تصویر الأمر بالمهمّ بنحو الترتّب

تصویر الأمر بالمهمّ بنحو الترتّب

‏ ‏

الرابع‏ من الوجوه المحرّرة لردّ دعوی شیخنا البهائی ما سلکـه أساطین‏‎ ‎‏العلم ، آخذین بنیانه من الشیخ الأکبر کاشف الغطاء‏‎[1]‎‏ ؛ وإن کان لبّه موجوداً فی‏‎ ‎‏کلمات المحقّق الثانی ‏‏قدس سره‏‎[2]‎‏ ، وقد بالغ مشاهیر العصر فی الفحص والتحقیق حوله ،‏‎ ‎‏وکلٌّ أوضحه ببیان خاصّ إلاّ أنّ مغزی الغالب یرجع إلی ما أفاده السیّد المجدّد‏‎ ‎‏الشیرازی‏‎[3]‎‏ ، ونقّحه بعده تلمیذه الجلیل السیّد المحقّق الفشارکی‏‎[4]‎‏ ، وأوضحه‏‎ ‎‏وفصّله بعض أعاظم العصر بترتیب مقدّمات وذکـر اُمـور ، ونحـن نذکر تلک‏‎ ‎‏المقدّمـات مع ما فیها من الأنظار :‏

‏ ‏

المقدّمة الاُولی :

‏ ‏

‏أنّ المحذور إنّما ینشأ من إیجاب الجمع بین الضدّین المستلزم للتکلیف بما‏‎ ‎‏لا یطاق ، ولابدّ لرفع هذا المحذور من سقوط ما هو موجب له لاغیر ، فإذا کان‏‎ ‎‏الخطابان طولیین لایلزم منه ذلک ، کما سیأتی .‏

‏فحینئذٍ : یقع الکلام فی أنّ الموجب لذلک هل هو نفس الخطابین حتّی‏‎ ‎‏یسقطا ، أو إطلاقهما حتّی یسقط إطلاق خطاب المهمّ فقط ، ویصیر مشروطـاً‏‎ ‎‏بعصیان الأهمّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 447
‏ثمّ قال : والعجب من الشیخ الأنصاری مع إنکاره الترتّب ذهب فی تعارض‏‎ ‎‏الخبرین علی السببیة إلی ما یلزم منه الالتزام بخطابین مترتّب کلّ منهما علی عدم‏‎ ‎‏امتثال الآخر ، فلیت شعری لو امتنع ترتّب أحد الخطابین علی عدم امتثال الآخر ،‏‎ ‎‏فهل ضمّ ترتّب إلی مثله یوجب ارتفاع المحذور ؟ إلاّ أنّ الاشتباه من الأساطین‏‎ ‎‏غیر عزیز‏‎[5]‎‏ .‏

أقول :‏ هذه المقدّمة سیقت لبیان محطّ البحث ، ولا إشکال فیها من هذه‏‎ ‎‏الجهة ، إلاّ أنّ رمی الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ بالترتّب من الجانبین ، واستظهار ذلک من‏‎ ‎‏عبارته من الغرائب جدّاً ، نشأ ذلک من قلّة التأمّل فی عبارته . وإلیک نصّ عبارته :‏

‏قال ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد إیراد شبهة فی وجوب الأخذ بأحد المتعارضین بناء علی‏‎ ‎‏السببیة ـ : إنّ الحکم بوجوب الأخذ بأحد المتعارضین فی الجملة وعدم تساقطهما‏‎ ‎‏لیس لأجل شمول اللفظ لأحدهما علی البدل ؛ من حیث هذا المفهوم المنتزع ؛ لأنّ‏‎ ‎‏ذلک غیر ممکن ، کما تقدّم وجهه فی بیان الشبهة .‏

‏لکن لمّا کان امتثال التکلیف بکلّ منهما کسائر التکالیف الشرعیة والعرفیة‏‎ ‎‏مشروطاً بالقدرة ، والمفروض أنّ کلاًّ منهما مقدور فی حال ترک الآخر وغیر مقدور‏‎ ‎‏مع إیجاد الآخر فکلّ منهما مع ترک الآخر مقدور یحرم ترکه ویتعیّن فعله ، ومع‏‎ ‎‏إیجاد الآخر یجوز ترکه ولایعاقب علیه .‏

‏فوجوب الأخذ بأحدهما نتیجة أدلّة وجوب الامتثال ، والعمل بکلّ منهما بعد‏‎ ‎‏تقیید وجوب الامتثال بالقدرة ، وهذا ممّا یحکم به بدیهة العقل‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

وأنت خبیر :‏ بأنّه أجنبی عن الترتّب ؛ فضلاً عن الترتّبین اللذین یحکم العقل‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 448
‏بامتناعهما ؛ للزوم تقدّم الشیء علی نفسه ؛ إذ الترتّب ـ باعتبار أنّه عبارة عن تقیید‏‎ ‎‏أمر المهمّ بعصیان الأهمّ ـ تقیید فی مقام التکلیف وعلاج فی مقام الأمر ولکن التقیید‏‎ ‎‏بعدم الإتیان علاج فی مقام الامتثال والإطاعة ؛ بمعنی حکم العقل بصرف القدرة فی‏‎ ‎‏واحد منهما علی القول بالسببیة ؛ وهو تصرّف فی مقام الامتثال بلا تصرّف فی نفس‏‎ ‎‏الأدلّة ، کما عرفت تفصیله منّا والتقیید فی هذا المقام لحکم عقلی لیس للشارع‏‎ ‎‏تصرّف فیه وتعبّد بالنسبة إلیه وأین هذا من الترتّب المتقوّم باشتراط التکلیف‏‎ ‎‏بعصیان الآخر فی مقام الجعل ؟ !‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّا سلّمنا کون کلامه ناظراً إلی التصرّف فی نفس الأدلّة ، إلاّ‏‎ ‎‏أنّ الترتّب متقوّم باشتراط التکلیف بعصیان الآخر ، وما ذکره الشیخ الأعظم متقوّم‏‎ ‎‏بتقیید کلّ واحد من الدلیلین بعدم إتیان الآخر ، وکم فرق بینهما ؛ لأنّ الأوّل مناط‏‎ ‎‏الترتّب ؛ لأنّ الأمر المتعلّق بالمهمّ یتأخّر عن شرطه ، وهو یتأخّر عن نفس الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بالأهمّ ، والثانی مناط التخییر ونتیجته ، کما لایخفی .‏

‏والعجب : أنّه خلط بینهما ، إلاّ أنّ الاشتباه من الأعاظم غیر عزیز ، فافهم .‏

‏ ‏

المقدّمة الثانیة :

‏ ‏

‏أنّ الواجب المشروط لایخرج عمّا هو علیه بعد حصول شرطه ؛ لأنّ شرائط‏‎ ‎‏التکلیف کلّها ترجع إلی قیود الموضوع ، والحکم المجعول علی موضوعه لاینقلب‏‎ ‎‏عمّا هو علیه ؛ إذ لایخرج الموضوع عن کونه موضوعاً .‏

والسرّ فیه :‏ أنّ القضایا الشرعیة علی نهج القضایا الحقیقیة لا الخارجیة ،‏‎ ‎‏فالقائل بالانقلاب قوله مساوق للقول بأنّ الموضوع بعد وجوده ینسلخ عن‏‎ ‎‏موضوعیته .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 449
‏ولا یبعد أن یکون ذلک من جهة خلط موضوع الحکم بداعی الجعل وعلّة‏‎ ‎‏التشریع بتوهّم أنّ شرط التکلیف خارج من موضوعه ، بل هو من قبیل الداعی‏‎ ‎‏لجعل الحکم علی موضوعه ، فبعد وجوده یتعلّق الحکم بموضوعه ، ولا یبقی‏‎ ‎‏للاشتراط مجال .‏

‏وقد بیّنا أنّ کون شرط الحکم من قبیل دواعی الجعل یبتنی علی أن تکون‏‎ ‎‏القضایا المتکفّلة لبیان الأحکام الشرعیة من قبیل الإخبار من إنشاء تکالیف عدیدة ،‏‎ ‎‏یتعلّق کلّ واحد منها بمکلّف خاصّ عند تحقّق شرطه .‏

‏والمحقّق الخراسانی ـ مع اعترافه برجوع الشرط إلی الموضوع‏‎[7]‎‏ ـ ذهب فی‏‎ ‎‏جملة من الموارد إلی کون الشرط من علل التشریع ، وهذا الخلط وقع فی جملة من‏‎ ‎‏المباحث ؛ منها هذا المقام‏‎[8]‎‏ ؛ فإنّه توهّم فیه أنّه بعد عصیان الأمر بالأهمّ یکون‏‎ ‎‏الأمر بالمهمّ مطلقاً‏‎[9]‎‏ ، انتهی بتلخیص .‏

قلت وفیه أمّا أوّلاً :‏ فإنّ بقاء الواجب المشروط علی ما هو علیه بعد حصول‏‎ ‎‏شرطه لایحتاج إلی ما أتعب به نفسه الشریفة ؛ لأنّک قد عرفت أنّ القیود بحسب‏‎ ‎‏نفس الأمر علی قسمین :‏

‏قسم یرجع إلی المادّة والمتعلّق ؛ بحیث لایعقل إرجاعه إلی الحکم والإرادة ،‏‎ ‎‏کما إذا تعلّق بالصلاة فی المسجد غرض مطلق ، فالوجوب المطلق توجّه إلی الصلاة‏‎ ‎‏فی المسجد ، فیجب علی العبد بناء المسجد والصلاة فیه .‏

