حول مقال صاحب الفصول

حول مقال صاحب الفصول

‏ ‏

‏وهو القول الرابع الذی اختاره صاحب «الفصول»‏‎[1]‎‏ ؛ قائلاً بأنّ الإیصال قید‏‎ ‎‏للواجب ، واحتمال إرجاعه إلی الوجوب باطل جدّاً ؛ لأنّ شرط الوجوب لایحصل‏‎ ‎‏إلاّ بعد الإتیان ، فکیف یتقدّم الوجوب علی شرطه ؟ اللهمّ إلاّ أن یصار إلی الشرط‏‎ ‎‏المتأخّر ، وهو کما تری .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 370
‏وکیف کان : فقد اُورد علی کونها قیداً للواجب اُمور نذکر مهمّاتها :‏

منها :‏ لزوم الدور ؛ لأنّ وجود ذی المقدّمة یتوقّف علی وجود المقدّمة ، ولو‏‎ ‎‏قلنا بقیدیة الإیصال یتوقّف وجودها علی وجود صاحبها‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ الموقوف غیر الموقوف علیه ؛ لأنّ وجود ذی المقدّمة موقوف علی‏‎ ‎‏ذات المقدّمة لا بقید الإیصال ، واتّصافها بالموصلیة متوقّف علی وجود ذی المقدّمة .‏‎ ‎‏وإن شئت قلت : إنّ متعلّق الوجوب أخصّ من الموقوف علیه ، ولاتکون‏‎ ‎‏المقدّمة بقید الإیصال موقوفاً علیها ؛ وإن کانت بقیده واجبة .‏

‏ومنه یظهر النظر فی کلام شیخنا العلاّمة حیث قال : إنّ الوجوب لیس إلاّ‏‎ ‎‏لملاک التوقّف ، فیکون اعتبار قید الإیصال فی متعلّق الوجوب لملاک التوقّف ،‏‎ ‎‏فیدور‏‎[3]‎‏ .‏

‏والجواب : أنّ مناط الوجوب لیس التوقّف علی مسلکه ، بل التوصّل إلی ذی‏‎ ‎‏المقدّمة ، فمتعلّقه أخصّ من التوقّف . بل دعوی بداهة کون المناط هو التوقّف تنافی‏‎ ‎‏ما اختاره فی باب وجوب المقدّمة من کون الواجب هو المقدّمة فی لحاظ‏‎ ‎‏الإیصال‏‎[4]‎‏ .‏

‏وربّما یقرّر الدور بأنّه یلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة لمقدّمته واجباً‏‎ ‎‏بوجوب ناشٍ من وجوبها ، وهو یستلزم الدور ؛ لأنّ وجوب المقدّمة ناشٍ من‏‎ ‎‏وجوب ذیها ، فلو ترشّح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها لزم الدور‏‎[5]‎‏ .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 371
‏وفیه : أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ینشأ من وجوبها‏‎ ‎‏حتّی یدور .‏

ومنها :‏ التسلسل وبیانه : أنّ الوضوء الموصل إلی الصلاة لو کان مقدّمة کان‏‎ ‎‏ذات الوضوء مقدّمة للوضوء الموصل ، فیعتبر فیه قید الإیصال أیضاً ، فینحلّ إلی‏‎ ‎‏ذات وإیصال ، فیکون الذات أیضاً مقدّمة لهما ، فیحتاج إلی إیصال آخر ، وهکذا‏‎[6]‎‏ .‏

‏ویمکن تقریره بوجه آخر وهو : أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلی ذات وقید ،‏‎ ‎‏وفی کلّ منهما مناط الوجوب للتوقّف ، فعلی وجوب المقدّمة الموصلة یجب أن‏‎ ‎‏تکون الذات بقید الإیصال واجبة ، وقید الإیصال أیضاً بقید إیصال آخر واجباً ،‏‎ ‎‏فیتقیّد کلّ منهما بإیصال آخر ، وهلمّ جرّا .‏

والجواب عن التقریر الأوّل :‏ أنّ الواجب بالأمر الغیری علی هذا المسلک هو‏‎ ‎‏المقدّمة الموصلة إلی الواجب النفسی لا المقدّمة الموصلة إلی المقدّمة ، وعلیه‏‎ ‎‏فالذات لم تکن واجبة بقید الإیصال إلی المقیّد ، بل واجبة بقید الإیصال إلی ذیها ،‏‎ ‎‏وهو حاصل بلا قید زائد ، بل لایمکن تقیید الموصل بالإیصال .‏

وأمّا عن ثانی التقریرین فبأن یقال :‏ إنّ الواجب هو المقدّمة الموصلة بهذا‏‎ ‎‏الإیصال لا بإیصال آخر حتّی یلزم التسلسل ، بل لا معنی لإیصال آخر ؛ لأنّ تکرّر‏‎ ‎‏الإیصال إلی المطلوب ممتنع ، فلا یعقل تقیید الإیصال بإیصال آخر ، ولا تقیید الذات‏‎ ‎‏بإیصال زائد علی هذا الإیصال ؛ لامتناع تکرّر الموصل والإیصال ، وهو واضح .‏

