعیّـة ، لا علی عدم کونـه قابلاً لها واستلزام عدم القابلیـة لعدم تحقّق التذکیـة الشرعیّـة استلزام عقلی یحکم بـه العقل من باب أنّ المرکب ینتفی بانتفاء أحد أجزائـه ، کما لایخفی . ولا یثبت ذلک بالاستصحاب ، لأنّـه یصیر حینئذٍ من الاُصول المثبتـة التی یکون جریانها علی خلاف التحقیق .
وثانیاً : لا نسلّم وجود الحالـة السابقـة ، فإنّ أخذ هذا القید العدمی أعنی عدم قابلیـة الحیوان للتذکیـة فی موضوع الحکم بالتحریم والنجاسـة ، إمّا أن یکون من قبیل القضیّـة الموجبـة المعدولـة .
وإمّا أن یکون من قبیل الموجبـة السالبـة المحمول ، وهی عبارة عن القضیّـة الموجبـة التی یکون المحمول فیها قضیّـة سالبـة مثل قولـه : زید هو الذی لیس بقائم .
وإمّا أن یکون من قبیل الوصف والنعت .
وإمّا أن یکون من قبیل القضیّـة السالبـة الصادقـة مع عدم الموضوع ، ولا مجال لجریان الاستصحاب علی شیء من الوجوه والاحتمالات .
أمّا علی الوجوه الثلاثـة الاُوَل : فلأنّ جمیعها یحتاج إلی وجود الموضوع ، ضرورة أنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت لـه ، وثبوت الوصف فرع ثبوت الموصوف ، وفی المقام لا یکون الموضوع موجوداً فی الزمان السابق حتّی یثبت لـه المحمول والوصف فیستصحب ، کما هو واضح .
وأمّا علی الوجـه الأخیر : فلأنّ اعتبار الموضوع للحکم بهذا النحو الذی
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11
یکون قیده السلبی صادقاً مع عدمـه ممّا لا یعقل ، ضرورة أنّـه لا یعقل أن یکون الموضوع للحکم بالحرمـة والنجاسـة إلاّ أمراً وجودیاً ثابتاً .
إن قلت : لا بأس بجریان الاستصحاب علی الوجـه الأخیر ؛ لأنّـه یستصحب عدم قابلیّـة الحیوان للتذکیـة الصادق مع عدم الحیوان إلی زمان وجوده ، فیصیر الموضوع موجوداً ، فیترتّب علیـه الحکم .
قلت : استصحاب تلک الحالـة وإن کان صحیحاً من حیث وجود الحالـة السابقـة ، إلاّ أنّ تطبیق تلک الحالـة التی تکون أعمّ من وجود الموضوع علی الحالـة اللاحقـة المشروطـة بوجود الموضوع یکون بحکم العقل ، فیصیر حینئذٍ من الاُصول المثبتـة التی لا نقول بها ، وقد تقدّم منّا فی باب قرشیّـة المرأة تفصیل هذا الکلام بما لا مزید علیـه ، هذا .
وقد یقال فی تقریب جریان استصحاب عدم القرشیّة وکذا عدم القابلیـة : إنّ الموضوع للحکم الشرعی إنّما هو المرکّب من عنوان المرأة وعنوان الغیر القرشیّـة وکذا المرکّب من الحیوان ومن عدم القابلیـة للتذکیـة ، وحینئذٍ فلا بأس بجریان استصحاب هذا الجزء من الموضوع بعد کون الجزء الآخر محرزاً بالوجدان .
ویرد علیـه ـ مضافاً إلی أنّ ذلک مخالف لظاهر الأدلّـة الشرعیّـة ـ أنّ أخذ هذا فی الجزء العدمی إمّا أن یکون علی نحو یکون جزؤه الآخر مفروض الوجود ، وإمّا أن یکون علی نحو یصدق مع عدم الجزء الآخر أیضاً ، فعلی الأوّل یرجع إلی أحد الوجوه الثلاثـة من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة ، وقد تقدّم الجواب عنـه ، وعلی الثانی ـ فمضافاً إلی أنّ هذا النحو من الاعتبار ممّا لا یعقل ، لاستلزامـه التناقض ، فإنّ أخذ الجزء الأوّل جزءً للموضوع لا یصحّ إلاّ بعد أن یکون قد فرض وجوده ، وأخذ الجزء الآخر علی نحو یصدق مع عدم الجزء الأوّل مناقض لذلک ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12
کما هو واضح یرد علیـه ما اُورد علی الوجـه الأخیر من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة ، فتدبّر فی المقام ، فانقدح أنّـه لا مجال لاستصحاب عدم القابلیة أصلاً .
