تقریبان آخران لتصحیح الترتب و تزییفهما

تقریبان آخران لتصحیح الترتب وتزییفهما

‏ ‏

ثمّ‏ إنّ هنا تقریباً آخر ذکره بعض أجلّة المحشّین من المحقّقین ‏‏رحمه الله‏‏ ، وهو أنّ‏‎ ‎‏اقتضاء کلّ أمر لإطاعة نفسه فی مرتبة متقدّمة علی طاعته ، والإطاعة مرتبة أثره ،‏‎ ‎‏وکلّ علّة منعزلة عن التأثیر فی مرتبة أثره ، وإنّما اقتضاؤه فی مرتبة ذاته ، ولمّا کان‏‎ ‎‏العصیان نقیض الطاعة فیجب أن یکون فی رتبتها ، فیلزم تأخّره عن الأمر .‏

‏فإذا اُنیط أمر بعصیان أمر آخر لا یعقل المزاحمة بینهما ؛ إذ فی رتبة تأثیر أمر‏‎ ‎‏الأهمّ لا وجود لأمر المهمّ ، وفی رتبة الأمر بالمهمّ لا یکون اقتضاء للأمر بالأهمّ ،‏‎ ‎‏فلا یقتضی مثل هذین الأمرین إلقاء المکلّف فیما لا یطاق‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّه إن أراد من قوله لا وجود للمهمّ عند الأمر بالأهمّ أنّ بینهما اختلافاً‏‎ ‎‏فی الرتبة فقد عرفت أنّ الاختلاف فی الرتبة بعد فعلیة الأمرین فی آنٍ واحد‏‎ ‎‏لا یجدی فی رفع طلب الجمع والأمر بالضدّین ، وإن أراد أنّه لا وجود له قبل‏‎ ‎‏عصیان الأهمّ وإطاعته ، وهو وإن کان یرفع غائلة الجمع إلاّ أنّه یهدم أساس‏‎ ‎‏الترتّب ؛ إذ العنایة کلّها فی المقام إلی تصویر أمر المهمّ قبل سقوط أمر الأهمّ‏‎ ‎‏بالعصیان الخارجی .‏

وبالجملة :‏ ما هو مجدٍ فی رفع التضادّ ـ أعنی الإناطة بالعصیان ـ لا ینفع فی‏‎ ‎‏المقام ؛ لسقوط فعلیة الأمر بالأهمّ لأجله ، وعدم فعلیة الأمر بالمهمّ إلاّ بعد سقوط‏‎ ‎‏أمر الأهمّ بالعصیان . والترتّب العقلی غیر مجدٍ فی رفع التضادّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 478
أضف إلی ذلک :‏ أنّ عصیان الأمر لا یتأخّر عقلاً عن الأمر تأخّراً رتبیاً ، و إن‏‎ ‎‏کان یتأخّر زماناً علی تسامح ، فتذکّر .‏

وهناک تقریب ثان لبعض محقّقی العصر ‏رحمه الله‏‏ ، وملخّصه : أنّه لا إشکال فی‏‎ ‎‏حکم العقل بالتخییر فی صورة تساوی الفعلین فی المصلحة ، ولیس مرجع التخییر‏‎ ‎‏إلی اشتراط وجوب کلّ واحد بعصیان الآخر ؛ إذ لازمه تأخّر کلّ واحد من الأمرین‏‎ ‎‏عن الآخر ، ولا إلی اشتراط کلّ أمر بعدم وجود غیره ؛ إذ لازمه أن لا یقتضی کلّ أمر‏‎ ‎‏إیجاد مقتضاه حال وجود الآخر ، بل مرجعه إلی أنّ الطلب فی ظرف المزاحمة‏‎ ‎‏یقتضی سدّ جمیع أبواب العدم إلاّ العدم الطارئ من إتیان ضدّه .‏

‏فحینئذٍ لنا أن نقول : إذا صحّ الطلب بالنحو المزبور إذ لم یکن بینهما مطاردة‏‎ ‎‏لنقص فیهما کذلک لم یکن بینهما مطاردة لو فرض نقص الطلب من طرف واحد ؛‏‎ ‎‏ولو لم یشترط الناقص بعصیان التامّ .‏

‏وبالجملة : فالأمر بالأهمّ یقتضی سدّ باب الأعدام من جمیع الجهات ، والأمر‏‎ ‎‏بالمهمّ یقتضی سدّها إلاّ من قبل إتیان ضدّه ، وعلیه فکیف یقتضی الطلب التامّ طرد‏‎ ‎‏هذا المقتضی ؟ ! إذ نتیجة طرده منع انسداد تلک الجهة ، وفی هذا الظرف لا اقتضاء‏‎ ‎‏للطلب الناقص ، فأین المطاردة من طرف واحد ؛ فضلاً عن الطرفین‏‎[2]‎‏ ؟ انتهی .‏

قلت :‏ یرد علیه ما أوردناه علی التقریب الـذی أوضحه بعض أعاظـم‏‎ ‎‏العصر ؛ لأنّـه عینه ؛ سیّما إذا لاحظت المقدّمـة الرابعـة مـن انحفاظ کلّ خطاب‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی ما یتصوّر له مـن التقادیر ، ولکنّه یفترق عنه بأنّـه إجمال مخـلّ ، کما‏‎ ‎‏أنّ الأوّل تفصیل مملّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 479
‏وکیف کان نقول : إنّه قبل تحقّق إطاعة الطلب التامّ وعصیانه لا شبهة فی أنّ‏‎ ‎‏له اقتضاء وبعثاً نحو متعلّقه ، فهل الطلب الناقص أیضاً اُخذ علی نحو یبعث نحو‏‎ ‎‏متعلّقه بالفعل أو لا ؟‏

‏فعلی الأوّل یلزم طلب الجمع بین الضدّین ، وقد أسلفنا فی تزییف الوجه‏‎ ‎‏الأوّل أنّ أخذ العصیان الانتزاعی وإن کان یوجب مشروطیة أمر المهمّ إلاّ أنّه‏‎ ‎‏لا یخرجه من البعث القطعی نحو متعلّقه بعد حصول شرطه ، لا أنّ المشروط ینقلب‏‎ ‎‏مطلقاً ، بل إنّه مع کونه مشروطاً باعث بتّاً نحو متعلّقه بلا حالة انتظاریة ، ویصیر حال‏‎ ‎‏العصیان کسائر العناوین من طلوع الشمس وغروبها .‏

‏وعلی الثانی یخرج من محطّ البحث ، ویکون باعثیة المهمّ بعد سقوط أمر‏‎ ‎‏الأهمّ ، ولا باعثیة له قبل تحقّق إطاعة الأهمّ وعصیانه ، والحمد لله .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 480

  • )) نهایة الدرایة 2 : 218 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 342 ـ 343 .