ومنها :‏ أنّه یستلزم أن یکون الشیء الواحد واجباً نفسیاً وغیریاً ؛ حیث جعل‏‎ ‎‏ذو المقدّمة من مبادئ مقدّمته ، وبه یصیر واجباً غیریاً ، کما هو واجب نفسی ، بل‏

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 372
‏یتعلّق به وجوبات غیریة بعدد المقدّمات‏‎[7]‎‏ .‏

‏وأفحش منه : أنّه یستلزم أن یکون ذو المقدّمة موصلاً إلی نفسه .‏

والجواب :‏ أنّ المتّصف بالوجوب هو الشیء الذی یوصل إلی الصلاة ؛ بحیث‏‎ ‎‏یتحقّق فیه أمران : أحدهما کونه موقوفاً علیه ، وثانیهما کونه موصلاً إلی الصلاة ،‏‎ ‎‏ونفس الصلاة لیست موقوفاً علیها ولا موصلة إلی نفسها ، وتوقّف وصف المقدّمة‏‎ ‎‏علی وجوده لایستلزم تعلّق الوجوب علیه .‏

ومنها :‏ ما عن المحقّق الخراسانی من أنّه لایعقل أن یکون الغرض الداعی‏‎ ‎‏إلی إیجاب المقدّمات هو ترتّب الواجب علیها ؛ فإنّ الواجب ـ إلاّ ما قلّ کالتولیدیة ـ‏‎ ‎‏تتوسّط الإرادة بینه وبین مقدّماتها ، والالتزام بوجوب الإرادة التزام بالتسلسل‏‎[8]‎‏ .‏

قلت :‏ الظاهر أنّه ناشٍ من وقوع خلط فی الإیصال ؛ فإنّ المراد منه ما یکون‏‎ ‎‏موصلاً ـ ولو مع الوسائط ـ ویتعقّبه الواجب قطعاً . فالخطوة الاُولی فی السیر إلی‏‎ ‎‏غایة ـ مثلاً ـ قد تکون موصلة ـ ولو مع وسائط ـ وقد لاتکون موصلة ، والواجب‏‎ ‎‏هو القسم الأوّل .‏

‏وأمّا ما ربّما یکرّر فی کلماته من عدم اختیاریة الإرادة وکونها غیر قابلة‏‎ ‎‏لتعلّق الأمر بها فقد عرفت خلافه آنفاً . کیف ، والتعبّدیات کلّها من هذا الباب ؟ وقد‏‎ ‎‏وقعت القصد مورد الوجوب ، وقد أوضحنا حقیقة الإرادة واختیاریتها فی مباحث‏‎ ‎‏الطلب والإرادة .‏

‏علی أنّ الإشکال فیها مشترک الورود ؛ إذ بناءً علی وجوب المقدّمة المطلقة‏‎ ‎‏تکون الإرادة غیر متعلّقة للوجوب أیضاً ؛ لاستلزامه التسلسل علی مبناه .‏


کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 373
ومنها :‏ أنّ الإتیان بالمقدّمة ـ بناءً علی وجوب خصوص الموصلة ـ‏‎ ‎‏لایوجب سقوط الطلب منها حتّی یترتّب الواجب علیها ، مع أنّ السقوط بالإتیان‏‎ ‎‏واضح ، فلابدّ وأن یکون لأجل الموافقة‏‎[9]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه مصادرة ؛ إذ القائل بوجوب المقدّمة الموصلة لایقول بسقوط‏‎ ‎‏مالم یحصل الوصف ولم یتحقّق القید ، کما هو الحال فی جمیع المقیّدات ؛ إذ الأمر‏‎ ‎‏متعلّق بإتیان المقیّد ، والذات لم یتعلّق بها أمر علی حدة ، کذات المقدّمة علی القول‏‎ ‎‏بالمقدّمة الموصلة .‏

فتلخّص :‏ أنّه لا مانع علی القول بوجوب الموصلة من المقدّمات ثبوتاً ، وأمّا‏‎ ‎‏مقام الإثبات فسیجیء توضیح الحال فیه‏‎[10]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابت‍ه‍ذی‍ب الاص‍ول (ج.۱): ت‍ق‍ری‍ر اب‍ح‍اث الاس‍ت‍ادالاع‍ظم وال‍ع‍لام‍ه الاف‍خ‍م ... الام‍ام ال‍خ‍م‍ی‍ن‍ی (س)صفحه 374

  • )) الفصول الغرویة : 81 / السطر4 و 86 / السطر12 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 290 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 116 ـ 118 .
  • )) نفس المصدر : 119 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 237 ـ 238 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 290 .
  • )) لمحات الاُصول : 154 .
  • )) کفایة الاُصول : 145 ـ 146 .
  • )) کفایة الاُصول : 146 .
  • )) یأتی فی الصفحة 378 .