‏وقسم یرجع إلی الوجوب والحکم ، ولا یعقل عکسه ، کما إذا لم یتعلّق بإکرام‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 450
‏الضیف غرض معتدّ به ، بل ربّما یبغض الضیف ؛ فضلاً عن إکرامه ، إلاّ أنّه إذا ألمّ به‏‎ ‎‏ونزل فی بیته یتعلّق به الغرض ، ویحکم علی عبیده بأن یکرموه إذا نزل .‏

‏فالقید ـ حینئذٍ ـ قید لنفس التکلیف ، لایعقل إرجاعه إلی المادّة ؛ لأنّه یستلزم‏‎ ‎‏أن یتعلّق بإکرامه إرادة مطلقة ، فیجب علیهم تحصیل الضیف وإنزال الضیف فی بیته ،‏‎ ‎‏وقد فصّلنا ذلک فی محلّه‏‎[10]‎‏ .‏

‏فحینئذٍ : فالقائل بصیرورة الحکم المشروط مطلقاً إمّا أن یقول بتبدّل الإرادة‏‎ ‎‏إلی اُخری ، وذلک مستحیل فی حقّه تعالی ؛ لاستلزامه التغیّر فی ذاته ، سبحانه تعالی‏‎ ‎‏عن وصمة الحدوث والتغیّر ، بل یمتنع فی حقّ غیره ؛ لأنّها بسیطة والبسائط‏‎ ‎‏لایمکن أن یدخلها التبدّل .‏

‏و إمّا أن یقول بتعلّق إرادة جدیدة بالحکم رأساً ، وهو أیضاً مستحیل ؛ لامتناع‏‎ ‎‏تجدّد الأحوال فیه تعالی ، مع أنّه خروج من الفرض ـ أعنی صیرورة المشروط‏‎ ‎‏مطلقاً ـ لأنّه تجدّد إرادة لاصیرورة إرادة مشروطة إرادة مطلقة .‏

‏وإمّا أن یقول بتبدّل إرادة التشریع بالاُخری ، وذلک أیضاً مستحیل ؛ لما ذکر‏‎ ‎‏ولانتهاء أمد التشریع بتحقّقه . فلا یبقی إرادة تشریعیة حتّی تتبدّل ، لو فرض جواز‏‎ ‎‏هذه الاُمور فی حقّه تعالی .‏

‏وتوهّم : أنّ معنی الصیرورة هو تبدّل الحکم المنشأ علی نحو المشروط إلی‏‎ ‎‏الإطلاق باطل ؛ لأنّ ما شرّع وإن کان أمراً اعتباریاً إلاّ أنّه لاینقلب عمّا هـو علیه‏‎ ‎‏إلاّ باعتبار جـدید ؛ وهـو إنشاء حکم آخـر مطلق بعد حصول المشروط ، لکنّـه‏‎ ‎‏خلاف المفروض .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 451
‏وبالجملة : خروج الحکم المجعول عمّا هو علیه لا معنی معقول له . نعم قبل‏‎ ‎‏تحقّق الشرط لم یأن آن امتثاله ، وبعده یحضر وقت امتثاله ویصیر حجّة علی العبد‏‎ ‎‏مع کونه مشروطاً .‏

‏فظهر : أنّ ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ من إرجاع شرائط الحکم إلی الموضوع تبعید للمسافة ،‏‎ ‎‏بلا توقّف للمطلوب علیه .‏

وثانیاً :‏ أنّ إرجاع جمیع الشروط إلی الموضوع یستلزم إلغاء ما هو الدائر بین‏‎ ‎‏العقلاء ؛ من إنشاء الحکم علی قسمین ، بل ظهور الإرادة علی ضربین ، وقد عرفت‏‎ ‎‏أنّ اختلاف الواجب المشروط والمطلق لبّی واقعی ثبوتی‏‎[11]‎‏ ، فلا یجوز الإرجاع بعد‏‎ ‎‏کون کلّ واحد معتبراً لدی العرف ، بل بینهما اختلاف فی الآثار المطلوبة منهما فی‏‎ ‎‏باب الأحکام .‏

‏فعلی ما ذکره یتفاوت الرأی فی بقاء الموضوع وعدمه علی القول بشرطیة‏‎ ‎‏بقاء الموضوع فی جریان الاستصحاب ؛ وإن کان ما ذکروا فی ذلک المقام من‏‎ ‎‏شرطیة بقائه‏‎[12]‎‏ خلاف التحقیق عندنا‏‎[13]‎‏ کما سیوافیک بإذنه تعالی ؛ لأنّ إرجاع‏‎ ‎‏الشرط إلی الموضوع وجعله من قیوده یوجب التفاوت فی بقاء الموضوع ، بخلاف‏‎ ‎‏ما إذا قلنا بعدم إرجاع الشرط إلی الموضوع وجعلناه من قیود الحکم ، فیختلف‏‎ ‎‏الأنظار فی جریانه وعدمه ، وسیوافیک أنّ القیود الدخیلة فی جعل الحکم کلّیاً کلّها‏‎ ‎‏من مقوّمات الموضوع لا من حالاته ، فارتقب .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 452
‏فإن قلت : إنّ لازم ذلک کون کلّ من السبب والشرط أمراً تکوینیاً مؤثّراً فی‏‎ ‎‏المسبّب والمشروط تکویناً ، وعلیه فیخرج زمام أمرهما من ید الشارع ، وهو واضح‏‎ ‎‏الفساد .‏

‏قلت : إنّ جعل السببیة والشرطیة تشریعاً لشیء ، وإن شئت قلت : إنّ اعتبار‏‎ ‎‏السببیة والشرطیة لشیء لایوجب انقلاب التشریع إلی التکوین ، ولا خروج الأمر‏‎ ‎‏من ید الجاعل ، کما هو واضح ؛ لأنّ الاعتبار وضعه ورفعه ونسخه وإبقاؤه فی یده .‏

‏نعم ، لو اعتبر الشیء سبباً أو شرطاً لایجوز له التخلّف عمّا جعل ، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏اللغویة فی الاعتبار . اللهمّ إذا أراد نسخه ، وهو خلاف المفروض .‏

‏والحاصل : أنّه لا وجه لرفع الید عن الظواهر بغیر دلیل ، هذا بناءً علی جعل‏‎ ‎‏السببیة والشرطیة ، وأمّا بناءً علی جعل الحکم مترتّباً علی شیء فالأمر أوضح .‏

وثالثاً :‏ أنّ ما ذکره من توهّم الخلط بین موضوع الحکم وبین داعی الجعل‏‎ ‎‏وعلّة التشریع ؛ بتوهّم أنّ شرائط التکلیف من قبیل الداعی لجعل الحکم واضح‏‎ ‎‏البطلان ؛ لأنّ الأمر لیس منحصراً فی کون الشیء من قیود الموضوع ؛ أعنی المکلّف‏‎ ‎‏البالغ العاقل ، أو من دواعی الجعل التی هی غایات التشریع وجعل الحکم .‏

‏بل هنا أمر ثالث ؛ أعنی کون الشیء من قیود المتعلّق ؛ أعنی نفس الصلاة ،‏‎ ‎‏کما مثّلناه من إیجاب الصلاة فی المسجد علی عبیده .‏

‏وأمر رابع ؛ وهو أن یکون من شروط الحکم والمجعول ، کما فی المثال الثانی‏‎ ‎‏«إذا جاءک الضیف أکرمه» .‏

‏والحاصل : أنّ شرائط التکلیف غیر قیود الموضوع وغیر دواعی الجعل ،‏‎ ‎‏ولیست من قیود المتعلّق بل من شرائط المجعول ، وهو ‏‏رحمه الله‏‏ خلط بین شرائط‏‎ ‎‏المجعول ودواعی الجعل ، مع أنّهما مفترقان ؛ لأنّ دواعی الجعل هی غایات جعل‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 453
‏الأحکام ـ وضعیة کانت أو تکلیفیة ، مطلقة کانت أو مشروطة ـ وشرائط التکلیف‏‎ ‎‏ـ أی المجعول الاعتباری ـ ما یکون الحکم معلّقاً علیه ومنوطاً به ، وهی غیر‏‎ ‎‏مربوطة بقیود الموضوع ودواعی الجعل وقیود المتعلّق ، بل إرجاع الشرائط إلی قیود‏‎ ‎‏الموضوع یرجع إلی إنکار الواجب المشروط .‏

‏ثمّ إنّ کون القضایا حقیقیة لا خارجیة أجنبی عن المطلب ، کما أنّ القول‏‎ ‎‏بالانقلاب أجنبی عن انسلاخ الموضوع عن الموضوعیة ، کما یظهر بالتأمّل ،‏‎ ‎‏والتطویل موجب للملال .‏

‏ ‏

المقدّمة الثالثة :

‏ ‏

‏التی هی أهمّ المقدّمات عندنا فی استنباط الترتّب ، وعلیها یدور رحاه ـ وإن‏‎ ‎‏ظنّ القائل أنّها غیر مهمّة ـ وهی أنّ المضیّق علی قسمین :‏

قسم ‏اُخذ فیه الشیء شرطاً للتکلیف بلحاظ حال الانقضاء ، کالقصاص‏‎ ‎‏والحدود ؛ فإنّ القصاص مترتّب علی مضی القتل وانقضائه ؛ ولو آناً ما .‏

