تتمیم‏: فی الإتیان بالموقّت خارج الوقت

تتمیم : فی الإتیان بالموقّت خارج الوقت

‏ ‏

‏الحقّ : أنّه لا دلالة للأمر بالموقّت علی وجوب الإتیان به فی خارج الوقت ،‏‎ ‎‏بل هذا هو الحکم فی سائر التقییدات ؛ ضرورة أنّ کلّ أمر لا یدعو إلاّ إلی ما تعلّق‏‎ ‎‏به ؛ إذ کلّ حکم فهو مقصور علی موضوعه ، والمفروض ، أنّ البعث علی الطبیعة‏‎ ‎‏المتقیّدة بالوقت ، فلو قلنا بدعوته خارج الوقت لزم کونه داعیاً إلی غیر متعلّقه .‏

‏وبالجملة : أنّ الدعوة إلی الموقّت بعد خروجه محال ؛ لامتناع إتیانه ، وإلی‏‎ ‎‏غیر الموقّت کذلک ؛ لعدم کونه متعلّقاً . ودعوة الأمر إلی الطبیعة فی ضمن المقیّد لا‏‎ ‎‏توجب دعوته إلیها مطلقة وعاریة عن القید .‏

وأمّا التفصیل الذی أفاده المحقّق الخراسانی :‏ من أنّه لو کان التوقیت بدلیل‏‎ ‎‏منفصل ، وکان لدلیل الواجب إطلاق لکان قضیة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد الوقت‏‎ ‎‏أیضاً‏‎[1]‎‏ ، فخروج من حریم النزاع ؛ إذ البحث فی دلالة نفس الموقّت بعد کونه موقّتاً‏‎ ‎‏فیما لم یدلّ علی البقاء دلیل اجتهادی ؛ من إطلاق أو عموم .‏

‏وربّما یتمسّک لبقاء الأمر بعد خروجه بالاستصحاب‏‎[2]‎‏ .‏

والتحقیق :‏ عدم جریانه ؛ لاختلاف القضیة المتیقّنة والقضیة المشکوک فیها ،‏‎ ‎‏ومع اختلافهما وتعدّدهما فی نظر العرف ینهدم أساس الاستصحاب .‏

وتوضیح الاختلاف :‏ أنّ مصبّ الحکم ومحطّ الوجوب فی الأحکام الشرعیة‏‎ ‎‏هو نفس العناوین الکلّیة مع قیودها من الزمان والمکان ، والعنوان المقیّد وذات‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 523
‏العنوان مختلفان فی نظر العرف ، والصلاة الموقّتة غیر نفس الصلاة عنواناً ، وغیر‏‎ ‎‏الصلاة بلا توقیت ، والقضیة المتیقّنة هی وجوب الصلاة الموقّتة ، والمشکوک فیها‏‎ ‎‏هی نفس الصلاة أو الصلاة خارج الوقت ، فإسراء الحکم من المتقیّدة إلی الخالی‏‎ ‎‏منها فی القضایا الکلّیة إسراء من موضوع إلی موضوع آخر .‏

‏فإن قلت : المسامحة العرفیة فی إثبات وحدة الموضوع أو اتّحاد القضیتین‏‎ ‎‏هو المفتاح الوحید لرفع الاختلاف وجریان الاستصحاب .‏

‏قلت : نمنع المسامحة إذا کان الحکم متعلّقاً بالعنوان ، کما فی القضایا الکلّیة ،‏‎ ‎‏من دون أن یسری إلی الخارج ، کما فی الأحکام الشرعیة ؛ فإنّ محطّ الوجوب هو‏‎ ‎‏عنوان الصلاة ، ولا یعقل أن یکون الخارج ظرف العروض ؛ لأنّه ظرف السقوط .‏

