تنبیه‏: فی التخییر بین الأقلّ و الأکثر

تنبیه : فی التخییر بین الأقلّ والأکثر

‏ ‏

‏هل یمکن التخییر بین الأقلّ والأکثر ؟ محطّ البحث والإشکال إنّما هو الأقلّ‏‎ ‎‏الذی اُخذ لا بشرط ، وأمّا المأخوذ بشرط لا فهو من قبیل المتباینین ، ولا إشکال‏‎ ‎‏فی جوازه فیه . ثمّ إنّه ربّما یقال : بامتناعه مطلقاً ؛ تدریجیاً کان أو دفعیاً :‏

أمّا الأوّل :‏ فلأنّ بقاء الوجوب بعد إتیان الأقلّ یستلزم إمّا عدم کونه مصداقاً‏‎ ‎‏مسقطاً للطلب ، أو جواز تحصیل الحاصل .‏

وأمّا الثانی :‏ فلأنّ الزائد یجوز ترکه لا إلی بدل ، وهو ینافی الوجوب . وإن‏‎ ‎‏شئت قلت : إنّ الزائد یکون من قبیل إلزام ما لا یلزم والإیجاب بلا ملاک .‏

أقول :‏ إنّ الأقلّ والأکثر ـ سواء کانا تدریجیین أم دفعیین ـ قد یکون کلّ‏‎ ‎‏منهما محصّلاً لغرض واحد ، وقد یکون کلّ محصّلاً لغرض غیر الآخر ، وعلی‏‎ ‎‏التقدیر الثانی : فإمّا أن یکون بین الغرضین مزاحمة بحسب الوجود أو لا .‏

‏لا إشکال فی امتناع التخییر بینهما فی التدریجیات ؛ لأنّ الأقلّ یتحقّق دائماً‏‎ ‎‏قبل الأکثر ، فیستند إلیه الأثر ، فیسقط الوجوب بوجوده ، ولا معنی لإیجاب الأکثر .‏

وأمّا ما أفاده بعض السادة من الأکابر‏ ـ أدام الله أظلاله علی رؤوس‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 515
‏المسلمین ـ من أنّ التخییر ممکن إذا کان الأقلّ والأکثر تحت طبیعة واحدة ؛ بحیث‏‎ ‎‏تکون بحسب الوجود مشکّکة ، ویکون ما به الاشتراک بین الأفراد عین ما به‏‎ ‎‏الامتیاز ، کالخطّ القصیر والطویل ؛ لأنّ تعیّن الخطّ للفردیة إنّما یکون إذا انقطع‏‎ ‎‏سیره ؛ إذ ما دام مستمرّاً متدرّجاً سیّالاً لا تعیّن له ، بل کأنّه بُعد مبهم قابل لکلّ تعیّن .‏

‏فیحصل الغرض إذا کان فرداً منها ، ولا یصیر الفرد القصیر فرداً لها إلاّ مع‏‎ ‎‏محدودیته ، فالفردان مع تفاوتهما بالأقلیة والأکثریة لا یکونان محصّلین للغرض إلاّ‏‎ ‎‏إذا تحقّقا بتحقّق الفردیة ، وهو متقوّم بالمحدودیة بالحمل الشائع .‏

‏وقس علیه ما إذا کانا محصّلین لعنوان آخر یکون ذلک الآخر محصّلاً‏‎ ‎‏للغرض ، کصلاة الحاضر والمسافر ، مع کونهما مختلفین بالأقلّیة والأکثریة ، لکن‏‎ ‎‏التخشّع المطلوب معلول لهما فی کلّ مرتبة ، ففی مثله أیضاً یجوز التخییر ، فتدبّر‏‎[1]‎‏ .‏