وقسم‏ اُخذ فیه الشیء شرطاً بلحاظ حال وجوده ، فیثبت التکلیف مقارناً‏‎ ‎‏لوجود الشرط ، ولا یتوقّف ثبوته علی انقضائه ، بل یتّحد زمان وجود الشرط وزمان‏‎ ‎‏التکلیف وزمان الامتثال ، کأغلب الواجبات المضیّقة ، کالصوم .‏

‏ففی مثله یستحیل تخلّف التکلیف عن الشرط ـ ولو آناً ما ـ لما عرفت من‏‎ ‎‏رجوع کلّ شرط إلی الموضوع . ونسبة الموضوع إلی الحکم نسبة العلّة إلی‏‎ ‎‏المعلول ؛ فلازم التخلّف إمّا عدم موضوعیة ما فرض موضوعاً للحکم ، أو تخلّف‏‎ ‎‏الحکم عن موضوعه .‏

‏وکذا یستحیل تخلّف زمان الامتثال عن التکلیف ؛ لأنّ التکلیف یقتضی‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 454
‏الامتثال . فنسبة اقتضاء التکلیف للحرکة کنسبة اقتضاء حرکة الید لحرکة المفتاح .‏‎ ‎‏نعم الفرق بین المقام والعلل التکوینیة هو دخل العلم والإرادة فی الامتثال ، دون‏‎ ‎‏العلل التکوینیة .‏

‏وبالجملة : مقتضی البرهان : هو أن لایتخلّف التکلیف عن الشرط ولا‏‎ ‎‏الامتثال عن التکلیف زماناً ، بل یتقارنان فی الزمان ؛ وإن کان بینهما تقدّم وتأخّر‏‎ ‎‏رتبی .‏

إلی أن قال :‏ إذا عرفت ذلک ظهر لک دفع بعض الإشکالات فی المقام :‏

‏منها : أنّه یتوقّف صحّة الخطاب الترتّبی علی صحّة الواجب المعلّق .‏

‏وأجاب عنه : بأنّ ذلک مبنی علی مبنی فاسد ؛ وهو لزوم تأخّر زمان الامتثال‏‎ ‎‏عن الأمر ، وقد عرفت فساده .‏

‏ومنها : أنّ خطاب المهمّ لو کان مشروطاً بنفس عصیان الأهمّ لزم خروج‏‎ ‎‏المقام عن الترتّب ، ولو کان مشروطاً بعنوان انتزاعی ؛ أی کون المکلّف ممّن یعصی‏‎ ‎‏یلزم الأمر بالجمع بین الضدّین ، وهو محال .‏

‏وأجاب عنه : بأنّا نختار الشقّ الأوّل ، وتوهّم استلزامه تأخّر طلب المهمّ عن‏‎ ‎‏عصیان الأمر بالأهمّ زماناً إنّما یتمّ علی القول بلزوم تأخّر الخطاب عن شرطـه ،‏‎ ‎‏وأمّا علی ما حقّقناه من مقارنة الخطاب بوجود شرطه فلابدّ من فعلیة خطاب المهمّ‏‎ ‎‏فی زمان عصیان خطاب الأهمّ ، بلا تقدّم وتأخّر بینهما خارجاً .‏

‏ونختار الشقّ الثانی ، ولایلزم منه طلب الجمع بین الضدّین ؛ بداهة أنّ عنوان‏‎ ‎‏التعقّب بالمعصیة إنّما ینتزع من المکلّف بلحاظ تحقّق عصیانه فی ظرفه المتأخّر ،‏‎ ‎‏فإذا فرض وجود المعصیة فی ظرفها وکون التعقب بها شرطاً لخطاب المهمّ فیکون‏‎ ‎‏الحال فیه بعینه الحال فی فرض کون نفس العصیان شرطاً لطلب المهمّ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 455
‏وبالجملة : فرض تحقّق امتثال طلب الأهمّ فی ظرفه هادم لشرط خطاب‏‎ ‎‏المهمّ ، فکیف یمکن أن یکون المهمّ مطلوباً فی ظرف وجود الأهمّ لیرجع الأمر إلی‏‎ ‎‏طلب الجمع بین الضدّین‏‎[14]‎‏ ؟ انتهی .‏

أقول :‏ ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ من عدم تأخّر الحکم عن شرطه زماناً متین جدّاً ؛ سواء‏‎ ‎‏جعلت الشرائط من قیود الموضوع أم لا ، ولو فرضنا صحّة مدّعاه الثانی أیضاً‏‎ ‎‏ـ وهی عدم إمکان تخلّف البعث عن اقتضاء الانبعاث زماناً ـ وأنکرنا الواجب‏‎ ‎‏التعلیقی لما کان یجدیه أصلاً ، لأنّ ما أجاب به عن الإشکال الواقع فی کلامـه من‏‎ ‎‏أنّ خطاب المهمّ لو کان مشروطاً بنفس عصیان الأهمّ لزم خروج المقام عن‏‎ ‎‏الترتّب . . . إلی آخره لایخلو عن خلط .‏

وتوضیحه :‏ أنّ کلّ شرط إنّما یتقدّم رتبة علی مشروطه فی ظرف تحقّقه‏‎ ‎‏لا حال عدمه .‏

‏وبعبارة اُخری : أنّ الشرط بوجوده یتقدّم علی المشروط ؛ تقدّماً رتبیاً ، فقبل‏‎ ‎‏وجود الشرط لایمکن تحقّق المشروط بالضرورة . فحینئذٍ یلاحظ : فإن کان الشرط‏‎ ‎‏أمراً زمانیاً فلابدّ من تحقّقه فی زمانه حتّی یتحقّق بعده مشروطه بلا فترة بینهما ،‏‎ ‎‏وکذا لو کان غیر زمانی .‏

‏فإذا فرضنا واجبین مضیّقین أحدهما أهمّ ، کإنقاذ الابن فی أوّل الزوال ،‏‎ ‎‏وإنقاذ العمّ فی أوّله أیضاً ، ویکون ظرف إنقاذ کلّ منهما ساعة بلا نقیصة ولا زیادة ،‏‎ ‎‏فمع أمر المولی بإنقاذ الابن مطلقاً لایعقل تعلّق أمره بإنقاذ العمّ ؛ مشروطاً بعصیان‏‎ ‎‏أمر الأهمّ ؛ لأنّ العصیان عبارة عن ترک المأمور به بلا عذر فی مقدار من الوقت‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 456
‏یتعذّر علیه الإتیان بعد ، ولا محالة یکون ذلک فی زمان ، ولا یعقل أن یکون الترک‏‎ ‎‏فی غیر الزمان محقّقاً للمعصیة ؛ لعدم تحقّق الفوت به .‏

‏ففوت الأهمّ المحقّق لشرط المهمّ لایتحقّق إلاّ بمضیّ زمان لایتمکّن المکلّف‏‎ ‎‏بعده من إطاعة أمره ، ومضیّ هذا الزمان کما أنّه محقّق فوت الأهمّ محقّق فوت‏‎ ‎‏المهمّ أیضاً . فلا یعقل تعلّق الأمر بالمهمّ فی ظرف فوته ؛ ولو فرض الإتیان به قبل‏‎ ‎‏عصیان الأهمّ یکون بلا أمر ، وهو خلاف مقصود القائل بالترتّب .‏

وبالجملة :‏ قد وقع الخلط فی کلامه بین عدم تخلّف الشرط عن التکلیف‏‎ ‎‏وعدم تخلّف التکلیف عن اقتضاء الانبعاث ، وبین لزوم کون الشرط بوجوده مقدّماً‏‎ ‎‏علی المشروط وظنّ أنّ التقدّم الرتبی یدفع الإشکال غفلة عن أنّ العصیان ما لم‏‎ ‎‏یتحقّق لایعقل تعلّق الأمر بالمهمّ ؛ لامتناع تحقّق المشروط قبل شرطه ، وبتحقّقه‏‎ ‎‏یفوت وقتی الأهمّ والمهمّ فی المضیّقین . ولو فرض زمان إطاعة المهمّ بعد زمان‏‎ ‎‏عصیان الأهمّ یخرج عن فرض الترتّب .‏

‏والعجب : أنّه تنبّه للإشکال وتخیّل أنّ التأخّر الرتبی یدفعه ، مع أنّه لایندفع‏‎ ‎‏إلاّ بصیرورة العصیان غیر زمانی . علی أنّه لا معنی للعصیان الرتبی ؛ لأنّ ترک‏‎ ‎‏المأمور به إلی أن یفوته ویتعذّر علیه لایکون إلاّ فی الزمان ، ویعدّ من الاُمور‏‎ ‎‏الزمانیة لا الرتب العقلیة ، کما هو واضح .‏

وبذلک ظهر لک ما أوعزنا إلیه :‏ من أنّ إصلاح هذه المقدّمة من أهمّ‏‎ ‎‏المقدّمات ، وإن ظنّه المستدلّ غیر مهمّ ، وإلاّ فما ذکرنا من الإشکال یهدم أساس‏‎ ‎‏الترتّب ؛ سواء کان الواجبان مضیّقین أم مضیّقاً وموسّعاً :‏

