مقتضی التحقیق فی المسألة

مقتضی التحقیق فی المسألة

‏ ‏

‏وکیف کان : فتحقیق الحال یقتضی الکلام فی مقامین :‏

الأوّل :‏ فی الأوامر الشخصیة ، کأمره تعالی للخلیل مثلاً ، والتحقیق امتناع‏‎ ‎‏توجّه البعث لغرض الانبعاث إلی من یعلم الآمر فقدان شرط التکلیف بالنسبة إلیه ،‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 482
‏بل لا یمکن ذلک بالنسبة إلی من یعلم أنّه لا ینبعث ؛ ولو عصیاناً ، بل ولا إلی‏‎ ‎‏من یعلم أنّه یأتی بمتعلّق الطلب جزماً ، من دون أن یوجّـه إلیه الطلب ، ولا یکون‏‎ ‎‏الطلب مؤثّراً فیه بوجه ؛ ضرورة أنّ البعث لغرض الانبعاث إنّما یمکن فیما‏‎ ‎‏یحتمل أو یعلم تأثیره فیه ، ومع العلم بعدم التأثیر لا یمکن البعث لغرض الانبعاث .‏‎ ‎‏وقس علیه الزجر .‏

‏ولذلک رأی المحقّقون رجوع التکلیف بالمحال إلی التکلیف المحال ، ولم‏‎ ‎‏یفرّقوا بینهما لبّاً ومناطاً ؛ إذ جهة الامتناع فی الأوّل ـ وهو امتناع انقداح الإرادة‏‎ ‎‏والبعث إلی من یعلم الآمر عدم قدرته للمأمور به ـ مشترکة بینهما ، بل لا تتحقّق‏‎ ‎‏مبادئ الإرادة والحال هذه فی کلا الموردین ، من غیر فرق بین امتناع الانبعاث ذاتاً‏‎ ‎‏أو وقوعاً ، أو إمکانه مع العلم بعدم وقوعه . وأظنّ أنّ المقام لا یحتاج إلی زیادة‏‎ ‎‏توضیح ؛ لوضوحه فی نفسه .‏

وأمّا الثانی :‏ ففی الخطابات الکلّیة والأحکام القانونیة أو الإرادة التشریعیة‏‎ ‎‏القانونیة ، فقد عرفت کمال الفرق بین الخطابین والإرادتین ، وذکرنا بعض الفروع‏‎ ‎‏المترتّبة علی الفرق بین المقامین فی بحث الترتّب .‏

ولبّ القول فیه :‏ أنّ الخطاب القانونی خطاب واحد لا ینحلّ إلی خطابات ،‏‎ ‎‏وهو بوحدته حجّة علی العباد أجمعین ، ویدعو بوحدته عامّة المکلّفین . وکون‏‎ ‎‏التکلیف مشترکاً بین العالم والجاهل لیس معناه أنّ لکلّ فرد خطاباً خاصّاً ، وإنّما‏‎ ‎‏اُرید به أنّ جعل الحکم علی عنوان المستطیع ونحوه بإرادة واحدة ـ وهی إرادة‏‎ ‎‏التقنین والتشریع ـ یصیر حجّة علی عامّة المستطیعین مع شرائطها ؛ أینما کانوا ومتی‏‎ ‎‏وجدوا . وقد مرّ أنّ إرادة التقنین لا یتعلّق بصدور الفعل من المکلّفین ، بل یتعلّق‏‎ ‎‏بجعل الحکم وتشریعه ؛ لامتناع أن تتعلّق الإرادة بفعل الغیر .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 483
‏وحینئذٍ فالملاک فی صحّة هذا التشریع هو إمکان انبعاث عدّة من المخاطبین‏‎ ‎‏أو المکلّفین المختلطین فی الأعصار والأمصار ، لا احتمال انبعاث کلّ واحد منهم ،‏‎ ‎‏وهذا واضح لمن استوضح المقام من القوانین العرفیة .‏

‏وإن شئت قلت ـ وإن مرّ تفصیله أیضاً ـ : إنّ غایة الإرادة التشریعیة‏‎ ‎‏ومصحّحها لیست انبعاث کلّ واحد واحد من المکلّفین ، بل الغایة التی تعدّ مبدأ‏‎ ‎‏وسبباً لها هی أنّ هذا التشریع بما أنّه تشریع قانونی لا یصیر بلا أثر ، فإذا احتمل أو‏‎ ‎‏علم تأثیره فی أشخاص مختلطة فی الاجتماع فی الأعصار والأمصار فلا محالة‏‎ ‎‏تتحقّق الإرادة التشریعیة علی نعت التقنین ، ولا یلزم فیها احتمال التأثیر فی کلّ‏‎ ‎‏واحد ـ کما مرّ ـ لأنّ التشریع القانونی لیس تشریعات مستقلّة بالنسبة إلی کلّ‏‎ ‎‏مکلّف حتّی یکون بالنسبة إلی کلّ واحد بعثاً لغرض الانبعاث ، بل تشریع واحد‏‎ ‎‏متوجّه إلی عنوان منطبق علی المکلّفین ، وغرض هذا التشریع القانونی لابدّ وأن‏‎ ‎‏یلحظ بالنسبة إلی ذلک العنوان ، لا إلی کلّ واحد مستقلاًّ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 484