وأمّا استصحاب عدم التذکیـة : فالظاهر عدم جریانـه أیضاً ، وقبل الخوض فی ذلک لابدّ من بیان الوجوه المتصوّرة فی معنی عدم التذکیـة بحسب التصوّر الابتدائی فنقول :
منها : أن یکون المراد بـه عدم زهوق الروح بالنحو المعتبر شرعاً المأخوذ موضوعاً للحکم بالطهارة أو مع الحلّیـة علی نحو السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع الذی هو عبارة عن زهوق الروح .
ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق روح الحیوان لا علی النحو المعتبر شرعاً علی نحو الموجبـة المعدولـة .
ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق الروح الذی لم یکن علی النحو الشرعی علی نحو الموجبـة السالبـة المحمول .
ومنها : أن یکون المراد بـه زهوق الروح لا بنحو التذکیـة علی نحو السالبـة المحصّلـة .
ومنها : أن یکون أمراً مرکّباً من زهوق الروح ومن عدم تحقّق النحو المعتبر شرعاً فی صیرورتـه طاهراً وحلالاً .
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ أخذ عدم التذکیـة بالمعنی الأوّل موضوعاً للحکم الشرعی ممّا لا یعقل ، لأنّ الأمر السلبی یستحیل أن یکون موضوعاً لحکم من الأحکام ، ومن هنا یعلم أنّ أخذه کذلک بالمعنی الرابع أیضاً لا یمکن إذا کانت السالبـة أعمّ من وجود الموضوع ، وإذا کانت فی صورة وجود الموضوع فهو یرجع إلی أحد الوجهین الثانی والثالث ، وأمّا المعنی الأخیر فهو أیضاً غیر معقول
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 13
لو کان لمراد من الجزء السلبی هو السلب الصادق مع عدم الجزء الآخر ، للزوم التناقض ، فلم یبق فی البین إلاّ الوجـه الثانی والوجـه الثالث . فالاستصحاب لابدّ أن یکون مجراه هو أحدهما .
ومن الواضح أنّـه لا یجری ، لأنّـه لیس لـه حالـة سابقـة حتّی تستصحب ، لأنّـه لم یمض للحیوان زمان کان زاهق الروح فیـه لا علی النحو المعتبر شرعاً ، فإنّـه من حین زهوق روحـه کان مشکوکاً من حیث التذکیـة وعدمها ، فلا مجال للاستصحاب .
ودعوی أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم موضوعها کانت صادقـة فی الزمان السابق ، فتستصحب إلی زمان وجود الموضوع ، والمستصحب لابدّ وأن یکون ذا أثر شرعی فی الزمان اللاحق ، ولا یعتبر أن یکون موضوعاً للحکم الشرعی حتّی فی الزمان السابق .
مدفوعـة : بأنّ المستصحب لابدّ أن یکون بنفسـه موضوعاً للحکم الشرعی ولو فی الزمان اللاحق ، وقد عرفت أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع لا یعقل أن تؤخذ موضوعاً ، وإثبات الموضوع باستصحاب السالبـة یکون من قبیل استصحاب العامّ لإثبات الخاصّ الموضوع للحکم ، وهو من الاُصول المثبتـة التی جریانها علی خلاف التحقیق .
فانقـدح : أنّـه لا مجـال لاستصحـاب عـدم التـذکیـة ، سـواء شـکّ فـی قابلیّـة الحیوان لها وعدمها ، أو شکّ فی اعتبار شرط آخر زائـد علی الاُمور المعتبرة فیها ، أو شکّ فی مانعیّـة شیء کالوط ء والجلل ، أو غیره مـن الشبهات الحکمیّـة ، وکذا لو شکّ فی کون الحیوان الموجود فی البین مذکّی أم لا ، فإنّـه لا یجری فیـه أیضاً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 14
ثمّ إنّـه ربّما یظهر من الشیخ قدس سره التفصیل فی جریان استصحاب عدم التذکیـة بین الآثار الوجودیّـة والآثار العدمیـة .