‏أمّا الأوّل فقد عرفت ، وأمّا الثانی فبعین ما ذکرناه ؛ لأنّه إذا فرض کون‏‎ ‎‏أحدهما موسّعاً لکن یکون أوّل زمانه أوّل الزوال الذی هو ظرف إتیان المضیّق .‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 457
‏فحینئذٍ لا یعقل تعلّق الأمر بالموسّع أوّل الزوال مشروطاً بعصیان المضیّق ؛ لما‏‎ ‎‏عرفت من أنّ العصیان عبارة عن ترک المأمور به فی مقدار من الزمان الذی یفوت‏‎ ‎‏بمضیّه الأهمّ ، فلابدّ من تعلّق الأمر بالموسّع بعد مضیّ زمان یتحقّق به العصیان ،‏‎ ‎‏وهو یهدم أساس الترتّب .‏

‏وکذا الحال لو فرض أنّ العصیان آنی الوجود ؛ لأنّه قبل مضیّ هذا الآن لا‏‎ ‎‏یتحقّق شرط المهمّ ، فیکون ظرف تحقّق أمر الأهمّ فقط ، وبتحقّق هذا الآن سقط‏‎ ‎‏أمر الأهمّ بحصول العصیان ومضیّ أمد اقتضائه ، ولایعقل بقاؤه علی فعلیته بعد‏‎ ‎‏عصیانه ومضیّ وقته .‏

‏فظهر : أنّ تفویت متعلّق الأهمّ فی آنٍ متقدّم علی تعلّق أمر المهمّ ، ولکن‏‎ ‎‏سقوط أمر الأهمّ وثبوت أمر المهمّ فی رتبة واحدة أو آنٍ واحد ، فأین اجتماعهما ؟‏

‏وإن شئت قلت : إنّ اجتماعهما مستلزم لتقدّم المشروط علی شرطه ، أو بقاء‏‎ ‎‏فعلیة الأمر بعد عصیانه ومضیّ وقته ، وکلاهما باطلان . هذا کلّه إذا کان العصیان‏‎ ‎‏بوجوده الخارجی شرطاً ، کما أصرّ به المستدلّ .‏

‏وأمّا إذا کان العنوان الانتزاعی کـ ـ الذی یعصی ـ شرطاً فلا إشکال فی لزوم‏‎ ‎‏مفسدة طلب الجمع ؛ لأنّ العنوان الانتزاعی ثابت للمکلّف من أوّل الأمر . فأوّل‏‎ ‎‏زمان ظرف الامتثال یکون أمر المهمّ فعلیاً لحصول شرطه ، ولایکون أمر الأهمّ‏‎ ‎‏ساقطاً ؛ لعدم الامتثال وعدم مضیّ وقته .‏

‏فلا محالة یتوجّه إلی المکلّف أمران فعلیان : أحدهما بعنوان «الذی یعصی» ،‏‎ ‎‏فیأمره بإنقاذ العمّ فی أوّل الزوال ، وثانیهما بعنوان آخر ، فیأمره بإنقاذ الابن فیه .‏

‏ومجرّد أخذ العنوان الانتزاعی من العاصی بلحاظ ظرف العصیان لایدفع‏‎ ‎‏التضادّ ؛ لأنّ ملاک دفع التضادّ بین أمر المهمّ المشروط بالعصیان وأمر الأهمّ لیس إلاّ‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 458
‏عدم اجتماعهما فی آنٍ واحد ، لاکونهما فی رتبتین کما زعمه المستدلّ . وسیأتی‏‎ ‎‏فساده فی المقدّمة التالیة ، وعند التعرّض لبعض أمثلة الترتّب ، فارتقب .‏

‏ ‏

المقدّمة الرابعة :

‏ ‏

‏وقد عدّها المستدلّ من أهمّ المقدّمات ، وذکر أنّه علیها یبتنی أساس الترتّب ،‏‎ ‎‏وسیتّضح عدم دخالتها فی رفع الإشکال .‏

ومحصّلها :‏ أنّ انحفاظ کلّ خطاب بالنسبة إلی ما یتصوّر من التقادیر علی‏‎ ‎‏أنحاء :‏

الأوّل :‏ ما یکون انحفاظه بالإطلاق والتقیید اللحاظی ، وذلک بالنسبة إلی کلّ‏‎ ‎‏تقدیر یمکن لحاظه عند الخطاب ؛ وهی التقادیر المتصوّرة فی المتعلّق مع قطع النظر‏‎ ‎‏عن الخطاب ، کقیام زید وقعوده ؛ حیث یکون الأمر بالصلاة محفوظاً عنده‏‎ ‎‏بالإطلاق اللحاظی ، وکالوقت حیث یکون الأمر محفوظاً معه بالتقیید اللحاظی .‏

الثانی :‏ أن یکون الانحفاظ بنتیجة الإطلاق والتقیید ، کالتقادیر التی تلحق‏‎ ‎‏المتعلّق بعد تعلّق الخطاب به ، کالجهل والعلم بالخطاب ، فلا یمکن فیها الإطلاق‏‎ ‎‏والتقیید اللحاظی ، بل لابدّ : إمّا من نتیجة الإطلاق ، کما فی العلم والجهل بالحکم‏‎ ‎‏بعد قیام الضرورة والأدلّة علی اشتراک العالم والجاهل بالأحکام وامتناع الإهمال‏‎ ‎‏الثبوتی . وإمّا أن یکون الملاک محفوظاً فی تقدیر خاصّ ، فلابدّ من نتیجة التقیید .‏

الثالث :‏ ما کان انحفاظ الخطاب لا بالإطلاق والتقیید اللحاظی ولا بنتیجة‏‎ ‎‏الإطلاق والتقیید ، وذلک فی التقدیر الذی یقتضیه نفس الخطاب ؛ وهو الفعل والترک ؛‏‎ ‎‏حیث یکون انحفاظ الخطاب فی حالتی الفعل والترک بنفسه لا بإطلاقه ـ لحاظاً أو‏‎ ‎‏نتیجةً ـ إذ لا یعقل الإطلاق والتقیید بالنسبة إلیهما ، بل یؤخذ المتعلّق معرّی عن‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 459
‏حیثیتهما ؛ لأنّه مع التقیید بالفعل یلزم طلب الحاصل ، ومع التقیید بالترک یلزم طلب‏‎ ‎‏الجمع بین النقیضین ، ومع الإطلاق کلا المحذورین .‏

‏فلیس فی الخطاب بالنسبـة إلیهما إطلاق وتقیید مطلقاً ، ولکـن مع ذلک‏‎ ‎‏یکون الخطاب محفوظاً بالاقتضاء الذاتی فی کلتا الحالتین ما لم یتحقّق‏‎ ‎‏العصیان والطاعة .‏

والفرق بین هذا القسم والسابقین من وجهین :

‏الأوّل :‏‏ أنّ نسبـة تلک التقادیر السابقة إلی الخطاب نسبة العلّة إلی المعلول ؛‏‎ ‎‏لمکان رجوعهـا إلی  قیود الموضوع ؛ وهـی تتقدّم علی الحکم تقدّم العلّـة علی‏‎ ‎‏المعلول . والإطلاق أیضاً یجـری مجری العلّة ؛ مـن حیث إنّ الإطلاق والتقیید فـی‏‎ ‎‏رتبة واحـدة ، فالإطلاق فی رتبـة علّة الحکم . وهـذا بخلاف تقدیری فعل المتعلّق‏‎ ‎‏وترکـه ؛ فإنّ هـذا التقدیر معلول الخطاب ؛ لأنّ الخطـاب یقتضی فعل المتعلّق‏‎ ‎‏ویمنع ترکه .‏

الثانی :‏ أنّ الخطاب فی التقادیر السابقة یکون متعرّضاً لبیان أمر آخر‏‎ ‎‏غیر تلک التقادیر ، غایته أنّه تعرّض عند وجودها ، وهذا بخلاف تقدیری الفعل‏‎ ‎‏والترک ؛ فإنّ الخطاب بنفسه متکفّل لبیان هذا التقدیر ؛ حیث إنّه یقتضی فعل المتعلّق‏‎ ‎‏وعدم ترکه .‏

إذا عرفت ذلک فاعلم :‏ أنّـه یترتّب علی مـا ذکرنا طولیة الخطابین ؛ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ خطاب الأهمّ یکون متعرّضاً لموضوع خطاب المهمّ ومقتضیاً لهدمه ورفعه‏‎ ‎‏تشریعاً ؛ لأنّ موضـوع خطاب المهمّ هـو عصیان خطاب الأهمّ . فالأهـمّ یقتضی‏‎ ‎‏طـرد موضوع المهمّ ، والمهمّ لایتعرّض لموضوعـه ، ولیس بینهما مطاردة ، ولیسا‏‎ ‎‏فی رتبة واحـدة ، بل خطاب الأهـمّ مقدّم علی خطاب المهمّ برتبتین أو ثلاث ،‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 460
‏ومـع هـذا الاختلاف فی الرتبـة لایعقل عرضیتهما‏‎[15]‎‏ ، انتهی .‏

أقول :‏ لایذهب علیک أنّ فی هذه المقدّمة مواقع للنظر ، نذکر مهمّاتها :‏

الأوّل :‏ أنّ تقسیم الإطلاق والتقیید إلی اللحاظی وما هو نتیجتهما ، والفرق‏‎ ‎‏بینهما بأنّ نتیجة الإطلاق لابدّ فی إثباتها من دلیل آخر ممّا لا طائل تحته ، غیر أنّه‏‎ ‎‏تکثیر فی التقسیم والاصطلاح ، وتشویش للأذهان ؛ إذ الإطلاق ـ کما فی اللغة‏‎ ‎‏والعرف ـ هو المسترسل من القید مقابل التقیید ، وفی الاصطلاح جعل طبیعة ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏متعلّقاً أو موضوعاً للحکم ، من غیر تقییدها بقید ، وهو لایتقوّم باللحاظ أو بإرسال‏‎ ‎‏الطبیعة ساریة فی المصادیق ، بل یتقوّم بجعلها موضوعاً للحکم بلا قید .‏

