الواجب الأصلی و التبعی

الواجب الأصلی والتبعی

‏ ‏

‏الظاهر : أنّ التقسیمات الواقعة فی کلمات القوم فی هذا الباب کلّها أو جلّها‏‎ ‎‏راجعة إلی مقام الإثبات والدلالة ، فیقال : الواجب إن فهم وجوبه بخطاب مستقلّ‏‎ ‎‏فأصلی وإلاّ فتبعی‏‎[1]‎‏ ، وهذا تقسیم معقول فی مقابل سائر التقسیمات ، وإن لم‏‎ ‎‏یترتّب علیه أثر مرغوب .‏

ویظهر من المحقّق الخراسانی :‏ کون التقسیم بحسب مقام الثبوت ؛ حیث أفاد :‏‎ ‎‏أنّ الشیء تارة یکون متعلّقاً للإرادة والطلب مستقلاًّ ؛ للالتفات إلیه بما هو علیه ممّا‏‎ ‎‏یوجب طلبه فیطلبه ـ کان طلبه نفسیاً أو غیریاً ـ واُخری یکون متعلّقاً لها تبعاً‏‎ ‎‏لإرادة غیره ، من دون التفات إلیه بما یوجب إرادته . ثمّ قال : لا شبهة فی اتّصاف‏‎ ‎‏النفسی بالأصالة ؛ لأنّ ما فیه المصلحة النفسیة یتعلّق به الطلب مستقلاًّ‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّ الاستقلال إن کان بمعنی الالتفات التفصیلی فهو فی قبال الإجمال‏‎ ‎‏والارتکاز ، لاعدم الاستقلال بمعنی التبعیة ، فیکون الواجب النفسی أیضاً تارة‏‎ ‎‏مستقلاًّ واُخری غیر مستقلّ ، مع أنّه لا شبهة أنّ إرادته أصلیة لا تبعیة .‏

‏وإن کان الاستقلال فی النفسی بمعنی عدم التبعیة فلا یکون الواجب الغیری‏‎ ‎‏مستقلاًّ ؛ سواء التفت إلیه تفصیلاً أولا .‏

ووجّه بعض الأعیان من المحقّقین فی تعلیقته الشریفة :‏ کون التقسیم بحسب‏‎ ‎‏الثبوت بما یلی ؛ بأنّ للواجب بالنسبة إلی المقدّمات جهتین : إحداهما العلّیة الغائیة ؛‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 390
‏حیث إنّ المقدّمة تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذیها ، والثانیة العلّیة الفاعلیة ؛‏‎ ‎‏وهی أنّ إرادة ذیها علّة لإرادة مقدّمته ، ومنها تترشّح علیها . والجهة الاُولی مناط‏‎ ‎‏الغیریة والجهة الثانیة مناط التبعیة‏‎[3]‎‏ ، انتهی .‏

‏وما أسلفناه من امتناع تولّد إرادة من اُخری من غیر أن یحتاج إلی مقدّماتها ؛‏‎ ‎‏من التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرهما من المبادئ کافٍ فی إبطال الجهة الثانیة‏‎ ‎‏التی جعلها مناط التبعیة ، مع أنّ کلامه لایخلو عن تهافت یظهر بالمراجعة .‏

ثمّ‏ إنّه لا أصل هنا ینقّح به موضوع الأصلیة والتبعیـة لـو ترتّب علی‏‎ ‎‏الإحـراز ثمرة ؛ سواء کان المناط فی التقسیم ما استظهرناه ، أو ما ذکره المحقّق‏‎ ‎‏الخراسانی ، أو ما ذکره المحقّق المحشّی ؛ وسواء کان الأصلی والتبعی وجودیین أو‏‎ ‎‏عدمیین أو مختلفین .‏

‏والتمسّک بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به ـ علی القول بکون التبعی‏‎ ‎‏عدمیاً‏‎[4]‎‏ ـ تشبّث بأصل مثبت أو بما لیس له حالة سابقة ؛ لأنّ الموجبة المعدولة‏‎ ‎‏کالواجب المتعلّق به إرادة غیر مستقلّة أو الموجبة السالبة المحمول ، کما تقول :‏‎ ‎‏الواجب الذی لم یتعلّق به إرادة مستقلّة ممّا لم تتحقّق فیها حالة متیقّنة حتّی‏‎ ‎‏نأخذ بها . والسالبة المحصّلة لایثبت کون الإرادة الموجودة متّصفة بشیء ، کما‏‎ ‎‏سیجیء تفصیله ؛ وإن کان الأظهر حذف السالبة المحصّلة من المقام ؛ لأنّ عدم‏‎ ‎‏تفصیلیة القصد والإرادة فی التبعی ، أو عدم ترشّح الإرادة من إرادة اُخری فی‏‎ ‎‏الأصلی لایمکن جعلهما من السوالب المحصّلة ؛ إذ لازمه کون التبعیة حیثیة سلبیة‏‎ ‎‏محضة ، وهو کما تری .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 391

  • )) قوانین الاُصول 1 : 100 / السطر الأوّل ، الفصول الغرویة : 82 / السطر7 .
  • )) کفایة الاُصول : 152 ـ 153 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 157 ـ 158 .
  • )) کفایة الاُصول : 153 .