وقد صرّح بذلک بعض المحقّقین من محشی الرسالـة ، فقال ـ بعد استظهار أنّ المیتـة فی نظر الشارع والمتشرّعـة هی ما کان فاقداً لشرائط التذکیـة ، وأنّ الموضوع للحرمـة والنجاسـة هو ما عدا المذکّی ، وأنّـه لا یثبت بأصالـة عدم التذکیـة ـ ما لفظـه : فمقتضی القاعدة هو التفکیک بین الآثار ، فما کان منها مرتّباً علی عدم کون اللحم مذکّی کعدم حلّیتـه وعدم جواز الصلاة فیـه وعدم طهارتـه وغیر ذلک من الأحکام العدمیـة المنتزعـة من الوجودیّات التی تکون التذکیـة شرطاً فی ثبوتها ترتّب علیـه ، فیقال : الأصل عدم تعلّق التذکیـة بهذا اللحم الذی زهق روحـه ، فلایحلّ أکلـه ولا الصلاة فیـه ولا استعمالـه فیما یشترط بالطهارة . وأمّا الآثار المترتّبـة علی کونـه غیر مذکّی کالأحکام الوجودیّـة الملازمـة لهذه العدمیات کحرمـة أکلـه ونجاستـه وتنجیس ملاقیـه وحرمـة الانتفاع بـه ببیعـه وغیر ذلک من الأحکام المعلّقـة علی عنوان المیتـة أو غیر المذکّی فلا ، انتهی موضع الحاجـة من کلامـه قدس سره .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ ما أفاد من أنّ التذکیـة سبب فی ثبوت الآثار الوجودیّـة کالطهارة والحلّیـة وجواز الاستعمال فی الصلاة ، وهو مسبوق بالعدم ، فیترتّب علیـه ما ذکر ، محلّ نظر ؛ فإنّـه لم یجعل الحیوان المذکّی موضوعاً لتلک
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 15
الآثار ، بل لم یجعل هذه الأحکام بعد تحقّق التذکیـة أصلاً ؛ ضرورة أنّ الطهارة الثابتـة بعد التذکیـة هی الطهارة التی کانت متحقّقـة فی حال حیاة الحیوان ، غایـة الأمر أنّها استمرّت إلی بعد الموت لعدم قیام الدلیل علی النجاسـة ، وهکذا الحلّیـة وجواز الصلاة فیـه ؛ فإنّ الحیوان فی حال الحیاة کان حلالاً والصلاة فیـه جائزاً ، واستمرّ ذلک إلی بعد الموت فی الحیوان المذکّی ، لعدم قیام ما یدلّ علی الحرمـة وعدم جواز الصلاة فیـه ، بل المجعول فی باب الحیوان هو الحرمـة والنجاسـة وغیر ذلک من الآثار المترتّبـة علی عدم کون اللحم مذکّی ، وقد ذکر أنّـه لا مجال للاستصحاب لإثبات ذلک .
وثانیاً : أنّـه لو سلّم أنّ الطهارة والحلّیـة وغیرهما کانت مجعولـة ومترتّبـة علی کون الحیوان مذکّی ، لکن نقول : إنّ عدم هذه الأحکام الوجودیّـة لا یکون مترتّباً علی عدم کون الحیوان مذکّی ، فإنّ هذا الأمر العدمی یصدق مع عدم الحیوان ، ومع وجوده حیّاً ، ومع موتـه حتف الأنف ، أو بغیر التذکیـة الشرعیّـة ، ومن المعلوم أنّ الموضوع لعدم الحلّیـة وعدم جواز الصلاة فیـه وعدم الطهارة هو القسم الأخیر ، فإنّ الحیوان فی حال حیاتـه حلال طاهر کما عرفت ، ومع عدمـه لا یعقل الحکم علیـه بذلک .
وحینئذٍ نقول : إنّ عدم کون الحیوان مذکّی وإن کان لـه حالـة سابقـة ، إلاّ أنّـه لا یکون مترتّباً علیـه أثر شرعی ، واستصحابـه إلی زمان الموت لإثبات القسم الأخیر یکون مثبتاً محضاً ، کما هو واضح لایخفی .
وثالثاً : لو سلّم کون الموضوع لعدم هذه الأحکام الوجودیّـة هو عدم کون اللحم مذکّی وقطعنا النظر عن استحالـة کون الموضوع للحکم هو العدم المحمولی ، لکن نقول : إنّ ترتّب تلک الأعدام علی الموضوع العدمی لیس ترتّباً
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 16
شرعیاً ، بل عقلیاً ، بملاحظـة أنّـه إذا کان السبب فی ثبوت تلک الآثار الوجودیّـة هو التذکیـة فعند عدمها تنتفی تلک الآثار ، لاستلزام انتفاء السبب انتفاء المسبّب استلزاماً عقلیّاً ، کما هو واضح .
ورابعـاً : لـو سلّمنا جمیع ذلـک نقول ـ بعـد تسلیم کـون الطهاره ونحـوها مجعولـة للمذکّی بسبب التذکیـة ، وعـدم کونها هی الطهارة الموجـودة حال الحیاة ـ : لابدّ مـن الالتزام بکون الطهارة الثابتـة فی حال الحیاة مسبّبـة عـن سبب آخر غیر التذکیـة ، وحینئذٍ لا مانع من استصحاب بقاء الجامع بعد زوال السبب فی حال الحیاة ، واحتمال عروض سبب آخر الذی هو التذکیـة مقارناً لـزوال السبب الأوّل ، وبـه یثبت طهارة الحیوان وجـواز أکلـه واستعمالـه فیما یشترط بالطهارة .