‏وبذلک یبطل تقسیمه إلی ما یمکن لحاظه عند الخطاب وإلی مالا یمکن ؛ إذ‏‎ ‎‏قد عرفت أنّ اللحاظ وإمکانه أمر زائد علی الإطلاق ؛ لأنّ محور الاحتجاج بین‏‎ ‎‏الموالی والعبید هو جعل الشیء موضوعاً للحکم بلا قید ، من غیر توجّه إلی أنّ‏‎ ‎‏المقنّن أو الحاکم أرسل الموضوع فی المصادیق ولاحظه بالنسبة إلی التقادیر‏‎ ‎‏المتصوّرة فی المتعلّق ، مع قطع النظر عن الخطاب أولا ، بل لحاظ الإرسال والتقادیر‏‎ ‎‏ـ علی فرض إمکانه ـ مضرّ بالإطلاق .‏

‏فالحکم فی الإطلاق لیس إلاّ علی نفس الطبیعة بلا قید ، ولایکون الحاکم‏‎ ‎‏ناظراً إلاّ إلی موضوع حکمه ، فلحاظ التقادیر لو أمکن یهدم أساس الإطلاق .‏

‏وبعبارة اُخری : إذا قال القائل یجب علی المظاهر عتق رقبة ، ولم یقیّدها‏‎ ‎‏بشیء یحکم العقلاء بأنّ تمام الموضوع للوجوب عتق الرقبـة ، مـن غیر دخالـة‏‎ ‎‏شـیء ، ویقال : إنّ الظهار سبب لوجوب العتق مـن غیر قید ، فملاک الاحتجاج هـو‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 461
‏أخـذ شیء سبباً أو متعلّقاً أو موضـوعاً بلا قید .‏

‏وبه یظهر : أنّ الاحتجاج به لیس لأجل أنّه من الدلالات اللفظیة ، بل لأجل‏‎ ‎‏أنّ المتکلّم بما أنّ بیده زمام البیان ، وهو عاقل مختار فی وضع ما یطلبه ورفع ما‏‎ ‎‏لایطلبه لابدّ أن یکشف عن مقصوده ویصرّح به ویجمع ما له دخل من قیوده ؛ فلو‏‎ ‎‏کان قید دخیلاً فی غرضه لأتی به وبیّنه ؛ إمّا فی ضمن هذا الدلیل أو بدلیل منفصل ؛‏‎ ‎‏وحیث لم یأت به ـ لا فی ضمن هذا الدلیل ولا بدلیل آخر ـ یحکم العقل بأنّ ما‏‎ ‎‏وقع موضوعاً تمام المطلوب لا بعضه ، فیصیر من الدلالات العقلیة ، وسیجیء فی‏‎ ‎‏المطلق والمقیّد زیادة توضیح لذلک .‏

‏بل لو سلّم عدم إمکان التقیید بما یتأخّر عن الحکم فی هذا الحکم لایضرّ‏‎ ‎‏ذلک بجواز التمسّک بالإطلاق ، بعد إمکان بیان القید بدلیل آخر ، فلا نحتاج فی‏‎ ‎‏تسویة العالم والجاهل فی الأحکام إلی التمسّک بالإجماع ، بل التمسّک بإطلاق‏‎ ‎‏الأدلّة کافٍ فی إثبات المطلوب ، ولیس الشرط إمکان بیانه فی الخطاب الأوّل ، بل‏‎ ‎‏تمکّن المولی من بیانه بأیّ خطاب شاء .‏

‏لایقال : فرق بین ما یمکن التقیید به فی اللفظ وبین غیره ؛ بأنّ الأوّل إطلاق‏‎ ‎‏لفظی والآخر حالی .‏

‏لأنّا نقول : کأنّک غفلت عن أنّ الإطلاق لیس من المفاهیم التی یدلّ علیها‏‎ ‎‏اللفظ حتّی نجعله قسمین . أضف إلی ذلک : أنّه لایضرّ بالمطلوب ؛ لجواز التمسّک‏‎ ‎‏بالإطلاق الحالی لرفع احتمال القید .‏

ثمّ‏ إنّک لو أحطت خبراً بما قدّمناه فی عدّة مواضع ـ خصوصاً فی تقیید مفاد‏‎ ‎‏الهیئة الذی یعدّ من المعانی الحرفیة ؛ حیث ذکرنا فیها : أنّ امتناع التقیید فیها ممنوع ،‏‎ ‎‏وعلی فرض تسلیمه إنّما هو فی النظرة الاُولی ، وأمّا إذا کان بنظر مستأنف ، کما هو‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 462
‏الحال فی غالب القیود فلا بأس به ـ تعلم هنا أنّه لا إشکال فی إمکان النظر‏‎ ‎‏المستأنف فی الحکم المجعول فی الکلام وتقییده بالعلم والجهل ؛ إذ لافرق فی قوله‏‎ ‎‏«اعتق رقبة مؤمنة» و«اعتق رقبة معلومة الحکم» فی جواز التقیید بالنظر‏‎ ‎‏المستأنف .‏

‏نعم ، مالایمکن التقیید فیه مطلقاً لایجوز التمسّک فیه بالإطلاق ؛ لأنّ التمسّک‏‎ ‎‏لرفع القید المحتمل وهو مع امتناعه غیر محتمل ، لا لأجل ما توهّم المستدلّ من أنّ‏‎ ‎‏الإطلاق مستلزم لفساد التقیّدین ـ یعنی فساد التقیید بالفعل والتقیید بالترک ،‏‎ ‎‏وفسادهما عبارة عن طلب الحاصل وطلب الجمع بین النقیضین ـ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الإطلاق لیس الجمع بین التقییدین حتّی یلزم ما ذکر ، بل عبارة عن عدم التقیید ؛‏‎ ‎‏أمکن ذلک أولا .‏

‏غایة الأمر : ما هو موضوع البحث فی باب الإطلاق والتقیید وموضوع‏‎ ‎‏احتجاج العقلاء هو الإطلاق الذی یمکن تقییده ؛ ولو منفصلاً ، وبین الإطلاق‏‎ ‎‏والتقیید الکذائیین شبیه العدم والملکة ، وهذا لاینافی أن یکون هنا إطلاق یکون‏‎ ‎‏النسبة بینه وبین التقیید تقابل الإیجاب والسلب ، فتبصّر .‏

الثانی :‏ أنّ ما تخیّله فی رفع غائلة إیجاب الجمع مـن کـون أمـر الأهـمّ‏‎ ‎‏والمهمّ فی رتبتین غیر مجدٍ أصلاً ؛ إذ لو کفی تأخّر خطاب المهمّ عـن الأهمّ رتبـةً‏‎ ‎‏فی رفع الغائلة مع اتّحاد زمان فعلیتهما لوجب أن یکفی مع اشتراط المهمّ‏‎ ‎‏بالإطاعة ؛ فإنّها ـ کالعصیان ـ من طوارئ أمر الأهمّ ، ولو جعلت شرطاً لصار قیداً‏‎ ‎‏للموضوع ویتقدّم علی أمـر المهمّ تقدّم الموضوع علی حکمه ، مع أنّـه لا إشکال‏‎ ‎‏فی أنّه یقتضی الجمع .‏

‏فظهر : أنّ ما هو الدافع للغائلة هو سقوط أمر الأهمّ بعصیانه ومضیّ وقته ،‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 463
‏وعدم ثبوت أمر المهمّ إلاّ بعد سقوط الأهمّ ، لا ما تخیّلوه من ترتّب الأمرین . هذا ،‏‎ ‎‏وللمقال تتمّة سیوافیک عن قریب .‏

الثالث :‏ أنّ العصیان لایکون متأخّراً رتبة عن الأمر ؛ لعدم ملاک التأخّر‏‎ ‎‏الرتبی فیه ؛ فإنّ التأخّر الرتبی إمّا من ناحیة العلّیة والمعلولیة ، أو کون شیء جزءً‏‎ ‎‏للعلّة أو جزءً للماهیة أو شرطاً للتأثیر أو التأثّر وأمثال ذلک ، وکلّها مفقودة بالنسبة‏‎ ‎‏إلی العصیان .‏

فإن قلت :‏ یمکن تقریب تأخّر العصیان عن الأمر بوجهین :‏

الأوّل :‏ أنّ الإطاعة من العوارض أو الحالات اللاحقة للأمر ، فتتأخّر عنه‏‎ ‎‏بداهة ؛ لأنّها عبارة عن الانبعاث عن البعث ، ولا إشکال فی تأخّر الانبعاث عن‏‎ ‎‏البعث تأخّر المعلول عن علّته أو جزئها بناءً علی أنّ الأمر لیس علّة تامّة للانبعاث ،‏‎ ‎‏بل العلّة هو مشارکاً مع ملکات آخر من الخوف والطمع .‏

‏وعلیه : فالعصیان وإن لم یکن نقیضاً للإطاعة ـ لأنّ نقیض کلّ شیء رفعه ـ‏‎ ‎‏إلاّ أنّه لازم للنقیض أو مصداق له ؛ إذ نقیض الإطاعة والامتثال هو عدم الإطاعة‏‎ ‎‏والامتثال ، وهو یتحقّق فی ضمن العصیان الذی هو عبارة عن ترک الامتثال بلا عذر .‏