‏وفی هذا القسم یکون المطلق غیر المقیّد ، والماء المتغیّر غیر نفس الماء ،‏‎ ‎‏ولا یسامح ولا یرتاب أیّ ذی مسکة فی أنّ العنوانین متغایران جدّاً ، بل التغیّر ـ ولو‏‎ ‎‏یسیراً ـ فی القضیة المتیقّنة الکلّیة یضرّ بالاستصحاب .‏

وبالجملـة :‏ أنّ القیود فی العناویـن الکلّیـة کلّها مـن مقوّمـات الموضـوع‏‎ ‎‏عرفـاً وعقلاً .‏

‏نعم ، فرق بین هذا القسم وبین ما لو کان الحکم مجعولاً علی عنوان ، لکن‏‎ ‎‏العنوان انطبق علی الخارج وسری الحکم إلیه ؛ بحیث صار الموضوع لدی العرف‏‎ ‎‏هو نفس المصداق الخارجی لا العنوان ، کما فی الأحکام الوضعیة ؛ فإنّ النجس و إن‏‎ ‎‏کان هو الماء المتغیّر إلاّ أنّه إذا انطبق علی الماء الموجود فی الخارج یصیر‏‎ ‎‏الموضوع عند العرف هو نفس الماء ، ویعدّ التغیّر من حالاته ، ویشکّ فی أنّه هل هو‏‎ ‎‏واسطة فی الثبوت أو واسطة فی العروض .‏

وبالجملة :‏ فرق بینما إذا کان الموضوع أو القضیة المتیقّنة نفس العنوان‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 524
‏المأخوذ فی لسان الدلیل ـ کما فی الأحکام التکلیفیة ـ وبین ما إذا کان الموضوع‏‎ ‎‏نفس العنوان لکنّه انطبق علی الخارج وصار الخارج موضوعاً للحکم فی نظر‏‎ ‎‏العرف . فالمسامحة العرفیة إنّما هو فی القسم الثانی دون الأوّل .‏

‏ویترتّب علی ذلک ما لو باع فرساً عربیاً ، ثمّ ظهر کون المدفوع إلی المشتری‏‎ ‎‏غیر عربی ؛ فإنّ البیع تارة یتعلّق بعنوان الفرس العربی ، وحینئذٍ لا یکون المدفوع‏‎ ‎‏مصداقاً له ، واُخری علی هذا الفرس الخارجی بعنوان کونه عربیاً ، فیکون المدفوع‏‎ ‎‏مصداقاً للمبیع ، وللمشتری إعمال خیار تخلّف الشرط . وهذا مجمل ما اخترناه فی‏‎ ‎‏محلّه ، وسیجیء له تفصیل فی الجزء الثالث بإذن الله تعالی .‏

‏وبذلک یظهر النظر فیما یقال : إنّ المقیّد إذا وجب ینسب الوجوب إلی‏‎ ‎‏المهملة ، فیکون نفس الطبیعة واجبة ، فشکّ فی بقائه ؛ لأنّ متعلّق الوجوب إذا کان‏‎ ‎‏مقیّداً أو مرکّباً یکون موضوعاً واحداً ، فالواجب هو المقیّد بما هو کذلک ، ولیس‏‎ ‎‏للمهملة وجوب حتّی یستصحب .‏

‏وما قیل من الوجوب الضمنی ، لا أصل له ولا ینحلّ الوجوب إلی وجوب‏‎ ‎‏متعلّق بنفس الطبیعة ووجوب متعلّق بقیدها ، کما اشتهر فی الألسن . فالمتیقّن هو‏‎ ‎‏وجوب المقیّد ، وهو لیس بمشکوک فیه ، فلا یجری الاستصحاب بعد رفع القید .‏

‏ ‏

تمّ الکلام فی المقصد الأوّل (الأوامر)‎ ‎وحان البحث فی المقصد الثانی (النواهی)‎ ‎وذلک فی شهر رجب المرجّب من شهور‎ ‎عام 1372 ه···  . ق. والحمد لله ربّ العالمین


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 525

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 526

  • )) کفایة الاُصول : 178 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 283 ، الهامش 1 .