فغیر تامّ ،‏ حصل فی کلامه الخلط بین اللا بشرطیة والبشرط لائیة ؛ فإنّ الخطّ‏‎ ‎‏الذی لا یتعیّن بالمصداقیة للطبیعة إنّما هو الخطّ المحدود بحدّ القصر ، وأمّا نفس‏‎ ‎‏طبیعة الخطّ بمقدار الذراعین بلا شرط بالمحدودیة وغیرها فلا إشکال فی تحقّقه إذا‏‎ ‎‏وصل الخطّ المتدرّج إلی مقدار الذراعین ؛ وإن لم یقف علی ذلک الحدّ .‏

‏ضرورة أنّ الخطّ الموجود فی الخارج لا یمکن أن لا یصدق علیه طبیعة‏‎ ‎‏الخطّ ، وإذا وصل إلی ذراعین ـ وإن کان سیّالاً ـ لا یمکن عدم موجودیته بنعت‏‎ ‎‏اللا بشرطیة ، فما هو الموجود یصدق علیه طبیعـة الذراعین فی الخطّ ؛ و إن‏‎ ‎‏لم یصدق علیه الخطّ المحدود بالقصر . ومورد الکلام هو اللا بشرط المتحقّق مع‏‎ ‎‏المحدود وغیره .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 516
‏وقوله : لا یصیر الفرد القصیر فرداً لها إلاّ مع محدودیته إن أراد أنّ اللابشرط‏‎ ‎‏لا یتحقّق فهو مدفوع بما ذکرنا ، وإن أراد أنّ المحدود بالقصر لا یتحقّق فهو خارج‏‎ ‎‏من المبحوث عنه .‏

‏وممّا ذکرنا یتّضح النظر فی الفرض الثانی ؛ لأنّ الأقلّ اللابشرط إذا وجد‏‎ ‎‏یکون محصّلاً للعنوان الذی هو محصّل للغرض ، فلا یبقی مجال لتحصیل ذلک‏‎ ‎‏العنوان المحصّل للغرض بالأکثر . هذا کلّه فی التدریجیات .‏

وأمّا الدفعیات :‏ فإن کان هنا غرض واحد یحصل بکلّ واحد فلا یعقل‏‎ ‎‏التخییر بینهما ؛ لأنّ الغرض إذا یحصل بنفس ذراع من الخطّ بلا شرط یکون‏‎ ‎‏التکلیف بالزیادة من قبیل إلزام ما لا یلزم ، فیکون تعلّق الإرادة والبعث إلیها لغواً‏‎ ‎‏ممتنعاً . ومجرّد وحدة وجود الأقلّ بلا شرط مع الأکثر خارجاً لا یدفع الامتناع ؛‏‎ ‎‏لکون محطّ تعلّق الأمر هو الذهن ، وفیه تجرید طبیعة المطلوب من غیره من‏‎ ‎‏اللواحق الزائدة .‏

‏وإن کان لکلّ منهما غرض غیر ما للآخر ؛ فإن کان بین الغرضین تدافع فی‏‎ ‎‏الوجود لا یمکن اجتماعهما أو یکون اجتماعهما مبغوضاً للآمر ، فلا یعقل التخییر‏‎ ‎‏أیضاً ؛ لأنّ الأقلّ بلا شرط موجود مع الأکثر ، فإذا وجدا دفعة لا یمکن وجود‏‎ ‎‏أثریهما للتزاحم الوجودی ، فلا یعقل تعلّق الأمر بشیء لأجل غرض لا یمکن‏‎ ‎‏تحصّله فی الخارج .‏

‏وکذا فیما إذا کان اجتماع الغرضین مبغوضاً لا یعقل التخییر أیضاً .‏

‏وأمّا إذا کان الغرضان قابلین للاجتماع ، ولا یکون اجتماعهما مبغوضاً له‏‎ ‎‏ـ وإن لم یکن مراداً له ـ فالتخییر بینهما ممکن ؛ لأنّ الأقلّ مشتمل علی غرض‏‎ ‎‏والأکثر علی غرض آخر ، فإذا أوجد العبد الأکثر وجد متعلّق الغرضین ، وکان‏‎ ‎‏للمولی أن یختار ما یشاء .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 517

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 518

  • )) لمحات الاُصول : 188 ـ 189 .