‏وحینئذٍ : فالنقیضان ـ أعنی الإطاعة وعدمها ـ فی رتبة واحدة ، والعصیان‏‎ ‎‏مصداق للنقیض ، والماهیة ومصداقها لیستا فی رتبتین ؛ لمکان اتّحادهما الذاتی .‏

‏فیستنتج : أنّ العصیان فی رتبة نقیض الإطاعة ، ونقیض الإطاعة فی رتبتها ،‏‎ ‎‏والإطاعة ونقیضها متأخّران رتبة عن الأمر ، فهکذا العصیان ؛ لأنّ ما مع المتأخّر‏‎ ‎‏رتبة متأخّر کذلک .‏

الثانی :‏ أنّ الأمر بالأهمّ مستلزم للنهی عن ضدّه العامّ ، فالأمر به متقدّم علی‏‎ ‎‏النهی عن ترک الأهمّ ، والنهی متقدّم علی عصیانه ، والعصیان متقدّم علی أمر المهمّ ؛‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 464
‏تقدّم الموضوع علی حکمه . فظهر تأخّر أمر المهمّ عن أمر الأهمّ بثلاث مراتب .‏

‏وإن شئت قلت : الأمر بالأهمّ دافع للعصیان وعلّة لرفعه ، وعلّة الشیء متقدّمة‏‎ ‎‏علیه ، والعصیان ورفعه فی رتبة واحدة ؛ لکونهما نقیضین ، وما مع المعلول مؤخّر‏‎ ‎‏عن العلّة .‏

قلت :‏ کلا الوجهین لا یخلو من خلط ، وما قدّمناه‏‎[16]‎‏ فی إبطال کون ترک أحد‏‎ ‎‏الضدّین مقدّمة علی الآخر کافٍ فی إبطالهما ، ونشیر إلیه هنا إجمالاً ؛ وهو أنّ التقدّم‏‎ ‎‏والتأخّر الرتبیین لیسا من الاعتبارات المحضة من دون واقعیة لهما فی نفس الأمر .‏‎ ‎‏کیف ، وحکم العقل بأنّه وجد هذا فوجد ذاک بنحو تخلّل الفاء لیس إلاّ لاستشعاره‏‎ ‎‏أمراً واقعیاً وشیئاً ثبوتیاً .‏

‏فحینئذٍ : فإثبات أمر واقعی للشیء ـ کالتأخّر الرتبی ـ فرع کون الشیء‏‎ ‎‏الموصوف ذا تقرّر فی ظرفه وذا حظٍّ من الوجود .‏

‏وظرف النسبة والاتّصاف بعینه ظرف الطرفین ؛ فلو کانت واقعیاً فلا محالة‏‎ ‎‏یتّصف الطرفان بالواقعیة ، مع أنّ الواقعیة مفقودة فی النقیض ومصداقه ؛ لأنّهما أعدام‏‎ ‎‏لیس حقیقتهما سوی أنّهما لا واقعیة لهما ، وقد تقدّم‏‎[17]‎‏ أنّ کون الملکات‏‎ ‎‏والاستعدادات من مراتب الوجود لایلازم کون أعدامهما کذلک .‏

‏مع أنّ الوجه الثانی مبنی علی اقتضاء الأمر للنهی عن ترکه ، وهو باطل مبنی‏‎ ‎‏علی باطل آخر .‏

والحاصل : ‏أنّ کون النقیضین فی رتبة واحدة ممنوع تقدّم الکلام فیه‏‎[18]‎‏ ،‏‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 465
‏وکون ما مع المتأخّر رتبة متأخّراً رتبة ممنوع أیضاً ؛ لأنّ قیاس المساواة لو صحّ‏‎ ‎‏فإنّما هو فی المسائل الهندسیة ، لا فی الأحکام العقلیة التی تدور مدار وجود‏‎ ‎‏المناط ، وقد عرفت أنّ مناط التأخّر الرتبی هو ما قدّمناه ، ومع فقدانه لا وجه‏‎ ‎‏للتأخّر ، وقیاس التأخّر الرتبی الذی یدرکه العقل لأجل بعض المناطات بالتأخّر‏‎ ‎‏الزمانی قیاس مع الفارق .‏

‏نعم ، العصیان یتأخّر عن الأمر زماناً علی مسامحة ، وهو غیر التأخّر الرتبی .‏

‏وبالجملة : أنّ العصیان عبارة عن ترک المأمور به بلا عذر ، وهو معنی عدمی‏‎ ‎‏لا یمکن أن یتّصف بحیثیة وجودیة مطلقاً ، وقد تکرّر منّا أنّ القضایا الصادقة التی‏‎ ‎‏موضوعاتها اُمور عدمیة لابدّ وأن تکون من السالبة المحصّلة أو ترجع إلیها ،‏‎ ‎‏والموجبات مطلقاً لا تصدق فی الأعدام إلاّ بتأوّل ، کما فی بعض القضایا غیر‏‎ ‎‏المعتبرة ، کقولنا «العدم عدم» ، فالعصیان بما أنّه أمر عدمی لایمکن أن یتأخّر عن‏‎ ‎‏شیء أو یتقدّم علی شیء ، ولایکون موضوعاً لحکم ولا شرطاً لشیء أو مانعاً .‏

وبذلک یظهر :‏ أنّ أخذ أمر عدمی لایؤثّر ولا یتأثّر ولایوجب مصلحة ولا‏‎ ‎‏مفسدة فی الموضوع لایجتمع مع ما علیه العدلیة من کون الأحکام تابعاً لمصالح أو‏‎ ‎‏مفاسد یقتضیها موضوعاتها ، والعدم لا اقتضاء فیه ، إلاّ أن یرجع إلی مانعیة الوجود ،‏‎ ‎‏وهو غیر مجدٍ أصلاً فی المقام .‏

‏لا یقال : قولک لایکون العصیان شرطاً لحکم ولا موضوعاً مصادرة جدّاً ؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّا نری حکم العقل بوجوب الطاعة وقبح المعصیة ، فکیف حکم علی أمر‏‎ ‎‏باطل بالقبح والحرمة ؟ مع أنّه یمکن أن یقال : إنّ العصیان لیس أمراً عدمیاً ؛ وإن‏‎ ‎‏کان الأمر العدمی منطبقاً علیه ، إلاّ أنّ العصیان له حیثیة ثبوتیة یعبّر عنه بالطغیان‏‎ ‎‏تارة ، والتورّط فی الحمی اُخری ، وعدم الاعتناء بأوامر المولی ثالثة .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 466
‏وحینئذٍ : فعدم الامتثال أمر عدمی یصدق فی غیر موارد العصیان ، کما فی‏‎ ‎‏العاجز والساهی ، والعصیان أخصّ منه ، ویقرب أن یکون أمراً وجودیاً .‏

‏لأنّا نقول : إن کان المراد أنّ ترک المأمور به بلا عذر بما هو ترک موصوف‏‎ ‎‏بصفة وجودیة بحسب الواقع فهو ضروری البطلان ؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع‏‎ ‎‏ثبوت المثبت له ، وإن کان المراد أنّ العقلاء یحکمون باستحقاق العبد التارک لأمر‏‎ ‎‏مولاه بلا عذر للعقوبة فهو حقّ ، لکن لایلزم أن یکون الترک موصوفاً بصفة‏‎ ‎‏وجودیة .‏

‏وأمّا دعوی کون العصیان عبارة عن نفس تلک العناوین النفسانیة ؛ أی حالة‏‎ ‎‏الطغیان والجرأة حتّی یکون وجودیاً فهو واضح الفساد .‏

‏وأمّا کون ترک الطاعة بلا عذر لأجل حصول ملکات فی النفس فلا یوجب‏‎ ‎‏أن یکون الترک العمدی أو بلا عذر من أنحاء الوجود الخارجی .‏

‏وبالجملة : أنّ حکم العقلاء باستحقاق العبد العاصی للعقوبة لایلزم منه کون‏‎ ‎‏العصیان فی الأوامر من الاُمور الوجودیة ، أو مع کونه عدمیاً متّصفاً بأمر وجودی .‏

‏وبعد ، لابدّ من التفکیک بین حکم العقل البرهانی وحکم العقلاء والعرف‏‎ ‎‏الاستحسانی ، فتدبّر .‏

وبما ذکرنا :‏ ینهدم أساس الترتّب ؛ لأنّه مبنی علی التقدّم والتأخّر الرتبیین ،‏‎ ‎‏وهما تتحقّقان بین الأمر وإطاعته ، علی تأمّل فیه أیضاً ، ولا یحصل بین الأمر‏‎ ‎‏وعصیانه . اللهمّ إلاّ أن یجعل الموضوع من یترک المأمور به بلا عذر ، لکن مع ذلک‏‎ ‎‏لایکون التقدّم رتبیاً ، وسیجیء البحث عنه‏‎[19]‎‏ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 467

المقدّمة الخامسة :

‏ ‏

‏الموضوع للحکم إمّا غیر قابل لتصرّف من الشارع کالعقل والبلوغ أو قابل‏‎ ‎‏له ، والثانی إمّا قابل للدفع والرفع أو قابل للدفع فقط ، وعلی التقدیرین إمّا أن یکون‏‎ ‎‏قابلاً للرفع الاختیاری أیضاً أو لا ، والرفع التشریعی إمّا أن یکون بنفس التکلیف أو‏‎ ‎‏بامتثاله .‏