ولکن ذلک متفرّع أوّلاً : علی جریان استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلّی .
وثانیاً : علی کون الجامع موضوعاً لأثر شرعی ، وکلا الأمرین غیر خالیـین عن المناقشـة .
ثمّ إنّه لو قطع النظر عمّا ذکرنا من عدم جریان استصحاب عدم التذکیـة بوجه فهل یجری فیما لو شکّ فی أنّ اللحم أو الجلد الموجود فی البین هل اُخذ من الغنم المذکّی الموجود المعلوم ، أو من الغنم الغیر المذکّی کذلک ، أو لا یجری ؟ وجهان مبنیّان علی أنّ التذکیـة هل تکون وصفاً للحیوان بأجمعه ، کما هو الظاهر ، أو أنّـه یتّصف بها الأجزاء أیضاً ؟
فعلی الأوّل لا وجـه لجریان استصحاب عدم التذکیـة ، لأنّـه لیس هنا حیوان شکّ فی اتّصافـه بهذا الوصف حتّی یجری فیـه استصحاب عدمـه ، لأنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 17
المفروض تمیّز المذکّی عن غیره ، ولیس هنا أصل آخر یثبت بـه أنّـه اُخذ من المذکّی أو منغیره ، وحینئذٍ فیحکم بالحلّیـة والطهارة ، لأصالتهما .
وعلی الثانی فلا محیص عن استصحاب عدم التذکیـة ، کما هو واضح ، هذا .
ولو شک فی أنّ لحم الغنم مثلاً الموجود فی البین هل اتّخذ من الغنم المذکّی المشتبـه بغیر المذکّی أو من غیره ، فهل یجری فیـه وفی الحیوانین استصحاب عدم التذکیـة أم لا ؟ وجهان مبنیّان علی أنّ عدم جریان الاُصول فی أطراف العلم الإجمالی هل هو للزوم المخالفـة العملیـة للتکلیف المعلوم بالإجمال ، أو للزوم التناقض فی أدلّـة الاُصول ؟
فعلی الأوّل لا یکون هنا مانع من الجریان ، لعدم لزوم المخالفـة العملیّـة ، لأنّ مقتضی الأصلین الاجتناب عن کلا الحیوانین ، وحینئذٍ فاللازم الاجتناب عن اللحم أو الجلد أیضاً ، بعد کون الحیوان المتّخذ منـه ذلک محکوماً بالنجاسـة والحرمـة .
وعلی الثانی فلا مجال لإجراء استصحاب عدم التذکیـة بعد العلم الإجمالی بوجـود المذکّی فی البین ، کما أنّـه لا مجال لإجـراء قاعدتی الحـلّ والطهارة بعد العلم بوجود غیر المذکّی أیضاً ، هذا بالنسبـة إلی الحیوانین .
وأمّا بالنسبـة إلی اللحم أو الجلد الذی اتّخذ من أحدهما فإن قلنا : بأنّـه أیضاً یصیر من أطراف العلم الإجمالی فلا یجری فیـه الاستصحاب ولا قاعدتا الحلّ والطهارة ، وإلاّ فیجری فیـه الاستصحاب بناءً علی الوجـه الثانی من الوجهین المتقدّمین ، وأمّا علی الوجـه الأوّل فالمرجع فیـه هو قاعدتا الحلّ والطهارة .
هذا کلّـه فیما لو کان کلّ واحد من الحیوانین مورداً للابتلاء .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18
وأمّـا لو کـان کلاهمـا أو خصوص الحیوان الـذی لم یتّخذ منـه الجلـد خارجاً عن محلّ الابتلاء فلا مانع حینئذٍ من جریان الاستصحاب فی الحیوان الـذی اتّخذ منـه الجلد ، لعدم جـریانـه فی الحیوان الآخـر بعد خـروجـه مـن محـلّ الابتـلاء حتّی یلزم التناقض أو یحصـل التعارض بناءً علـی الجـریان والتساقط ، والحیوان المتّخذ منـه الجلد وإن کان خارجاً عن محلّ الابتلاء أیضاً فی الفرض الأوّل ، إلاّ أنّـه یجری فیـه الاستصحاب بالنظر إلی جلده الذی کان محلاًّ للابتلاء .
ومن هنا یظهر عدم جریان الاستصحاب فیما لو کان الحیوان الآخر فقط مورداً لابتلاء المکلّف ، لأنّ الحیوان المتّخذ منـه الجلد أیضاً مورد للابتلاء لا بنفسـه ، بل بجلده الموجود فی البین ، فیحصل التناقض أو التعارض من جریان الأصلین ، فتدبّر جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19