‏ومحلّ البحث فی الأهمّ والمهمّ هو هذا الأخیر ، وهو ما إذا کان امتثال‏‎ ‎‏التکلیف رافعاً لموضوع الآخر ؛ حیث یتحقّق اجتماع کلّ من الخطابین فی الفعلیة ؛‏‎ ‎‏لأنّه ما لم یتحقّق امتثال أحد الخطابین الذی فرضنا أنّه رافع لموضوع الآخر‏‎ ‎‏لایرتفع الخطاب الآخر ، فیجتمع الخطابان فی الزمان والفعلیة بتحقّق موضوعهما .‏

‏والتحقیق : أنّ اجتماع مثل هذین الخطابین لایوجب إیجاب الجمع ، ولابدّ‏‎ ‎‏أوّلاً من معرفة معنی الجمع وما یوجب إیجابه :‏

فنقول :‏ أمّا الجمع فهو عبارة عن اجتماع کلّ منهما فی زمان امتثال الآخر ؛‏‎ ‎‏بحیث یکون ظرف امتثالهما واحداً . وأمّا الذی یوجب الجمع فهو أحد أمرین : إمّا‏‎ ‎‏تقیید کلّ من المتعلّقین ، أو أحدهما بحال إتیان الآخـر ، و إمّا إطلاق کلّ من‏‎ ‎‏الخطابین کذلک .‏

‏والدلیل علی عدم إیجاب الجمع اُمور :‏

الأوّل :‏ أنّه لو اقتضیا إیجاب الجمع والحال هذه یلزم المحال فی طرف‏‎ ‎‏المطلوب ؛ لأنّ مطلوبیة المهمّ إنّما یکون فی ظرف عصیان الأهمّ ، فلو فرض وقوعه‏‎ ‎‏علی صفة المطلوبیة فی ظرف امتثاله ـ کما هو لازم إیجاب الجمع ـ یلزم الجمع بین‏‎ ‎‏النقیضین ؛ إذ یلزم أن لایکون مطلوباً قبل العصیان ، وأن یکون مطلوباً قبله .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 468
الثانی :‏ أنّه یلزم المحال فی طرف الطلب ؛ لأنّ خطاب الأهمّ یکون من علل‏‎ ‎‏عدم خطاب المهمّ ؛ لاقتضائه رفع موضوعه ، فلو اجتمع الخطابان فی رتبة یلزم‏‎ ‎‏اجتماع الشیء مع علّة عدمه ، أو خروج العلّة عن العلّیة ، أو خروج العدم من کونه‏‎ ‎‏عدماً ، وکلّ ذلک خلف محال .‏

الثالث :‏ أنّ البرهان المنطقی أیضاً یقتضی عدم إیجاب الجمع ؛ فإنّ الخطاب‏‎ ‎‏الترتّبی بمنزلة المنفصلة المانعة الجمع فی النسبة الطلبیة فی جانب المهمّ ، والنسبة‏‎ ‎‏التلبّسیة فی جانب الأهمّ ، فصورة القضیة هکذا : إمّا أن یکون الشخص فاعلاً‏‎ ‎‏للأهمّ ، وإمّا أن یجب علیه المهمّ ، ومعه کیف یعقل إیجاب الجمع‏‎[20]‎‏ ؟ انتهی .‏

قلت :‏ ما ذکره  ‏‏رحمه الله‏‏ لایخلو من أنظار ، والأولی عطف عنان الکلام إلی توضیح‏‎ ‎‏ما یقتضی عدم الجمع من المناط ، فلابدّ من استقصاء العناوین التی یتصوّر أخذها‏‎ ‎‏شرطاً لخطاب المهمّ أو موضوعاً له حتّی یتّضح موارد اقتضاء الجمع عن موارد عدم‏‎ ‎‏الاقتضاء ، ویتبیّن المناط فیهما .‏

فنقول :‏ الذی یمکن أن یقع شرطاً اُمور :‏

الأوّل :‏ العصیان الخارجی أو ما یساوقه خارجاً ؛ أیّ عنوان کان ، وهو وإن لم‏‎ ‎‏یلزم منه إیجاب الجمع إلاّ أنّه یوجب الخروج من بحث الترتّب .‏

توضیحه :‏ أنّه ما دام لم یتحقّق العصیان خارجاً لایکون أمر المهمّ فعلیاً ،‏‎ ‎‏وبتحقّق العصیان یسقط أمر الأهمّ ؛ لخروج متعلّقه من إمکان الإتیان به ؛ إذ مع‏‎ ‎‏إمکانه لایتحقّق العصیان ، ومع عدم إمکانه لایعقل بقاء الأمر الفعلی ، من غیر فرق‏‎ ‎‏بین کون العصیان تدریجی التحقّق أو دفعی التحقّق .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 469
‏ففی الثانی أیضاً قبل تحقّق آن المعصیة الظرف ظرف أمر الأهمّ فقط ،‏‎ ‎‏وبتحقّقه یتحقّق العصیان ویسقط أمر الأهمّ ، ویخلفه أمر المهمّ ، فأین اجتماعهما ؟‏

‏فلازم اجتماعهما فی الفعلیة : إمّا تخلّف المشروط عن شرطه بتقدّمه علیه‏‎ ‎‏ـ إن تعلّق أمر المهمّ بموضوعه قبل تحقّق المعصیة ـ أو بقاء أمر الأهمّ مع تحقّق‏‎ ‎‏المعصیة وعجز المکلّف عن الإتیان به ، وهما محالان .‏

‏وأمّا توهّم کـون العصیان فی الرتبة العقلیـة شرطاً فواضـح الفساد ؛ لأنّ‏‎ ‎‏العصیان ترک المأمـور به بلا عذر خارجاً ، ولا ربط له بالرتبة العقلیة ، وهذا‏‎ ‎‏الإشکال وارد أیضاً علی من جعل الشرط شیئاً یکون مساوقاً للعصیان خارجاً ،‏‎ ‎‏طابق النعل بالنعل .‏

الثانی :‏ جعل الشرط التلبّس بالعصیان بمعنی الأخذ والشروع فیه .‏

ویرد علیه أوّلاً :‏ أنّ العصیان فیما نحن فیه لیس من الاُمور الممتدّة أو المرکّبة‏‎ ‎‏ممّا یتصوّر فیه الأخذ والشروع ، بل إذا ترک المأمور به إلی حدّ سلب القدرة ینتزع‏‎ ‎‏منه العصیان فی آن سلب القدرة ، ولاینتزع قبله . فتحقّق العصیان آنی ؛ وإن کان‏‎ ‎‏محتاجاً فی بعض الأحیان إلی مضیّ زمان حتّی تسلب القدرة . فالعصیان بنفسه‏‎ ‎‏لایکون متدرّج الوجود حتّی یتأ تّی فیه الشروع والختم .‏

وثانیاً :‏ أنّ الشروع فیه إمّا محقّق للعصیان أولا ، ولا ثالث لهما . والأوّل هو‏‎ ‎‏القسم الأوّل ؛ أعنی کون العصیان الخارجی شرطاً ، وقد عرفت بطلانه ، والثانی‏‎ ‎‏حکمه حکم القسم الذی سیوافیک بیانه ؛ أعنی ما إذا کان الأمر الانتزاعی من‏‎ ‎‏العصیان الخارجی شرطاً .‏

‏وبالجملة : التعبیر بالتلبّس کرّ علی ما فرّ منه ، کما تشبّث به المستدلّ فی‏‎ ‎‏خلال کلامه علی ما فی تقریر تلمیذه ومقرّر بحثه ؛ لأنّ التلبّس بالعصیان والشروع‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 470
‏فیه إن کان عصیاناً بالحمل الشائع فلازمه سقوط أمر الأهمّ ، فیخرج من بحث‏‎ ‎‏الترتّب ، وإن کان غیر عصیان فالأمران باقیان فی الباعثیة والفعلیة ، مع أنّ المکلّف‏‎ ‎‏لایقدر علی جمعهما وإیجادهما فی زمان واحد ، وسیأتی زیادة توضیح لذلک فی‏‎ ‎‏القسم الآتی .‏

الثالث :‏ أن یکون الشرط أمراً انتزاعیاً من العصیان الخارجی باعتبار ظرفه ،‏‎ ‎‏فلازمه طلب الجمع ؛ لأنّ الأمر الانتزاعی بلحاظ ظرفه متحقّق قبل وقت امتثال أمر‏‎ ‎‏الأهمّ وقبل عصیانه ، فأمر المهمّ صار فعلیاً باعثاً نحو المأمور به وأمر الأهمّ‏‎ ‎‏لم یسقط ، بل هو باقٍ بعد علی باعثیته ما لم یتحقّق العصیان ، فهذا باعث نحو إنقاذ‏‎ ‎‏الابن ـ مثلاً ـ أوّل الزوال بعنوان المکلّف ، وذاک إلی إنقاذ الأب کذلک بعنوان الذی‏‎ ‎‏یعصی ، أو الذی یکون عاصیاً فیما بعد . والمکلّف الذی یکون عاصیاً فیما بعد‏‎ ‎‏مبعوث فعلاً نحو ذاک وذلک ، وهو غیر قادر علی ذلک وذاک معاً .‏

‏ومجرّد اختلاف العنوانین وطولیة موضوع الأمرین لا یدفع طلب الجمع ،‏‎ ‎‏ألا تری أنّ عنوان المطیع أیضاً مؤخّر عن الأمـر ، فلو جعل شرطاً یکون مقدّماً‏‎ ‎‏علی أمـر المهمّ فیصیر أمر الأهـمّ مقدّماً علیه برتبتین ، ومـع ذلک لایدفـع به طلب‏‎ ‎‏جمع الضدّین .‏

والحاصل :‏ أنّ العصیان التصوّری الانتزاعی مع وجوده عند فعلیة الأهمّ وإن‏‎ ‎‏کان لایوجب خروج الواجب المشروط ممّا کان علیه ـ لما عرفت ـ إلاّ أنّ حصول‏‎ ‎‏الشرط یوجب انتزاع الوجوب الفعلی عنه ، والبعث الفعلی نحو المأمور به بلا حالة‏‎ ‎‏انتظاریة .‏

‏وحینئذٍ یکون الشرط الانتزاعی ـ أعنی الـذی یعصی ـ بمنزلـة سائـر‏‎ ‎‏العناوین ، کطلوع الشمس ومجیء الحاجّ ، إذا فرضنا أنّه طلعت الشمس وقدم‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 471
‏الحاجّ ، فلا یشکّ ذو مسکة فی أنّ هذا إیجاب للجمع .‏

وبذلک یتّضح :‏ أنّ التقدّم الرتبی لیس مناطاً لدفع التضادّ ، بل المناط سقوط‏‎ ‎‏أحد الأمرین ، کما فی العصیان الخارجی إذا جعل شرطاً مع عدم تأخّره عن أمر‏‎ ‎‏الأهمّ رتبة ، کما مرّ .‏

‏ولکن یدفع معه التضادّ ، لا للتقدّم الرتبی ، بل لعدم اجتماع الأمرین الفعلیین ؛‏‎ ‎‏لما عرفت من أنّ العصیان الخارجی یوجب سقوط أمر الأهمّ وثبوت أمر المهمّ ،‏‎ ‎‏وهذا هو تمام الموضوع والمناط لرفع التضادّ وطلب الجمع . وبذلک ینهدم أساس‏‎ ‎‏الترتّب ، ویتّضح حال سائر العناوین المساوقة لهذا الأمر الانتزاعی .‏

فتحصّل من جمیع ما ذکرناه :‏ أنّ ما یدفع به التضادّ وطلب الجمع خارج من‏‎ ‎‏أساس الترتّب رأساً .‏

‏فإن قلت : إنّ المکلّف لو جمع بین الأهمّ والمهمّ لم یقعا علی صفة المطلوبیة ،‏‎ ‎‏وهذا آیة عدم الأمر بالجمع .‏

‏قلت : إنّ الذی یعصی یمتنع علیه الجمع ؛ للزوم اجتماع النقیضین ، وإلاّ فلو‏‎ ‎‏فرض جواز الجمع ؛ بمعنی أنّ العاصی مع کونه عاصیاً أتی بالأهمّ یقع کلّ منهما‏‎ ‎‏علی صفة المطلوبیة ؛ لأنّ الذی یعصی مع کونه عاصیاً فی ظرفه مطلوب منه الإتیان‏‎ ‎‏بالأهمّ ؛ لعدم سقوط أمره بالضرورة ما لم یتحقّق العصیان خارجاً ، والفرض أنّ‏‎ ‎‏شرط المهمّ حاصل أیضاً ، فیکون مطلوباً .‏

وبما ذکرنـاه :‏ یظهـر الخلـل فـی الـوجهتین اللتین استـدلّ بهما علی‏‎ ‎‏أنّ الخطابیـن المرتّبین لایقتضیان إیجـاب الجمـع ، مـن أنّ خطـاب الأهـمّ مـن‏‎ ‎‏علـل عـدم خطاب المهمّ ، فلو اجتمعا لزم اجتماع الشیء مـع علّة عدمـه ، ومـن‏‎ ‎‏أنّ مطلوبیـة المهمّ إنّما یکون فی ظرف عصیان الأهـمّ . فلو فرض وقوعـه علی‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 472
‏صفـة المطلوبیـة فی ظـرف امتثالـه یلزم الجمـع بیـن النقیضین‏‎[21]‎‏ ، انتهـی .‏

وکلا الوجهین غیر تامّ :

‏أمّا الأوّل :‏‏ فلأنّه إن أراد أنّ امتثال الأهمّ من علل عدم خطاب المهمّ فهو‏‎ ‎‏مسلّم ، لکن لا بمعنی العلّیة والمعلولیة الحقیقیتین ولکن لایجدیه أصلاً ، بل قد‏‎ ‎‏عرفت أنّه هادم أساس الترتّب .‏

‏وإن أراد أنّ فعلیته من علل عدم خطاب المهمّ فهو فاسد ؛ إذ البحث فی‏‎ ‎‏الترتّب فی أنّ الصلاة إذا ابتلیت بالمزاحم الأهمّ ـ أعنی إزالة النجاسة عن المسجد ـ‏‎ ‎‏تکون مأموراً بها حینما أمر بمزاحمها ، فلو کانت الصلاة غیر مأمور بها أوّل الزوال ،‏‎ ‎‏بل کانت الإزالة واجبة فقط خرج المقام من بحث الترتّب ، ولما صحّ الصلاة فی أوّل‏‎ ‎‏الزوال ، علی القول بأنّ صحّة المأتی به موقوفة علی الأمر . ویتوجّه إذن مقالة‏‎ ‎‏شیخنا البهائی من أنّ عدم الأمر کافٍ فی البطلان ، ولایحتاج إلی النهی ، بل الغایة‏‎ ‎‏من مقاساة هذه الجهود فی المقام تصویر أمرین فعلیین بالأهمّ والمهمّ جمیعاً فی آنٍ‏‎ ‎‏واحد بنحو الترتّب ؛ حتّی یصحّ امتثال ما أراد منهما .‏

وأمّا الثانی :‏ فلما أوردنا علی الأوّل آنفاً ، فلأنّ ما هو الشرط فی وقوع المهمّ‏‎ ‎‏علی صفة المطلوبیة إن کان هو العصیان الخارجی الملازم لسقوط أمر الأهمّ یلزم‏‎ ‎‏الخروج من بحث الترتّب ، وإن کان هو العصیان الانتزاعی باعتبار ظرفه الآتی‏‎ ‎‏فلا محالة یجتمع الأمران ویصیر المهمّ مطلوباً حینما کان الأهمّ مطلوباً بعد ؛ بمعنی‏‎ ‎‏أنّه لو فرضنا ـ علی وجه محال ـ أنّ العاصی فی ظرفه أتی بالأهمّ أیضاً صار المهمّ‏‎ ‎‏مطلوباً فی ظرف امتثال الأهمّ أیضاً .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 473
‏وإن شئت قلت : فرض امتثال الأهمّ فرض هدم شرط المهمّ ، وفرضه فرض‏‎ ‎‏عدم الأمر به ، وهو هدم أساس الترتّب ، والتمسّک بما یهدم أساسه لبنیان أساسه‏‎ ‎‏جمع بین المتنافیین ، وإلاّ فلو فرضنا معه حصول شرط المهمّ یقع علی صفة‏‎ ‎‏المطلوبیة . فعدم وقوعه علی صفتها من آیات بطلان الترتّب ، لا من آیات صحّته .‏

‏وبما ذکر یظهر حال البرهان المنطقی علی زعمه .‏

‏وبذلک یظهر الجواب عمّا أورده علی مقالة المحقّق الخراسانی ؛ حیث ذکر‏‎ ‎‏المحقّق : أنّ فی مرتبة الأمر بالمهمّ اجتماع الأمرین ؛ بداهة فعلیة الأمر بالأهمّ فی‏‎ ‎‏هذه المرتبة وعدم سقوطه‏‎[22]‎‏ .‏

‏فأجاب عنه : بأنّ إیجاب الجمع هو أن یطالب به فی حال الاشتغال بالآخر ،‏‎ ‎‏مع أنّ المکلّف لو اشتغل بالأهمّ لایطالب بالمهمّ ، ولایتعلّق به أمر‏‎[23]‎‏ .‏

‏وأنت خبیر بما فیه ؛ إذ فیه ما یقضی منه العجب ؛ لأنّ عدم المطالبة فی حال‏‎ ‎‏الاشتغال بالأهمّ إنّما هو لأجل عدم حصول ما هو الشرط للمهمّ ؛ لفقدان العصیان‏‎ ‎‏الخارجی وکذلک الانتزاعی ؛ لأنّ انتزاع العصیان إنّما هو لجهة حصوله فی ظرفه‏‎ ‎‏ووجوده فیه ، وقد علم خلافه .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 474

  • )) کشف الغطاء 1 : 171 .
  • )) جامع المقاصد 5 : 13 ـ 14 .
  • )) تقریرات المجدّد الشیرازی 3 : 121 ـ 123 .
  • )) الرسائل الفشارکیة : 187 ـ 189 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 336 ـ 339 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 27 : 35 .
  • )) کفایة الاُصول : 121 .
  • )) نفس المصدر : 166 ـ 167 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 339 ـ 341 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 313 ـ 314 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 314 ـ 315 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم  26 : 289 ، کفایة الاُصول : 486 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 203 ـ 205 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 341 ـ 343 و 346 ـ 348 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 348 ـ 352 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 409 ـ 410 و 417 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 420 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 415 .
  • )) یأتی فی الصفحة 471 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 352 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 360 .
  • )) کفایة الاُصول : 166 ـ 167 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 363 .